الرغبة العراقية بالتدخل الروسي.. هل يواجهها النفوذ الأمريكي في بغداد؟
الخميس 08/أكتوبر/2015 - 03:03 م
طباعة

خلق التدخل الروسي في سوريا وإرهاصات نجاحه في سوريا رغبة قوية لدى العديد من العراقيين للتدخل ضد تنظيم الدولة في العراق "داعش"؛ وذلك بسبب عدم نجاح الضربات الجوية لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في تحقيق أي تقدم حقيقي على الأرض.

هذا الأمر أعلن عنه بشكل صريح حاكم الزاملي رئيس لجنة الدفاع بالبرلمان العراقي قائلا: إن بغداد قد تطلب شن ضربات جوية روسية ضد تنظيم "داعش" في أراضيها في غضون أيام أو أسابيع قليلة، وإن العراق يريد أن تلعب روسيا دوراً أكبر من أمريكا في قتال "داعش" في العراق، وإن مركز قيادة جديداً مع روسيا وإيران سيقود الحرب ضد "داعش" بالعراق في المستقبل القريب.
من جهته رحب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالضربات الجوية الروسية في العراق قائلا: "بحسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإنه يرى داعش تهديدًا مباشرا لأمن روسيا القومي وأنه سيكون من المستغرب جدًّا أن تضرب القاذفات الروسية مجموعات أخرى غير الدولة الإسلامية؛ لأن هناك أكثر من 2000 روسي يقاتلون اليوم مع داعش وهم من المقاتلين المخضرمين والإرهابيين والمجرمين وإذا ذهبوا إلى روسيا، فإنهم سيخلقون الفوضى هناك لذا أعتقد أن من صالح روسيا محاربة داعش وآمل أن يفعلوا ذلك".

حديث الزاملي جاء بعدما أعلنت روسيا عدة مرات استعدادها للتفكير فقط في شنّ ضربات جوية في العراق إذا طلبت بغداد، حيث قال ايليا روغاشيف المسئول البارز في وزارة الخارجية الروسية لوكالة ريا نوفوستي: "إذا تلقينا مثل هذا الطلب من الحكومة العراقية أو إذا صدر قرار من مجلس الأمن يستند بشكل حاسم إلى إرادة الحكومة العراقية، فإن موسكو ستفكر في شن ضربات في العراق"، وهو نفس الأمر الذي لم ينفيه أو يؤكده وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، قائلا: "إن روسيا لا تخطط لتوسيع حملتها الجوية التي تشنها في سوريا لتشمل جارتها العراق، ونحن لا نخطط لتوسيع ضرباتنا الجوية لتشمل العراق ولم تتم دعوتنا ولم يطلب منا ذلك، ونحن مؤدبون كما تعلمون. لا نذهب إلى مكان إذا لم تتم دعوتنا إليه".
هذا الحديث الروسي بين الرغبة في المشاركة والمشاركة الفعلية له العديد من المقدمات التي تؤكد انخراطها بالفعل في الحرب على "داعش" حتى ولو بشكل غير مباشر حيث كشفت قيادة العمليات المشتركة في بغداد أنها شكّلت خلال الأشهر الماضية لجاناً عدة للتعاون في المجالين الأمني والاستخباراتي مع دول أعربت عن استعدادها للتعاون مع العراق في محاربة الإرهاب، وتخشى من تمدد عصابات "داعش" إلى أراضيها.

وقالت القيادة في بيان لها عبر "خلية الإعلام الحربي": إن "هذا التعاون يكون أحياناً مع دول منفردة، ومع دول مجتمعة أحياناً أخرى"، وإن "هناك تعاونًا أمنيًّا استخباراتياً عسكرياً مع التحالف الدولي، الذي يضم 60 دولة تقف مع العراق في محاربة داعش، إضافة إلى تعاون أمني واستخباراتي مع دول منفردة، منها الأردن وتركيا ومصر وألمانيا وفرنسا، مهتمة بالتعاون مع العراق استخباراتياً وأمنياً في مواجهة داعش وتهديده لهذه الدول ولكل المنطقة".
كما ذكر البيان أنه "تم الاتفاق أيضاً على تعاون استخباراتي وأمني في بغداد مع كل من روسيا وإيران وسوريا للمساعدة والمشاركة في جمع المعلومات عن التنظيم الإرهابي وامتداداته، خصوصاً مع تزايد القلق الروسي من تواجد آلاف المتطرفين الذين يقومون بأعمال إجرامية مع داعش"، وأن هناك مشاركة للعراق في هذا المجال بممثلين من الاستخبارات العسكرية".

