رغم الأكاذيب والمبالغات.. رسائل خطيرة يحملها الفيديو الأخير "لبيت المقدس"
الخميس 03/سبتمبر/2015 - 08:20 م
طباعة

لا أحد يستطيع إنكار أن "سيناء" أصبحت على الخريطة الجهادية منذ مطلع التسعينيات وحتى الآن، ولكن ما حدث من مراجعات لبعض الجماعات، وملاحقة الأجهزة الأمنية للباقي، واعتقال بعض قياداتها في فترة حكم مبارك- جعلها لفترة ليست بالطويلة بمنأى عن أن تكون خاضعةً للجماعات الإرهابية بشكل كامل، ولا نستطيع أن ننكر أيضا أن البيئة البدوية والأيديولوجيات الفكرية المحيطة والإهمال التنموي واتفاقية كامب ديفيد، كلها عوامل أسهمت في خلق بيئة تسمح بتعايش أصحاب الاتجاهات المتشددة والأفكار المتطرفة بمنطقة شمال سيناء؛ ما جعل سيناء تجمع ما بين مناخ ملائم لنمو التطرف، ومنطقة لتصدير الإرهاب، حيث أصبحت السيطرة على أصحاب الأفكار المتشددة والجماعات المتطرفة أمراً يحتاج الى خطة شاملة متكاملة، لا تعتمد فقط على الجانب الأمني، بل لابد من العناية بالبعد التنموي الشامل لتلك المنطقة الحيوية والمهمة لمصر، وغياب هذا البعد هو ما دفع جماعات الجهاد المسلح، بمختلف انتماءاتها الفكرية، في تكرار محاولاتها إلى فرض سطوتها على المنطقة وإعلانها إمارة إسلامية وفرض السيادة عليها، وهو الأمر الذي تم إعلانه مؤخرا من قبل جماعة "أنصار بيت المقدس"، الذي أرسل من خلال الإصدار المرئي الجديد، مساء الثلاثاء 1 سبتمبر 2015، رسائل عدة إلى الداخل المصري فضلاً عن الخارج، كاشفاً عن بعض الحقائق حول طبيعة عملياته في سيناء. ذلك التنظيم، الذي أعلن مبايعة تنظيم "الدولة الإسلامية"، في نوفمبر من العام الماضي 2014، وقد وثّق التنظيم من خلال الشريط المصور الذي جاء بعنوان "حصاد الأجناد"، بعض العمليات أو المعارك ضد الجيش والشرطة منذ أواخر العام 2013. وكان التنظيم قد بدأ بتوجيه أسلحته للداخل المصري ضد قوات الجيش والشرطة سواء في سيناء أو خارجها، عقب عمليات القتل والاعتقالات الواسعة التي نفذتها السلطات المصرية والنظام الحالي بعد الثالث من يوليو 2013.

تفجيرات طابا
وبالتأكيد ان شريط "بيت المقدس" يحمل في طياته الكثير من الادعاءات والمبالغات والاكاذيب بخصوص حجمه وحجم عملياته التي يزعم انه قد نفذها في سيناء.
أولى رسائل التنظيم، في الشريط الذي تناهز مدته الـ37 دقيقة ويعدّ من أضخم إصدارات "ولاية سيناء" منذ تأسيسه، كانت الكشف عن الارتباط بمؤسس جماعة التوحيد والجهاد في سيناء، خالد مساعد، وهو ما يؤكد أن التنظيم الذي ظهر تحت اسم "أنصار بيت المقدس"، ثم غيّر اسمه إلى "ولاية سيناء" بعد مبايعة زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي، تأسس على أنقاض تلك الجماعة القديمة "التوحيد والجهاد"، وعزز هذا الارتباط بثّه بعضاً من كلمات مساعد قبل وفاته في العام 2005، وكان التنظيم الخاص بمؤسس جماعة التوحيد والجهاد، المكنى "أبي صهيب المقدسي"، يقف وراء تفجيرات طابا التي أودت بحياة ما لا يقل عن 34 شخصا وإصابة أكثر من 150 بجراح وشرم الشيخ ودهب والتي كانت سلسلة من الهجمات الإرهابية المتزامنة في 23 يوليو 2005، استهدفت المنتجع المصري الهادئ جنوب شبه جزيرة سيناء المصرية، حيث تُوفي جرَاء هذه الهجمات ثمانية وثمانون (88) شخصاً معظمهم مصريون، وجرح ما يزيد على المائتي (200) شخص من الانفجار جاعلة من الهجمات تلك "أسوأ هجوم إجرامي في تاريخ البلد"، وأكد التنظيم في الإصدار الجديد على أنّ "مساعد ترك رجالاً يستكملون رحلته في سيناء وخارجها".

