نيويورك تايمز تكشف تفاصيل مثيرة حول تجنيد داعش للمراهقات.. تركيا طريق رئيسي.. والتلاعب علي إحباطات المجتمع الغربي

الثلاثاء 18/أغسطس/2015 - 02:53 م
طباعة نيويورك تايمز تكشف
 
سوف يظل انضمام أجنبيات لتنظيم داعش الإرهابي مسار لجدل كبير وموضع بحث نفسي واجتماعي، ومؤخرًا قامت النيويورك تايمز بالكشف عن اسرار ثلاث فتيات بريطانيات هربن من لندن العالم في فبراير الماضي. وبعد اختفاء خمسة أشهر، نشرت صحيفة "التلغراف" البريطانية، مقطع فيديو تظهر فيه شيما بيغم وخديجة سلطان وأميرة عباس يتجولن في شوارع الرقة بسوريا، وهن يحملن "الكلاشنيكوف". وقد تحولن إلى مجاهدات وقد كثرت التكهنات في شأنهن وطريقة انتقالهن من بريطانيا إلى سوريا. وذهبت تقارير إلى اتهام الاستخبارات التركية بالتورط في هذه العملية. وكان تقرير التايمز هو الأكثر تفصيلا حتى الآن في كيفية تحولا مراهقات إلى عضوات في هذه التنظيم الإرهابي بل والأكثر دقة يبدا التقرير بتتبع حالة خديجة سلطان وكان عمرها – 13 عامًا- 
في الليلة التي سبقت ذهابها إلى سوريا للانضمام إلى "داعش"، كانت خديجة ترقص في غرفتها. كان ذلك يوم الاثنين من عطلة فبراير المدرسية.قريبتها وصديقتها الحميمة، وهي في الثالثة عشرة فتاة فرحة واجتماعية ومسلية ولطيفة.ولكن لاحقًا تبين لهم أن ما شاهدوه ليس الا وداعا منظماً لمراهقة استثنائية وذكية أمضت أشهرا تخطط لمغادرة منزل طفولتها في منطقة "بنتال غرين، شرق لندن، مع اثنتين من رفيقات صفها، وذلك على خطى رفيقة أخرى لهن سبقتهن إلى مناطق سيطرة "داعش"
صباح الثلاثاء، استيقظت خديجة باكرًا وتعطرت، وقالت لأمها إنها ذاهبة إلى مدرسة للحصول على بعض الكتب وتمضية النهار في المكتبة. التقطت حقيبة صغيرة ووعدت بالعودة بحلول الرابعة والنصف.
تلك الليلة فقط لاحظت العائلة أن هناك أمرًا ما حدث. عندما لم تعد خديجة بحلول الخامسة والنصف، طلبت الام من ابنتها الكبرى أن ترسل اليها رسالة نصية، إلا أن خديجة لم تجب. أختها الكبرى خانون قصدت المكتبة ولكنها لم تجد شقيقتها. ذهبت أيضا إلى المدرسة لكن الموظفين قالوا لها إن أيًّا من التلامذة لم يأت إلى المدرسة. ولدى عودتها إلى المنزل، كانت أمها قد فتشت خزانة خديجة ووجدت أنها فارغة، في ما عدا من بعض القطع الموضبة في طريقة لافتة. "وقتها بدأت أخاف"، قالت خانون (32 سنة) في مقابلة أجريت معها في منزلها أخيرا.

سافرت إلى تركيا

سافرت إلى تركيا
ومع ملاحظة العائلة اختفاء حقيبتين من المنزل، قالت خانون: "يبدو أنها أخذت أغراضها تدريجيًّا ووضبت حقيبتها في مكان آخر".
صباح اليوم التالي، أبلغت العائلة إلى الشرطة اختفاء خديجة. وبعد ذلك بساعات، وصل ثلاثة ضباط من فرقة الإرهاب المضاد من شرطة لندن إلى المنزل. أحدهم قال: "نعتقد أن ابنتكم سافرت إلى تركيا مع اثنتين من رفيقاتها". وحتى في ذلك الوقت، تتذكر خانون "لم تخطر سوريا على بالي".
المرة التالية التي رأت فيها شقيقتها كانت على نشرة الأخبار عندما أظهرتها كاميرا المراقبة مع صديقتيها، شيما بيغم وأميرة عباس وهما في الخامسة عشرة، يمررن بهدوء التفتيش الأمني في مطار جيتويك في اتجاه الرحلة 1966 للخطوط الجوية التركية إلى اسطنبول، قبل أن يستقلن باصاً إلى سوريا.
