وجود المسيحيين في الشرق جسر لبناء الحداثة والمواطَنَة
الأربعاء 11/نوفمبر/2015 - 02:20 م
طباعة

بناء فكر تنويري حداثي مضاد للإرهاب يتخذ من قيم حقوق الإنسان سلاحاً يواجه كل الأسلحة الأخرى، ويؤسس لوطن عربي يحترم مواطنيه وتسوده المساواة بينهم، ويحتضن التنوع وتصبح التعددية فيه مصدر قوة لا ضعف أو تفكك وبناء الجسور لا المتاريس. هذه الخلاصة التي توصل إليها باحثون وأساتذة اجتماع أردنيون وعرب، في أعمال مؤتمر "هجرة المكونات الاثنية والدينية في الشرق الأوسط"، الذي نظمه المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام ومركز نيسان للتنمية السياسية والبرلمانية ومؤسسة كونراد اديناور الألمانية، إلى نبذ المذهبية والجهوية وتعزيز مفهوم المواطنة وحرية الرأي والفكر والمعتقد، والذهاب إلى الدولة المدنية الجامعة التي تضمن بين جوانبها كل مكونات المجتمع.
قوانين لا بد من تغييرها

وفي الحلقة النقاشية الأولى التي خصصت لحقوق المكونات الدينية والاثنية في التشريعات، وترأستها النائب في البرلمان الأردني ريم أبو دلبوح، استعرض باحثون جوانب قانونية يتوجب تغييرها والتعامل معها لتعزيز مفهوم الدولة المدنية العصرية التي يتوجب الذهاب إليها ومن أبرزها القبول بالآخر والعيش معه على مبدأ المساواة وليس على مبدأ الذمة، وتعديل قوانين ذات علاقة بتلك المفاهيم.
وقدمت المحامية والإعلامية اللبنانية رلى إيليا ورقة عمل بعنوان "حقوق الأقليات في التشريع"، فدعت النخب العربية لقول كلمة جريئة بغية تفعيل المعاهدات العربية والدولية والقوانين المحلية التي تضمن وتصون حقوق الإنسان، وإيجاد قواسم مشتركة بين مكونات المجتمع، وترسيخ مفهوم الهوية الوطنية على قاعدة نشر الفكر والمنطق، واستخلاص عبر التاريخ في زمن لم يعد فيه للقلم والفكر والعقل مكان واسع.
وأشارت إلى أن ما تدعو إليه من المفترض أن يأتي من خلال فكر حداثي يليق بعالم عربي متنوع يعيش فيه مواطنون لا أتباع، متساوين أمام القانون رغم تنوعهم الديني والثقافي والعرقي، وإرساء مبدأ المواطنة في العلاقة بين الدولة والمواطنين كما في العلاقة بين الناس انفسهم.
ورأت أن الحل لما يواجهه العالم العربي اليوم من أزمة تغلب الهويات الضيقة على الهوية الوطنية الجامعة لا يكون إلا عبر مواجهة القوى الإقصائية والأصوات الظلامية، باعتبار أن تلك القوى تحاول خطف الدين كي يكون في مواجهة التنوع وقمع الرأي الآخر ونبذ العيش المشترك أو بالأحرى العيش معاً.
العقل الديني

وقدّم البروفيسور الفلسطيني برنارد سابيلا، أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيت لحم، ورقة عمل بعنوان "هل المسيحية نحو الزوال في المشرق العربي؟"، لفت فيها إلى أن المجتمعات العربية لا يمكنها تطبيق الديمقراطيات الأوروبية؛ كون العالم العربي يعتمد على الدين والتقاليد الدينية كمرجعية له، على عكس الدول الأوروبية التي تستند معاملتها للمواطنين على أسس قواعد القانون من دون عراقيل "العقل الديني"، مشيراً إلى أن الأوضاع السياسية الحالية في فلسطين تؤثر في ازدياد على وتيرة الهجرة لدى السكان ككل ولدى المسيحيين بشكل خاص.
وقال: إن الصراع العربي الإسرائيلي ترك أثره على حركة الفلسطينيين القهرية وتهجيرهم خارج الوطن، فمع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في العام 1948 هجر ما يزيد على الثلاثة أرباع المليون فلسطيني الذين أضحوا لاجئين بين عشية وضحاها، ومن بين الذين عانوا تجربة اللجوء ما بين 50.000 إلى 60.000 من المسيحيين العرب الذين كانوا أكثر من ثلث السكان المسيحيين في فلسطين في العام 1948. وأضاف إنه كان في مدينة القدس تحديداً من السكان المسيحيين في العام 1944 ما يقرب من 29 ألف، بينما لا يتجاوزوا اليوم العشرة آلاف بأعلى تقدير.
التمييز

