هل تنجح "خُطة مجلس الأمن" في إنهاء صراع سوريا؟
الأربعاء 19/أغسطس/2015 - 05:29 م
طباعة

في ظل الأزمة التي تشهدها سوريا، وتصاعد حدة العمليات العسكرية في البلاد، وسقوط مئات الضحايا يوميًا، أعرب مجلس الأمن الدولي عن تأييده لمبادرة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بتشكيل أربع مجموعات عمل مع ممثلي الحكومة والمعارضة السوريتين لتنفيذ بيان جنيف.
مجلس الأمن يتبني خطة السلام

منذ أربع سنوات، والحرب الأهلية متعددة الأطراف في سوريا مستمرة، حيث أدت إلى مقتل نحو ربع مليون شخص، وتشريد أكثر من عشرة ملايين آخرين، في أسوأ أزمة لاجئين منذ نصف قرن، ولم يبادر مجلس الأمن منذ تلك اللحظة بحل الأزمة السورية.
واعتمد أعضاء المجلس بيانًا رئاسيًا في نهاية جلسة أول أمس الإثنين 17 أغسطس 2015، بخصوص سوريا، ويعد البيان أول وثيقة للمجلس بشأن التسوية السورية، يوافق عليها المجلس بالإجماع.
وكان دي ميستورا اقترح على مجلس الأمن في 29 يوليو الماضي تشكيل 4 مجموعات عمل ستركز على أربعة مجالات هي: السلامة والحماية، بما في ذلك إنهاء الحصار وضمان وصول المساعدات الطبية، والمسائل السياسية والدستورية، مثل إنشاء هيئة الحكم الانتقالي والانتخابات، والمسائل العسكرية والأمنية، بما في ذلك مكافحة الإرهاب ووقف إطلاق النار، والمؤسسات العامة والتنمية، مع التركيز على إعادة إعمار البلاد.
وتستند خطة السلام المقترحة إلى المبادئ الواردة في بيان جنيف 1 الصادر في 30 يونيه 2012 عن ممثلي الدول الخمس الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن وألمانيا والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، والداعي إلى تشكيل حكومة من ممثلين عن الحكومة والمعارضة بـ"صلاحيات كاملة" تتولى الإشراف على المرحلة الانتقالية.
وجاء في البيان أن مجلس الأمن يدعم النهج الذي صاغه المبعوث الخاص، الذي ينص على أن المفاوضات السياسية وتنفيذ الإصلاحات السياسية على أساس بيان جنيف تتم من خلال أربعة مجالات موضوعية من خلال إنشاء مجموعات عمل، داعيًا إلى وضع حد للحرب من خلال إطلاق عملية سياسية تقودها سوريا نحو عملية انتقالية سياسية تعبر عن التطلعات المشروعة للشعب السوري.
وتتضمن المرحلة الانتقالية تشكيل هيئة قيادية انتقالية مع سلطات كاملة، على أن تشكل على أساس تفاهم متبادل مع تأمين استمرارية عمل المؤسسات الحكومية.
مساعٍ عربية لإنهاء الأزمة

