"داعش" تسعى للهيمنة.. وتوجه ضربات قاسية للقاعدة الأم
السبت 26/يوليو/2014 - 04:46 م
طباعة


باولو بينهيرو، كبير المحققين في الأمم المتحدة
وفقا لتصريحات باولو بينهيرو، كبير المحققين في الأمم المتحدة، فإن جماعة "الدولة الإسلامية" التي كانت تعرف سابقا باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، تمر بما سماه عملية (سرينة) أي تغليب الطابع السوري فيها.
وبات تنظيم "الدولة الإسلامية" يسيطر على مساحات واسعة في كل من سوريا والعراق، بعد نجاحه في السيطرة على مدينة الموصل ومناطق واسعة في شمال وغرب العراق.
وأضاف: "ما بدأ بعدد كبير من المقاتلين الأجانب أصبح الآن فيه مواطنون سوريون فعليون"، وقال: "نرى عددا من السوريين ينضمون لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أكبر من ذي قبل".
وقال بينهيرو، حسبما نقلت عنه (رويترز): إن هناك ما يقدر بين عشرة آلاف و15 ألف مقاتل أجنبي من جماعات مختلفة يقاتلون قوات الرئيس بشار الأسد.
وتابع بينهيرو قائلاً: هذه الجماعة "مرشحة قوية" لأن تضاف إلى القائمة السرية التي أعدها التحقيق للمشتبه بارتكابهم جرائم حرب في سوريا.
وأضاف إن رسالته لمجلس الأمن الدولي يوم الجمعة هي: "رجاء لا تنسوا سوريا".
منشقون سوريون

بينما قالت المحققة الأممية كارين كوننغ أبو زيد من جانبها: إن معظم السوريين الذين يلتحقون بجماعة تنظيم "الدولة الإسلامية" منشقون عن جماعات المعارضة المسلحة الأخرى التي تقاتل في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا. وقالت كوننغ للصحفيين: "يرون أنه أفضل فهؤلاء الرجال أقوياء وهؤلاء الرجال يكسبون المعارك ويسيطرون على الأراضي ولديهم أموال وبوسعهم تدريبنا".. وبعد هجوم ناجح في العراق أعلنت الدولة الإسلامية "الخلافة الإسلامية" في الأراضي التي تسيطر عليها في العراق وسوريا وتعهدت بالتوسع.
ومن الواضح أن داعش تتهيأ لكي تحل محل تنظيم القاعدة محليا وعالميا، فما يفعله أبو بكر البغدادي، زعيم داعش من ممارسات تميزت بالقسوة غير المسبوقة .. استطاعت إدخال الرعب في قلوب أعدائه وحلفائه على حد سواء.
فأتباعه لم يترددوا في إعدام حلفاء الأمس من مقاتلي جبهة النصرة، كما يفعلون مع من هم في خانة الأعداء من قوات الدولة العراقية أو المسلمين الشيعة.
من هنا أصبح هناك من يتحدث عن صعود نجم البغدادي عاليا في فضاءات "القاعدة" بدون منازع. وأصبح حلفاؤه يروجون له بديلا لأسامة بن لادن، متجاوزين بذلك قيادة أيمن الظواهري الذي ما يزال يعتبر الزعيم الرسمي لتنظيم "القاعدة".
ففي حين طلب الظواهري من البغدادي حصر نشاط داعش داخل العراق وترك الشأن السوري لجبهة النصرة بزعامة أبي محمد الجولاني - رفض الانصياع لذلك وواصل نشاط مجموعته داخل الأراضي السورية.
وفيما تكبدت جبهة النصرة وحلفاؤها في الجبهة الإسلامية خسائر كبيرة على أيدي الجيش السوري وحلفائه- بقيت مناطق نفوذ البغدادي في الرقة ودور الزور في الشمال الشرقي من سوريا، خارج سيطرة الجيش.
مشهد جديد إذن يتبلور تدريجيا في المنطقة المكونة من الشمال الشرقي لسوريا والشمال الغربي للعراق، بزعامة داعش وزعيمها أبي بكر البغدادي.
وجاءت العمليات الأخيرة بشن هجوم صاعق على مناطق الشمال العراقي لتخلق مناخا جديدا محيرا للجميع. وقد لا تستطيع الحركة الاحتفاظ بالموصل أو المناطق الأخرى التي وقعت بأيديها، ولكن التجربة نفسها كانت ضربة موجعة للحكومة العراقية، بعد أن استسلمت قطاعات الجيش في الموصل بشكل مهين.
البغدادي يوجه ضربة قوية لتنظيم "القاعدة الأم"

