روسيا الوسيط "البراجماتي" بين الأسد والمعارضة والإرهاب

الأربعاء 19/أغسطس/2015 - 04:01 م
طباعة روسيا الوسيط البراجماتي
 
تتعامل روسيا الاتحادية مع الأوضاع في سوريا منذ بداية أزمتها الداخلية ببراجماتية شديدة وفقًا لمصالحها الإقليمية، ففي الوقت الذي تدعم فيه الأسد بلا حدود تفتح أبواب عاصمتها موسكو على مصراعيها للجماعة المعارضة للنظام السوري، وتتحاور معها حول مستقبل سوريا ووضع الجماعات الإرهابية بها، ولكنها في الوقت نفسه لا تتخلى عن حليفها الرئيس بشار الأسد، وتدفع دائمًا إلى إيجاد السبل لحمايته. 
روسيا الوسيط البراجماتي
هذا ما كشفت عنه مصادر فرنسية رسمية، بأن العاصمة الروسية أخذت تميل إلى تبني مبدأ "البراجماتية" في التعاطي مع الأزمة السورية، ومصير بشار الأسد، وأن روسيا تريد التأكد من 3 نقاط جوهرية، قبل الذهاب إلى الحل السياسي، بينها مصير الرئيس السوري، بأن يكون بمنأى عن الملاحقات القضائية المحلية والدولية، وأن توفر الضمانات "الكافية" لموسكو للمحافظة على مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية، وأخيرًا الإبقاء على بنى الدولة الإدارية والعسكرية والأمنية في سوريا.
هذا الموقف الروسي بدعم النظام السوري تحدده عدة أسباب على رأسها: 
1- حجم مبيعات الأسلحة الروسية الضخم إلى دمشق؛ حيث تعد سوريا دولة مستهلكة للأسلحة الروسية لفترة طويلة، وما حصل بعد مجيء الأسد وبوتين إلى السلطة في عام 2000 هو ازدياد تجارة الأسلحة بين البلدين بصورة مكثفة، ووفقاً لـ "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، شكلت روسيا 78 في المائة من مشتريات سوريا من الأسلحة بين عامي 2007 و2012، كما وصلت مبيعات الأسلحة الروسية إلى سوريا بين عامي 2007 و2010 إلى 4.7 مليارات دولار، أي أكثر من ضعف الرقم المسجل في السنوات الأربع التي سبقتها، وفقاً لـ "خدمة أبحاث الكونجرس" الأمريكي. وعلى نطاق أوسع، تعتبر روسيا الآن ثاني أكبر دولة مصدرة للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة.
روسيا الوسيط البراجماتي
2- وجود القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس السوري؛ حيث يعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن توسيع القدرة البحرية الروسية ركيزة أساسية في فترة ولايته الرئاسية الثالثة وخلال تدشين فئة الغواصات الروسية الجديدة الأولى منذ عام 1991، التي جرت في 10 يناير قال بوتين: "أود أن أؤكد مجدداً أن تطوير قوة بحرية قوية فعالة هو واحد من أولويات روسيا الرئيسية". وهكذا فإن سقوط الأسد يعني خسارة روسيا لقاعدتها العسكرية الوحيدة خارج الاتحاد السوفيتي السابق أي مركز التموين البحري في ميناء طرطوس السوري وأعلنت وزارة الدفاع الروسية عن قيام تمارين بحرية مقبلة في البحر الأبيض المتوسط، والتي وصفها مسئولون بأنها "الأكبر في تاريخ روسيا" ولم تعط موسكو مؤشرات بأن التمارين ترتبط بالصراع السوري، ولكن توقيتها يعد إشارة إلى أن روسيا لا تنوي التراجع عن دعمها للنظام.
3- اتخاذ موسكو موقف من الثورة السورية؛ حيث دعم الكرملين بشار الأسد، فبدأ بعض الثوار السوريين باستهداف الروس، عندما بدأت الثورة السورية في مارس 2011، حيث كان بسوريا ما يقارب 100,000 مواطن روسي يعيشون في البلاد، وعندما استمر دعم الكرملين لبشار الأسد، بدأ بعض الثوار السوريين باستهداف أولئك الروس، كما أخذوا يدلون بتصريحات بأن المستهدفين يشكلون أهدافاً مشروعة. وفي 17 ديسمبر 2012، ألقى الثوار القبض على اثنين من المواطنين الروس قرب اللاذقية، وكذلك شخص إيطالي ثالث؛ وكان الثلاثة يعملون في "شركة حميشو" للصلب قرب حمص. وذكرت وزارة الخارجية الروسية أن مجهولين طالبوا بقيام "شركة حميشو" بدفع أموال مقابل الإفراج عن الأسرى، لكن لم ترد تقارير بشأن وضعهم منذ أواخر ديسمبر. ولم تؤد هذه الأحداث سوى إلى ازدياد الاستياء الشعبي في روسيا تجاه القوى المضادة للأسد. 
روسيا الوسيط البراجماتي