هذه اللقطات حولت فتيات بتنال الثلاث، كما عرفن لاحقا، إلى وجه لظاهرة جديدة مقلقة: شابات تنجذبن إلى ما يسميه بعض الخبراء ثقافة فرعية جهادية طاقتها تنبع من الفتيات.
وبحسب تقرير جديد أصدره "المعهد من أجل الحوار الاستراتيجي" الذي يساهم في إدارة قاعدة المعلومات الاوسع عن النساء اللواتي يسافرن إلى المنطقة أن نحو 4000 أجنبي سافروا إلى سوريا والعراق، بمن فيهم أكثر من 550 فتاة وامرأة للانضمام إلى "داعش".
المجاهدات
الرجال الذين ينضمون إلى "داعش" يصيرون مقاتلين على غرار الأجيال السابقة من الجهاديين الذين انضموا إلى الجبهات في البوسنة وأفغانستان والعراق. وفي المقابل، لا يعرف الكثير عن النساء والفتيات الغربيات اللواتي ينضمن إلى "داعش". فلئن يمنعن من القتال، تشارك الغربيات في دعم جهود بناء الدولة من موقعهن كزوجات وأمهات وأحيانا مشجعات على العنف على الإنترنت.
كثيرات من "الداعشيات" الغربيات عازبات وشابات، في سن المراهقة أو في مطلع العشرينات (أصغرهن في سن 13). شخصياتهن تختلف وفقا لخلفياتهن الاجتماعية والاقتصادية واتنيتهن وجنسياتهن، ولكن غالبا ما يكن أكثر ثقافة واجتهادا من الذكور الذين من البلد نفسه.المسئولون الأمنيون يقولون إنهن قد يمثلن خطرا على الغرب بقدر الخطر الذي يشكله الرجال. وفيما تقل احتمالات مقتلهن وتزداد احتمالات خسارتهن شريكهن في المعارك، قد يحاولن العودة إلى بلادهن متمرسات بعقيدتهن وساخطات.
بحسب قاعدة معلومات "المعهد من أجل الحوار الاستراتيجي" أن واحدة من كل أربع نساء صارت أرملة.
فتيات منطقة "بتنال غرين" شرق لندن المراهقات النحيفات وصاحبات الابتسامة الجاهزة واللكنة اللندنية، حصلن على إشادات أساتذتهن وإعجاب رفاقهن في أكاديمية "بتنال غرين".
خديجة اعتبرت إحدى الطلاب الواعدين في صفها، وفقًا لرسالة إلى والدتها بعد امتحانات تجريبية أجريت قبل مغادرتها بأسابيع. وفي أوقات فراغها كانت تساعد زملاء لها أقل موهبة منها.
صديقتها أميرة كانت نجمة رياضية وخطيبا مفوها محترماً دافعت مرة عن حقوق المسلمات في ارتداء الحجاب. كانت تقصد دوريا المكتبة المحلية حيث كانت تقرأ بِنَهَمٍ. وبعد اختفائها، تحققت الشرطة من لائحة الكتب التي اقترضتها، بما فيها واحد عنوانه "تمرد" تبين لاحقا أنه جزء من ثلاثية شهيرة للمراهقين.
فتاة في الرابعة عشرة قالت عنهن: "إنهن من نوع الفتيات اللواتي تريد أن تكون مثلهن".
ربما لهذا السبب، لم يتحرك أحد ردا على العديد من العلامات التي تنبأت بتحولهن إلى الطريق المظلم. عائلاتهن التي لاحظت تبدل سلوك بناتهن، عزت ذلك إلى نزوات المراهقة .أساتذتهن الذين لاحظوا تراجع واجباتهن المنزلية فشلوا في إبلاغ ذويهن أو التدخل شخصيا. الشرطة التي تحدثت إلى الفتيات الثلاث مرتين عن صديقتهن التي سافرت إلى سوريا، لم يخطرن عائلاتهن أبداً.
التمرد المراهق
الفتيات الثلاث كن ذكيات وينتمين إلى ذلك العالم حيث يتم التعبير عن التدين عن التمرد المراهق من خلال التدين المتطرف الذي يشكك في كل شيء حوله. في هذا العالم، الثقافة المضادة محافظة والإسلام هو الروك البانك، والحجاب يحرر واللحى مثيرة.
