دراسة حديثة ترصد مخاطر تسليح الطوائف العراقية على مستقبل الوحدة الوطنية

الثلاثاء 15/سبتمبر/2015 - 11:53 ص
طباعة دراسة حديثة ترصد
 
منذ سقوط العراق في قبضة الاحتلال الأمريكي، وتفكيك الجيش العراقي.. وقع العراق في مستنقع الطائفية البغيض.. وتوالى ظهور وتشكيل ميليشيات مسلحة لكل طائفة.. وبدأ الاقتتال العراقي/ العراقي.. وزاد من تعقيد وخطورة الحاضر والمستقبل العراقي توالد الجماعات المسلحة على خلفية دينية مذهبية (سنة- شيعة).. وكذا ظهور ميليشيات الطوائف والأعراق.. الأكراد.. التركمان.. إلخ.. وهو ما تناوله الدكتور مثنى العبيدي مدرس العلوم السياسية في جامعة تكريت (ونشرت في موقع المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية):
يحتوي العراق أسوة بالعديد من دول المنطقة على تركيبة مجتمعية معقدة قوميًّا ودينيًّا تتوزع بين عددٍ من المكونات تنقسم من الناحية العرقية إلى: العرب، والأكراد، والتركمان، والشبك، أما من الناحية الدينية فتنقسم إلى: مسلمين، ومسيحيين، وإيزيديين، والصابئة المندائيين، والكاكائيين.
هذه المكونات على اختلافها لم تكن بمنأى عن تأثير تطورات الأحداث التي تتعرض لها الساحةُ العراقية بشكل مستمر منذ سنوات، وبشكل خاص الأزمة الأمنية الأخيرة بعد أحداث 10 يونيو 2014، والتي برز فيها الصراع الديني والمذهبي بصورة جلية. وكان على الأقليات العراقية نصيب كبير من تداعيات هذا التأثير، لا سيما في مناطق بمحافظة نينوي التي يقطنها المسيحيون والإيزيدية والشبك وبعض المناطق التي يقطنها التركمان، لا سيما في محافظة كركوك، إذ تعرضت هذه الأقليات لهجمات موسعة من قبل تنظيم داعش، فتم تهجير المسيحيين من مدينة الموصل بشكل قسري، ومصادرة أموالهم، واضطروا للنزوح إلى إقليم كردستان، والبعض منهم إلى دول الجوار وأوروبا، كما تعرضت مناطق الأقلية الإيزيدية في نينوي أيضًا لهجمات أسفرت عن سيطرة التنظيم عليها، ولم يكن حالهم في النزوح والتهجير ليختلف عن حال أبناء الأقلية المسيحية أو مناطق وقرى أفراد أقلية الشبك المتواجدة في محافظة نينوي.

عسكرة الأقليات

يقول الدكتور مثنى العبيدي في ظل هذهِ المرحلة وانهيار العديد من التشكيلات الأمنية المتواجدة في محافظة نينوي والمحافظات الأخرى، وسيطرة تنظيم داعش عليها؛ ظهرت العديد من الفصائل والحركات والميليشيات المسلحة التي تم تشكيلها على أساس قومي أو طائفي أو عشائري لمواجهة هذا التنظيم، ولصد هجماته، أو لإخراجه من المناطق التي استولى عليها بعد أحداث 10 يونيو 2014.
ولم يقتصر تشكيل الجماعات والمليشيات المسلحة على فئة أو مكون معين من مكونات المجتمع العراقي دون آخر، وإنما شملت ظاهرة العسكرة مختلف المكونات، بما في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، لا سيما في ظل تعرض هذهِ الأقليات للاستهداف والتشريد بعد سيطرة تنظيم داعش على مناطق تواجدها في محافظة نينوي كما ذكرنا.

أولًا: تسليح التركمان

أولًا: تسليح التركمان
يأتي التركمان في المرتبة الثالثة بالتوزيع القومي في المجتمع العراقي الذي يتصدره العرب، ومن بعدهم الأكراد، وينقسم التركمان مذهبيًّا بين السنة والشيعة، ويكثر تواجدهم بمدينة تلعفر في محافظة نينوي وفي مدينة كركوك وبعض مناطق صلاح الدين.
وأثارت مسألة تسليح أبناء الأقلية التركمانية جدلا واسعًا في الساحة العراقية، فممثلو التركمان في البرلمان العراقي طالبوا الحكومة الاتحادية بتشكيل قوات خاصة بهم، وتسليحها، وذلك بسبب تسليح التحالف الدولي للأكراد من جهة، وما تعرضت له مناطق التركمان من هجمات لتنظيم داعش تسبب بتهجيرهم من مناطق سكناهم من جهةٍ أخرى.
هذا الأمر لاقى رفضًا كرديًّا قاطعًا بمبرر أن قوات البيشمركة قادرة على حماية كركوك بمختلف مكوناتها العربية والكردية والتركمانية؛ إلا أن الحكومة الاتحادية قد شكلت قوة للتركمان تمثلت بـــ"فوج طوارئ طوز خورماتو" ويقتصر على تركمان منطقة آمرلي في محافظة صلاح الدين، ويوجد تشكيل آخر للتركمان ينتمي إلى هيئة الحشد الشعبي في كركوك تحت رعاية الحكومة الاتحادية بالرغم من معارضة الأكراد لتشكيله 