تفجيرات شرم الشيخ
رسالة أخرى وجّهها التنظيم المسلح، باعتباره أن سيناء تابعة إلى الشام وليس مصر، وهو تقسيم وضعه تنظيم "الدولة " مع بداية تمدّده في منطقة أفريقيا، وتحديداً في مصر، وهو ما يفسّر عدم إقدام التنظيم على تنفيذ عمليات خارج إطار سيناء، مثلما فعل قبل إعلان مبايعة تنظيم "الدولة"، وتركيز عملياته أخيراً على مواجهة قوات الجيش والشرطة في سيناء.
وشدد التنظيم في الإصدار على أنّ "سيناء هي بوابة بيت المقدس الجنوبية"، في إشارة إلى "مواصلة العمليات ضد الكيان الصهيوني، ثأراً لأهالي غزة" وكعادة تلك التنظيمات الارهابية بداية من القاعدة مرورا بداعش العراق والشام الى هذا التنظيم "ولاية سيناء" كثيرا ما يرفعون شعار الحرب على الصهيونية لكنهم حينما يوجهون اسلحتهم لا يوجهونها الى على المسلمين الابرياء ولم تتوجه اسلحتهم مرة واحدة تجاه العدو الصهيوني، فانهم يقتلون الابرياء والمسالمين فقط. هذا ما يعطي اشارة ودلالة قوية الى علاقات التواصل بين التنظيم والتنظيمات الاسلامية العاملة في غزة، وفي بداية الشريط، أورد التنظيم لقطات ومقاطع عدة من توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، ثم لقاءً جمع الرئيس المخلوع حسني مبارك ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
الهجوم على الإخوان والسلفيين

كذلك شنّ التنظيم هجوماً حاداً على جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي في مصر، قائلاً إنه "حينما سقط الطاغية مبارك فُتح باب الديمقراطية على آخره، فانضم إليه أدعياء السلفية والإخوان المفلسين"، وبثّ صوراً للقاءات جمعت القياديين في جماعة الإخوان المسلمين: محمد مرسي، عصام العريان وسعد الكتاتني، فضلاً عن صور لتصويت نائب رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامي.
وأكد التنظيم على أنً "الدخول في هذا الباب أودى بجماعة الإخوان إلى غياهب السجون، بسبب موالاة الطواغيت والمنحرفين ووسم الجهاد بالعنف"، في رسالة أراد التنظيم إيصالها لأنصار الإخوان والسلفيين بأنه لا بديل عن العنف وحمل السلاح، والانضمام إلى تنظيم "ولاية سيناء"، للوقوف أمام النظام الحالي وأجهزته الأمنية.
ويحاول التنظيم استقطاب عدد من الشباب الذين ضاقت بهم الأوضاع وينتقدون الاستمرار في التحركات السلمية جراء ممارسات النظام الحالي القمعية وعمليات التصفية الجسدية.
في المقابل، توقف التنظيم عند عدد من العمليات ضد قوات الجيش والشرطة، منها استهداف موكب وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، وتفجير مديريات الأمن في القاهرة والدقهلية وجنوب سيناء، ثم كرم القواديس والكتيبة 101.
وذكر التنظيم بين ثنايا عملياته التي نفذها، الهجوم على كمين الفرافرة في رمضان قبل الماضي، وهو ما لم يصدر به بيان رسمي من قبل التنظيم حتى الآن.
وتسيطر حالة من الضبابية حول عملية الفرافرة المشار إليها، إذ يتردد أن منفذها هو هشام عشماوي، ضابط الصاعقة المصري الذي انشق عن التنظيم رفضاً لبيعة البغدادي، وأسس جماعة جديدة تتبع بولائها لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، تدعى "المرابطون".
كما توقف التنظيم عند تداعيات مبايعته لتنظيم "الدولة "، مشيراً إلى إقبال الوافدين عليه في سيناء للمشاركة في العمليات ضد الجيش والشرطة، وهو ما زاد من سيطرته على الأوضاع في سيناء.
النظام المصري والتنظيمات المسلحة

