شهوةُ السُلطة في لباس الدين.. ملامح الهجوم المتبادل بين "الإخوان" و"الجماعة الإسلامية"

الأربعاء 28/أكتوبر/2015 - 11:38 م
طباعة شهوةُ السُلطة في
 
بعد التعاون الذي كان بين الجماعة الإسلامية وجماعة الإخوان، طوال فترة حكم المعزول مرسي، والذي استمر بعد عزل مرسي حتى أيام قليلة مضت، الى درجة تبني اعتصامي رابعة والنهضة والوقوف على منصات الاعتصامين والتنديد بالدولة والتحريض عليها، ليس هذا فقط بل التنسيق فيما بينهم لعمليات إرهابية ما بين قتل هنا وتفجير هناك، تبادل الطرفان الهجوم الحاد فيما بينهما على إثر هجوم القيادي في تنظيم الإخوان حمزة زوبع على الجماعة ورد القيادي بالجماعة الإسلامية عاصم عبد الماجد عليه ومن هنا بدأ الصراع بين فصيلين مهمين من فصائل تيار الاسلام السياسي.
ورغم ذلك فإنه بات من المعروف أن عودة الإخوان إلى الساحة السياسية الآن أصعب من أي وقت مضى، وان جماعة الإخوان المسلمين في مصر تدرك أن نتائج الانتخابات البرلمانية التي وصلت إلى جولة إعادة المرحلة الأولى قد تكون رصاصة الرحمة بالنسبة للتنظيم الذي أطاح به الجيش من السلطة إثر احتجاجات شعبية حاشدة عام 2013، وحتى حزب النور السلفي، الذي كان يطمح في تقديم نفسه إلى جمهور الإسلاميين كوريث للجماعة، خرج من المرحلة الأولى للانتخابات خالي الوفاض.
وبدأ "ائتلاف دعم الشرعية" الذي شكله الإخوان بعد فقدان الحكم في التهاوي إذ احتدم الصراع داخله بين التنظيم الذي يشكل عموده الفقري، والجماعة الإسلامية التي توصم بالتشدد وتمثل أكبر حليف للإخوان.
شهوةُ السُلطة في
وشنت قيادات في حزب الحرية والعدالة المنحل، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، هجمات متتابعة على قيادات في الجماعة الإسلامية التي تورطت في اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وبعدها تبنت أحداث عنف واسعة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.
ويرى كثيرون أن تداعي "ائتلاف دعم الشرعية" هو انعكاس للاضطرابات العميقة في صفوف التنظيم بعدما بدأت تشيع فكرة أن التصعيد العنيف ضد السلطة الجديدة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي كان خيارا خاطئا.
وقالت مصادر سياسية إن الهجوم على الجماعة الإسلامية هو مقدمة لتنصل الإخوان من التنظيم الذي لطالما حظوا بدعمه كمقدمة لقبول الواقع السياسي الراهن في البلاد. وحمل القيادي في تنظيم الإخوان حمزة زوبع بطريقة غير مباشرة الجماعة الإسلامية مسؤولية أعمال العنف التي جرت في مصر خلال الفترة الماضية باعتبارها الطرف القوي في “ائتلاف دعم الشرعية".
وكانت تصريحات زوبع تشير إلى قلق واسع بين قيادات الإخوان من انتقال شباب الجماعة الذين يتوقون إلى توسيع دائرة العنف إلى صفوف الجماعة الإسلامية الأكثر راديكالية والأقل شعبية بين الأنصار المحافظين للتيار الإسلامي.
وعلى الفور سارع عاصم عبد الماجد وطارق الزمر القياديان في الجماعة الإسلامية بدورهما إلى الهجوم على الإخوان، وحمّلا التنظيم مسؤولية إخفاق الإسلاميين بشكل عام.
وبغض النظر عن الصراعات الحزبية، لا يجد الإخوان المسلمون على ما يبدو من التهدئة، إذ انخفض بشكل ملحوظ معدل العنف الذي كان يعتمد عليه التنظيم طوال العامين الماضيين لمواجهة أجهزة الأمن.
