التدخل الروسي.. بين اتهامات بدعم "الأسد" وشكوك في محاربة "داعش"
السبت 03/أكتوبر/2015 - 01:48 م
طباعة

بعد أن أعلنت روسيا التدخل عسكريا في "سوريا"، زاعمة تصديها لتنظيم "داعش" الإرهابي في حين أنها تستهدف المعارضة السورية بطلب من الرئيس السوري بشار الأسد- لاقت تلك الخطوة هجومًا من جهات عدة؛ حيث تقول واشنطن التي تقود التحالف الدولي ضد داعش: إن موسكو تستخدم حملتها ذريعة لاستهداف جماعات أخرى معارضة للرئيس بشار الأسد حليف روسيا.
أول الغارات الروسية

ولأول مرة أغارت منذ يومين مقاتلات روسية على مواقع تسيطر عليها المعارضة السورية المسلحة، ويحاصرها النظام، وشنت الطائرات الروسية أمس الجمعة 2 أكتوبر 2015 غارات على مواقع في الرقة تابعة لتنظيم داعش، وذلك بعد أن اكتفت في اليومين الأولين باستهداف مواقع المعارضة السورية المسلحة، وبينها مقاتلون وقع تدريبهم برعاية الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه روسيا للغرب أنها قد لبت مطالبهم في مواجهة تنظيم "داعش"، بعدما فشل التحالف الدولي بقيادة أمريكا في مواجهة التنظيم الإرهابي، قالت المعارضة السورية المسلحة: إن القصف استهدف مدينة اللطامنة وبلدة كفر زيتا بريف حماة، وكلا من تلبيسة والرستن والزعفرانية في ريف حمص، وخلفت الغارات 36 قتيلا معظمهم مدنيون من النساء والأطفال، واستهدفت مدنيين ومواقع للمعارضة المسلحة، ولم تستهدف أي موقع لتنظيم داعش.
وتعتبر روسيا المعارضة السورية حليفة "داعش" في مواجهة نظام بشار الأسد والذي تدعمه موسكو، وتسعى إلى وجود حلول سياسية للخروج من الأزمة الحالية في سوريا؛ حيث أعلن رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف اليوم السبت 3 أكتوبر أن العملية الجوية الروسية في سوريا هدفها حماية الشعب الروسي من خطر الإرهاب.
وقال مدفيديف في مقابلة مع التلفزيون الروسي: "نقوم بحماية الشعب الروسي من التهديد الإرهابي؛ لأنه من الأفضل فعل ذلك خارج حدود بلادنا"، مشيرًا إلى أن روسيا "للأسف، تملك خبرة صعبة جدا في محاربة الإرهاب، مشددًا على ضرورة إيجاد حل سلمي للنزاع السوري، قائلا: من المهم أن تتم تسوية الأزمة عن طريق المفاوضات وأن نتمكن من إجلاس المعارضة والسلطات السورية على طاولة واحدة للتفاوض من أجل وضع مقترحات حول مستقبل سوريا.
روسيا جهزت معارضة بديلة

حرصت موسكو خلال الأشهر الأخيرة على استضافة معارضة بديلة يرضى عنها النظام السوري لفرضها في الحوار بحثًا عن حل سياسي.
واعتبر مراقبون أن روسيا لا تقيم وزنًا للاحتجاجات الغربية، وخاصة الأمريكية، على الضربات التي تنفذها، وهي تسعى لجعل قصف مواقع خصوم الأسد أمرًا واقعًا، وأن الحوارات واللقاءات التي تجريها على الهامش هدفها إضفاء شرعية على تدخلها في سوريا دون غطاء من مجلس الأمن.
وقالت موسكو أمس: إن أحدث ضرباتها أصابت 12 هدفًا لتنظيم داعش لكن معظم المناطق التي وصفتها تقع في أجزاء من سوريا ليس فيها وجود يذكر للتنظيم، ولكن يقيم فيها المعارضة السورية.
وتدخلت روسيا بعد نحو خمس سنوات من الحرب المشتعلة في سوريا، حيث قررت وبطلب من الرئيس بشار الأسد تقديم دعم عسكري عاجل لأحد أهم حلفائها في المنطقة بعد إعلان الكرملين منح الرئيس فلاديمير بوتين تفويضًا بذلك.
وفي موازاة ما صرحت به روسيا بأنها ستضرب مواقع لتنظيم داعش، وجهت ضرباتها نحو مواقع لمقاتلي المعارضة السورية في إدلب وحماة وحمص؛ مما أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين بينهم نساء وأطفال، مثيرة بذلك غضب عارم وسط النشطاء، حيث تم تدشين وسم خاص باسم "#روسيا_تقصف_سوريا".
شكوك حول ضرب داعش

