روبرت فيسك في الإندبندنت: يجب ألا ننساق وراء إعلام داعش

السبت 05/سبتمبر/2015 - 06:47 م
طباعة روبرت فيسك في الإندبندنت:
 
روبرت فيسك في الإندبندنت:
يقول فيسك “وأنا أشاهد تلك الصورة البشعة لجثة عالم الآثار خالد الأسعد، مقطوعة الرأس، وهي معلقة على عمود كهربائي في تدمرــ صورة تضاف إلى سابقاتها في مكتبة الصور الإباحية التي ينتجها تنظيم "داعش" كل أسبوع ــ أذهلني مدى قدرة ما يسمى بـ"الخلافة" على طعن عالم الصحافة. إنني لا أقصد هنا فقط أولئك الصحفيين الذين أعدمتهم “داعش”، أو الصحفي “جون كانتليي”، الذي يعتبر فيديو إعدامه ملحمة من قصص “ألف ليلة وليلة” داخل أرض الخلافة”. وقد كان محقا عندما اعترض بشدة على رفض الحكومتين الأمريكية والبريطانية إجراء مفاوضات مع “الدولة” لإنقاذ حياة الرهائن، دون أن ننسى أن أمريكا تستطيع الإفراج عن سجناء طالبان مقابل الإفراج عن واحد من أبنائها".
وأضاف "لا، إنني أتحدث عن الطريقة البشعة، التي لا تزال الى حد ما خافية المعالم، والتي تقوم من خلالها "داعش" ودعايتها الإعلامية، ومجلتها “دابق”، بنسف إحدى المهام الرئيسية للصحافة، ألا وهي نقل “الجانب الآخر للقصة”، إننا معشر الصحفيين، منذ الحرب العالمية الثانية، نحاول أن نشرح “لماذا” وكذلك “من” وراء القصة. وإذا فشلنا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث أن الأسباب السياسية التي تقف وراء تلك الجريمة ضد الإنسانية تستدعي فحص السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ودعمنا لإسرائيل والدكتاتوريين العرب، فقد كنّا في الموعد في مناسبات أخرى حينما يتعلق الأمر بـ “الإرهاب”.
وتابع فيسك “كلما سمعنا أحدهم يصف الفلسطينيين بـ ”الإرهابيين”، نحاول أن نشرح للقراء والمشاهدين أن الفلسطينيين ضحايا عملية “تطهير عرقي” كبيرة، تسببت في تهجير 750 ألفًا من أبناء شعبهم، وبالتالي مئات الآلاف من أحفادهم، على يد الدولة الإسرائيلية الجديدة، ومثلما نكتب تقارير عن قوات حزب العمال الكردستاني الماركسي في تركيا، الذين يعتبرون “ارهابيين” في أعين الحكومة التركية، يتعين علينا أن نشير أيضا إلى فشل الغرب في إنشاء دولة كردية بعد الحرب العالمية الأولى، وإلى 40 ألف قتيل الذين لقوا حتفهم في حرب تركيا مع أكرادها على مدى 31 سنة الماضية. وإذا كنا نقول إن “جورج بوش” الابن كان يصف صدام بـ”هتلر”، وجب علينا أيضا أن نتساءل لماذا دعمت الولايات المتحدة صدام نفسه خلال الحرب العراقية الإيرانية”.
وقال فيساك “كل هذا غيّره تنظيم “داعش”. لقد استنفدت صحيفة “الإكسبرس″ قاموسها في الاشمئزاز من “داعش”، إذ وصفتهم بـ”المتعطشين للدماء”، و”المرضى”، و”السفهاء”، و”اللئام”، و”الساديين”، و”الخسيسين”، ولا يسعنا إلا أن نتمنى ألا تظهر ممارسات أكثر فظاعة تواصل اختبار بلاغة الصحيفة.. إنهم من خلال أشرطة الفيديو التي ينشرونها على الانترنت يعممون بفخر مشاهد قطع الرؤوس والمذابح التي يقترفونها، ويتلذّذون بإطلاق النار الجماعي على السجناء، وإحراق أحد الطيارين حيا في قفص حديدي، وحبس السجناء في سيارة ليطلقوا عليهم قاذفة صواريخ، وربط آخرين من أعناقهم بسلسلة متفجرة، أو ووضعهم في قفص حديدي ثم إغراقهم في الماء. إن “داعش” تقول لعالم الصحافة: “نحن لسنا متعطشين للدماء، ولسنا مرضى ولا فاسدين، إننا أفظع من ذلك!”
