المرجعيات الدينية بالعراق والحراك الشعبى ..
السبت 22/أغسطس/2015 - 06:33 م
طباعة

على الرغم من أن هدف خروج العراقيين في مظاهرات بالعاصمة بغداد وعدد من المحافظات للمطالبة بالتغيير ومحاربة الفساد والتنديد بتردي الأوضاع السياسية والأمنية والخدمية في البلاد، الا أن مواقف المرجعيات الدينية في العراق ليست على مستوى الحدث ومشاركتها في التظاهرات تتدرج ما بين الشكلية حتى المشاركة الفاعلة والقوية وفى الوقت نفسه لايخلو حديث المرجعيات من المطالبة بالاصلاح حتى ولو بمجرد تصرحات رنانة للاستهلاك المحلى حيث وصفت المرجعية الشيعية العليا في العراق في خطبة من محافظة كربلاء المقدسة, حركة الإصلاحات بـ”المعركة المصيرية” لتحديد مستقبل البلاد، وأنه ليس امام السلطات الثلاث خيار سوى المضي قدما لإجراء الإصلاحات الضرورية.

وعلى الرغم من هذه التصريحات فإن هناك صراع حقيقى شيعى –شيعى حول الاستفادة من هذة التظاهرات حيث اقتصرت الاحتجاجات حتى الآن على مدن ذات غالبية شيعية، ومثَّلت في بعض جوانبها تحديًا من الشارع الشيعي للنخبة الإسلامية الشيعية التي تصدَّرت المشهد السياسي منذ عام 2003م وهو الامر الذى يثير تساؤلًا مهمًّا حول المدى الذي يمكن فيه إجراء إصلاحات بدون الإخلال بنظام التوافق القائم على صفقة نخبوية بين القادة الشيعة والكرد والسنَّة؛ فالإصلاحات تطول الحكومة الاتحادية استجابة لضغط من الشارع الشيعي، ولكن يجب الا تمس هذة التغييرات نظام التوافق بين "المكوِّنات" وهو يضع قيدًا كبيرًا على قدرة العبادي على إجراء إصلاحات تُرضي شارعه الشيعي، ويحدد سقف حركته بما لا يهدد التسويات بين ممثلي المكونات، فأي اصطدام مباشر بالنظام التوافقي في هذه الظروف قد يهدد وحدة البلد،

وعلى ارض الواقع هناك تنافسات شيعية بينية؛ حيث شهدت التحولات التي حصلت في العراق منذ سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل، تنافسات شيعية داخلية تحت سقف الاتفاق الشيعي العام على مواجهة هذا التنظيم ودعم الحشد الشعبي؛ فالحشد له مطامح سياسية وتصورات أيديولوجية مختلفة حول شكل عراق ما بعد داعش والدور الإقليمي للعراق والتنظيمات القريبة من التيار الثوري الإيراني، مثل منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، ترى نفسها جزءًا من محور إقليمي بقيادة إيران، وهو تيار يتبنَّى مقولات جذرية ومعاد للغرب في المقابل، هناك القوى المرتبطة بالمرجعية الشيعية أو بالأحزاب التي تقودها أسر شيعية دينية مثل التيار الصدري والمجلس الأعلى، وهي تميل إلى ضبط سلوك الاتجاهات الراديكالية والحفاظ على توازنات القوى القائمة في الوسط الشيعي.
وبالتالى يأخذ التنافس بين التيارين شكل الصراع غير المفتوح؛ حيث يسعى التيار الأول إلى تحسين موقعه في توازنات القوى مستقويًا بالدعم الإيراني وبالدور العسكري الذي يلعبه داخل مظلة الحشد الشعبي وقد انتظم مؤقتًا وراء رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي دخل كل من تنظيمي بدر والعصائب في ائتلافه خلال الانتخابات الأخيرة، بينما يسعى التيار الثاني إلى الحفاظ على نفوذه في الخريطة الشيعية ويتكئ إلى حدٍّ كبير على المرجعية الشيعية بوصفها قوة ضامنة للتوازن الشيعي، ومحافِظة على قدر من الاستقلال السياسي عن إيران.

