علاقات تاريخية متجذرة بين "القاعدة " وإيران على جثة العالم العربي
الإثنين 21/سبتمبر/2015 - 10:21 م
طباعة

العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة الإرهابي متجذرة منذ سنوات، فالأولى تراعي الإرهاب وأنظمته في العالم العربي والثانية لا تترك الأبرياء فيه إلا وقتلتهم تحت دعوى الجهاد فكلاهما وجهان لعملة واحدة عنوانها القتل والإرهاب في العالم العربي.

وثائق جديدة كشفت عن علاقة وثيقة بين الطرفين تتمثل أهميتها انها وجدت في مقر اسامة بن لادن زعيم التنظيم وصادرتها القوات الأمريكية بعد مقتل بن لادن عام 2011 م لتؤكد على العلاقة الوطيدة بين إيران وقيادات التنظيم، والتي بدأت في حقبة التسعينيات.
وتبين الوثائق التي اكتشفت في مخبئه بمدينة أبوت آباد الباكستانية، أن القاعدة كانت تتحرك بأريحية داخل إيران و أن التنظيم ربما رغب في لحظة ما خلال عام 2006، في تأسيس مكتب له بطهران، لكنه عاد ورفض الفكرة بسبب ارتفاع التكاليف بصورة مفرطة وإن تعامل إيران مع التنظيم يعود لفترة التسعينيات، أي إبان وجود قياديي القاعدة في السودان، نظراً لتوطد علاقة الإيرانيين بالنظام السوداني في حينه.

وقال بول كريشنيك خبير مكافحة الإرهاب الأمريكي إن تجميد الخزانة الأمريكية أموال ستة من قياديي التنظيم الموجودين في إيران يؤكد أن طهران كانت حلقة مهمة في تمويل التنظيم في باكستان وأفغانستان و أنه على الرغم من العلاقات مع إيران، إلا أن بن لادن الذي تعامل بحذر مع طهران، حذر أتباعه من أنها ربما "تلعب دور الواشي بالتنظيمات بعد استقطابها وفي رسالة إلى زوجته، رجح بن لادن أن إيران ستتجسس على أسرته، بعد رحيلها عن طهران، ودعاها إلى أن "تترك وراءها كل شيء".
العلاقة بين ايران والقاعدة لم تقتصر على ذلك بل امتدت إلى سنوات سابقة حيث كشفت العديد من التقارير عن معلومات حول صفقة سرية بين إيران وتنظيم القاعدة، قام بموجبها تنظيم القاعدة بإطلاق سراح دبلوماسي إيراني كان قد اختطفه في اليمن، وفي المقابل أفرجت إيران عن 5 من سجناء التنظيم البارزين الذين كانوا محبوسين لديها، وتمت عملية "تبادل الأسرى" هذه في مارس 2015م ، بعد التنسيق مع فرع تنظيم القاعدة في اليمن، الذي كان قد اختطف الدبلوماسي الإيراني نور أحمد نكبخت من صنعاء في يوليو 2013.

