الأكراد والتحالفات "البراجماتية" في سوريا
الأربعاء 14/أكتوبر/2015 - 09:46 م
طباعة

يشكل الأكراد في سوريا النموذج البراجماتي الأبرز الذي استفاد من الصراع السوري السوري من جانب، والصراع الٌإقليمي التركي الدولي على سوريا، واستطاعوا تحقيق طموحاتهم في بسط نفوذهم على المناطق الكردية في الشمال والشمال الشرقي من سوريا ويطمحون إلى ما هو أبعد بشبكة تحالفات مع قوى معارضة سورية تم الإعلان عنها يوم 11-10- 2015م مؤخرا تحت اسم "قوات سوريا الديمقراطية"

وقال بولات جان، رئيس المركز الإعلامي الكردي إن المرحلة الحساسة التي يمر بها بلدنا سوريا وفي ظل التطورات المتسارعة على الساحتين العسكرية والسياسية والتي تفرض بدورها أن تكون هناك قوة عسكرية وطنية موحدة لكل السوريين تجمع بين الكرد والعرب والسريان وكافة المكونات الأخرى على الجغرافية السورية، حتى يتم تشكيل دولة ديمقراطية تتمتع بالحرية والعدل والكرامة تجمع الجميع دون أي إقصاء لأحد وتضم قوات سوريا الديمقراطية كلًا من التحالف العربي السوري (جيش الثوار، غرفة عمليات بركان الفرات، قوات الصناديد، تجمع ألوية الجزيرة)، المجلس العسكري السرياني، وحدات حماية الشعب، وحدات حماية المرأة و ينتشر شمال وشمال شرق سوريا "
وبالنظر إلى تشكيل الخريطة الكردية في سوريا نجد أنها مرت بعدة مراحل تتمثل فيما يلي:
1- المرحلة الأولى منذ يوليو ٢٠١٢م عندما انسحبت حكومة بشار الأسد من شمال البلاد، لتحظى المناطق الثلاث التي يسكنها الأكراد على الحدود مع تركيا بطبيعة شبه مستقلة.

2- المرحلة الثانية تبدأ من النصف الأول من عام ٢٠١٢، حيث قام مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق بتجميع عددٍ من المنظمات السياسية الكردية المتنافسة والصغيرة تحت مظللة المجلس الوطني الكردي في سوريا (KNCS)، الذي كان مؤيدًا بشكلٍ علني للإطاحة بنظام الأسد ولكن حزب العمال الكردستاني (PKK) قام بإعادة إحياء علاقاته مع حكومة دمشق، التي كان متحالفًا معها في عهد حافظ الأسد وسمح ذلك لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، التابع له، بتعزيز نفوذه في "روجافا"، من خلال دعم الجهاز العسكري الأمر الذي تفتقر إليه المنظمات الكردية الأخرى.
3- من منتصف سبتمبر2014م ، أثناء الهجوم الذي شنته داعش على أصغر المناطق الكردية الثلاث، وأكثرها عزلةً، حول مدينة كوباني. ومثلما هو الأمر في منطقة عفرين شمالي غربي سوريا والجزيرة في الشمال الشرقي، و كانت خاضعةً لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) لأكثر من عامين واستطاعا من خلال التحالف ، السيطرة على المناطق الكردية في سوريا بفضل اتفاق عدم العدوان مع نظام الأسد.

ويعد تشكيل التحالف الجديد بداية لسيطرة كردية أوسع على الساحة السورية وذلك بعد وقت قصير من اعلان واشنطن إدخال تغييرات على دعمها للمقاتلين السوريين الذين يحاربون داعش لينتهي بذلك فعليا برنامج لتدريب المقاتلين خارج سوريا والتركيز بدلا من ذلك على تقديم السلاح للجماعات التي فحصت الولايات المتحدة أمر قادتها وعلى رأسهم الجماعات الكردية .
الامر أكد عليه الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضمنيا عندما قال " إنه كانت لديه شكوك منذ البداية حول فكرة إمكانية تأسيس جيش بالوكالة في سوريا وإن غايته كانت اختبار فكرة ما إذا كان بإمكاننا تدريب وتسليح معارضة معتدلة ترغب في محاربة داعش وما علمناه هو التالي، التركيز على داعش صعب للغاية ما دام الأسد في الحكم ولكننا لن نستطيع التخلص منهم ما دام الشعب السني المحلي في سوريا وبعض المناطق في العراق لا يعمل بالاشتراك معنا و أن أولوية إدارته هي حفظ أمن الشعب الأميركي ودعم المعارضة المعتدلة في سوريا لإقناع روسيا وإيران بالضغط على الأسد في مسألة الحكومة الانتقالية.

