مع دخولها عامها الرابع.. الحرب في سوريا.. لا رابح ولا مهزوم
الثلاثاء 12/أغسطس/2014 - 03:47 م
طباعة

دخلت الأزمة السورية عامها الرابع وقد غرقت البلاد في أزمة إنسانية غير مسبوقة ودمار هائل، مع تواصل المعارك بين المعارضة المنقسمة، والرئيس بشار الأسد الذي يحاول استعادة السيطرة على الميدان، ولكن الفصائل المقاتلة ومنها المصنفه إرهابية لا تريد التراجع عن القتال.
ولا يلوح في الأفق أي حل قريب للأزمة التي تحولت إلى نزاع دام، لا سيما وسط تباين كبير بين روسيا والولايات المتحدة، الجهتين الراعيتين لمفاوضات السلام في جنيف.. المفاوضات أصبحت لا تقدم حلا للأزمة، وارتفعت معاناة النازحين واللاجئين.
الجيش السوري يحقق انتصارات

رغم إحراز الجيش السوري في مناطق عديدة في سوريا، أهمها مدينة القصير التي وصل فيها الجيش إلى مشارف حي التركمان المتاخم للحي الشمالي، إضافة إلى أنه يحاصر المسلحين على محور الجوادية. في خطوة لتعزيز الوجود العسكري لقوات الجيش في المدينة وتمهيدا لعملية عسكرية واسعة النطاق، إلا أنه لا يبدو رغم كل هذه التطورات الميدانية أن الرئيس السوري بشار الأسد قادر على استعادة السيطرة الكاملة على بلده المنكوب، ولا يتمتع معارضوه بالقوة الكافية للإطاحة به، مما قد يبقي سوريا في أتون حرب أهلية طائفية لأشهر وربما لسنوات.
وقد حقق الأسد بعض الانتصارات العسكرية في الأسابيع الماضية بدعم من حلفائه الإيرانيين والروس متحديا الكثير من معارضيه، الذين توقعوا يقينا اقتراب سقوطه منذ اندلاع الانتفاضة في مارس عام 2011.
غير أن الآراء القائلة بأن حكومته قد تلحق الهزيمة التامة بمعارضيها المختلفين تعكس عدم فهم أصحابها لطبيعة الحرب أو الأعداد الكبيرة للقوات المشاركة فيها.
ودارت اشتباكات عنيفة بين الفصائل المقاتلة في سوريا، وقوات النظام في مدينة المليحة بريف دمشق على الجبهتين الشمالية والشرقية، وقامت طائرات النظام بـ11 غارة جوية بالإضافة لاستهدافها 15 صاروخ أرض- أرض. بحسب ما أوردته شبكة سوريا مباشر.
استهدفت مدفعية الجيش السوري مواقع الجماعات المسلحة في بلدة سنبل بريف إدلب، موقعة العشرات منهم قتلى وجرحى؛ فيما تستمر الاشتباكات بين الجيش والمسلحين في الحي الشمالي لمدينة معرة النعمان؛ كما قتل عشرات المسلحين مما يسمى بالجبهة الإسلامية باستهداف الجيش مواقع لهم في الغوطة الشرقية بريف دمشق.
هذا ويشهد ريف إدلب مزيداً من التصعيد حيث تتواصل اشتباكات عنيفة بين الجيش السوري والجماعات المسلحة في الحي الشمالي لمدينة معرة النعمان مما أسفرت عن وقوع قتلى ومصابين في صفوف المسلحين؛ كما استهدفت مدفعية الجيش مواقع المسلحين في بلدة دير سنبل بريف إدلب.
اشتباكات عنيفة

وشهد مساء الاثنين اندلاع اشتباكات على الجبهة الشرقية المحاذية لإدارة الدفاع الجوي في المدينة، وعلى الجبهة الشمالية المحاذية للطريق الرئيسي المؤدي إلى الغوطة الشرقية. واستهدفت الغارات المباني السكنية في وسط وأطراف المليحة، كما أطلقت قوات الجيش السوري 15 صاروخ أرض- أرض.
أما في الغوطة الغربية فقد اندلعت اشتباكات بين فصائل الثوار المشاركة في معركة الراية الواحدة من جهة، وقوات الجيش السوري من جهة أخرى في محيط الفوج 137 قرب بلدة خان الشيح، استهدف الثوار خلالها الفوج بعشرات قذائف الهاون، في حين ألقت المروحيات براميل متفجرة على محيط البلدة.
في ريف حماة الشمالي أفاد مركز حماة الإعلامي عن مقتل 10 عناصر من قوات الجيش السوري وتدمير آلية عسكرية في مدينة مورك، كما أفاد المركز عن تدمير سيارتين على جبهة مورك أيضاً.
وسقط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين جراء قصف بالبراميل المتفجرة على قرية الحويجة بريف حماة الغربي، ويأتي ذلك وسط اشتباكات عنيفة على جبهة عيدون بريف حماة الجنوبي بين الثوار وقوات النظام وسط قصف مدفعي على قرى التلول الحمر وعيدون بريف حماة الجنوبي.
وفي ريف دمشق قتل عدد من مسلحي الجبهة الإسلامية في استهداف مباشر على مواقع المسلحين في مصراتة ومزارع دوما بالغوطة الشرقية، بينما استمر الجيش السوري بعملياته العسكرية في المليحة في حين استهدفت مدفعية الجيش تجمعات المسلحين في زبدين وديرالعصافير بريف دمشق.
وعلى طريق مطار دمشق الدولي تؤكد المصادر العسكرية أن الجماعات المسلحة غير قادرة على إحداث أي اختراق أمني في السيطرة على مطار دمشق الدولي أو الاقتراب منه، معتبرة أن المعركة التي يتحدث عنها وهمية وتأتي في إطار الحرب النفسية بعد الخسارات المتتالية التي تعرضوا لها في عموم المناطق بريف دمشق.
أجناد الشام .. الهدف دمشق