4- الأيديولوجية الروسية التي دائماً ما تهدف لإفشال المحاولات الأمريكية في إعادة رسم المنطقة. 
5- قناعة روسيا بأن الثورات، والحروب، وتغير الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط لا يجلب الديمقراطية والاستقرار، والدليل على ذلك ما آلت إليه دول الربيع العربي.
6- تنظر  روسيا إلى سوريا كمقر لنفوذها العسكري والسياسي وحتى سياساتها للطاقة في الشرق الأوسط بما يعزز من حضورها بالمفاوضات بين إسرائيل والعرب والطموح الإيراني النووي.
7- العلاقات الاقتصادية بين روسيا والأسد؛ حيث يبلغ استثمار الشركات الروسية ما مجموعه 20 مليار دولار في سوريا منذ عام 2009، وفي حال فقد الأسد للسلطة، فسيتم إلغاء هذه العقود بالإضافة إلى القروض الروسية الكبيرة المقدمة للأسد والمعرضة للخطر أيضًا، فوفقاً لقوائم السفر التي حصلت عليها "برو ببليكا"، أرسلت موسكو إلى النظام السوري عن طريق الجو أكثر من مائتي طن من "الأوراق النقدية" في صيف 2011، أي خلال الفترات التي تصاعد خلالها القتال، وقد تكون مثل تلك الشحنات السبب الوحيد الذي تمكن فيه الأسد من تجنب الإفلاس والاستمرار في دفع الرواتب إلى قواته مع تضاؤل الاحتياطيات الأجنبية في البلاد.
روسيا الوسيط البراجماتي
8- تدعم روسيا سوريا كطريق من أجل التأثير على إيران والتي تؤثر سياسة طاقتها بأسعار الغاز الطبيعي الروسي، كما تستخدم إيران سوريا كاحتياط في كونها قناة لتزويد المال والسلاح لحزب الله.
9- تعتقد موسكو بأنه في حال ذهاب الأسد ومجيء حليف للغرب، فإن الثيوقراطية الإيرانية ستسقط، وبالتالي سيترك ذلك موسكو وحدها تبحث عن مصيرها بدون شريك استراتيجي لها سيَّمَا مع الأهمية الاستراتيجية لتاريخ المنطقة.
وتؤكد على ذلك آنا بورشفسكايا مساعدة مدير في مركز "دينو باتريسيو أوروآسيا" في "المجلس الأطلسي" قائلة: "منذ عام 2000، سعى بوتين إلى استعادة مكانة روسيا كـ "قوة عظمى" مُجسداً سياستها ضد الولايات المتحدة في شكل لعبة محصلتها صفر؛ من أجل وضع روسيا كثقل موازن للغرب في الشرق الأوسط، وتمثل سوريا موطئ القدم الأكثر أهمية في المنطقة بالنسبة لروسيا، كما أنها تعتبر ذات أهمية رئيسية في حسابات بوتين. فموقع سوريا المطل على البحر الأبيض المتوسط وإسرائيل ولبنان وتركيا والأردن والعراق يجعلها ذات أهمية كبرى من أن يُسمح بخسارتها، بالإضافة إلى سعى بوتين إلى خلق عدو خارجي لحشد الشعب وراء هدف وطني. ومن خلال استخدام سوريا لتعزيز المشاعر المناهضة للولايات المتحدة يكون بوسعه حينئذ تحقيق فائدة سياسية فورية، وبالتالي "الممانعة" الروسية حول سوريا تجعل من موسكو لاعباً مهماً لا يمكن اتخاذ القرارات بدونه. 
روسيا الوسيط البراجماتي
 وتابعت: "منذ بدء الانتفاضة السورية قبل  4 أعوام، ظل بوتين داعماً للأسد على نحو مطلق، على الرغم من التصريحات التي تفيد عكس ذلك فقد زود الأسد بالأسلحة، ووفر له الحصانة في مجلس الأمن الدولي، ووافق على استيعاب النفط الخام السوري مقابل منتجات النفط المكرر لدعم اقتصاد البلاد وجيشها، وقدم القروض لتفادي إفلاس سوريا وقد سعت إدارة أوباما للتأثير على سياسة الرئيس الأمريكي المتمثلة في "إعادة ترتيب المنطقة" تجاه روسيا وذلك بإعطاء تنازلات فيما يخص سوريا ومع ذلك، فعلى الرغم من استمرار العروض والمبادرات، لا يزال التعنت الروسي مستمراً. ولا زالت موسكو متمسكة بموقفها المتمثل في أن رحيل الأسد لا يمكن أن يكون شرطاً مسبقاً لإجراء محادثات سلام، وربما يفكر بوتين في اتفاق يكون فيه مرناً بخصوص سوريا مقابل إعطاء تنازلات أمريكية على أصعدة أخرى. 
روسيا الوسيط البراجماتي
مما سبق نستطيع أن نقول: "إن البراجماتية الروسية لن تتخلى عن الأسد بسهولة، وتحاول في سبيل ذلك ترويض المعارضة السورية بوعود وهمية في الوقت الذي تدعم فيه الأسد بمزيد من الأسلحة التي تدفع إلى المزيد من إراقة الدماء، وهذا ما يجعل موسكو في موقف غاية في التعقيد بين التخلي عن الأسد وفقدان مصالحها، أو الحفاظ على وجوده ونزيف مزيد من دماء الشعب السوري".

شارك