وتابعت التقارير "ومقابل الإفراج عن نكبخت، أفرجت طهران عن 5 من أبرز قيادات القاعدة، بينهم سيف العدل، عضو مجلس شورى التنظيم والمسؤول العسكري فيه والذي أشرف على عمليات القاعدة بعد مقتل زعيمها السابق أسامة بن لادن وأن تنظيم القاعدة لن يعلن عن خروج الأشخاص المطلوبين حتى يؤمن خروجهم بالكامل من حدود بلوشستان الإيرانية، ووصولهم إلى الشريط الحدودي بين أفغانستان وباكستان وقد حذر بعض المراقبين من أن إطلاق سراح هؤلاء القياديين سيعطي دفعا للقاعدة، خاصةً وأنها خسرت الكثير من قادتها بالغارات الجوية المتعاقبة عليها بينما انتقل الكثير من أعضائها إلى تنظيم "داعش".
الباحث دانيال بايمان، الأستاذ في برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، ومدير الأبحاث في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط بمؤسسة بروكينجز كشف في دراسة له عن أبعاد العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة في الشرق الأوسط صدرت عن مؤسسة (IHS) لاستشارات الدفاع والمخاطر والأمن تحت عنوان "علاقة إيران السرية بتنظيم القاعدة تحالف مستبعد " قائلا " في ظل تزايد المخاوف العالمية والإقليمية من تطور القدرات النووية الإيرانية، وما يفرضه ذلك من توترات في العلاقات الخارجية الإيرانية، يتجلى بعد آخر لا يقل أهمية عن البعد النووي في السياسة الخارجية الإيرانية، هو علاقة إيران بتنظيم القاعدة، وهي العلاقة التي قد تبدو مستبعدة نتيجة للاختلافات الأيديولوجية والمذهبية ما بين الطرفين، غير أن اعتبارات المصالح المشتركة تجعل من التعاون فيما بينهما أمرا واردا وممكنا".

وكشف عن عدة دلائل لوجود علاقة بين إيران والقاعدة من أبرزها تقرير لجنة 11 سبتمبر الذي نشر في 2004، وهو التقرير الرسمي الذي تم إعداده عقب أحداث 11 سبتمبر بطلب من الرئيس الأمريكي والكونجرس وأكد أن إيران كانت تعمل مع تنظيم القاعدة في بداية التسعينيات في الوقت الذي توجد فيه قيادات التنظيم في السودان، وذلك بالإضافة إلى كتابات سيف العدل، أحد قيادي القاعدة، والتي أشار فيها إلى دور إيران في دعم القاعدة، خاصة في السنوات السابقة لعام 2001 م وأن إيران دائما ما كانت قادرة على تجاوز الخلافات الأيديولوجية لتحقيق مصالحها بالتعاون مع تنظيمات سنية، أبرزها حماس وتنظيم القاعدة، هذا الدعم الإيراني لتنظيم القاعدة بدا واضحا في مساعدة إيران في تدريب بعض نشطاء التنظيم، وتسهيل مرور عناصر القاعدة إلى أفغانستان من خلال إيران قبل وبعد أحداث 11 سبتمبر، والسماح لقادة التنظيم بالبقاء تحت إقامة جبرية شكلية في إيران، وهو ما رأته القاعدة ملاذا آمنا لها

وأرجع المصالح الإيرانية وراء هذا الدعم للقاعدة في ثلاث نقاط رئيسية تمثلت فيما يلي:
1- وجود عناصر تنظيم القاعدة في إيران تمنحها قوة تفاوضية، خاصة في علاقتها مع الولايات المتحدة، إذ يصبح بإمكانها أن تسهل من انتقال هذه العناصر إلى العراق أو أفغانستان أو أن تزيد من الخناق عليهم، إذا ما أرادت ذلك تبعا لمسار المفاوضات مع الولايات المتحدة.
2- تستطيع إيران استغلال علاقتها بالقاعدة في القيام بعمليات ضد بعض الدول، في حال توتر العلاقات فيما بينها، وعلى رأسها السعودية، وذلك من خلال التعاون مع الجماعات المناهضة للنظام السياسي.
3- توفير الدعم اللوجيستي للقاعدة وتوفير ملاذ آمن لعناصرها، قد مكن إيران من حماية نفسها من أي هجمات محتملة يقوم بها التنظيم داخل الأراضي الإيرانية والمثال على ذلك الخطاب الذي أرسله الظواهري لأبى مصعب الزرقاوي، والذي كان وقتها قائد القاعدة في العراق، يطالبه فيه بعدم التعرض للشيعة والإيرانيين، نظرا لوجود أكثر من (100) من أعضاء القاعدة تحت قبضة النظام الإيراني.