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن طائرات سوخوي- 34 وسوخوي- 24 إم وسوخوي- 25 نفذت 18 طلعة جوية وقصفت أهدافا في غرب وشمال سوريا بينها موقع قيادة ومركز اتصالات في محافظة حلب بالإضافة إلى معسكر ميداني للمتشددين في إدلب وموقع قيادة في حماة.
لفت المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن داعش ليس له وجود في المناطق الغربية والشمالية التي استهدفتها الضربات، لافتا إلى أن أحد أهداف الضربات الجوية الروسية، بلدة دار تعزة شمال غرب حلب، يقع تحت سيطرة عدد من جماعات المعارضة "جيش الفتح" المدعوم من قطر وتركيا.
وقال العميد الركن، المنشق عن النظام، أحمد رحال: إن هناك تسارعا في ضربات الطيران الروسي داخل الأراضي السورية وعلى الخطوط الدفاعية الأولى للجيش الحر، لافتًا إلى أنها استهدفت بعض الفصائل المدربة من قبل أمريكا.
واعتبر أن قيام الروس بتوجيه ضربات شكلية على داعش في ريف الرقة يأتي لامتصاص صدمة الاعتراضات والتصريحات الأوروبية والأمريكية، مضيفًا أن الثورة السورية هي المستهدفة وداعش ليس إلا مظلة يعبر من خلالها الروس لمحاربة ثورة الشعب السوري.
وقال: من المعروف عسكريًّا أن الضربات الجوية غير قادرة على حسم أي معركة إذا لم تساندها قوات أرضية تستثمر نتائج الضربات الجوية وهذا ما أفشل عمل التحالف الدولي للحرب على الإرهاب الذي تتزعمه أمريكا، لكن يبدو أن الروس عملوا على تلك المسألة عبر إيجاد شريك يحتشد الآن على أطراف سهل الغاب بمشاركة إيران وحزب الله وقوات النظام.
كان ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، قال إن الضربات الجوية الروسية في سوريا، تستهدف مساعدة قوات الرئيس بشار الأسد في محاربة قائمة من المنظمات الإرهابية المعروفة، ومن السابق لأوانه القول ما إذا كان الرئيس فلاديمير بوتين، راضياً عن الحملة حتى الآن.
وبعد يوم من شن موسكو سلسلة من الضربات على ما وصفتها بأنها أهداف لمتطرفين إسلاميين داخل سوريا، ذكر بيسكوف أن "هذه المنظمات المدرجة في قائمة الأهداف معروفة، وتم اختيار الأهداف بالتنسيق مع القوات المسلحة السورية".
قصف مقرات المعارضة السورية

يرى محللون أن الادعاء الروسي بمحاربة داعش يدحضه قصف مقرات المعارضة السورية ومقرات الجيش الحر الأخرى في إدلب وحماة وقصف تجمعات المدنيين في اللطامنة بحماة وريف حمص الشمالي.
وقللت قيادات عسكرية من المعارضة السورية المسلحة من أهمية الضربات العسكرية الروسية وجدواها في إحراز حسم عسكري لصالح النظام.
وتمتلك الضربات الروسية قدرة سياسية وإعلامية أكبر من مفعولها التدميري وفق مراقبون، فعدد القتلى والدمار اللذان حققتهما عشرات الطلعات الروسية لا يتخطيان دمار برميل متفجر مما ألقته علينا طائرات النظام، كذلك أثر هذه الضربات نفسي وسياسي ويرفع من معنويات حاضنة النظام بالدرجة الأولى.
وجاءت ردود الفعل الدولية إلى استمرار روسيا في قصف مواقع المعارضة واستهداف المدنيين نحو التصعيد، خاصة بعد البرود الذي هيمن على اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمس في باريس.
وأعلنت دول من ائتلاف تقوده الولايات المتحدة أمس أن الغارات الروسية ستؤدي إلى تصعيد النزاع في سوريا ودعت موسكو إلى التوقف فورًا عن استهداف مقاتلي المعارضة السورية.
سبع دول ترفض التدخل

