التركمان السوريون "ضحايا" الصراع الأردوغاني الأسدي
الخميس 01/أكتوبر/2015 - 03:33 م
طباعة

على الرغم من أن الصراع في سوريا قد حول الشعب السوري بالكامل إلى ضحايا لحرب مقيتة لا تُبقي ولا تذر إلا أن الأقليات السورية تعد من أكثر الشرائح تضررا من هذه الحرب ليس بسبب الدمار الذي لحق بديارهم، ولكن بسبب الاتهامات الموجهة لهم دائمًا بالعمالة للخارج ومن ينجو منها تلتصق به تهمة العمالة للنظام.

وتعد طائفة التركمان السوريين من أكثر الطوائف التي تعانى حاليًا من الأزمة فحتى بعد هروب الآلاف منهم إلى لبنان طلباً للأمان، اصطدموا بواقع النبذ والتضييق الذي يُعاملون به في حياتهم اليومية، إلى جانب تجاهل الأتراك لأوضاع ومعاناة التركمان الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً منهم على المستوى العرقي ويبلغ عددهم في لبنان قرابة 5000 عائلة، بما يشكل حوالي 125000 إلى 150000 شخص لجئوا من كل مناطق سوريا من حمص وحماه وطرطوس وحلب ودمشق وادلب وباقي المناطق، ولكنهم يعانون من التمييز بينهم وبين تركمان لبنان الأصليين الذين لا يتجاوز عددهم 15 ألف شخص من قبل السفارة التركية في لبنان.
هذا الأمر كشف عنه محمد القصاب الناشط الإعلامي في اتحاد إعلاميي تركمان سوريا، قائلا: "إن التركمان توسموا خيراً من السفارة التركية في لبنان منذ بداية لجوئهم، وحاولوا مراراً التواصل معها دون جدوى، وإن لقاءات عدة جمعت ناشطين ووجهاء من تركمان سوريا مع بعض الوفود وممثلي الحكومة التركية وبعض الهيئات، لكن هذه اللقاءات كانت عديمة الفائدة للأسف ولم تحرك ساكناً، ورغم مناشدة الحكومة التركية لأكثر من مرة إلا أن هذه المناشدات لم تلقَ آذاناً صاغية.

وتابع أن "تركمان سوريا في لبنان ظُلموا مرتين: مرة من النظام الذي هجرهم وبشكل قسري، ومرة من الحكومة التركية ممثلة بسفارتها في بيروت ومن الهيئات والمنظمات التركية، ومن المجلس التركماني الذي يعتقد أغلب التركمان السوريون في لبنان أنه لم يسمع بهم، وإن سمع بهم وتجاهلهم فهنا الطامة الكبرى وهو الأمر الذي زاد من معاناة التركمان السوريين في لبنان؛ حيث يبلغ عدد أرامل الشهداء التركمان في لبنان حوالي 500 أرملة شهيد ومثلهم من الأرامل العاديات، وعدد الأيتام التركمان حوالي 20000 يتيم، فيما يبلغ عدد المرضى المزمنين والتشوهات والبتر وجرحى الحرب– كما يؤكد محدثنا- حوالي 500، واضطر أكثر من 5000 طفل تركماني سوري للعمل والتسكع في الطرقات والتسول لإعانة ذويهم؛ ما أجبرهم على ترك مدارسهم.
وشدد على أن المعاناة الكبيرة هي انعدام فرص العمل وعدم وجود مصدر رزق لتأمين لقمة العيش؛ مما اضطر أكثر من 2000 عائلة تركمانية لاجئة للسكن في مزارع للدجاج وتحت خيم تفتقر إلى أبسط متطلبات الحياة الإنسانية، واضطر الكثيرون منهم للمغادرة باتجاه السهول الواسعة، حيث أقاموا في بيوت صفيح بنوها بما توفر لديهم من مواد خشبية أو من الكرتون أو السجاد وحتى البلاستيك الخاص باللوحات الإعلانية، ومما يزيد الأمور سوءًا عدم تجديد أوراقهم في الأمن العام، وانخفاض قيمة القسيمة الغذائية المقدمة من مفوضية الأمم المتحدة إلى 13 دولارًا أمريكيًّا للشخص.