وأكد سعد الحديثي المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء العراقي أن "هناك لجنة مشتركة ستشكل بين ممثلي الدول الأربع، وسيكون هناك ممثل عن الاستخبارات العسكرية العراقية ممثلاً فيها، وتقوم بعملها على أساس متابعة خيوط الإرهاب ومتابعة المتطرفين، وأن هناك ضرورة لجهد مشترك لتنسيق وتعاون يصب في النتيجة في مصلحة العراق ومسعى الحكومة لتحقيق الانتصار في الحرب على الإرهاب، وأن المركز المعلوماتي عبارة عن لجنة تنسيقية مشتركة بين الدول الأربع، من خلال ممثلين لهذه الدول على المستوى الاستخباراتي العسكري، لتداول المعلومة وتبادلها وتحليلها بشكل مشترك".
الميليشيات الشيعية في العراق دخلت في سباق الراهن على الدور الروسي نكاية في الولايات المتحدة، باعتباره يقوي موقفها ويدعم نفوذها المتزايد في البلاد، ويضعف موقف منتقديها والداعين إلى تحجيم دورها واعتبار أن روسيا حليف لإيران الداعم الأساسي لتلك الميليشيات التي يأمل قادتها في أن تمدّ موسكو تدخّلها ليشمل العراق حتى تكون قوّة مضادة لواشنطن الناقدة بشدة لدور تلك التشكيلات الطائفية ولمشاركتها في الحرب ضدّ داعش على حساب أبناء العشائر المحلّية المحتلة مناطقهم من قبل التنظيم.

هادي العامري زعيم ميليشيا بدر أقوى فصيل شيعي عراقي مسلح مدعوم من إيران والقيادي بالحشد الشعبي رحب بالتدخل الروسي ليشمل العراق، قائلا: "اليوم قامت الدنيا ولم تقعد لمشاركة روسيا في محاربة داعش، ونسأل من أعطى هؤلاء المعترضين الشرعية في التدخل بسوريا، وأن روسيا بدأت تتحرك بفعالية على الإرهاب، وبالمقابل هناك من يريد بقاء داعش في العراق وليس القضاء عليه، ونحن منذ اليوم الأول لتشكيل التحالف الدولي لم نر الجدية الحقيقية المطلوبة لمحاربة داعش"، وهو نفس الأمر الذي أكد عليه نعيم العبودي المتحدث باسم العصائب الشيعية قائلا: "إن الضربات الجوية الروسية في سوريا حققت بالفعل نتائج، وإن الولايات المتحدة خلال العام ونصف العام الماضيين لم تكن جادة في القضاء على التنظيم" .
هذا الترحيب الشيعي العراقي ترفض الولايات المتحدة الأمريكية، وتعتبره محاولة منها لترسيخ نفوذها على الأرض بغطاء جوي روسي، وفي نفس الوقت لن تتعامل مع التدخل بنفس منطق غض الطرف عن الطائرات الحربية الروسية، التي تعبر مجال العراق
العراق الجوي لتسليم أسلحة إلى سوريا، لعدة أسباب، على رأسها:
1- تزايد النفوذ الروسي وتجاوزه من سوريا إلى العراق سوف يجعل الولايات المتحدة الأمريكية أمام "قرم" جديدة قد تمتد من سوريا إلى العراق على حساب مصالحها وهو ما لم تسمح به واشنطن.
2- أن الولايات المتحدة لن تسمح بمرور عتاد روسي عبر الأراضي العراقية أو تكوين معسكرات وقواعد روسية للقصف الروسي لداعش أو غيرها في العراق، كما فعلت مع الأسد.
3- أن توسيع القاعدة الجوية الروسية في اللاذقية لن يجعل منها فقط محطة إمداد رئيسية للقوات المسلحة السورية ونقطة انطلاق للطائرات الحربية، ستعطي روسيا موطئ قدم كبيرًا في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما تحاول واشنطن تحجميه .
4- روسيا لا يمكنها أن تقوم بنقل أسلحة إلى سوريا دون موافقة العراق، فطائرات النقل الضخمة الروسية تستخدم ممرًّا جويًّا بين إيران والعراق، لنصل الأسلحة والأفراد وهو ما تعمل الولايات المتحدة على منعه بشكل مستمر.
5- تعلم الولايات المتحدة أن الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة على ما يبدو أكثر ولاءً لإيران من الولايات المتحدة، كما أن الدعم والمساعدة الأمنية السياسية التي تقدمها إيران للعراق أمر حاسم في بقاء حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ولذلك فهي لن تسمح بتنامي النفوذ الروسي على غرار النفوذ الإيراني على حساب مصالحها بالعراق .
6- أن أوجه التعاون المتعددة بين العراق والولايات المتحدة وقدرة إدارة أوباما على التأثير في الحكومة العراقية، التي دعمت وصول العبادي لمنصب رئيس الوزراء تحول دون إتمام هذا التدخل الروسي.

مما سبق نستطيع أن نؤكد أن الرغبة العراقية بالتدخل الروسي سوف يواجهها النفوذ الأمريكي في العراق، وأن الحالة السورية تختلف عن العراقية؛ لأن الأمريكيين لن يوضحوا بالعراق بعد التكلفة العالية التي دفعوها من أجل بسط نفوذهم عليها.