"داعش" تتلاعب بهذه الفتيات، مكيفة صفارات إنذاراتها مع حساسياتهن وإحباطاتهن وأحلامهن، محاولة تعبئة الفراغ الذي حاول الغرب حتى الآن ملأه.
عندما سألتهن عائلاتهن مرارًا خلال اتصالات هاتفية متقطعة ودردشات على وسائل التواصل الاجتماعي عن سبب هروبهن، تحدثت الفتيات الثلاث عن تركهن مجتمعا لا أخلاقيًّا للبحث عن الفضيلة والمعنى الديني.
وفي تغريدة كتبتها أميرة قبل رحيلها بتسعة أيام، كتبت: "لا أنتمي إلى هذا العالم".
تسنيم أكنجي، وهو محام يمثل عائلات الفتيات الثلاث يقول إنه في عالمهن يعتبر الذهاب إلى سوريا للانضمام إلى "داعش " طريقة "للإمساك بقدرك". وأضاف: "إنها مسألة خيار.. هذه الفتيات ذكيات، انهن تلميذات متفوقات.عندما تكون أذكى من الآخرين، تعتقد أنه يمكنك فعل أي شيء".
حماسة وسذاجة
منذ غادرت الفتيات منازلهن، ظهرت بعض التفاصيل التي كشفت حماسة الثلاثة وسذاجتهن أيضًا.
أميرة، صديقة خديجة، "تعلقت بفكرة الوقوع في الحب". وفي إحدى المرات، علقت صورة زوجين مسلمين مع عبارة "وقد خلقكن زوجين".
وفي المقابل، كتبت خديجة لأختها في المحادثة الأولى بينهما على "انستجرام" بعد وصولها إلى سوريا: "لست هنا من أجل الزواج فحسب".
أظهرت "داعش" براعة في جذب أنماط نسائية مختلفة، مستخدمة استراتيجيات التعبئة من فتاة إلى فتاة وصور تتعلق بالجنس.
وكونهن مسلمات، تعامل الفتيات بطريقة مختلفة جداً عن النساء والفتيات الإيزيديات اللواتي يؤخذن سبايا، ويعاملن كرقيقات .
"مكتب نسوي"
" المرصد السوري لحقوق الإنسان" نسب في يوليو 2014 إلى مصادر من مدينة الباب أن "داعش افتتح في حلب مكتباً نسوياً قرب مبنى السرايا في المدينة، وأن مهمة المكتب هو استقبال الفتيات العازبات والسيدات الأرامل، اللواتي يرغبن بالزواج من مقاتليه. وهذه السنة، نشرت "كتيبة الخنساء" بياناً يفيد أن النساء ينهين دراستهن في سن الخامسة عشرة وأنه يمكنهن الزواج في سن التاسعة، مع التنويه بأن وجودهن في "داعش" مقدس.
وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت لمناصري التنظيم استهداف النساء الشابات مباشرة، وصولًا إلى ملاحقتهن إلى غرف نومهن مع البروباغندا المستوحاة من الثقافة الشعبية الغربية (صور لجهاديين عند الغروب ورسائل عن التمكين).
ساشا هافليسيك، وهي المؤسسة المشاركة لـ"المعهد من أجل الحوار الاستراتيجي" قالت: "بالنسبة إلى الفتيات الانضمام إلى داعش هو طريقة للتحرر من عائلتك ومن المجتمع الغربي الذي أحبطهن.. ولداعش هذا الامر مناسب جدا من أجل المعنويات لأن المقاتلين يريدون زوجات غربيات.وفي معركة الأفكار، يمكن هؤلاء الإشارة إلى هذه الفتيات والقول: انظروا لقد اخترن الخلافة على الغرب".
بين البنطلون والحجاب
امتنعت خديجة عن لبس البنطلون، وبدأت وضع حجاب بعيد عطلة الصيف. في البداية كانت تفعل ذلك في المدرسة فحسب، ثم تدريجا اعتمدت ذلك في المنزل أيضًا. كان ذلك تغيرًا كبيرًا لفتاة لطالما "أحبت" شعرها. وفي يوم من أيام الخريف الماضي، سألت شقيقها، وهو طالب علوم كان يساعدها في فروضها أحيانًا ماذا يفكر عن سوريا.