ثانيًا: القوات المسيحية

ثانيًا: القوات المسيحية
يُشكل المسيحيون المجموعة الدينية الثانية في العراق بعد المسلمين، ويتوزعون بين عدة مذاهب مسيحية، كالآشوريين، والسريان، والأرثوذكس، والكلدان، والكاثوليك. ويعود تواجدهم في العراق إلى مئات السنين، ويتوزعون في عدد من المحافظات العراقية، كنينوي، وأربيل، وكركوك، وبغداد، والبصرة، وينقسمون عرقيًّا إلى عرب وهم الأكثرية والباقي أكراد.
تشكلت قوات مسيحية مسلحة عديدة، منها مرتبط بالأحزاب والجماعات السياسية المسيحية، وأهمها "الحراسات التابعة للمجلس الشعبي" و"قـوات تابعة لتنظيم زوعا" و"مليشيا دويخ نوشا"، وهناك قوات وفصائل تم تشكيلها ضمن هيئة الحشد الشعبي، وأخرى بالتعاون مع قـوات البيشمركة الكردية، وتـضم كلا من: "قوات سهل نينوي" و"كتائب أسـود بابل المشتـركة" و"كتائب بابليون الجـناح العسكري" و"سـرايا أبناء السريان أو "كـتائب عـيسى بن مريم روح الله"، وانضم إلى هذه الفصائل مقاتلون ومدربون أجانب من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، ولبنان، كما تحصل على دعم مالي من مسيحيي المهجر ومن ألمانيا وفرنسا.
وتعرض الدكتور مثنى العبيدي بالتفاصيل عن اثنين من التشكيلات المسيحية المسلحة هما: "مليشيا دويخ نوشا" و"كـتائب أسـود بابل المشتـركة".
تُعد "مليشيا دويخ نوشا" من أبرز الفصائل المسيحية المسلحة، ويعود إطلاق التسمية إلى اللغة الآرامية القديمة التي تعني (التضحية بالنفس) أو الفدائي، وكان تشكيل هذا الفصيل من قبل "الحزب الوطني الآشوري"، وانضم إليه العديد من أهالي المناطق التي استحوذ عليها تنظيم داعش؛ بهدف استرجاع مناطقهم من سيطرته. والهدف المعلن لتأسيس دويخ نوشا هو الدفاع عن المذهب أو العقيدة المهددة بالانقراض أو الإبادة.
ترفع دويخ نوشا شعارًا يمثل خارطة البلدات الآشورية في سهل نينوي، وهو تعبير يحاكي مفاهيم دينية مسيحية قديمة يقول البعض إنها تعني قائد أو رئيس الملائكة، وبذلك لا تختلف هذه الميليشيا عن غيرها من المليشيات والجماعات المسلحة من حيث تشكيلها على أساس ديني.
أما "كـتائب أسـود بابل المشتـركة" فإنها تشكلت في ظل الأزمة الأمنية الراهنة، وتم ضمها إلى صفوف هيئة الحـشد الشعـبي، وتضم في صفوفها عناصر من مختلف المذاهب المسيحية والآشوريين منهم بشكل خاص.
وتميزت هذه الكتائب بأنها تعمل تحت غـطاء الدولة؛ الأمر الذي وفر لها التـدريب والتسليح، وشمولهم بـبقـية المخـصصات والامتيازات التي أقرتها التـشريعات الخاصة بمنح الرواتب والتعويض في حالة تعرض أفرادها للإصابة أو الخطر.