هذا الواقع المؤلم يتنافى تمامًا مع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، باستمرار الدّعم الإنساني واللوجستي لتركمان سوريا وعدم التّخلّي عنهم قائلاً: "إنّنا ندعم إخوتنا التركمان في الباير والبوجاق وفي كل سوريا ونتعهّد بالاستمرار في تقديم الدّعم لهم". وحديث عبد الرحمن مصطفى رئيس مجلس التركمان السوري بأن تركيا دومًا بجانب التركمان وأن وضعهم في سوريا بدأ يدخل في منعطف استراتيجي. وأن هناك مقترح وأفكار استراتيجية لتركيا بشأن التركمان، وهذا هو دعمنا الوحيد؛ ولذلك ينبغي على التركمان في الساحة عدم الشعور بالقلق، وأن تركيا كما قامت بحماية جدنا "سليمان شاه" في ليلة واحدة، فلا يوجد لدينا شك أنها ستحمينا نحن التركمان هناك بنفس الشكل.
واختتم حديثه بقوله: "أنتم لستم وحدكم بتاتًا حتى ولو كان العالم برمته ضدنا، فنحن نعلم أن تركيا معنا دومًا، وتقف إلى جانبنا"، ولكن الحقيقة أن تركيا لا تقف بجانبهم، ولكن تقف بجانب مصالحها وهو ما كشف عنه، وأكد محمد أوجلو، نائب رئيس الحركة الوطنية التركمانية السورية بغازي عنتاب، قائلا إن لديهم الآن قوائم بأسماء 1500 إلى 2000 رجل للتدريب على القيام بالمهام الشرطية لحماية المنطقة العازلة، بعد أن أعادت تركيا تشكيل الميليشيات التركمانية المنحلة في الأسابيع الأخيرة، ودعمهم بالغذاء والكساء والتدريب.

صحيفة «تليجراف» البريطانية أكدت الأمر بالكشف عن أن أنقرة تدرب قوة شرطية من التركمان لحفظ الأمن في المنطقة العازلة المزمع إنشاؤها، وأنها تحاول استغلالهم في مواجهة الأكراد وبذلك هي في طريقها للدفع بهم في النزاع السوري، حتى لا تفاجأ بدولة في المناطق التي يسيطرون عليها بسوريا.
وقالت مصادر تركية: إن التركمان القوة الوكيلة المفضلة بالنسبة لتركيا، وذلك رغم صلاتهم بفصائل تركية معارضة، وهو ما أدى لزيادة المخاوف بشأن زيادة النزاع العرقي في الحرب السورية، لا سيما مع مزاعم قادة تركمان بشأن إجلاء الميليشيات الكردية لآلاف التركمان من منازلهم، وهو ما أكد عليه أحمد محلي رئيس حزب الحركة الوطنية التركمانية السورية بمدينة غازي عنتاب التركية، بأن الهدف الرئيس من المنطقة العازلة هو مواجهة مشروع «كردستان السورية»، واصفًا وحدات حماية الشعب الكردية بالإرهابيين.

وتقدّر أعداد التركمان في سوريا بنحو 3.5 ملايين، وينتشرون في أغلب المحافظات السورية، فيما تعّد منطقة باير بوجاق، من أوائل مناطق التركمان التي خرجت في مظاهرات ضد حكومة الرئيس بشار الأسد، وخضعت لسيطرة المعارضة، منذ صيف 2012م وتُعدّ مدينة حلب والمناطق الشمالية لمحافظة الرقة من المراكز الرئيسية للتركمان المنتشرين في معظم أرجاء سوريا، وقد عانى التركمان في عهد الأسد من الاضطهاد وهو ما أكده العديد منهم بأنهم عانوا من الظلم في ظل النظام الحاكم، وأن سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها الجيش النظامي لن تلوي عزيمة الشعب التركماني الذي يحلم بتمثيل سياسي حقيقي في سوريا المقبل.
مما سبق نستطيع أن نؤكد أن التركمان السوريين ضحية للصراع بين أردوغان والأسد، وأنه في الوقت الذي يقتل فيه النظام أبناءهم في الداخل السوري يتجاهل النظام التركي قضيتهم خارجه.