شهوةُ السُلطة في
ولم تعد أنباء اعتقال شخصيات مهمة كحسن مالك واضع السياسات المالية لتنظيم الإخوان، وحسين إبراهيم أمين عام حزب الحرية والعدالة المنحل وعضو مكتب الإرشاد، تشكل حدثا مؤثرًا في واقع المصريين كما كان معتادا في السابق، وإلى جانب انحسار شعبية التنظيم في منطقة الشرق الأوسط، شعرت القيادات بانهيار الهيكل السياسي والتنظيمي تدريجيا دون أن تكون لديهم القدرة على إنقاذه.
ولم يعد أمام الإخوان سوى استثمار الأزمة التي تعصف بالاقتصاد المصري، وعزوف الناخبين عن المشاركة بنسبة كبيرة في الانتخابات التشريعية لتصعيد غضب المصريين، وعاد الإخوان للتواصل مع قوى مدنية غاضبة، منها قيادات حزبية وقوى شبابية تعاني من تضييق سياسي واسع، وفي مقدمة هذه القيادات حمدين صباحي الذي كان المنافس الوحيد للسيسي خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت العام الماضي وأسفرت عن فوز قائد الجيش السابق.
وتقول شخصيات قريبة من صباحي إنه يفكر في تشكيل جبهة إنقاذ جديدة، تضم أطيافا متعددة على غرار الجبهة التي تشكلت من أحزاب وقوى وشخصيات سياسية مختلفة وساهمت في إسقاط حكم الإخوان.
وقال مصدر أمني مصري إن “مقاربات الإخوان في مصر فارغة من أي مضمون، وتأتي فقط لجس النبض، فقد بنيت على تصورات خاطئة بأن النظام المصري يبدو في ورطة داخلية جراء تراكم الأزمات، وهذا غير صحيح".
وأضاف “مبادرات جماعة الإخوان وشخصيات ليبرالية قريبة منها لن يتم الالتفات إليها لأنها تحمل مآرب سياسية آنية، وتريد إحراج الحكومة عبر إظهارها في صورة من يرفض المصالحة”.
وقد أعرب عصام زين العابدين القيادي في الجماعة الإسلامية، عن تعجبه من إصرار قيادات الجماعة على التحالف مع الإخوان، مشددا على يقينه التام بإدراك قيادات الجماعة بماهية الإخوان وصفاتها الرديئة ومنهجها المعوج، وتابع: "كم عانينا منهم أفرادا وجماعه ومن سلوكهم واتهاماتهم لنا بالتكفير مرات وبالإرهاب مرات".
وقال في تدوينة له على شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك "، امس الثلاثاء: "استمرار التحالف مع الإخوان إنما هو انتحار سياسي سيودى وبلا شك بالجماعة... فلا يصح أن يضيع تاريخ الجماعة المشرق المليء بالتضحيات والبطولات في مسانده جماعه لو أتيحت لها الفرصة الآن لباعونا من أول وهلة كما باعوا من قبل كل من ساندهم".
وأشار إلى أن حديثه هذا ليس ردا على زوبع ولا غيره، بل هو تاريخ طويل استمر قرابة أربعين عاما مع مجموعه لا تعرف إلا مصلحتها ولا تأخذها في إخوانها إلا ولا ذمة.
شهوةُ السُلطة في
وقال الشيخ عصمت الصاوي القيادي البارز بالجماعة، في تدوينةٍ له على شبكة التواصل الاجتماعي: إن حديث زوبع وانتقاداته للجماعة الإسلامية يذكرني بنساء شارع محمد علي في الخمسينيات عندما يتم استئجارهم شخصا لـ"فرد الملاية"، للرجال الشرفاء واتهامهم بما ليس فيهم.
وتابع: "لو اعتمدنا المنطق "الزوبعى" في اتهامه للدكتور ناجح إبراهيم والجماعة الإسلامية بأنهم قتلة مستدلا ومتجاهلا كل فرصة للتبيين والتثبت لكانت أقل الاتهامات التي يمكن أن نوجهها إليهم مستدلين بذات المنطق الزوبعي أن الإخوان المسلمين جماعة من الخونة والمأجورين وسفاكي الدماء".
وأضاف: "إذًا اتخذنا نفس المنطق الزوبعي ولقلنا أيضا: إن الدكتور ناجح إبراهيم والجماعة الإسلامية عارضوا نظام مبارك وقت أن كان زوبع وقياداته وجماعته يقتاتون على فتات موائد مبارك وحاشيته، وتنمو أموالهم ومشروعاتهم على جماجم وأشلاء أبناء الجماعة التي يسبها اليوم"..