ابوبكر البغدادي، زعيم داعش
ولكنها كانت كذلك ضربة لتيار تنظيم القاعدة الذي أصبح مجبرا على إعادة النظر في سياسات مؤسس التنظيم، أسامة بن لادن نفسه. لقد رسم بن لادن إستراتيجيته مفترضا أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المعوق الأساسي لتحرر العالم الإسلامي، وأن مشروع تحرير الأمة وإنهاضها وإقامة الكيان الإسلامي يتطلب استهداف أمريكا بالعمل المسلح. وحدثت أعمال إرهابية عديدة بلغت ذروتها بحوادث 11 سبتمبر. ومن جانبها اعتبرت الولايات المتحدة تنظيم القاعدة وزعيمه بن لادن عدوها الأول، وصاغت سياساتها الأمنية على أساس استهداف القاعدة ورموزها في كافة البلدان. وشهد العقد الماضي واحدة من أشد الحقب الزمنية شراسة من حيث سعة الاستهداف وأساليبه التي لم توفر شيئا، ابتداء بالاعتقالات الجماعية والسجون الخفية والرحلات الجوية السرية والاغتيالات واستخدام طائرات "درون" بمعدلات غير مسبوقة في دول شتى. وكان من نتيجة هذه السياسة عزل بن لادن في متاهات أفغانستان، ثم قتله. وربما الأهم من ذلك أن الولايات المتحدة استطاعت عزل قيادات القاعدة عن بقية الجسد؛ الأمر الذي أدى تدريجيا لإضعافها.
وبلغ الأمر ذروته في السنوات الأخيرة؛ حيث بدأت مجموعات قاعدية بالتمرد على القيادة المركزية، وأصبح أيمن الظواهري قائدا بدون صلاحيات تذكر.
وظهر البغدادي ليس منافسا للظواهري فحسب، بل قطبا يجذب العناصر الناشطة من كافة أقطار العالم لمشروع "الجهاد" الجديد الموجه ضد "اعداء" ليس الغرب واحدا منها. جاء ذلك بعد أن أسهمت تعقيدات ثورات "الربيع العربي" في إعادة صياغة العقل العربي ليقبل التطبيع السياسي والفكري مع أمريكا.
التحول في أولويات القاعدة تجسد بشكل واضح في سوريا والعراق. ويمكن ملاحظة هذا التحول في عدد من الأمور:
أولاً: إن أهداف هذه التنظيمات التي تفرعت عن التنظيم الأم أصبحت ذات اهتمامات محلية بشكل واضح.
ثانياً: إن الخطاب ابتعد عن استهداف أمريكا أو اعتبارها العدو الأول للأمة، وربما حدثت محاولات لاسترضائها أو طلب دعمها ضد نظام بشار الأسد بعد تجربة التدخل الأمريكي ضد نظام القذافي في ليبيا.
ثالثاً: إن هذا الخطاب اختلف بشكل ملحوظ، فحل المسلمون الشيعة محل أمريكا كهدف للتنظيم الذي استهدف المنتمين لذلك المذهب في أرواحهم ومساجدهم ومقدساتهم، واستبيحت دماؤهم بشكل ليس له نظير في التاريخ الحديث.
رابعاً: إن الفقه السياسي الذي اعتمدته تنظيمات القاعدة التي تصرفت بعيدا عن القيادة المركزية أصبح أكثر توسعا في استهداف المخالفين ضمن الدائرة الإسلامية، فاستهدفت قبور الصحابة في سوريا والعراق، وأضرحة الأولياء في مصر ومالي وليبيا، وتم إعادة توجيه الخطاب الإسلامي باتجاه معاكس تماما للخطاب القاعدي الذي كان يتحدث عن الأمة ويعتبر الغرب خصوصا أمريكا "عدوة" للمسلمين.
خامساً: إن تحرير فلسطين الذي كان محوريا في خطاب الحركات الإسلامية منذ النكبة لم يعد له أولوية لدى تنظيمات "القاعدة" الجديدة، بل استبدل ذلك بمقولات غرست في النفوس ثقافة جديدة مختلفة من نوع أن الشيعة أخطر من اليهود والنصارى؛ الأمر الذي ترتب عليه تخفيف الضغط الخارجي على الكيان الإسرائيلي.
سادساً: إن الشعار الذي استخدم لتعبئة الرأي العام في المناطق التي تتواجد فيها المجموعات المقاتلة ينطلق اليوم على أساس الانتماء المذهبي، ولم يعد "الإسلام" إطارا جامعا للمسلمين جميعا، كما لم تعد مقولات "الأمة" و"المشروع الإسلامي" و"تحرير فلسطين" و"الوحدة الإسلامية" ذات أهمية لدى المجموعات المقاتلة.
سابعا: أصبح التركيز على الشكليات أهم من الاهتمام بمضمون المشروع الإسلامي البديل، كما تطرحه حركات الإسلام السياسي، فإطلاق اللحى وارتداء الثوب القصير والعمامة والسواك وفرض نمط التعامل الذي تمارسه هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، كل ذلك أصبح واضحا للعيان.
ثامنا: إن حركات الإسلام السياسي فقدت المبادرة، وأصبح الكثير من كوادرها منسجمين مع الطرح السياسي الداعشي.
كل ذلك أعطى داعش ثقلا كبيرا بين الحركات الإرهابية "الجهادية"، خاصة بعد تأييد قاعدة المغرب العربي لها، وبعد سقوط النموذج الإخواني في مصر، ليبدأ مسلسل آخر من التطرف في المنطقة.