وفي ظل مساعي الدول العربية لإيجاد حلول للأزمة السورية، أعلنت وزارة الخارجية المصرية عن قلق مصر الشديد نتيجة تصاعد حدة العمليات العسكرية في سوريا خلال الأيام الأخيرة، وإدانتها لتعريض حياة المدنيين للخطر وسقوط الضحايا من المواطنين السوريين الأبرياء نتيجة النزاع الدائر في البلاد.
وأدانت مصر صور الإرهاب والتطرف كافة التي تستهدف ترويع المواطنين السوريين، مُجددةً الدعوة إلى الحل السياسي للأزمة السورية.
وقد رحبت كذلك الخارجية المصرية، باعتماد مجلس الأمن لخطة المبعوث الأممي "ديمستورا" للعمل على استئناف المفاوضات السياسية بين الأطراف السورية، مطالبة تلك الأطراف بالعمل بشكل بناء مع مبعوث الأمم المتحدة بشكل يضمن تحقيق مطالب وتطلعات الشعب السوري المشروعة في التغيير، مع الحفاظ على مؤسسات ووحدة وأمن الدولة السورية.
وقال المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث باسم الخارجية المصرية، بأن قوى المعارضة التي اجتمعت في القاهرة في شهر يونيه الماضي اقترحت "خارطة طريق" إلى الحل السياسي التفاوضي، التي ترى مصر أنها تشمل عناصر تسمح بالتوصل إلى الحل المطلوب اذا ما توافرت الإرادة السياسية لدى الأطراف السورية والمجتمع الدولي.
وخلصت الاجتماعات الدبلوماسية إلى بعض التوصيات التي تضمنت عقد محادثات ثلاثية لمناقشة الشأن السوري بين وزراء خارجية الولايات المتحدة، وروسيا، والسعودية، وذلك في اجتماع الدوحة.
وزار موسكو في الفترة الأخيرة عدد من كبار المعنيين بالصراع السوري من بينهم وزير الخارجية السعودي ومختلف أعضاء المعارضة السورية.
فنزويلا تتحفظ

كان مجلس الأمن طالب من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن يقدم إليه تقريرا عن المرحلة القادمة من جهود الوساطة في سوريا خلال 90 يوما، معبرا عن قلقه البالغ من أن الصراع في سوريا أصبح أكبر أزمة إنسانية في العالم.
ووصف مساعد الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة، ألكسي لاميك، هذا التفاهم حول المبادرة من أجل محادثات سلام بأنه "تاريخي"، قائلا: للمرة الأولى خلال عامين، يتوحد مجلس الأمن ويوجه رسالة دعم لعملية سياسية في سوريا.
فيما أعربت فنزويلا والتي تعتبر صديقة حميمة لسوريا، عن تحفظها على الكثير من بنود بيان مجلس الأمن الذي جاء من 16 نقطة، داعيا بشكل أساسي إلى عملية انتقالية سياسية في سوريا التي دخل النزاع فيها عامه الخامس.
وقال مندوب فنزويلا الدائم لدى الأمم المتحدة، رافاييل راميريز إن هذا البيان يشكل "سابقة خطيرة جدا" بدعمه عملية انتقالية تنتهك حق السوريين في تحديد المصير، بحسب قوله، قائلا: إن بلاده لا توافق على بعض بنود البيان، لكنه أكد مجددا مساندتها لجهود دي ميستورا.
وقال راميريز لمجلس الأمن: يجب على هذا المجلس أن يتوخى عدم التحيز والموضوعية في معالجة الأزمة السورية، وتجاهل شرعية حكومة الرئيس بشار الأسد هو انتهاك لسيادة هذا البلد، شاكيًا من أن الأعضاء العشرة المنتخبين في مجلس الأمن لم يتم إشراكهم في الصياغة المبدئية للبيان، ولم يشتركوا إلا بعد أن وافق عليه الأعضاء الخمسة الدائمون.
روسيا ترفض تنحي الأسد

وفيما قام وزير الخارجية الإيراني بجولة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا للترويج لخطة سلام جديدة تقول إيران إنها سوف تتقدم بها للأمم المتحدة.
كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أكد أول أمس الأثنين إثر محادثات أجراها في موسكو مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف إن جميع اللاعبين الخارجيين والاقليميين يتفقون حول ضرورة أن يكون الحل في سوريا سياسيا، على الرغم من بقاء بعض الخلافات، لا سيما فيما يخص مصير الرئيس بشار الأسد، موضحًا أن موسكو ترفض توجه بعض شركائها في الغرب والخليج إلى مطالبة الأسد بالرحيل كشرط مسبق لبدء التفاوض، وأن الشعب السوري هو صاحب القرار الوحيد فيما يخص مصير الأسد.
جاءت زيارة ظريف إلى موسكو بعد مناقشات مكثفة مكرسة للملف السوري أجرتها وزارة الخارجية الروسية الأسبوع الماضي، مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير و3 وفود للمعارضة السورية.
وقال لافروف، إننا مازلنا متمسكين بالقاعدة المتينة المتمثلة في بيان جنيف الصادر في 30 يونيه عام 2012، والذي ينص على حل جميع مسائل تجاوز الأزمة السورية عبر مفاوضات بين الحكومة السورية ووفد للمعارضة يمثل جميع أطياف خصوم القيادة السورية.
واعتبر لافروف أن على اللاعبين الخارجيين المشاركين في تسوية الأزمة السورية، الكف عن التظاهر بأن المنظمة الوحيدة فقط للمعارضة السورية والتي قدمها ما يسمى بالمجتمع الدولي، تتمتع بالشرعية الكاملة".
وأضاف أنه يجب تشكيل وفد للمعارضة يمثل جميع أطيافها، وستتمثل مهمة هذا الوفد في وضع قاعدة بناءة دون أية شروط مسبقة لإجراء المفاوضات مع وفد الحكومة الشرعية في سوريا.
تحديات بقاء الأسد