ومن أبرز الأمثلة على التعاون بين "القاعدة وايران " ما يلي:
أولًا: بعد أن اضطرت عناصر التنظيم إلى ترك السودان والتوجه إلى أفغانستان في 1996، سمحت إيران لعناصر القاعدة بأن يقيموا معسكرات التدريب في أفغانستان على حدودها لتسهيل وصول المجندين إليها من خلال إيران، كما سمحت لهم أيضا الانتقال من أفغانستان إلى دول أخرى، وعلى رأسها العراق من خلال الأراضي الإيرانية و أن هذا الدعم الإيراني للقاعدة في أفغانستان، وتسهيل حركة عناصر التنظيم من خلال أراضيها مستمر حتى الآن، واستدل على ذلك بالرجوع إلى الأسماء التي أعلنتها وزارة الخزانة الأمريكية لعناصر من تنظيم القاعدة في فترات مختلفة، وأكدت أنهم على صلة مباشرة بإيران، وأن منهم من كان وسيطا بين القاعدة والحكومة الإيرانية، ومن بين الأسماء التي تم إعلانها: (عادل محمد عبد الخالق في 2008، ومصطفي حامد في 2009، وياسين السوري في 2011.

ثانيا: في فترة التسعينيات، سمحت إيران لأعضاء القاعدة بإجراء اجتماعاتهم داخل أراضيها، بعد انقسام القاعدة إلى مجموعتين، لجأت إحداهما إلى إيران، وضمت أبا حفص الموريتاني وسليمان أبو غيث وغيرهما، قامت إيران بوضعهم تحت الإقامة الجبرية، ولم تسمح لهم بالعمل داخل إيران ولكن بعد توتر العلاقات ما بين الولايات المتحدة وإيران من جديد، وخطاب جورج بوش في 2002 ، والذي وصف فيه إيران بأنها مركز محور الشر، بدأت إيران ترفع قبضتها عن القاعدة، وسمحت لها باستخدام أراضيها لمواجهة القوات الأمريكية في فترة الغزو الأمريكي للعراق وتمكنت عناصر القاعدة في إيران من استخدام هذا الدعم الإيراني في التواصل والتنسيق مع خلايا تابعة لها في دول أخرى كتلك التي قامت بهجمات على مجمع سكني في الرياض في مايو 2003.
ثالثا: كشفت صحيفة “واشنطن بوست” في عددها الصادر في 12 فبراير 2014 عن مغادرة” ثروت شحاته” أحد أكبر قياديي القاعدة الناشطين مؤخرا لأراضي إيران التي كان قد وصلها قادماً من أفغانستان عشية الهجوم الأمريكي على نظام طالبان عام 2001م واستندت الصحيفة على معلومات صادرة عن مصدر في سي آي أيه رفض الإفصاح عن هويته واسمه، وهو الأمر الذى أثار عدة أسئلة حول دوافع ايران لإرغام هذا العنصر المفصلي في قيادات القاعدة على مغادرة أراضيها رغم أنها قد آوته وغطت عليه طيلة عقد من الزمن.