وبناء على ذلك يمكن فهم محاولة تنظيم العصائب استثمار الاحتجاجات عبر النزول إلى الشارع، وتبني الدعوة لتحويل العراق من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وأن هذا النظام سيؤكد حكم الأغلبية الشيعية ويسمح بمزيد من التركيز للسلطة في يد القوى الشيعية وتلتقي هذه الدعوة جزئيًّا مع دعوة المتظاهرين المستقلين إلى نبذ وإنهاء نظام المحاصصة، لأنه نظام خلق حكومات غير منسجمة وغير فعَّالة وسمح بصناعة الإقطاعيات الحزبية، لكن هذا الالتقاء الجزئي لا يعني اتفاقًا على الأهداف وقد استشعر الكثير من الناشطين المدنيين و"العلمانيين" خطورة السماح لتنظيم مثل العصائب بركوب موجة التظاهرات وتحريفها عن أهدافها الأصلية، فحاولوا التأكيد على اختلاف الأجندات والمنطلقات، كما أن التظاهرات الأخيرة لم تمنح زخمًا كبيرًا لمطالب العصائب التي ما زالت أبعد عن أن تكون تيارًا شعبيًّا كبيرًا في الشارع الشيعي.
المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني هاجم حلفائه السابقين وعلى رأسهم نورى المالكى رئيس الوزراء العراقى السابق المتهم الرئيسي في وصول العراق الى هذا المستوى من الفساد ووجد الفرصة سانحة للهجوم على خليفته حيدر العبادى والاستفادة من الوضع القائم وحركة الشارع قائلا " أن عدم مضي الحكومة في تنفيذ "اصلاحات حقيقية" تكافح الفساد يعرض البلاد الخطر التقسيم إن السياسيين الذين حكموا العراق منذ 2003 مسؤولون عن الأوضاع الحالية في البلاد لانهم عملوا لفائدة مصالحهم الشخصية والطائفية والعرقية على حساب المصلحة الوطنية و أن الفساد كان أحد العوامل، التي ساهمت في سيطرة تنظيم داعش على مساحات واسعة من البلاد مطالبا العبادي أن يكون "أكثر جرأة وشجاعة" في الإصلاح ومكافحة الفساد و ألا يكتفي "ببعض الخطوات الثانوية"، وأن يتخذ "قرارات مهمة وإجراءات صارمة في مجال مكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية".

المرجع الشيعى الكبير "السيستاني" سبق وأن أثارت فتوى له حول “الجهاد الكفائي والدعوة إلى مقاتلة الإرهابيين دفاعا عن العراق وشعبه ومقدساته” ردود أفعال كثيرة لا يخلو بعضها من الغضب والاستياء وذلك بسبب “أنها لا تفرق بين إرهاب داعش والقاعدة وبين ثوار العشائر، والمحتجين من أصحاب المطالب المشروعة، وبعض المجموعات العراقية المسلحة التي عانت من الإقصاء والتهميش والمداهمات غير القانونية والاعتقالات، وهتك الأعراض وما إلى ذلك من مظاهر الظلم التي أبداها المالكي شخصيا تجاه المكون السُني وكل من يؤازرهم في المطالبة بحقوقهم الإنسانية المشروعة في السلطة والثروة الوطنية و أن هذه الفتوى يمكن أن تؤجج الفتنة الطائفية بين المكوِّنين السُني والشيعي، لانها لم تتضمن فقرة يحرِّم فيها قتال السُنة مستثنيا منهم داعش والقاعدة وأي عصابة إرهابية، فقد قاتل السُنة الإرهاب قبل الشيعة وطردوا الإرهابيين من المحافظات العراقية الست.
وهو ما دفع السيد علي الأمين احد المرجعيات الدينية الى التاكيد على ان دور المرجعية يُحتِّم عليها الدعوة إلى حقن الدماء، لا إهراقها، وإلى جمع كلمة المسلمين لا تفريقها كما أن هذا الامر يحفِّز الطرف الآخر على إصدار فتاوى مضادة، الأمر الذي سيزيد نار الطائفية اشتعالا، وسوف يُدخل العراق في نفق مظلم وفتنة عمياء قد تأتي على الأخضر واليابس وأن جذر المشكلة في العراق سياسي، وليس مذهبيا، فإذا حلّت الحكومة القائمة مشاكلها الكثيرة مع جميع الأطراف السياسية المشاركة في الحكم فقد لا تحتاج إلى هذه التعبئة المقيتة والحروب الشعواء التي “يُسرّ بها الأعداء وكل المتربصين بالأمة والطامعين بتفكيك عراها، وهدم بنيانها”.

