المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية يحذر من خطورة تمدد "داعش" بدول التعاون الخليجي

الثلاثاء 22/سبتمبر/2015 - 10:55 ص
طباعة المركز الإقليمي للدراسات
 
يبدو أن "منطقة الخليج" تتمتع بمكانة خاصة لدى "التيارات الإسلامية" بصفة عامة، وتنظيم "داعش" بصفة خاصة؛ لما لها من مكانة تاريخية ودينية عظيمة، خاصة المملكة العربية السعودية التي توجد بها الأماكن المقدسة، إضافة إلى تمتعها بدرجة كبيرة من الثراء مقارنة بالدول الأخرى؛ بسبب امتلاكها ثروات نفطية هائلة، جعلتها محط أنظار كل التنظيمات الجهادية، وعلى رأسها تنظيم "داعش" الذي أصبح يرغب في التواجد في تلك المنطقة من خلال عملياته الإرهابية، رغبة منه في الاستحواذ على ثرواتها بعد أن ذاق "شهية النفط" في المناطق التي يسيطر عليها في العراق وسوريا. وهذا ما دفع التنظيم إلى استهداف بعض دول الخليج في الفترة الأخيرة؛ مما دل على أن "منطقة الخليج" تمثل أهمية كبيرة لدى التنظيم من الناحية الفكرية والتنظيمية. من هذا المنطلق قدم المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية ورقة بحثية تحت عنوان (كيف يفكر "داعش" في منطقة الخليج؟) حذر خلالها من العداء الطائفي؛ خاصة للشيعة حيث استهدفتهم كل عمليات داعش في السعودية والكويت. كما أشارت الدراسة إلى تركيز عمليات داعش في السعودية باعتبارها الأرض المباركة والتي يرى التنظيم أنه أحق بأن تكون مقرًّا لأرض الخلافة التي يزعم وجودها. ورغم جودة الأفكار المطروحة بالدراسة إلا أنها لم تشر بصورة واضحة إلى أثر الفكر الوهابي الذي نشأ في السعودية أصلًا على فكر "داعش" أو دور السعودية في تمويل بعض التنظيمات الإرهابية؛ الأمر الذي يؤكد على خطورة انتشار الفكر الداعشي بين أبنائها. 
وتضمنت الدراسة: 

عمليات "داعش" في الخليج

عمليات داعش في الخليج
قام تنظيمُ "داعش" بعددٍ من العمليات الإرهابية في منطقة الخليج، والتي كانت لها تداعيات كبيرة على المنطقة بسبب وصول الأذرع الداعشية إلى بعض دول الخليج، وهي المملكة العربية السعودية، ودولة الكويت التي كان يظن الكثيرون أنها في مأمن من الخطر الداعشي.
فبالنسبة للمملكة العربية السعودية، فقد قام التنظيم بالهجوم على "حسينية" للشيعة في قرية "الدالوة" بمحافظة الأحساء بالمنطقة الشرقية بالمملكة، في 3 نوفمبر 2014، ثم تبعها بعدد من العمليات في عام 2015، تمثلت في الهجوم الإرهابي على مركز "سويف" التابع لجديدة "عرعر" في 5 يناير، إضافةً إلى الهجوم على المصلين أثناء صلاة الجمعة في بلدة "القديح" التابعة لمحافظة "القطيف" شرق البلاد، في 22 مايو، ثم الاعتداء على مسجد "العنود" بمدينة "الدمام" في 29 من نفس الشهر، ثم تبعها بعملية تفجير مسجد "قوات الطوارئ"، بمنطقة "عسير"، في 5 أغسطس 2015. أما بالنسبة لدولة الكويت، فقد قام "داعش" باستهداف مسجد "الإمام الصادق" في حي "الصوابر" بالكويت من خلال تفجير انتحاري في 26 يونيو 2015 الموافق 9 رمضان 1436، وذلك أثناء أداء صلاة الجمعة، نتج عن الحادثة مقتل ما لا يقل عن 27 شخصًا، وجرح 227 شخصًا على الأقل.