صهيب تذكر أنها "سألت سؤالًا عامًّا جدا.. وقلت.. يبدو أن النظام السوري.. تعارضه غالبية الشعب".
وفي الفترة نفسها تقريبًا، لاحظ أصدقاء آخرون لخديجة والفتاتين الأخريين أن حديثهن بدأ يتغير في استراحة الغداء.
لم تخبر خديجة أهلها أن صديقتها شارمينا فرت إلى سوريا بعدما توفيت والدتها وتزوج والدها مجددًا. وفيما لزمت الشرطة والمدرسة الصمت حيال سفر شرمينا إلى سوريا، بدأت خديجة ورفيقتاها التخطيط للحاق بها.
في 15 فبراير، أي بعد يومين من مغادرة الفتيات الثلاث، أرسلت شيما رسالة عبر "تويتر" إلى المجنِّدة الشهيرة في "داعش" أقصى محمود، وهي من جلاسكو ومعروفة باسم أم ليث. هذه المرأة التي توفر النصيحة على مواقع التواصل الاجتماعي للمهاجرات نفت أن تكون جندت الفتيات الثلاث.
عائلة خديجة استبعدت أن تكون الفتيات جمعن ما يناهز 3 آلاف جنيه استرليني لتغطية كلفة السفر إلى تركيا. فخلافاً لشرمينا التي ورثت مالًا من أمها، لم يكن للثلاث اللواتي لحقن بها مصدرًا معروفًا للمال؛ الأمر الذي أثار تساؤلات عما إذا كن حصلن على مساعدات خارجية.
خانون أكدت أن شقيقتها خديجة أخذت معها بعضًا من مجوهراتها، ولكنها ليست باهظة الثمن، وتركت بعض القطع الثمينة كعقد شوارزفكسي، ولم تلمس المال الذي كان في حقيبة أختها ذلك اليوم، كما لم تسرق شيئا من مدخرات والدتها.
الشرطة البريطانية لا تزال تحاول معرفة ما إذا كانت الفتيات حصلن على مساعدة عبر الإنترنت من مجنّد محلي. المشكلة كما يقول محقق: إن السفر إلى منطقة نزاع ليس جريمة في بريطانيا، ولا حتى التشجيع على السفر أو تسهيله، إلا إذا أمكن إثبات وجود هدف إرهابي.
الفتيات اللواتي وصلن إلى تركيا ليل الثلاثاء وأبلغ عن فقدانهم صباح الأربعاء، انتظرن 18 ساعة في محطة للأوتوبيسات في ضاحية اسطنبول، وانتقلن إلى سوريا بحلول الجمعة. وقد واجهت السلطات التركية والبريطانية اتهامات بالتحرك ببطء.
السلطات التركية أوقفت رجلا بتهمة مساعدة الفتيات الثلاث على اجتياز الحدود إلى سوريا. وقالت وكالة أنباء "دوغان": إن الرجل ساعد بريطانيين كثرا على العبور إلى سوريا مقابل ما بين 800 و1500 دولار.
المحامي أكنجي رد بأن الأمر أكثر تعقيدا "إنها رحلة معقدة.. لا رزمة لعطلة".
أول ما فعله عند تكليفه الدعوى هو التوجه إلى تركيا مع أقارب للفتيات الثلاث وتوجه دعوة علنية لهن للعودة. والحملة التي أرفقت بهاشتاغ حظي بتغطية واسعة في وسائل الإعلام البريطانية.
وفي دردشة على "تويتر" مع صحافية بريطانية قدمت نفسها على أنها تلميذة مهتمة بالذهاب إلى سوريا، أعطتها أميرة إرشاداتها يبدو أنها نابعة من تجربتها الخاصة. فقد نصحتها بأخبار عائلتها بأنها تقصد صفوفًا دراسية للخروج من المنزل، ثم السفر إلى تركيا وركوب أوتوبيس إلى الحدود؛ حيث يمكن تهريبها إلى سوريا. وأوصتها بالذهاب إلى وكيل سفر في بريك لاين، القريبة من أكاديمية "بتنال غرين" وهو يقبل الدفع نقدا ولا يسأل كثيرًا، كما نصحتها بإحضار حمالات صدر معها "لأنها الأسوأ هنا".
وسألت أيضًا "الفتاة" المفترضة إذا كانت تقبل بأن تصير الزوجة الثانية للبناني- أوسترالي.

شارك