الشيخ "الجيزاوي".. رائد إصلاح التعليم بالأزهر

الثلاثاء 01/أكتوبر/2024 - 08:45 ص
طباعة الشيخ الجيزاوي.. مصطفى أمين
 
هو محمد أبو الفضل الوراقي الجيزاوي، المولود عام  1264هـ - 1847م، بقرية وراق الحضر التابعة لمركز إمبابة التابعة لمحافظة الجيزة وتوفى عن عمر يناهز 100عام عاش نحو مائة سنة، وصلي عليه بالأزهر، وأجريت له المراسم الرسمية، وشُيِّعَ إلى مثواه الأخير في جنازة مهيبة حضرها العامة والخاصة من العلماء، ليكون بذلك الشيخ الثانى والثلاثين  للجامع الأزهر على المذهب المالكي، وعلى عقيدة أهل السنة.

نشأته وتعليمه:

نشأ في قريته وراق الحضر التابعة لمركز إمبابة التابعة لمحافظة الجيزة التي نُسِبَ إليها نشأ وتربَّى فيها، وحفظ القرآن تمهيدًا للالتحاق بالأزهر، والتحق بالأزهر ، ودرس علوم الأزهر المقررة حينئذ مثل: التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعاني والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، على يد كبار مشايخ عصره ضمن طلابه وعلى رأسهم الشيخ الشيخ الإنبابي  والشيخ عليش، والشيخ العدوى وبعد أنْ تمكَّن من علمه أمَرَه شيوخه بالتدريس، وآنَسُوا فيه القدرة على ذلك، وبعد أنْ أخذ الإذن منهم بدأ بقراءة الكتب الأزهريَّة في النحو، ثم عمل بالتدريس  في الأزهر وكان  شديد الحفظ قوي الاستيعاب، وفي أيام مشيخة الشيخ العروسي الأول ألقى أوَّل درس له، وبحضور جمعٍ كبير من المشايخ والعلماء وجميع الطلاب، ثم لازم التدريس، وقرأ جميع الكتب الفقهية المتداول قراءتها حينذاك، وكذلك كتب اللغة العربيَّة وغيرها من علوم العصر، وقد رزَقَه الله الحظوة، فأقبل عليه العلماء والطلاب على السواء، وتخرَّج على يديه أغلب أهل الأزهر، وهو أوَّل مَن شرح كتاب "الخبيصي في المنطق"، وعرف به الطلاب؛ فاشتهر الكتاب على يديه، وذلك بتدريسه مرارًا، وكذلك كتاب "القطب على الشمسية" - قواعد منطق - وكتاب ابن الحاجب في الأصول. 
 ثم عين عضواً في إدارة الأزهر في عهد الشيخ البشرى، ثم وكيلاً للأزهر سنة 1326 هـ 1908 مـ واستمر في التدريس بالأزهر الشريف ولم يتركه طوال هذه الفترة 
وقد ذكر فرج سليمان فؤاد  في كتابه  "الكنز الثمين لعظماء المصريين"؛ ما كتبه الإمام الجيزاوي عن سيرته الذاتيَّة التي كتبها بنفسه عام 1336هـ، وذلك قبل وفاته بنحو عشرين عامًا، حيث يقول فيها  "دخلت الكُتَّاب لحفظ القُرآن الكريم كعادة أهل القرية 1269هـ، وحفظت القرآن كلَّه في وقت قصير، فأتممته 1272هـ، وكان سنِّي إذ ذاك عشر سنوات، ودخلت الأزهر 1272هـ، واشتغلت بتجويد القرآن الكريم وحِفظ المتون وتلقِّي بعض الدروس، ثم لازمت الفقه على مذهب الإمام مالك وتلقيت العلوم العربية من نحو وصرف وبلاغة وأدب، وأصول الفقه وتفسير وحديث ومنطق على أكابر المشايخ الموجودين في ذلك الوقت، ومنهم البحر الفهَّامة الشيخ محمد عليش، والشيخ علي العدوى، وعلوم الأصول والحديث وغيره على الشيخ إبراهيم السقا والشيخ الإنبابي والشيخ المرصفي، وغيرهم من أجلاء العلماء والأساتذة، وداومت على الدراسة والاطِّلاع وحضور ساحات العلم وحلقاته حتى 1287هـ، فأمرني الشيخ الإنبابي بالتدريس، فوافقت بعد تردُّد، وفي ربيع الأول 1313ه عُيِّنتُ عضوًا في إدارة الأزهر في زمن الشيخ سليم البشري، ثم استقلت منها وعُيِّنتُ ثانيًا بها 1324هـ، أيَّام الشيخ الشربيني، ثم عُيِّنتُ وكيلاً للأزهر 1326هـ، م صدر قرار بتعييني شيخًا للإسكندرية لمدَّة ثماني سنوات، وفي 14 من ذي الحجة 1335هـ - 1917م صدر القرار بتعييني شيخًا للأزهر، ثم أسندت إليَّ مشيخة السادة المالكيَّة 1336هـ - 1918م.