وأشار إلى امتلاك الدكتور ناجح إبراهيم والقيادات التاريخية للجماعة الإسلامية قوة الرجال وشجاعة الأبطال لمواجهة قواعدهم ومواجهة المجتمع كله بخطأ توجههم ومخاطر مسلكهم بينما أنت وجماعتك تنقلون الأمة كلها من فشل إلى فشل ومن خداع إلى خداع ومن وهم إلى وهم. 
ووجه خطابه للإخوان قائلا: "تصرون على إغراق المنطقة كلها في مستنقع إفهامكم المغلوطة وانحيازاتكم السقيمة فمن خرج عن فلككم فهو خائن ومن خالف أوهامكم فهو متراجع ومن انتقد رعونتكم فهو سفيه فأي الفريقين أهدى سبيلا وأرشد طريقا إن كنت تعقل".
شهوةُ السُلطة في
وأشار "الصاوي"، إلى أن "الدكتور ناجح إبراهيم وقيادات الجماعة الإسلامية وضعوا جاههم وهيبتهم على المحك، وأطلقوا مبادرة وقف العنف حفاظا على تماسك الوطن ووحدة المجتمع وأنتم من أجل جاهكم تدفعون الشباب إلى الموت على مذابح شرعية تآكلت وتلاشت لأن شروط التفاوض- في رابعة وغيرها - ما زالت لا تليق بجاه حضراتكم ولتذهب مصر كلها إلى الجحيم ولا يغترف الإخوان بكوارثهم وفشلهم في حق الوطن وحق شركائهم وحق الأمة كلها".
وقال: إن "منهج الدكتور ناجح إبراهيم هو منهج إعلاء قيمة الإنسان ورفعته، هو منهج عفة اللسان ودماثة الخلق، هو منهج التفكير الاستراتيجي المتعقل الذي قرأ فشلكم قبل أن تبدأوا ورفض مرشحكم وانحاز للدكتور سليم العوا – الذي اتهمتوه باطلا بالتشيع - ثم اضطر إلى أكل لحم الميتة وانتخاب مرشحكم في الإعادة عاصرا على نفسه أفدنة من الليمون شأنه في ذلك شـأن كل عقلاء مصر، بينما منهجك هو منهج الصفاقة والسفالة والانحطاط وهدم وتشويه المخالفين هو منهج الخديعة والكذب وتضليل الجماهير وتزييف الوعي وخداع الرأي العام، ولا داعي لتذكيرك بفيرمونت وشعارات المشاركة لا المغالبة وغيرها وغيرها".
في السياق ذاته، هاجم أحمد ثابت، القيادي في الجماعة، موقف زوبع موجها حديثه لأبناء الجماعة الإسلامية قائلا: "لقد خرجتم لله ونصحتم لله وصبرتم مع إخوانكم من إخوان المسلمين، وخضتم معهم معركتهم، وفقدتم فيها معلمكم وإمامكم - في إشارة للدكتور عصام دربالة - فضلا عن كثير من الشباب في النهضة ورابعة وما زلتم".
وأضاف: "لكن حقيقة ﻻ تنتظروا منهم شيئا، فهم حتى الآن يقولون عنكم قتلة وتكفيريون رغم أننا سبقنا الجميع في دحرنا شبهة التكفير، لكن ﻻ تنتظروا منهم مدحًا وﻻ حتى حفظا للجميل.. فقط تمنوا أن يكفوا ألسنتهم عنا، اللهم أسكت حمزة زوبع وأمثاله فهم يهدمون وﻻ يبنون".
وحال رصد كل هذه المعارك بين فصائل تيار الإسلام السياسي والتي تدور في فلك المصالح السياسية وليست مصلحة وطن أو دين يتضح الموقف من حقيقة هذه الجماعات التي لا تريد نصرة لوطن أو دين بينما تريد فقط الاستحواذ على السلطة السياسية لتحقيق مصالحها الاقتصادية، فأين الدين في هذا الصراع الدائر بين الجماعة الإسلامية وجماعة الإخوان أو بين الجماعتين والدعوة السلفية.. ولم يزل الواقع يؤكد أن تلك الصراعات لا علاقةَ لها بالدين أو تمثله في شيء، بقدر ما تمثل وتمتثل للمصلحة والصراع السياسي وشهوة السلطة.

شارك