أما الدكتور يعقوب الفار، المحامي والمستشار القانوني، فقال خلال ورقة العمل التي قدّمها تحت عنوان "التمييز على أساس الدين كسبب من أسباب الهجرة إلى الخارج": إن "أحد أسباب الهجرة الاضطهاد الديني، وهذا يتلخص في أسباب ثلاث هي تغيير الدين من غير الإسلام إلى الإسلام، وإخضاع غير المسلم إلى أحكام الشريعة الإسلامية بحكم القانون، والتمييز المباشر في حكم القانون بين المسلم وغير المسلم، وإعطاء المسلم حقوق ومزايا أفضل من غير المسلم".
ونوه أن القانون الساري في القانون المدني يتضمن بأن يسري على جميع الأردنيين سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين، لافتاً إلى أن بعض الصعوبات التي يتعرض لها المواطن المسيحي من خلال التمييز في القانون والشعور بالرفض يدفعهم بالتفكير في حالات أفضل والبحث عن تشريعات مدنية غير دينية لا تستند إلى أحكام الدين الإسلامي أو المسيحي، لافتاً أن نزعة التخلص من القيود الدينية خاصة في مسائل الأحوال الشخصية تتنامى عند الكثيرين، وخاصة أن بعضهم بات يفضل الزواج المدني على الزواج الديني.
الخطاب الديني
وفي الجلسة الثانية التي ترأسها الدكتور عودة قوّاس، وتمحورت حول الخطاب الديني في المناهج الدراسية والإعلام، قال الدكتور عامر الحافي، أستاذ علم الأديان المقارن في جامعة آل البيت: إن الفكر الإسلامي في أزمة داخلية، وهذا يتجلى بما تقوم به الجماعات التكفيرية، وتفجير قبر النبي يونس من قبل عصابة داعش الإرهابية، وما فعلته مع الطائفة الإيزيدية في العراق، ووجود فتاوى من شيوخ معروفين تحرم تهنئة الآخر.
واعتبر أن كرامة الإنسان أهم بكثير من الجغرافيا، وبالتالي يتوجب أن يتم المحافظة على كرامة الإنسان وألا يظلم، وإذا وقع ظلم عليه سيصبح يفكر بالهجرة من المكان الذي انتقصت فيه كرامته. ولفت إلى أن التمييز والاضطهاد مرفوضان من قبل جميع الأديان، مشيراً إلى أن ظهور الحركات الإسلامية المتطرفة يعود إلى خلل في الخطاب الديني والسياسي، ملقياً باللوم على المناهج المدرسية لفشلها في توفير المعلومات الصحيحة للطلاب.
وقال الدكتور جمال الشلبي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية: إن العرب المسيحيين هم جزء من الثقافة الديمغرافية العربية،- السكانية- كونهم كانوا الرواد في حركات المقاومة العربية زمن الحكم العثماني، كما أنهم لعبوا دوراً رئيسياً في التعليم والثقافة. ودعا المسلمين إلى عدم الرجوع إلى الماضي من أجل إعادة عيش تجربته، مرجعاً سبب ظهور الجماعات المتشددة إلى التعليم الخاطئ وتضليل وسائل الإعلام.
وأشار إلى أن التغيير بحاجة لأكثر من وقفة أو مؤتمر، وأنه بات لحاجة لقرارات سياسي تؤسس لاحتضان الآخر، وتعترف به وتتعامل معه ككيان حقيقي موجود له كل الحقوق والواجبات، لافتاً إلى بعض الممارسات التي تحمل فكراً داعشياً إقصائياً من قبل المجتمع.
التحديات
أما الأستاذ زياد شليوط، الصحفي والكاتب من الجليل، فاستعرض أبرز التحديات التي يواجهها المسيحيون داخل أراضي الـ48، من بينها: قضية الهوية، المدارس الأهلية المسيحية، وكيفية تعامل المسيحيين مع القضايا السياسية داخل وخارج فلسطين. كما أبرز الظروف التي دفعت العائلات المسيحية إلى الهجرة منذ عام 1894، وحتى السنوات القليلة الماضية، خاصة من فئة الشباب.
وقال: إن المسيحيين تعرضوا في السنوات الأخيرة إلى اعتداءات على أكثر من صعيد ومحاولات اختراق لصفوفهم لتفريقهم وإضعاف الجماعة المسيحية والحد من تأثيرها ونفوذها، فحضورها وليس عددها هو ما يقلق خصومها، لافتاً إلى أن محاولات عدة جرت لتجنيد الشبان المسيحيين أسوة بالدروز، لكنها باءت بالفشل.