مرصد الإفتاء يتغافل عن دور العقل.. ويدعو للتصوف لمواجهة الإرهاب

الأربعاء 02/سبتمبر/2015 - 07:04 م
طباعة مرصد الإفتاء يتغافل
 
دعا مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية إلى نشر التصوف الصحيح وتفعيل دوره في مواجهة التطرف والإرهاب، وذلك في تقريره الثلاثين الصادر بعنوان "التصوف الصحيح ودوره في مواجهة التطرف"، والذي أكد على أن الصوفية الصحيحة مثلت في فترات تاريخية واسعة وخصوصا في أوقات الأزمات أبرز صور الفاعلية الدينية والسياسية والاجتماعية للإسلام وحفظ استقلال واستقرار الأوطان وبث الطمأنينة والسلام في المجتمعات.

مرصد الإفتاء يتغافل
أكد المرصد في تقريره أن التصوف الصحيح لديه إمكانات كبيرة في المعركة ضد الإرهاب والتطرف دفاعًا عن صحيح الدين وصورته الحقيقية، وعن الدولة ككيان جامع لآمال مواطنيها وحامية لأمنهم ومستقبلهم، وكذلك عن المجتمع وسلمه الأهلي وتعايشه السلمي، حيث تعد الصوفية ساحة كبيرة وممتدة لجذب الشباب الطامح لبذل الجهد والطاقة في سبيل خدمة دينه ووطنه بعد أن أدرك خواء التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي لا همَّ لها سوى الاستيلاء على السلطة والحكم في العديد من البلاد العربية والإسلامية.
أوضح تقرير مرصد الإفتاء أن الصوفية تحمل خطابًا روحيًّا وتربويًّا أساسيًّا في مواجهة الإرهاب والتطرف، فهي ترقق القلوب وتشغل الفراغ الروحي وتمثل مجالا لاجتذاب طاقات الشباب العطشى إلى تجارب روحية لاستثمار ميل بعضهم لهذه التجارب بعد أن ملوا ثقل الحياة المادية سواء أصابوا حظا منها أو لم يصيبوا.
أشار التقرير إلى أن الصوفية بمصر تتمتع بقبول اجتماعي واسع بين مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية والاقتصادية والعمرية حيث يدور منهجها حول تهذيب النفس والسمو بها لتحقيق مراد الله من حيث العبادة والتزكية والعمران ويدور منهجها أيضا حول مفاهيم الإصلاح، والمصلحة، والعرف الاجتماعي، وتحقيق منافع الناس بينما ركزت جماعات الإسلام السياسي على فكرة الدولة الموازية والمجتمع الموازي وامتلاك السلطة والحكم والقوة السياسية.
شدد التقرير أن مناهج التصوف الحقيقي عبر التاريخ مثلت كائنات حية ظهرت وتشكلت ونمت مع المجتمع ومن خلاله في لُحمة طبيعية لا يستطيع أحد أن يفصل بينهما، أو أن يحدد لأي منهما مسارا تاريخيا مختلفا عن الآخر.

مرصد الإفتاء يتغافل
وأوضح التقرير أن المجتمع وخاصة الشباب في أشد الاحتياج للعديد من قيم التصوف في مواجهته للتطرف والإرهاب والتي يأتي في مقدمتها المحبة لله ورسوله وللمجتمع والإنسانية ككل باعتبار أن الإنسان بنيان الرب عز وجل مشددا أن هذه القيم تمثل زادًا حقيقيًّا في مواجهة قوى الإرهاب والتطرف التي انحرفت عن دين الله وسنة نبيه الكريم وأساءت إلى الإسلام ونفرت منه.
ودعا التقرير للاهتمام بنشر ثقافة التصوف الصحيح بين الشباب ودعمهم في ذلك المجال من خلال أنشطة دينية وثقافية وترفيهية لهم خصوصا في القرى والأحياء الشعبية والعشوائيات لتحقيق التوازن النفسي لدى الشباب بين نزعته الفردية المتمركزة حول خلاصه الفردي واهتمامه بالشأن العام الجماعي بعيدا عن الصراع على السلطة من خلال القيام بأنشطة حول مخاطر التطرف والتشدد والإرهاب بحيث يصبح التصوف الصحيح طاقة أمل للشباب بعيدا عن التطرف على الجانبين ، الإرهاب والإلحاد.
وبعيدًا عن أهمية ودور التصوف الذي أوضحه التقرير باستفاضة لا مثيل لها، وكأنه يتبنى التأويلات الصوفية للنصوص الدينية، فقد غفل التقرير كعادة المؤسسة الصادر عنها دور العقل والمعرفة العلمية في تأويل تلك النصوص وان السبب الرئيس لنمو وازدهار الحضارة العربية كان بسبب انحيازها للعقل والعرفة العلمية والابداع، فالعقل هو الذي أوجد ما نسميه اليوم (الحضارة العربية الإسلامية)، والعقلانية حسب التعريف القاموسي "أسلوب في التفكير أو التفلسف، يقوم على العقل، وبالمدلول المألوف تعني العقلانية، قدرة الإنسان في حياته اليومية وممارساته المعرفية، على المحاكمة الواعية، بعيدًا قدر الإمكان، عن تسلط المشاعر والعواطف، وعلى وزن كل  الاعتبارات "لصالح" أو "ضد" الاختيار المعني، وعلى السعي لتعليل أقواله وتصرفاته، وفي الفلسفة تدل "العقلانية" على اتجاه مميز في نظرية المعرفة، يقابل التجريبية.

