استغلال الدين في الانتخابات البرلمانية ليس حكرًا على حزب "النور"

الأربعاء 14/أكتوبر/2015 - 03:33 م
طباعة استغلال الدين في
 
مع اقتراب موعد التصويت في الانتخابات البرلمانية يحاول كل فصيل مشارك في هذه الانتخابات إلقاء آخر كارت للعب به، وجمع أكبر عدد من أصوات الناخبين، ولأن الدين يشكل عاملًا مهمًّا في تحريك عاطفة الشعب المصري فقد استخدمه معظم القوى تقريبًا في الدعاية الانتخابية لها، إما بالهجوم على تيار الإسلام السياسي والذي يمثله حزب النور الذراع السياسية للدعوة السلفية، وإما أن يستخدمه حزب النور مدعيًا أنه الأقرب للفرقة الناجية، وأنه الوحيد الذي يمثل الإسلام ضد التيار العلماني والليبرالي الكافر- على حد قوله- فقد كثّف حزب النور من استعداداته لخوض المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، التي تبدأ الأحد المقبل، واستعان بعدد من فتاوى دعاة سعوديين وسلفيين، تؤكد ضرورة المشاركة في الانتخابات، واختيار مرشحي الحزب، وهو ما اعتبره خبراء استغلالاً للدين في السياسة.
وقالت مصادر مسئولة بالحزب: إن تلك الفتاوى موجّهة إلى الإسلاميين غير التابعين للدعوة السلفية العازفين عن المشاركة، لإلزامهم بالحجة والفتوى الدينية الصادرة من أعلام التيار السلفي بالسعودية، وأكدت المصادر أن الحزب طالب أعضاءه، بمخاطبة السلفيين غير التابعين للدعوة، سواء عبر التواصل المباشر، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى تصدير الفتاوى في صفحات الحزب، عبر لجانه الإلكترونية.
ومن أهم الفتاوى التي يعتمد عليها الحزب، فتوى الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، الداعية السعودي الراحل، التي أصدرها حينما سُئل عن حكم الانتخابات بالكويت، وجاء نصها: «أرى أن الانتخابات واجبة، ويجب أن نُعيّن مَنْ نرَى أن فيه خيراً؛ لأنه إذا تقاعس أهلُ الخير، مَنْ يحل محلهم؟ أهلُ الشر! أو السّلْبِيّون الذين ليس عندهم لا خيرٌ ولا شر، فلا بُد أن نختار مَن نراه صالحاً."
استغلال الدين في
وسعيًا على درب حزب النور في استغلال الدين في السياسية أثار المرشح "بهجت الصن" عن حزب المصريين الأحرار بدائرة أرمنت بالأقصر حفيظة أهالي المدينة الجنوبية، بعد انتشار "بوسترات" له تحمل صور السيدة العذراء والسيد المسيح، والبابا تواضروس. 
وقال الأهالي: إن المرشح لا عيب عليه إذا قدس هذه الرموز أو تبارك بها على الرغم من كونه "مسلمًا"، لكنه من اللامعقول أن يستخدم مثل هذه الصور والرموز في الدعاية الانتخابية، وأضافوا أن السيدة العذراء والسيد المسيح أكبر من أن تستخدم صورهما الرمزية بهذا الشكل في معركة انتخابية سياسية لا دخل للدين والمعتقدات بها.
وأردف البعض: مثل هذه الأفعال لمرشح "المصريين الأحرار" لا تختلف شيئًا عما كانت تفعله الأحزاب الدينية والإخوان من اتخاذ الدين سُلّما لنيل مقاعد البرلمان والصعود للسلطة.
ومن الجدير بالذكر أنه مع اقتراب التصويت في الانتخابات البرلمانية التي من المقرر إجراؤها في 17 و18 أكتوبر الجاري، يواجه حزب النور- الذراع السياسية للدعوة السلفية- أول اختبار لشعبيته، بعد الدور الذي لعبه في الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين. بالرغم من أن الفرصة أصبحت مواتية لحزب النور لتمثيل التيار الإسلامي، بعد حظر حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وتصنيفه كتنظيم إرهابي، فقد أصبح الأمل الكبير لدى الدعوة السلفية هو أن تبقى موجودة في المشهد السياسي دون الدخول في صدامات قد تؤدي إلى إقصائها أيضًا.