وفي السياق الميداني أيضاً، أظهرت اللقطات التي تضمنها الشريط عدم دقة إعلان المتحدث العسكري المصري، العميد محمد سمير، عن سيطرة قوات الجيش على الأوضاع في سيناء، إذ بثّ التنظيم لقطات من هجماته في شهر يوليو 2015، على كميني أبو رفاعي والصدرة، في اشتباكات استمرت نحو 10 ساعات متواصلة، وشملت أجزاء متفرقة من منطقة الشيخ زويد.
وفي الهجمات المشار إليها، خرجت بعض التحليلات من خبراء عسكريين حول رغبة التنظيم في احتلال الشيخ زويد والسيطرة عليها، وهو ما لم يكن واضحاً خلال لقطات "ولاية سيناء".
وتركزت الاشتباكات في الوقائع المشار إليها، على استهداف كميني أبو رفاعي والصدرة بسيارتين مفخختين، ثم بدأت اشتباكات لساعات عدة.
كما أن اللقطات تظهر نسف الكمينين تماماً بعد السيطرة عليهما، لتظهر بعدها الطائرات الحربية في سماء سيناء.
وتظهر اللقطات أن مهاجمة الكمائن لساعات باستخدام كافة أنواع الأسلحة، تمت دون أي عوائق أو إرسال دعم لقوات الكمائن، فضلاً عن بث مشاهد من أجزاء قالوا إنها لطائرة أباتشي.
تلك العملية التي أدت الى استنفار في القوات الأمنية بسيناء حيث نجحت قوات الجيش في فرض سيطرتها على جنوب الشيخ زويد، بشكل سريع، عقب تعرض أكثر من كمين أمني لهجوم إرهابي، وقامت القوات بالانتشار بشكل سريع حول المناطق التي تعرضت للهجوم الإرهابي لتطويقها، في الوقت الذي حلقت فيه مروحيات الجيش من نوع الأباتشي والـ "أف 16" بشكل مكثف أعلى المنطقة، وبدأت تقصف عدة أهداف إرهابية وتجمعات للعناصر المسلحة التي شاركت في تلك العمليات. كما تمكنت مروحيات الجيش، عقب الهجوم الإرهابي، من ملاحقة بعض العناصر الإرهابية التي شاركت في تلك العمليات الإرهابية، ونجحت إحدى الطائرات في تفجير سيارة دفع رباعي يستقلها عدد من العناصر الإرهابية على مدخل قرية الحدايدة بجنوب الشيخ زويد، وأكد مصدر أمني بشمال سيناء، أن مروحيات الجيش تمكنت من تفجير 3 سيارات أخرى بمناطق متنوعة بالشيخ زويد ومقتل من فيها، مشيرًا إلى أن الحصيلة الأولية لقتلى العناصر التكفيرية لن تقل عن 35 إرهابيًا، وما زالت الطائرات. ومن جانبها ساهمت جماعة الإخوان في تشتيت أجهزة الأمن عن تلك العمليات الإرهابية، بقيامهم في الساعات الأولى من صباح نفس اليوم الاول من يوليو 2015، بقطع شارع 23 يوليو بوسط مدينة العريش، بإشعال إطارات السيارات وإلقائها وسط الشارع، وعلى الفور أبلغ أهالي المنطقة الأجهزة الأمنية بقطع الشارع.
واستعرض التنظيم عملياته على دبابات ومدرعات الجيش والجرافات التي تستخدم في هدم المنازل على الشريط الحدودي لهدم الانفاق المرتبطة بقطاع غزة، باستخدام العبوات الناسفة في طريق تلك القوات.
وفي تحدٍ واضح للجيش، أكد التنظيم على استمرار استهداف إمدادات الجيش وقطعها سواء من الناحية العسكرية أو حرق السيارات التي تحمل المياه والمواد الغذائية إلى الكمائن والكتائب المختلفة.
وأفرد الشريط المصور وقتاً طويلاً لعمليات القنص التي نفذها التنظيم ضد قوات الجيش، داخل وحدات عسكرية وفي الكمائن وعلى المدرعات والدبابات، بالإضافة إلى التصفيات الجسدية لضباط وأفراد في الشرطة المصرية في مدينة العريش، فضلاً عن تصفية بعض القضاة.
وأظهر "ولاية سيناء" التطور الذي طرأ على عملياته، من خلال وجود وحدات الرصد في مختلف ربوع سيناء وتحديداً خلال العمليات الكبرى، من خلال التواصل في ما بينهم بأجهزة لاسلكية.
ويعمد التنظيم في كل عملياته إلى اغتنام الأسلحة والذخيرة من قوات الجيش بعد قتل العناصر أو فرار بعضهم، كما استعرض التنظيم عمليات عدة نفذها باستخدام صواريخ "كورنيت" الحرارية الموجهة، إذ استهدف مدرعات ودبابات بإصابات مباشرة، على الرغم من الابتعاد عنها مسافات طويلة.
واستخدم نوع الصواريخ نفسه في تدمير "بارجة" حربية مصرية في سيناء، وهو ما نفاه في حينه المتحدث العسكري المصري، واكتفى بالقول إنه تم اعتراض "لانش" وإعطابه، في حين يظهر الشريط المصور للتنظيم تدمير البارجة تماماً واندلاع النيران فيها كاملة.
العناصر الخارجية داخل التنظيم

ومن الرسائل الإضافية التي أراد إيصالها التنظيم عبر الشريط المصور، وجود تأييد للتنظيم من قبل أهالي سيناء، إذ بثّ عمليات للتلويح وإظهار التأييد من بعض المارة لعناصر التنظيم خلال عرض عسكري نفذه، كما أن العرض العسكري يدّعي تزايد أعداد المنضمين إلى التنظيم خلال الأشهر القليلة الماضية، والقدرات التي بات يتمتع بها، ويعزز ذلك طبيعة العمليات التي باتت تميل إلى استخدام تكتيكات عالية، وهو ما يعني وجود عناصر لها خبرات انضمت إلى التنظيم من العراق وسورية الذين يُعرفون بـ"القادة "الميدانيين" الذين يتولّون تحريك العناصر خلال المعارك، فضلاً عن وجود صانع متفجرات على درجة كبيرة من الخبرة لتصنيع كميات كبيرة من المتفجرات.