أبو محمد الفاتح قائد الاتحاد الاسلامي لأجناد الشام
رغم أن العديد من الفصائل المقاتلة في سوريا تتوجه دائما إلى أن الهدف السيطرة على العاصمة السورية دمش وإسقاط نظام الأسد، لكن حتى الآن لا تبدو الأمور سهلة، بل تتصعب في ظل تراجع الدعم الدولي لفصائل المعارضة ورفض الدول الغربية دعمها في ظل انتشار ظاهرة الإرهاب العابر للقارات.
وتحدث أبو محمد الفاتح قائد الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام في حوار صريح وخاص لبرنامج "تفاصيل" الذي يعرض على شاشة تلفزيون "أورينت" عن آخر تطورات معارك دمشق وريفها قائلاً: إنهم يخوضون عدداً من المعارك الفاصلة في الغوطتين الشرقية والغربية ولا سيما المعارك الأخيرة كمعركة نفحات بدر في جوبر والتي أسفرت عن تحرير حاجز عارفة المطل على ساحة العباسيين في أقرب نقطة إلى مدينة دمشق، وعملية صواريخ الأجناد التي قصفت النظام في عقر داره.
وأضاف الفاتح أن معارك تطويق المطار و"نفحات بدر" تأتي استكمالاً لمعركة "إن مع العسر يسرا" التي تأتي في نطاق كسر الطوق والحصار عن مدينة المليحة المحاصرة ولا سيما أن غرفة عملياتها تشهد معارك مستمرة، مشيراً إلى أن النظام كان يهدف من خلالها إلى إخراج الفصائل الموجودة في الغوطة من جهة وكسر إرادة "المجاهدين" المحيطين بدمشق من جهة أخرى، وذلك في محاولة منه لاستبعاد القذائف والصواريخ التي تستهدفه في دمشق.
وأكد الفاتح على أن "مدينة دمشق" تعدّ الهدف الذي تسعى جميع الفصائل إلى تحقيقه والسيطرة عليه، مشيراً إلى أن المعارك لم تنته عند "نفحات بدر"، وأن معارك المليحة لا تزال مستمرة حتى الآن على جميع الجبهات، وذلك ضمن تنسيق من الدرجة العالية بين جميع الفصائل والمجاهدين، "راجيا من الله أن يتوج جهودهم بمعارك تهدد النظام وتشفي صدور المؤمنين" على حد تعبيره.
كما نوه بضرورة تفعيل تلك الجبهات وخاصة في المليحة وجوبر، وذلك إيماناً منه بأن النظام لن يسقط إلا بوصول التهديد إلى عقر داره، موضحاً أنه يعتبر في مأمن طالما بقيت الجبهات بعيدة عن مدينة دمشق.
أعلنت "قيادة غرفة عمليات حلب" التابعة لـ"المجلس العسكري في الجيش الحر"، أمس، "تعليق العمل حتى إشعار آخر"، بسبب "استئثار قائد المجلس ونائبه بالقرار وتعمّد الدكتاتورية، إضافة إلى عدم إمدادها بالذخائر"، بحسب البيان.
الوضع الراهن.. لا أحد سينتصر

بيتر هارلينج
وقال بيتر هارلينج وهو مدير مشروع بمجموعة الأزمات الدولية: "في ضوء الوضع الراهن لا يستطيع النظام استعادة السيطرة ولا المصالحة ولا الإصلاح ولا إعادة البناء."
مضيفا أن "الفوز يتمثل في البقاء على قيد الحياة ليوم آخر وإذا فكرت بهذا المنطق ستجد أن الأسد كذلك."
وفي ديسمبر الماضي صرحت وكالة المخابرات الخارجية الألمانية بأن حكومة الأسد تبدو "في مراحلها الأخيرة"، مستشهدة بما فقدته من سيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي وإشارات تعكس تنسيق مقاتلي المعارضة فيما بينهم بشكل أفضل. وقال مصدر أمني في برلين: إن وكالة المخابرات لم تلبث سوى خمسة أشهر حتى غيرت تقييمها للوضع في سوريا.
وتعتقد ألمانيا الآن أن المعارضة هي التي تواجه صعوبات خطيرة إذ تعيقها الصراعات الداخلية، واضطرت إلى التراجع بعد وصول مسلحي حزب الله اللبناني المدربين تدريبا عاليا والذين شاركوا في الحرب من أجل بقاء الأسد.
ورغم ذلك نفى مسئول كبير في إسرائيل الفكرة القائلة بأن الأسد بدأ عملية كبيرة لاسترداد سلطانه، وأن بإمكانه استعادة السيطرة الكاملة على بلاده. وتتميز إسرائيل بأن لديها بعضا من أفضل معلومات المخابرات بشأن سوريا.
قال المسئول الكبير "إنه وضع متقلب ولكن بمضي الوقت تجد أن قوة الأسد تتضاءل" مضيفا أن المكاسب التي حققتها الحكومة في الآونة الأخيرة قد يصعب الحفاظ عليها.
مأساة إنسانية