مرصد الإفتاء يتغافل
ولا شك أن النزوع إلى العقلانية في المجتمع العربي قديم، إلى حد بعيد، ولكن لم يتم تأصيل هذا النزوع وإخراج العقلانية إلى حيز الوجود على نحو مفاهيمي إلا مطلع القرن الثاني الهجري على يد المعتزلة، ويعود السبب في ذلك إلى أن حركة الواقع لم تكن تحفز العقل إلى تأمل ما يجري حوله على نحو ملح إلا في تلك الفترة، حيث واجه العرب، بغزواتهم وفتوحاتهم الجديدة، أوضاعا وقضايا ومشكلات فكرية أثارت عقولهم وحفزتها إلى ابتكار طريقة مختلفة في التفكير فيها والتعامل معها.
وعلى الصعيد الاجتماعي فإن الصراعات والحروب التي قامت بين أبناء "الدين الواحد" والتحولين الاجتماعي والسياسي للفئات الاجتماعية الأخرى بالاعتماد على تفسيرها هي للدين الذي حولته من خلال تفسيراتها إلى غطاء أيديولوجي لها، كل ذلك استدعى إيجاد "أيديولوجية" أخرى للفئات الاجتماعية التي تعاني مظالم الحكم الأموي وفيما بعد العباسي، والتي كان المعتزلة، بمعنى ما المعبرين عن مصالحها، فأذن ذلك بظهور النزعة العقلية والتي كان لها دور كبير في ولوج الطريق العقلاني فيما بعد.
ولا يعني ذلك أن عقلانية متكاملة وشاملة شقت الطريق إلى الوجود في تلك الفترة وإنما الصحيح هو أن النزوع نحوها، وفي بعض تجلياتها وليس كلها، هو الذي ظهر إلى النور، لأن حركة الواقع آنذاك لم تكن من النوع الذي يفضي بالضرورة إلى السير بالعقل في اتجاه عقلانية شاملة، ولا من النوع الذي يسمح بظهورها على نحو صريح حتى لو كانت واضحة لدى مفكريها.

مرصد الإفتاء يتغافل
وهذا ما يوضح معنى قولنا بأن العقلانية لم تشكل منظومة مفاهيمية شاملة في الفكر العربي آنذاك، والأهم من ذلك أنها كانت تفتقر إلى تأسيس فلسفي لها مثل الذي حدث في أوروبا في عصر التنوير.
ان الثقافة العربية والحضارة العربية الإسلامية قد بنيت في الأساس على مفهوم العقلانية وارتكزت على العقل، ولذلك أنتجت لنا من العلوم ما كان جزءا كبيرا منها، تأسيسا للعلم الحديث في شتى المجالات المعرفية، فطالما كانت مكانة العقل والعقلانية مميزة وفي الصدارة، كان لدينا من العلماء والمبدعين الجديرين بصناعة حضارة عظيمة يتعلم منها العالم، وما تأخرنا وتخلفنا عن العالم إلا بعد ما نحينا العقل جانبًا وأوقفناه عن العمل وصرنا نردد ما قاله الأولون، وأصبح النقل في الصدارة واتخذ مكان العقل.
فبعد ان فشلت التفسيرات والتأويلات الوهابية والاشعرية المعتمدة على المرويات في انهاء ازمات العقل العربي ليس هذا فقط بل تحولت هذه التأويلات الى اسلحة لمحاربة المسلمين والقضاء عليهم بعد تكفيرهم خرج علينا مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية لدار الافتاء المصرية بمنهج نقلي اخر شديد الذاتية الا وهو المنهج الصوفي، وليس هنا في محل نقد لهذا المنهج بقدر ما نحتاج الى توجيه بوصلتنا إلى الاختيار الصحيح وهو العقل.

شارك