من جانب آخر، أكد وزير الإعلام السوري عمران الزعبي الذي يزور إيران حاليا أن بشار الأسد سيبقى رئيسا لسوريا حتى يقرر الشعب خلاف ذلك، واصفا المسارات السياسية الداعية لرحيله "بالخيارات الفاشلة والساقطة، قائلا: إن أي مسار سياسي يمس الشعب السوري وخياره، وحكومة سوريا وقيادتها ورئيسها هو خيار فاشل وساقط، ولا محل له من الإعراب.
وشدد الوزير على أن "الأسد سيظل رئيساً لسوريا إلا إذا قرر الشعب السوري خلاف ذلك"، وأن "كلفة الحرب الدائرة في سوريا باهظة، وهناك إرادة بأن سوريا بقيادة الأسد باقية، ولا أحد يستطيع أن ينزع منه رئاستها إلا إذا أراد السوريون ذلك".
ورغم كافة المحادثات والمساعي، لم تكن هناك أي بادرة أمل في حل الأزمة السورية، رغم الاهتمام الكبير والتركيز الحاد على الصراع السوري.
المعارضة السورية

من جانبه قال هيثم مناع، القيادي السوري المعارض، الذي شارك في المشاورات التي أجراها دي ميستورا، لوكالة فرانس برس، إن اختيار الشخصيات المؤهلة من الجانبين لتشكيل اللجان الأربع بدأ بالفعل.
وترى المعارضة السورية أن الصلاحيات الكاملة تعني تجريد الأسد من صلاحياته وإزاحته من الحكم، بينما يعتبر النظام أن مصير الرئيس يقرره السوريون من خلال صناديق الاقتراع، ويرى محللون أن عوامل عدة أسهمت في التوصل إلى خطة السلام هذه، أبرزها استنزاف الفصائل المقاتلة على الأرض والحاجة الملحة لمواجهة التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية، بالإضافة إلى الانفراج في العلاقات الإيرانية الأمريكية بعد الاتفاق النووي.
بداية انفراج للأزمة

محللون اعتبروا أن تبني مجلس الأمن لخطة السلام في سوريا، وتجاوز الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لخلافاتهما من خلال التوافق على البيان ذاته، مؤشرًا على بدء انفراج بعد فشل العديد من المبادرات، لكنه لا يعكس بالضرورة تقاربًا في وجهات النظر حول أساس الأزمة وتحديدًا مصير الرئيس السوري بشار الأسد.
مراقبون يرون، أنه من الممكن أن ترحب الولايات المتحدة وحلفاؤها بإضعاف نظام الأسد، لكن تآكل نفوذ هذا النظام يثير مخاوف جديدة، فحال الانهيار الكامل للأسد ونظامه، سوف تدخل البلاد في حالة من الفوضى العارمة، وهو ما قد يسمح للجهاديين بإحكام قبضتهم على البلاد بالكامل، لذلك قد يكون ذلك هو المحرك الأساسي الذي دفع القوى الدولية والإقليمية إلى تلك السلسلة من الاجتماعات والمحادثات الدبلوماسية المكثفة خلال الأيام الماضية.