واضاف “كيف يمكن للصحفيين أن ينقلوا شيئا آخر غير الرعب الذي ينتابهم عندما تعلن مجلة “دابق” أنه “بعد اعتقال النساء والأطفال اليزيديين، ووفقا لأحكام الشريعة، تم تقسيمهم على مقاتلي داعش.. إنها المرة الأولى التي يتم فيها استعباد العائلات بهذا الحجم بعد أسرها (العدد رقم 4، السنة الإسلامية 1435، لمن يريد الاطلاع عليها). هذه المجلة نفسها تستعمل كلمة “مجزرة” عندما تقتل “داعش” أعداءها، ولتبرير هذه القساوة البشعة تستعين بمقولات لعدد كبير من الدعاة الإسلاميين الذين ماتوا منذ زمن بعيد. طبعا، نحن أيضا، كان الكثيرون منا يقولون الشيء نفسه عن أعدائنا قبل مئات السنين".
وقال “كيف نستطيع إذن أن ننقل “الجانب الآخر للقصة”؟ بالطبع، نستطيع أن نتعقب جذور هذه الطائفة من النفوس الضائعة في العقود الصعبة التي جثم فيها المستبدون في الشرق الأوسط ــ وفي غالب الأحوال بدعم  منا ــ على صدور شعوبها، أو مئات الآلاف من القتلى المسلمين الذين كنا مسئولين عن وفاتهم أثناء وبعد غزونا البشع ــ أو “المتعطش للدماء”، أو “السفيه”، أو “الحقير” ـــ للعراق سنة 2003.”
واكد “كما نستطيع، بل من الواجب علينا أن نقضي وقتا أطول بكثير، في التحقيق في الروابط بين تنظيم “داعش” وأصدقائه الإسلاميين والمتمردين (جبهة النصرة، وجيش الاسلام، وحتى الجيش السوري الحر الشبه منعدم ) والسعوديين والقطريين والأتراك، وكذلك  مدى إرسال الأسلحة الأمريكية عبر حدود سوريا إلى أيدي داعش بشكلٍ غير مباشر”.. ولماذا لا تهاجم داعش إسرائيل أبداً؟ ولماذا تكن الكراهية للصليبيين والشيعة والمسيحيين، واليهود بدرجة أقل، بل إنها لم تأت ابداً على ذكر كلمة “إسرائيل”؟ ولماذا تستهدف الغارات الجوية الاسرائيلية على سوريا قوات النظام السوري، أو القوات الإيرانية الموالية لها، ولا تستهدف “داعش” أبدا؟ لماذا غارات تركيا الجوية على “داعش” ــ بدعم من حلف الناتو ــ أقل بكثير من غاراتها على حزب العمال الكردستاني، الذي تقاتل بعض قواته “داعش” في سوريا؟ وكيف أن الصحافة التركية كشفت عن قافلة محملة بالأسلحة جرى تهريبها عبر الحدود السورية إلى داعش من طرف عملاء المخابرات التركية؟ هل هناك فعلاً مهندسون أتراك يديرون آبار النفط التي تسيطر عليها “داعش”، كما يدعي مهندسو النفط السوريون؟ ولماذا انتظر المشرفون على الدعاية في داعش حتى هذا الشهر لكي يهاجموا ــ عبر مسئول متواضع جدا في التنظيم ــ الرئيس التركي أردوغان، ويصفوه بـ”الشيطان” ويحثوا الأتراك على الانتفاض ضد حكومته؟”.
وختم مقالته بقوله “إن تركيزنا يجب ألا ينصب على العنف في أشرطة فيديو “داعش” و”دابق”، بل إن ما يجب أن ننتبه إليه، هو ما لا تتحدث عنه قيادة “داعش”، وما لا تدينه، وما لا تذكره، وهذا يعني، بطبيعة الحال، أن نطرح بعض الأسئلة على تركيا وأمريكا والسعودية وقطر واسرائيل. هل نستطيع؟ أم أننا نتجه نحو السماح لداعش بإيقافنا عن القيام بواحدة من أولى المهام في مهنتنا، ألا وهي نقل “الجانب الآخر للقصة”؟

شارك