رابعا: قيام طهران بإطلاق سراح خمسة من قياديي "تنظيم القاعدة" بعد احتجازهم لفترة غير معلوم مدتها، وقد سمحت لهم السلطات الإيرانية بمغادرة البلاد بعد إبرام إيران الصفقة النووية مع الغرب، ثلاثة من بين الخمسة المفرج عنهم كانوا أعضاء في مجلس شورى تنظيم القاعدة، وقد تم إطلاق سراحهم في مقابل الإفراج عن دبلوماسي إيراني مختطف في اليمن، ومن أبرز الأسماء المفرج عنها وهي "أبو الخير المصري" المسؤول السابق للعلاقات الخارجية بتنظيم القاعدة، واسم القيادي في التنظيم "سيف العدل" وهو مصري الجنسية يُنسب إليه تخطيط الهجوم على السفارتين الأمريكيتين في دولتي كينيا وتنزانيا عام 1998، وكذلك اختطاف صحفي أجنبي في باكستان عام 2002م و "أبو محمد المصري" وهو ضابط سابق بالجيش المصري وأحد أبرز القادة العسكريين لتنظيم القاعدة ضمن المفرج عنهم في هذه الصفقة، والأردنيان خالد العاروري وساري شهاب، ويشار هنا إلى أن العاروري الملقب باسم "أبو القسام" كان أحد نواب أبي مصعب الزرقاوي في العراق.
خامسا: وفرت السلطات الإيرانية ملاذًا آمنًا داخل إيران لأسرة أسامة بن لادن بعد أن حوصر في مقر إقامته بأفغانستان لفترة، وهو تصرف يبدو لأول وهلة غير مفهوم، لكنه مؤكد الحدوث بعدما ظهرت خطابات أسامة بن لادن بعد مقتله في باكستان، والتي كانت مرسلة لإحدى زوجاته المقيمات في إيران وهو يحذرها من إمكانية تتبع المخابرات الإيرانية لها بعد خروجها إليه زهو الأمر الذى يؤكد وجود عناصر خطرة من تنظيم القاعدة بحوزة الإيرانيين، ربما لاستخدامهم كورقة ضغط في معركتهم مع الغرب، ولو حاولت إيران تصوير وجود بعضهم كلاجئين أو ضيوف مرحب بهم.

سادسا: أشارت تقارير استخباراتية إلى أن مكتب الارتباط المختص بتنظيم العلاقات الإيرانية مع التنظيمات الجهادية والذي يُطلق عليه "قراركاه قدس" قام بتسهيل انتقال قيادات من تنظيم القاعدة من أفغانستان إلى باكستان عبر محطات يُديرها المكتب في المناطق المختلفة هناك، وهو ما عده البعض استغلالًا للتنظيم يتجاوز الأيديولوجيا كثيرًا من جانب الإيرانيين وربما من جانب التنظيم أيضًا، هذا التجاوز يحدث فقط في حالة توحيد العدو –الولايات المتحدة وأنظمة الحكم في الخليج-، وما عدا ذلك فيظهر للعيان خوض تنظيم القاعدة حروبًا شرسة ضد وكلاء إيران في العراق وغيرها من البلدان.
جوناثان إيال رئيس قسم الدراسات الأمنية في المعهد الملكي للخدمات المشتركة في بريطانيا أكد أيضا على أنّ إيران قد منحت اللجوء لعناصر عدة من تنظيم القاعدة بعد عام 2001، بما في ذلك عناصر من قياداتهم، أن حق اللجوء لا يشمل بأي حال حق النشاط التخريبي أو السياسي.
وذكر تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية في أبريل عام 2013 إلى أن صهر بن لادن المدعو "سليمان أبو غياث" قد أبعد من إيران إلى تركيا ومنها إلى الأردن حيث اعتقل وسُلم إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليواجه القضاء. وحقيقة أنّ إيران سلمته إلى تركيا بدلا من أن تسمح له بالتسلل إلى باكستان، كما سبق أن فعل عدة مرات خلال السنوات السابقة، تكشف عن توتر العلاقة بين السلطات الإيرانية وبين تنظيم القاعدة على خلفية دورهما في الحرب بسوريا وملابسات مقتل أسامة بن لادن.
مما سبق نستطيع أن نؤكد على أن القاعدة وإيران يتحالفنا وفق الظروف التي يفرضها الواقع والتاريخ فدائمًا ما كانت إيران قادرة على تجاوز خلافها الأيديولوجي في سبيل مصلحتها البراجماتية في الشرق الأوسط ، وأن هذه المرونة الإيرانية تخدم في المقام الأول مشروعها الأيديولوجي، والامر نفسه بالنسبة لتنظيم القاعدة والخاسر الأكبر من هذا التحالف الشيطاني هو العالم العربي.