السلفيون يخشون مصير الإخوان

السلفيون يخشون مصير
وقد تنافس حزب النور على كل مقاعد برلمان عام 2011، الذي تم حله لاحقًا، فحصل حينها على ربع عدد مقاعده كوصيف لجماعة الإخوان المسلمين، غير أنه يتنافس في الانتخابات المقبلة على نسبة 38 بالمائة تقريبًا من المقاعد الفردية التي تمثل نسبة 80 بالمائة من البرلمان، كما يتنافس على قائمتين من أصل أربعة، بالرغم من أنه كان أول الأحزاب التي تقدمت بالقوائم الأربعة كاملة، والتي تشمل الأقباط، قبل وقف الانتخابات في شهر مارس الماضي. وتقول تقارير: إن الحزب سحب قائمتين بعد أن تم الضغط عليه من قبل قائمة في حب مصر التي يشرف عليها رجل المخابرات السابق اللواء سامح سيف اليزل، لكن شعبان عبد العليم عضو المجلس الرئاسي لحزب النور يقول: إن "سحب قائمتين جاء بمبادرة من الحزب؛ لأننا نريد أن نعطي رسالة بأننا نود المشاركة فقط ولا نهدف للسيطرة، وأننا لسنا مثل جماعة الإخوان"، مشيرًا إلى أن الحزب يطمح للحصول على 25 بالمائة من مقاعد البرلمان المقبل.
استغلال الدين في
ويرى ناجح إبراهيم الخبير في شئون الحركات الإسلامية أن الحزب مستعد لسحب كل مرشحيه إذا طلب منه ذلك، ويقول: "يبدو جيدًا أن السلفيين استوعبوا درس الإخوان، ولا يريدون أن يحصلوا على نسبة كبيرة؛ حتى لا تظن الحكومة أنهم ينافسونها، فيتم القضاء عليهم بالضربة القاصمة، ويتكرر معهم نفس سيناريو جماعة الإخوان؛ ولذلك فهم راضون بهامش الحرية المتواضع". ويؤكد إبراهيم أن حزب النور لن يكون بديلا للإخوان؛ لأن الجماعة هي تنظيم، وقدرتها المالية وحشدها الشعبي أكبر بكثير، فضلا عن أن دور المرأة في جمع الأصوات عند الإخوان كان كبيرًا، بخلاف المرأة في الدعوة السلفية؛ حيث إنها منغلقة على نفسها وعلى بيتها.

حملة ضد الحزب

حملة ضد الحزب
ويتفق معه الباحث أحمد زغلول الذي يرى أن "وراثة السلفيين للإخوان تكاد تكون مستحيلة؛ بسبب غياب التناغم بين مكونات الدعوة السلفية وتنوعها بدرجة تصل إلى التضاد، وهذا تسبب في غياب أي إمكانية لأن يكون هناك تركًا منتظمًا للجسد السلفي، بحيث يكون له قوة تأثير وتغيير فعلي". ومنذ إعلان عزل الرئيس مرسي في 3 يوليو، خلال مشهد الخطاب الذي ألقاه الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع وقتها، بحضور أمين عام حزب النور، بلغ التوتّر بين الدعوة السلفية وغيرها من التيارات الإسلامية- خصوصاً مع الإخوان- مستوى العداء الصريح؛ حيث أطلق الإسلاميون تسمية "حزب الزور" على "حزب النور".
لم يشفع لحزب النور دوره في الإطاحة بحكم الإخوان، ومشاركته في حملات التأييد لدستور 2014 أو دعمه للسيسي في الانتخابات الرئاسية؛ حيث إنه يواجه الآن حملة هجوم شرسة من قبل قوى سياسية مختلفة ومن طرف وسائل الإعلام مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية. فهناك قنوات فضائية تقدم فيديوهات لمواقف مشايخ الدعوة السلفية، مثل الفتاوى الخاصة بعدم جواز تهنئة المسيحيين بأعيادهم ورفض تحية العلم المصري أو رفض الوقوف حدادًا على الشهداء، أو الاكتفاء بالرموز للإشارة إلى مرشحاته من بين النساء، مثلا رمز الوردة في أوراق الدعاية الانتخابية، فيما توجه صحف خاصة يوميًّا اتهامات للحزب بأنه يوزع دواء على مرضى فيروس الكبدي الوبائي "سي"، كرشاوى انتخابية، أو أنه يمثل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، فضلًا عن غيرها من الاتهامات. وقد انطلقت حملة استهدفته مباشرة قبل الانتخابات أطلق عليها "لا للأحزاب الدينية" بعد أن رفض القضاء دعاوى عديدة مطالبة بحل الحزب.

موقف الدولة من حزب "النور"

موقف الدولة من حزب
ويرى زغلول أن الحملة السياسية والإعلامية "لا للأحزاب الدينية"، تعكس خوف داعميها من إمكانات التيار الديني عامة في التواصل بسهولة مع الطبقات المختلفة، على خلاف القوى المدنية التي تجيد التواصل الإعلامي بشكل أكبر مع النخب. ويعتبر ناجح إبراهيم أن الحملة ضد السلفيين قد تؤثر سلبيًّا على شعبية الحزب؛ لأنها حملة منظمة ومدفوعة من قوى الحزب الوطني التي تريد أن تستأثر بالبرلمان ومن القوى الليبرالية الأخرى، التي ترى أن حزب النور هو الوحيد الذي يستطيع أن يحشد 10 آلاف شخص في مؤتمر واحد. في حين يصف شعبان عبد العليم، عضو المجلس الرئاسي لحزب النور الحملة بأنها "حملة عنصرية تهدف لتكسير عظام الحزب"، لكنه يرى أنها بلا تأثير على أرض الواقع؛ "لأن الشعب مل من أصحابها" حسب قوله. وفي ظل المعركة بين السلفيين والقوى السياسية الليبرالية والعلمانية في مصر، يرى الدكتور هشام بشير أن "الدولة وحزب النور في الوقت الراهن في هدنة قد تكون قصيرة أو طويلة، حسب مواقف الحزب المستقبلية.. فإذا استمرت مواقف حزب النور في إطار دعم النظام فإن مدة بقاء شرعيته ستطول والعكس صحيح"، مشيرًا إلى أنه ليس من مصلحة الدولة في هذه المرحلة الدخول في صدامات جديدة مع التيار الإسلامي.
وبهذا يتحول الدين إلى مطية تمتطيها الأحزاب السياسية للوصول إلى أكبر عدد من أصوات الناخبين وصولًا للبرلمان القادم، سواء كانت تلك الأحزاب دينية أم ليبرالية.!!

شارك