حديث اوباما و التحالف الكردي الجديد يؤكد على أن وحدات حماية الشعب الكردية مع باقي الاكراد أصبحت من أقوى الفصائل المتحالفة على الارض السورية في حال حظيت بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا أمر متوقع خاصة بعد أن عقد الأكراد تحالف عسكري كردي أمريكي كشفه سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (PYD) على منطقة تل أبيض شمال سوريا، وهو تحالف مرحلي أو خطوة طبيعية في الحرب التي يشنها التحالف الدولي على داعش، فمنطقة تل أبيض منطقة سكانها من العرب والتركمان السنة، وليست كردية ولا يحق للأكراد احتلالها وإحلال قوات وميليشيات كردية أو مواطنين أكراد فيها بدل سكانها الأصليين، كما لا يحق لأمريكا أن تقتطعها مستعمرة كردية برغبة أمريكية، فما فعلته أمريكا في تل أبيض هو أمر يثير الريبة والمخاوف من سياسة أمريكية منحازة إلى الأكراد على حساب باقي مكونات الشعب السوري، وبالأخص انها استخدمت قوتها العسكري وقواتها الجوية لفرض هذا الواقع الديمغرافي الجديد، وفق خطة لا بد أن لها أبعادها ومخاطرها على سوريا والمنطقة أيضاً.

على الجانب الأخر الدولة التركية أكثر من تخشى الامتداد الكردي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) في المناطق الشمالية لسوريا، ولذلك لن تقف مكتوفة الأيدي حيال الممارسات الكردية التي تهدف إلى تطهير المناطق الشمالية من العرب والتركمان، تمهيدا لإنشاء منطقة حكم ذاتي في الشمال السوري وهو الأمر الذي يرفضه الجانب التركي بشكل قطعي، ويعنى عدم قبول تركيا السياسة الأمريكية حيال توطيد النفوذ الكردي.
وقد حذر فريدون سينيرلي أوغلو مستشار الخارجية التركية خلال اللقاء الذي جرى بينه وبين ممثّل الرئيس الأمريكي في الملف السوري الجنرال "جون آلين"، من ذلك قائلا " أن تركيا تمتلك الأدلة والبراهين الاستخباراتية التي تؤكّد وجود نية حقيقية لدى قيادات تنظيم (PYD) إقامة حكم ذاتي لهم في الشمال السوري، وأن ذلك فيه اعتداء على إرادة الشعب السوري، وتهديدا للأمن القومي التركي أنّ قيام عناصر هذا التنظيم بالتطهير العرقي في المناطق التي تسيطر عليها، وجلب الأكراد من بلدة كوباني وشمال العراق، من شأنه أن يؤجج الوضع السوري ويؤدّي إلى تقسيم الدّولة السورية".

وتابع " إن إقامة حكم ذاتي للأكراد في الشمال السوري سينجم عنه حرب بين عناصر تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات المعارضة السورية المعتدلة في المستقبل القريب، وأنّ إقامة مثل هذا الكيان في المناطق الشمالية سيصعّب من عملية عودة اللاجئين إلى أراضيهم حتّى بعد سقوط نظام الأسد والتخلّص من خطر تنظيم الدّولة داعش، أي أن هذه السياسة التركية تتكلم عن مشاكل كبيرة سوف تنشأ من إقامة كيان كردي شمال سوريا، يفصل شمالها عن وسطها وجنوبها أولاً، ويفصل بين تركيا وسوريا ثانياً، ويفصل بين تركيا والدول العربية التي تقع جنوب تركيا ثالثاً، وهذه الدول هي معظم الدول العربية مثل الأردن ولبنان والسعودية وكل دول الخليج العربي، أي ان مسألة إقامة كيان كردي شمال سوريا ليست بالأمر السهل، وله أهمية كبرى لدى السياسية التركية" .

ومن خلال حديث المسئول التركي نستطيع أن ندرك أن السياسة التركية مدركة لمخاطر إقامة كيان كردي شمال سوريا دون إرادة الشعب السوري صاحب الحق في السماح بإقامة كيان كردي شمال سوريا مشابه لإقليم كردستاني العراق، وأن ذلك يجب الا يتم إلا بالتوافق السوري وعن طريق الاجماع في البرلمان السوري القادم، أما في ظروف الثورة فإن الشروط غير متوفرة لأي انقسام إلا بالقوة العسكرية غير الملزمة للشعب السوري، ولذلك فإن هذا التصرف المنفرد من الأكراد والأمريكان سيؤدي إلى مزيد من الحروب الأهلية بين السوريين.
مما سبق نستطيع أن نؤكد أن البراجماتية الكردية دائما ما تطور نفسها بشبكة تحالفات توسع من خلال نفوذها لتخدم بها بالأساس مصالحها، وهو ما ينفذه أكراد سوريا الان بشكل عملي مستفيدين من مفرزات الثورة السورية.