وذكر بيان أصدرته سبع دول أن هذه الأعمال العسكرية ستؤدي إلى تصعيد أكبر، وستزيد من التطرف والأصولية.
والدول السبع التي أعدت البيان المشترك هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وقطر والسعودية وتركيا والولايات المتحدة.
ونشر البيان بعد جهود دبلوماسية مكثفة على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك التقى خلالها وزير الخارجية التركي فريدون سينيراوغلو نظيره الأمريكي جون كيري.
بدوره شدد الاتحاد الأوروبي الجمعة على ضرورة أن تستهدف الغارات الجوية في سوريا تنظيم داعش دون سواه، داعيًا إلى التنسيق تجنبًا لسقوط ضحايا في صفوف المدنيين. وقالت كاثرين راي المتحدثة باسم الجهاز الدبلوماسي في الاتحاد الأوروبي: "نحن قلقون جدا من معلومات عن غارات جوية ضربت المدنيين في حمص، ندعو روسيا للضرب بدقة". وأضافت: "نقول إن الضربات يجب ألا تمس المدنيين وتستهدف داعش".
لا مستقبل لتدخل روسيا

في هذا الصدد، نقلت صحيفة "صن" البريطانية الصادرة اليوم السبت عن وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون قوله: إن جزءًا ضئيلاً فقط الغارات الجوية الروسية في سوريا كان موجهاً لأهداف تابعة لتنظيم "داعش"، مضيفًا: "نحلل المعلومات كل صباح. أغلب الغارات الجوية الروسية غير موجهة ضد تنظيم داعش".
وأوضح فالون أن هذه الغارات تستهدف عوضاً عن ذلك مناطق يقطنها مدنيون ومقاتلي الجيش السوري الحر.
وقالت بريطانيا الجمعة: إنه لا مستقبل لمحاولة روسيا الحصول على موافقة الأمم المتحدة على حملات عسكرية دولية لمحاربة تنظيم "داعش"، وهو الأمر الذي اعتبرته موسكو غريباً لأنه ليس هناك ما يدعو للاعتراض على مقترحها.
ووزعت روسيا مشروع قرار على أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر يوم الأربعاء يدعو الدول المشاركة في الجهود العسكرية ضد "داعش" وغيرها من الجماعات المتشددة إلى التنسيق مع الدول التي تمارس أنشطتها بها.
من جانبه وافق مجلس الاتحاد الروسي بالإجماع في جلسته الأربعاء على طلب الرئيس فلاديمير بوتين السماح باستخدام القوات الجوية الروسية خارج حدود البلاد.
وقال مدير الديوان الرئاسي سيرغي إيفانوف: إن القرار يسمح باستخدام القوات الجوية الروسية في سوريا، وكان بدوره أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف أن روسيا ستكون البلد الوحيد الذي سيشارك في العمليات ضد تنظيم "داعش" في سوريا بشكل شرعي وتلبية لطلب من الحكومة الشرعية، موضحًا أن إجراء مثل هذه العمليات يمكن فقط بعد الحصول على تفويض من مجلس الأمن الدولي أو بطلب من الحكومة الشرعية لبلد ما.
أمريكا لن تخوض حربًا بالوكالة

وأكد المتحدث باسم الكرملين أن مهمة العملية تتمثل فقط في مكافحة الإرهاب ودعم سوريا في مكافحتها الإرهاب والتطرف.
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال: إن تنظيم "داعش" الإرهابي أعلن معاداته لروسيا منذ فترة طويلة، محددًا أطر ومعايير دعم الطيران الحربي الروسي لجهود الجيش السوري في مواجهة التنظيم.
وقد قال بوتين: "أقترح في المرحلة الأولى على الدول ذات الشأن وقبل كل شيء دول المنطقة أن تنضم إلى عمل مركز بغداد المعلوماتي لمكافحة داعش"، موضحًا أنه تم إبلاغ شركاء روسيا بإجراءاتها ومخططاتها في الوجهة السورية، وأن مشاركة موسكو في العملية العسكرية ضد الإرهاب تتناسب والطلب الرسمي المقدم من الرئيس السوري.
وقال بوتين: إن للأزمة السورية جذورًا عميقة وأسبابًا مختلفة، منها سياسية داخلية ودولية ودينية وطائفية، تفاقمت نتيجة التدخل الخارجي الصارخ في شئون المنطقة.
وعلى الرغم من الانتقادات الغربية للغارات الروسية، إلا أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أكد أمس الجمعة أن روسيا والولايات المتحدة لن يخوضا "حرباً بالوكالة"؛ بسبب خلافهما بشأن الحرب الأهلية في سوريا، مضيفًا: "سيستمر وجود التوتر وسيستمر الاختلاف في وجهات النظر لكن لن نجعل من سوريا ساحة حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا".
لمعرفة المزيد عن التدخل الروسي في سوريا اضغط هنا