ثالثًا: قوات الإيزيديين

ثالثًا: قوات الإيزيديين
يقطن الإيزيديون في منطقة سنجار وعدد من المناطق الأخرى في محافظة نينوي، ويُقدر عددهم بما يقرب من 300 ألف نسمة، وتعرضت الأقلية الإيزيدية كباقي الأقليات الدينية في العراق لمخاطر عدة في ظل الأزمة الأمنية التي يمر بها العراق، تشرد نتيجتها الإيزيدية، وقُتل عدد منهم، وأصابهم ما أصاب المناطق التي تشهد عمليات عسكرية من دمار. وفي ظل هذه الأوضاع، وتزامنًا مع تأسيس وتشكيل باقي المكونات الدينية والعرقية فصائل مسلحة ومليشيات؛ شكل الإيزيدية قوات مسلحة تابعة لهم، وتُعد "قوات الحماية – شنكال" أبرزها.
تأسست قوات الحماية – شنكال بهدف مقاتلة تنظيم داعش وحماية مناطق التواجد الإيزيدي التي تتركز في محافظة نينوي، وترى قوات الحماية – شنكال أنها الجهة الشرعية التي تُمثل "إرادة الإيزيديين"، وأنهم قوة شرعية طبقًا للقانون العراقي. وأعلن عن تأسيسها حيدر ششو بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة سنجار أوائل أغسطس 2014، ويصل عدد "قوات الحماية- شنكال" إلى ما يُقارب من 2000 مقاتل، يقودهم روحيًّا الشيخ داود چالو، وعسكريًّا حيدر ششو وقاسم ششو، وبدأت هذه القوات بالقتال في سهل نينوي.
 استطاع حيدر ششو أن يُوثِّق صلاته مع الحكومة العراقية التي دعمت قوته بالمال والسلاح، وأصدرت قرارًا يقضي بصرف رواتب عناصر "قوات الحماية- شنكال" من قبل هيئة الحشد الشعبي.
وهناك قوات إيزيدية أخرى ترتبط بحكومة إقليم كردستان وقوات البيشمركة الكردية، تم تأسيسها بطلب من المجلس الروحاني الإيزيدي الذي يعد نفسه أعلى سلطة لدى الإيزيديين. وما يُميز القوات الإيزيدية عن غيرها من قوات وميليشيات لدى الأقليات الأخرى وجود العنصر النسوي فيها؛ إذ تم الإعلان عن تشكيل فوج كامل من المتطوعات الإيزيديات.

رابعًا: قوات الشبك

رابعًا: قوات الشبك
يُمثل الشبك إحدى الأقليات القومية في العراق، ويتكلم أبناؤها باللهجة الشبكية القريبة من اللهجة الكورانية، ويتركز تواجدهم في قرى وبلدات سهل نينوي، ولهم تمثيل سياسي في البرلمان العراقي.
 وبعد أن سيطر تنظيم داعش على المناطق التي يقطنها الشبك في محافظة نينوي أسوة بباقي مناطق المحافظة، ونزوح عدد من سكان هذه المناطق؛ صدر أمر من مكتب القائد العام للقوات المسلحة بتشكيل قوات خاصة تُسمى "قوة حماية الشبك"، عناصرها من أبناء الأقلية الشبكية حصرًا، وتحظى بدعم وتمويل حكومي.
كما تم تسليح ما يقارب من 5000 عنصر من الشبك، وتم ضمهم إلى هيئة الحشد الشعبي تحت مسمى "لواء سهل نينوي"، وشاركوا في معارك تكريت ومناطق عديدة من محافظة صلاح الدين.

آثار وتداعيات عسكرة الأقليات

يترتب على ظاهرة عسكرة الأقليات في ظل الأزمة الأمنية التي تشهدها الساحة العراقية عدة تداعيات رصدها الدكتور العبيدي في المحاور الآتية: 
1- غالبًا ما تدين الفصائل والمليشيات المسلحة بالولاء للشخصيات التي تقودها، وبذلك يكون من السهل استغلالها في تحقيق المكاسب الشخصية لهم على حساب المصلحة العامة.
2- يؤدي تشكيل قوات وفصائل مسلحة على أساس مناطقي أو قومي أو ديني إلى إضعاف المؤسسة العسكرية، ويؤثر على مكانتها لدى المجتمع العراقي.
3- يقود وجودُ جماعات وفصائل دينية أو قومية مسلحة إلى احتمالية وقوع صراعات مع جماعات وفصائل دينية أو قومية أخرى قد تتقاطع معها في الفكر أو المعتقد.
4- قد تخرج الفصائل والجماعات المسلحة عن السيطرة، لا سيما إذا ما ضعفت أو تراجعت سيطرة الدولة عليها، ما يتسبب بالإخلال بالأمن والاستقرار الوطني.
وخلاصة القول.. لم تكن الأقليات والجماعات العرقية والدينية بمنأى عما يحدث على الساحة العراقية عندما أصبحت لها فصائل مسلحة خاصة بها بهدف معلن هو حماية أعضائها، ومقاتلة تنظيم داعش، وأهداف أخرى قد تخرج عن هذا الإطار.
تُنذر هذه التطورات بخطورة الأوضاع التي يشهدها العراق، ومستقبل وحدته الوطنية، وتحتاج إلى معالجات شاملة وعاجلة تتمثل ببرنامج حكومي وطني شامل، ودعم عربي قوي، وحضور فاعل للمجتمع الدولي يُنقذ العراق من الأزمة المعقدة الراهنة.

شارك