دلالات عمليات "داعش" في الخليج

دلالات عمليات داعش
عمليات تنظيم "داعش" في كلٍّ من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت، تحمل عددًا من الدلالات، من أهمها:
- العداء الطائفي: فمعظم التفجيرات التي طالت المساجد في السعودية، إضافة إلى تفجير مسجد "الإمام الصادق" في الكويت كانت تستهدف "الطائفة الشيعية"؛ مما يدل على أن "داعش" يُكن عداوة خاصة تجاه الشيعة في منطقة الخليج؛ حيث يعتبر أن وجود "الشيعة" في منطقة الخليج (جزيرة العرب) مناقض للإسلام؛ لأنهم روافض، ولا يحق لهم التواجد في شبه الجزيرة العربية، وكان التنظيم قبلها ببضعة شهور، قد أصدر فتوى تُجيز تفجير "مساجد الشيعة" في أي بلد في العالم؛ نظرًا لأن هذه "المساجد" تعد "مساجد ضرار" ولا تَمُتُّ للإسلام بأي صلة.
- التركيز العملياتي على السعودية: حيث إن كل عمليات "التنظيم" في الخليج باسثناء عملية الكويت، كانت تستهدف "المملكة العربية السعودية"، نظرًا لما تتمتع به من مكانة دينية وقدسية كبيرة في العالم الإسلامي، ونظرًا لنزول الوحي فيها، وانتشار الإسلام منها إلى ربوع الأرض، إضافةً إلى وجود الحرمين الشريفين على أرضها، مما جعلها تملك قيمة دينية كبيرة، تؤهلها لقيادة العالم الإسلامي السني، وبالتالي يرى التنظيم أنه أحق بالتواجد على هذه الأرض، وضمها إلى دولة "الخلافة الداعشية"، حتى يتمكن من قيادة العالم الإسلامي بشكل كامل.
- التنافس مع "القاعدة": فتنظيم "داعش" في استهدافه لمنطقة الخليج بشكل عام، والمملكة العربية السعودية بشكل خاص، يحاول منافسة التواجد "القاعدي" الذي كان أول من استهدف السعودية، وأنشأ له فرعًا خاصًّا فيها تحت اسم "القاعدة في جزيرة العرب"، وكان يسعى إلى الإطاحة بالأسرة الحاكمة في البلاد والسيطرة عليها؛ من أجل تصدير مشروعه الجهادي، وبعد أن فشل تنظيم "القاعدة" يحاول تنظيم "داعش" تحقيق نفس الأهداف من خلال عملياته الإرهابية، حتى يكون هو "الممثل الجهادي" في هذه المنطقة.

