منعًا لخلط الدين بالسياسة.. الأوقاف تمنع الدعاء للسيسي في مساجدها
الإثنين 24/أغسطس/2015 - 09:49 م
طباعة

في سابقة هي الأولى من نوعها، وتأكيدًا على حيدتها، تعلن وزارة الأوقاف المصريّة عن تعليمات تمنع الدعاء للرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي في المساجد. ويأتي ذلك في إطار خطّتها منع خلط الدين بالسياسة تماماً، بعد واقعة منع أحد مشاهير الدعاة المصريّين الشيخ محمّد جبريل من الإمامة في أيّ مسجد بسبب دعائه على ما وصفه بالظالمين في ليلة القدر 27 رمضان الماضي في 13 يوليو”، وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً بعدما اعتبره الرأي العام المصريّ دعاء على السيسي ونظامه.
وخرجت شخصيات مثل أحمد موسى ومرتضى منصور وعدد من رجال الدين على رأسهم وزير الأوقاف محمد مختار جمعة لمهاجمة جبريل واتهامه بمؤازرة الإخوان والجماعات الإرهابية.
ويأتي ذلك على الرغم من أنّ وزارة الأوقاف المصريّة اعتادت توجيه الدعاة في المساجد في أنحاء مصر إلى الدعاء للرئيس في نهاية الخطب الدينيّة، باعتبار أنّ الدعاء لوليّ الأمر جائز شرعاً، وكان من أبرز الأمثلة على ذلك حينما أصدرت إشارة تمّ إرسالها إلى كلّ أئمّة المساجد والمديريّات للدعاء للرئيس المصريّ الأسبق حسني مبارك بالشفاء من وعكة صحيّة في 19 مارس 2010، وأكّدت أنّ الأمر واجب شرعيّ على الجميع، استدلالا بقول الإمام أحمد بن حنبل: "لو كانت لي دعوة مستجابة لجعلتها للحاكم".

وبرّر وزير الأوقاف الدكتور محمّد مختار جمعة موقفه بمنع الدعاء للرئيس السيسي في حوار لصحيفة “المصري اليوم” في 28 يوليو قائلاً: “من الناحية الشرعيّة، إنّ الدعاء لوليّ الأمر بالسداد والتوفيق جائز وصحيح، لكن، في هذه المرحلة، لا يحتاج الرئيس إلى من يدعو له”. وأضاف: “أنا أرفض الدعاء للرئيس السيسي في المساجد، حتّى لا نفتح باباً للأئمّة، فهذا يبالغ في الدعاء للرئيس السيسي، وهذا يمدحه بطريقة خاطئة، لذا كانت تعليماتنا بتجنيب وزارة الأوقاف العمل السياسيّ والدعاء السياسيّ عموماً”
وكانت وزارة الأوقاف قد حرّرت محضراً ضدّ الشيخ محمد جبريل ” في 14 يوليو الماضي “وهو الذي قام بالدعاء على الظالمين أثناء صلاته بجامع عمرو بن العاص”، واتّهمته بالتحوّل بالصلاة إلى التوظيف السياسيّ بل ومنعته من السفر خارج مصر، وحيث اعتاد جبريل التنقّل بين العواصم الإسلاميّة والغربيّة لإمامة الناس في المساجد الكبرى والمراكز الإسلاميّة في أوروبّا والولايات المتحدة.
ويؤم جبريل عشرات الآلاف من المصلّين في الأيّام الثلاثة الأخيرة من شهر رمضان منذ عام 1988 في مسجد عمرو بن العاص في القاهرة (المسجد الأوّل الذي بني في أفريقيا) وأوقفته الحكومة المصرية عن متابعة ذلك في عام 2014 الصلاة بمسجد عمرو بن العاص، ثم عادت لتصرح له في عام 2015 بمعاودة الامامة بالمسجد وحيث يعده المسئولين بوزارة الأوقاف المصرية محسوبا على جماعة الإخوان المسلمين.
وبعدما رأى البعض أنه دعا لأنصار الرئيس السابق محمد مرسي، خلال أدائه صلاة التراويح بمسجد «نادي الصيد»، في 28 يوليو 2013 قائلا «اللهم عليك بمن قتلوا الساجدين المصلين»، مما تسبب في وقوع اشتباكات بين عدد من مؤيدي ومعارضي الإخوان .