وسط غياب لأي أفق أمام حلٍّ ينهي صراعاً دامياً خلّف 140 ألف قتيل ونحو نصف مليون مصاب، وقسّم نصف السكان ما بين لاجئين ونازحين- دخلت الأزمة السورية أمس عامها الرابع، وقد غرقت البلاد في أزمة إنسانية غير مسبوقة ودمار هائل، وذلك بعد أيام من توقعات أمريكية بأن الصراع قد يمتد إلى 10 سنوات إضافية.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتِل في هذه المعارك أكثر من 140 ألف شخص، وأصيب أكثر من 500 ألف آخرين، كما هُجّر الملايين، فضلاً عن أضرار اقتصادية هائلة.
كشفت دراسة بريطانية جديدة عن تأثيرات مدمرة على الأطفال في سوريا نتيجة للحرب الأهلية الدائرة في البلاد منذ ثلاث سنوات.
وتقول مفوضية الامم المتحدة العليا لشئون اللاجئين: إن عدد اللاجئين المسجلين بلغ 666 ألفا في لبنان مقابل 513 ألفا في الأردن و431 في تركيا، وأكثر من 100 ألف في كل من العراق ومصر.
وبحسب الدراسة التي نشرتها جمعية "save the children"، فإن 1.2 مليون طفل على الأقل فروا من الصراع وأصبحوا لاجئين في الدول المجاورة، في حين أن 4.3 ملايين طفل آخرين داخل سوريا يحتاجون لمساعدات إنسانية.
وتقول الدراسة إنه "باختصار، الأزمة الإنسانية في سوريا أصبحت أزمة مدمرة للصحة، حيث إن 60% من المشافي و38% من منشآت الرعاية الصحية الأولية تضررت أو تدمرت، وانخفض إنتاج الأدوية بنسبة 70%، وتقريباً نصف أطباء سوريا غادروا البلد، فمثلا مدينة حلب التي يفترض أن يكون فيها 2500 طبيب لم يبق فيها إلا 36 طبيبا".
وتذكر الدراسة أن الأطفال في سوريا عاشوا عنفاً شديداً، ويقدّر أنه أكثر من 10 آلاف روح شابة فُقِدت كنتيجة مباشرة لهذا العنف.
فيما يقدر أن عدة آلاف من الأطفال قد ماتوا كنتيجة لعدم توافر علاج لأمراض مزمنة مهددة للحياة كالسرطان، الصرع، الربو، السكري، ارتفاع الضغط والقصور الكلوي. وإزاء هذه المأساة، اعتبرت الأمم المتحدة أن السوريين على وشك تخطي الأفغان، كأكبر مجموعة من اللاجئين في العالم، مع إعلان المفوض الأعلى لشئون اللاجئين أنطونيو غوتيريس وصول عدد المسجلين لدى المفوضية إلى 2.5 مليون شخص في الدول المجاورة لسوريا، وعدد النازحين في داخلها إلى 6.5 ملايين.
وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أمس من أن مستقبل 5.5 ملايين طفل سوري بات "معلقاً في الهواء"، منهم نحو مليون طفل يتعرضون للأذى الأكبر؛ كونهم عالقين في المناطق المحاصرة التي يصعب الوصول إليها، إذ تنقطع عنهم الإغاثة ويعيشون بين دمار المباني ويعانون للحصول على الطعام.
المشهد الآن

أصبح من الصعب التنبؤ بانتهاء الحرب الأهلية في سوريا؛ لأن الأزمة أصبحت رهينة لتحالفات سياسية إقليمية ودولية.
وفي ظل غياب التدخل الخارجي الحاسم لصالح المعارضة- والذي لم يبد الغرب رغبة في القيام به- يشير معارضوا الأسد إلى عاملين محتملين قد يؤديان إلى سقوطه وهما الانهيار الاقتصادي التام أو الانقلاب العسكري.
والأمر الآخر أن التاريخ يظهر دائما أن معظم الحروب الأهلية لا تنتهي سريعا، ولا يغلب عليها الانتهاء بالتوصل إلى تسويات عن طريق التفاوض، وكلما طال أمدها ازدادت صعوبة نزع سلاح الميليشيات المشاركة فيها وحل أزمات اللاجئين الحتمية التي تستتبعها.