وفى محاولة أخرى لتحقيق مزيد من المكاسب الطائفية ومن جهود العبادى في مكافحة داعش والفساد قال أحمد الصافي أحد علماء الصحن الحسيني الشريف إن “القوات الأمنية من الجيش والشرطة والحشد الشعبي وأبناء العشائر تخوض أشرف المعارك ضد عصابات داعش الإرهابية وهي تؤدي المهمة الأصعب للدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات و أنه لاينبغي أن تُنسي معركة الإصلاحات هؤلاء المقاتلين وتسليحهم وتجهزهم، فضلا عن رعاية عوائل الشهداء منهم، لأن ماننعم به اليوم من أستقرار هو نتيجة لجهود وتضحيات هؤلاء الأبطال اقرأ المرجعية الدينية في النجف تدعوا الى تطهير مؤسسات العراق و أن انتشار الفساد الإداري والمالي في مؤسسات الدولة كافة لايمكن إصلاحه في أيام قلائل، ولابد من أن نتخذ إجراءات حازمة لإصلاح الجهاز القضائي لقيام بمهامه على الوجه الصحيح”، وضرورة تقديم الحكومة مشاريع قوانين مهمة إلى مجلس النواب لإقرارها، فضلا عن تعديل بعض القوانين، كي لايعطي منفذ للتراجع عنها.
وعلى الرغم من ذلك فإن الحراك داخل الشارع العراقى هذه المرة يحمل العديد من مظاهر القوة والزخم حيث تجمع المتظاهرين في ساحة التحرير وسط بغداد ورددوا هتافات تطالب السلطة التنفيذية بالإسراع في تنفيذ الإجراءات التي أعلن عنها رئيس الوزراء حيدر العبادي، وطالبوا الحكومة بالإسراع في تطهير القضاء ومحاسبة الفاسدين واسترداد أموال العراقيين المنهوبة من قبل مسؤولين في الدولة، وهتفوا بشعارات بينها "بغداد لن تسكت بعد الآن"، و"كلهم حرامية (لصوص)"، ورفعوا صورا لعدد من السياسيين الذين يتهمونهم بالفساد كما شهدت محافظات البصرة وميسان مظاهرات تطالب بالإصلاح السياسي ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين وتوفير الخدمات خصوصا الكهرباء وفي محافظة ديالى شمال شرق بغداد، طالب المتظاهرون بالإصلاح الحكومي وتوفير الخدمات، وحمّلوا الحكومة العراقية ومسؤولين محليين المسؤولية عن ما تعانيه المحافظة من فقدان للأمن والكهرباء والمياه والخدمات الأخرى وفي الناصرية مركز محافظ ذي قار جنوبي العراق وخرج متظاهرون للاحتجاج على ما وصفوه مماطلة الحكومة في تنفيذ مطالب المتظاهرين، وطالبوا بإقالة محافظ ذي قار ومسؤولين آخرين في المحافظة يتهمونهم بالفساد وإهدار المال العام.

وكان رد فعل مجلس النواب إقرار ء حزمة اقتراحات تقدم بها العبادي لمكافحة الفساد وتحسين مستوى الخدمات تمثلت فيما يلى :
1-إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء
2-المحاصة الحزبية والطائفية في المناصب العليا.
3-مكافحة الفساد
4-تحسين مستوى الخدمات العامة.
رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى أدرك حجم المواجهة مع المرجعيات الدينية ولذلك فقد أكد أن مسيرة الإصلاح ومكافحة الفساد "لن تكون سهلة"، وأن المتضررين منها سيعملون بجد "لتخريب كل خطوة".
وأكد الدكتور ياسر عبد الزهراء عضو اللجنة العلمية في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة البصرة العراقية على انه بالنظر الى تشكيل النظام السياسي الجديد في العراق بعد عام 2003 ، فان هذه الاحتجاجات تحولت الى تيارات قومية وان العوامل العرقية والدينية لم تؤد دورا في تشكيلها و ان الجو السائد للتظاهرات كان اجواء الوحدة ولم ترفع شعارات تثير قضايا طائفية مثل السنة والشيعة اوشعارات قومية مثل العرب والكرد ، في الأساس، ان الاحتجاجات ركزت على ضرورة اصلاح هيكلية النظام السياسي الجديد ، وعملية صنع القرار وفضلا عن ضرورة مكافحة ظاهرة الفساد.

واشار الى تاثير موقف المرجعية الدينية في العراق على مواقف رئيس الوزراء العراقي حيدر عبادي حيث اتخذ مجموعة من القرارات استجابة لمطالب المرجعية وتلبية لتطلعات الشعب العراقي بالاضافة الى الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء، لان هذه المناصب تكلف ميزانية الحكومة الكثير من التكاليف والمصاريف وان الدعم و التأييد الشعبي والمرجعية الدينية لشخص حيدر العبادي كرئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية يمكن ان يعزز من قدرته على المناورة امام الطلبات المغالية فيها لسائر الاحزاب والحركات السياسية، ان هذه المسالة ادت الى تحكيم مكانة ومواقف رئيس الوزراء العراقي اكثر فاكثر، كما يامل ان تؤثر على قضية الحرب ضد الارهاب وان يترك اثارا ايجابية على هذه القضية.
مما سبق نستطع ان نؤكد على ان المرجعيات الدينية في العراق على الرغم من تابين مواقفها وأهدافها الخفية من دعم الحراك الشعبى داخل العراق الا أنها هى المستفيد الاكبر منه باعتبار التابعين لها هم المكون الاكبر في الشارع وفى الحكومة العراقية .