أنماط التفكير "الداعشى" في الخليج

يبدو أن انضمام عددٍ من شباب الخليج إلى "داعش"، شجع التنظيم على التفكير بقوة في ايجاد موطئ قدم له في هذه المنطقة؛ لذا فإن التفكير "الداعشي" تجاه منطقة الخليج بشكل عام، يحكمه عدد من "الأنماط الفكرية"، من أهمها:
- التفكير العقائدي: والذي يستندُ إلى الحديث الشريف "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، والذي كان أوّل من أصّل له هو تنظيم "القاعدة"، ثم جاء تنظيم "داعش" ليوسع من مفهوم "المشركين" ليُدخل فيه "الشيعة"، بعد أن كانت القاعدة تقصر المفهوم على الأمريكان وحلفائهم فقط، حيث ينظر "داعش" إلى الشيعة في الخليج على أنهم بؤرة فاسدة يجب القضاء عليها. كما وسّع التنظيم مصطلح "جزيرة العرب" ليشمل كل دول الخليج قاطبة بدون استثناء، لتصبح كل دول الخليج في مرمى النيران "الداعشية"، وبالتالي فإن التنظيم يفكر في منطقة الخليج من الناحية الجغرافية والشرعية ككتلة واحدة، وأنه يجب عليه أن يجاهد الأنظمة الحاكمة في الخليج حتى يتم إسقاطها، ويضمها إلى "دولة الخلافة" في العراق وسوريا.
- التفكير الاقتصادي: يرى تنظيم "داعش" أنه يجب أن يستحوذ على النفط الخليجي، من خلال نقل نشاطه العملياتي إلى دول الخليج؛ حيث يرى أنه يجب استثمار هذه الثروة النفطية لصالحه؛ نظرًا لأنه الممثل الحصري للإسلام بعد الإعلان عن الخلافة الإسلامية، مخالفًا بذلك استراتيجية تنظيم "القاعدة" التي كانت تعتمد على ضرب وتدمير صناعة النفط في الخليج، من أجل حرمان الأنظمة الحاكمة من ميزة التنعم بالعائدات التي تحققها مبيعات النفط والغاز الطبيعي، والتي تمنح هذه الحكومات القدرة على تحقيق الاستقرار والاستمرار في سدة السلطة، إضافة إلى محاولة الاستفادة من الأموال التي تأتي من منطقة الخليج، سواء على شكل تبرعات أو أموال زكاة، لصالح العمل الجهادي.
- التفكير الدعوي: فالمجتمعات الخليجية بصفة عامة تُعد مجتمعات محافظة مقارنةً بغيرها من المجتمعات العربية، نظرًا لأن الموروثات الدينية والاجتماعية والقبلية ما زالت تلعب دورًا في تلك المجتمعات، وهذا ما يُشجع تنظيم "داعش" على التفكير في تجنيد بعض أبناء الخليج في صفوفه، خاصةً في ظل وجود عددٍ من الدعاة الذين توجد لديهم ميول جهادية (دعاة الفتن)، وينشرون أفكارهم بين الشبان مما يُساهم في خلق بيئة مناسبة لانتشار الافكار الجهادية، خاصة وأنهم يحضون الشباب المتأثر بأفكارهم وخطابهم على التوجه إلى البؤر الملتهبة ومناطق الفتن مثل سوريا والعراق التي ينشط فيها تنظيم "الدولة الإسلامية"، مما يساهم في خلق جيل "داعشي" في المنطقة يساعد التنظيم في تحقيق أهدافه في المنطقة.
- التفكير التنظيمي: من خلال ما يُسمى بـ"الركيزة التنظيمية"، وهي عبارة عن محاولة إيجاد مجموعات تابعة "للتنظيم" في دول الخليج تخدم مصالحه الاقتصادية والمعلوماتية والأمنية من ناحية، وتقوم بالخدمات اللوجستية للتنظيم وقت الحاجة من ناحية أخرى، وهذه الركيزة التنظيمية يُفضل غالبًا أن تكون من أبناء الدولة المستهدفة في الخليج، خاصةً وأن هذه الركيزة دائمًا ما تقوم بدور حيوي؛ لذا دائمًا ما تكون على علاقة مباشرة بقيادة التنظيم.
وأخيرًا، فإن عمليات "داعش" في الخليج تؤكد أن مخاطره امتدت بشكل مباشر إلى دول مجلس التعاون الخليجي، على نحو ما تعكسه الخريطة الجديدة للعراق التي نُشِرت أخيرًا من قبل التنظيم، والتي شملت حدودها دولة الكويت، وبالتالي ستظل أنماط "الفكر الداعشي" تجاه الخليج مستمرة ما لم يحدث تغير جذري في الأصول الفكرية لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وهذا أمر في غاية الصعوبة، في تلك المرحلة، خاصة وأن معظم الأوضاع والمتغيرات الإقليمية تساعد على بقاء التنظيم واستمراره لسنوات على الأقل، وبالتالي سيظل الخليج مستهدفًا من تنظيم "داعش" خلال الفترة القادمة.

شارك