وقال جبريل في دعائه 13 يوليو 2015 الذي كان محلّ جدل مؤخرا: “اللهمّ عليك بمن قتل الساجدين، اللهمّ عليك بمن سفك دماءنا، ويتّم أطفالنا، اللهم عليك بالإعلاميّين الفاسدين، سحرة فرعون، اللهمّ عليك بالسياسيّين الفاسدين، اللهمّ عليك بمن ظلمنا، اللهمّ عليك بمن اعتدى على حرمات البيوت، اللهمّ عليك بمن طغى وتجبّر، اللهمّ عليك بشيوخ السلطان".
وبينما كان هناك هجوم إعلاميّ شديد على خطبة جبريل التي دعا فيها على الظالمين ووصف فيها الإعلاميّين بسحرة فرعون، وهو تشبيه للإعلاميين على أنهم مثل السحرة الذين استعان بهم فرعون مصر لمساعدته في أن ينتصر على النبي موسى إلّا أنّه كانت هناك موجة إعلاميّة أيضاً رافضة لمنع الدعاء للرئيس السيسي في المساجد باعتباره قراراً يخالف عرفاً إسلاميّاً عريقاً منذ مئات السنين بالدعاء لولاة الأمور.
وقد عبّر وكيل وزارة الأوقاف الأسبق الشيخ شوقي عبد اللطيف عن استيائه من تلك التعليمات الحكوميّة بمنع الدعاء للرئيس في المساجد ومعارضته لها، وقال: “حين ندعو للرئيس بالتوفيق والرشد والسداد، فهو أمر غير مستغرب منذ فجر التاريخ الإسلاميّ”. وأضاف: “يجب ألّا نخلط بين المواقف، وإذا كان البعض يسيء، أو إذا كان محمّد جبريل قد أخطأ، فليس معنى هذا أن نمنع الدعاء للحاكم ، وهو أمر شرعيّ".
وتابع: "الدعاء للرئيس ليس دعاء لشخصه، وإنّما دعاء يقصد به الخير للبلاد، فنقول في دعائنا للرئيس… اللهمّ وفّقه وسدّد خطاه على طريق الحق".

أمّا رئيس لجنة الفتوى الأسبق الشيخ علي أبو السحن في جامعة الأزهر، فيرى أنّ قرار وزير الأوقاف بمنع الدعاء للرئيس السيسي هو قرار حكيم. وأوضح قائلاً “على الرغم من أنّ الدعاء للحاكم الذي تمّت بيعته بالتوفيق في الجزء الثاني من الخطبة سنّه الإسلام ودعا إليه، لكن، اذا اختلف الناس على الحاكم، فإنّه من الأولى أن نجنّب المصلّين هذا الاختلاف، وحتّى لا تتّسع الهوّة بين المؤيّدين والمعارضين، و ينقلب المسجد إلى مكان يفرّق بين المسلمين".
وعن معاقبة الشيخ جبريل بعد دعاء لم يعنِ فيه أحداً، يقول أبو الحسن: “كان عليه طالما أيقن أنّ دعاءه يفهمه بعض الناس على أنّه يقصد به مغزى ما، أن يتركه ويدعو به في نفسه، ومع ذلك فلم يكن يجوز معاقبته طالما لم يعنِ أحداً في دعائه"، ومن جهّته، يؤكّد عبد اللطيف أنّ معاقبة جبريل لم تأت من فراغ، ولم يظلم، بل هناك الكثير من الدلالات والإيحاءات التي قصد بها الإساءة. وأضاف: “الانحياز للحاكم ما دام على الطريق الصحيح، ليس عيباً وإنّما واجب وطنيّ".
ما زالت المساجد المصريّة تمثّل أكثر القضايا الشائكة على أجندة الحكومة المصريّة، باعتبارها الورقة الرابحة دائماً في أيدي جماعات الإسلام السياسيّ للوصول برسائلهم إلى عموم المصريّين بمختلف أعمارهم وأطيافهم.
وفي نفس الإطار وتمشيا مع مبدأ عدم خلط الدين بالسياسة قررت وزارة الأوقاف اليوم الاثنين 24 اغسطس 2015، منع أي شخص يترشح للانتخابات مجلس النواب المرتقبة من الخطابة أو أداء الدروس الدينية بالمساجد، وأرجعت الوزارة، في بيان أوردته وكالة أنباء الشرق الأوسط، قرارها إلى "عدم توظيف المنابر في أغراض سياسية أو انتخابية".
ومن المقرر أن تعقد اللجنة العليا للانتخابات مؤتمر صحفيًا أواخر الشهر الجاري لإعلان الجدول الزمني للعملية الانتخابية.
وقالت الوزارة إنه سيتم إعفاء أي قيادة بالأوقاف على أي مستوى كان من موقعها القيادي حال ترشحها مع عدم احتفاظها به أو عودتها إلى أي عمل قيادي بالوزارة في المستقبل.

وشددت الأوقاف على أنها تلزم أي راغب في الترشح للانتخابات من العاملين بها التقدم بإجازة رسمية قبل التقدم بأوراق الترشيح، وحال ثبوت تقدم أي من العاملين بها للترشح دون الحصول على إجازة مسبقة سيتم إحالته للتحقيق ووقفه عن العمل لحين انتهاء التحقيق.
وأوضحت أنه لن يسمح للراغبين في الترشح للانتخابات انهاء الإجازة قبل انتهاء كامل العملية الانتخابية، "منعا لأي تربيطات انتخابية قد يتم بها استغلال منابر المساجد في الأغراض السياسية".
وناشدت وزارة الأوقاف من سمتهم بـ"أبنائها المخلصين" التفرغ لرسالتهم الدعوية من خلال منابرهم ومساجدهم، محذرة من استخدام أي صفة وظيفية دينية لأن ذلك يُعد استخدامًا للدين في العملية الانتخابية باعتباره شعارًا دينيًا في الانتخابات.
وقالت الأوقاف إنها ستقوم باتخاذ اللازم تجاه أي مخالفة عبر ممثلها بلجنة متابعة الإعلام والدعاية الانتخابية باللجنة العليا للانتخابات.
وتحظر التشريعات المنظمة للعملية الانتخابية في مصر توظيف الدين والشعارات الدينية في الأغراض السياسية والانتخابية.