مشايخه:

تعلم على يد العديد من مشايخ الأزهر وكبار علمائه وعلى رأسهم الشيخ الشيخ الإنبابي  والشيخ محمد عليش، والشيخ علي العدوى، والشيخ إبراهيم السقا والشيخ المرصفي.

فترة ولايته:

شهد الأزهر الشريف في عهده حركة إصلاحية واسعة حيث استصدر قانوناً ساهم بشكل كبير في إصلاح الأزهر في عام 1923 مـ تقدم به تضمن ما يلي: 
1-    خفض كل مرحلة من مراحل التعليم بالأزهر إلى أربع سنوات على أنَّه يجب أن ينظر للمرحلتين الابتدائيَّة - وهي المرحلة الإعداديَّة الآن - والمرحلة الثانوية على أنها مرحلة ثقافية عامَّة، ويجب أنْ يدرس فيها العلوم الرياضيَّة التي تدرس بالمدارس العامَّة التربية والتعليم، وأنَّه يكتفى بتدريس العلوم الدينيَّة والعربيَّة بالأقسام العالية والتخصُّصات.
2-   إنشاء أقسام التخصص في التفسير والحديث والفقه والأصول والنحو والصرف والبلاغة والأدب والتوحيد والمنطق والتاريخ والأخلاق ويلتحق بها من يحصل على العالية.
3-  تأليف لجنة لإصلاح التعليم بالأزهر انتهت إلى وجوب تدريس العلوم الرياضية التي تدرس بالمدارس المدنية ويجب فتح مدارس وزارة المعارف أمام خرِّيجي الأزهر ليدرسوا فيها 
وقد منح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر.

مواقفه:

تولى مشيخة الأزهر 10 سنوات  سنة 1335 هـ 1917 مـ، وعاصر أحداث الثورة المصرية سنة 1919 مـ و ما تلاها من صراع بين الشعب ومستعمريه وحكامه، وقاد مسيرة الأزهر في خضم تلك الأحداث حتى توفي سنة 1346 هـ / 1927 مـ.
عاصَر الإمام الجيزاوي أحداث ثورة 1919م، وصِراع الشعب مع الاستعمار، وصِراع الأحزاب السياسيَّة، والصراع بين الزعماء والملك، وكما شاهد اندلاع الثورة من ساحة الأزهر واشتراك المسيحيين وجميع الطوائف الدينيَّة مع كبار علماء الأزهر ومقاومة الاستعمار،  وشارك في مقاومة الإنجليز ورفض طلبهم بإغلاق الأزهر منعا لأن يصبح معقلا للمقاومة الوطنية المصرية في وجه الاستعمار الإنجليزي واستطاع بنفسه أنْ يقود الأزهر في غمار هذه الأمواج والعواصف.

مؤلفاته:

كان الشيخ الجيزاوي واسع الاطِّلاع في العلوم الفقهيَّة والفلسفيَّة وتاريخ الإسلام، وله العديد من المؤلفات من أهمها 
1- إجازة للشيخ محمد بن محمد المراغي المالكي الجرجاوي، أجازَه فيها بما في ثبت الشيخ محمد بن محمد الأمير الكبير، نسخه خطية.
2- الطراز الحديث في فن مصطلح الحديث.
3- تعليقات على شرح العضد.
4- أصول الفقه.
5- كتب على شرح المطوَّل وحاشيته ما يقرب من خمس وأربعين كراسة "ملزمة"

الانتقادات الموجهة الى عهد توليه المشيخة:

يرى بعض المؤرخين  أن 5 من  أئمَّة  الأزهر الشريف منهم الشيخ   محمد أبو الفضل الجيزاوي قد شهد الأزهر في عهدهم حالة من الضعف تمثلت فيما يلي: 
1- إنَّ منصب شيخ الأزهر في أيامهم قد ضعُف بعدما كان قويًّا مهابًا عزيز الجانب، وصار ألعوبةً في أيدي الحكَّام، يُقلِّدون مَن يشاؤون المشيخة، وينتزعونها ممَّن يشاؤون.
2- إنَّ مَن تولى منصب المشيخة منهم كان  لا يطيقُ صبرًا على البقاء فيها لأسبابٍ؛ فكانوا يستقيلون المرَّة تلو الأخرى، ويعتكفون في بيوتهم؛ رغبةً في التخفُّف من أعباء وهموم هذا المنصب.  
3- إنَّ بعض المناصب في ذلك العصر كان لا يطولها العزل، مثل: عضوية مجلس الشورى، وعلى الرغم من أنَّ منصب مشيخة الأزهر كان أَوْلَى بهذه الحصانة وأحق.

شارك