بين مواجهة "داعش" واحتواء السنة والأكراد.. هل ينجح "العبادي" في إدارة أزمات العراق؟!

الجمعة 15/أغسطس/2014 - 08:02 م
طباعة رئيس الوزراء العراقي رئيس الوزراء العراقي المكلف حيدر العبادي
 
ويصف البعض العبادي بأنه "رجل التوازنات"، وربما يعود ذلك لتناوله للأشياء بصيغة متوازنة، نظرًا لخلفيته ودراسته الأكاديمية، وهو ما جعله يلقى إجماعاً من مختلف المكونات السياسية.....
العبادي والمالكي
العبادي والمالكي
لم يكن حيدر العبادي، القيادي في حزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس الحكومة العراقية المنتهية ولايته نوري المالكي، من بين الأسماء المرشحة لخلافة المالكي خلال فترة الجدل بين الأطراف السياسية بشأن من سيشكل الحكومة العراقية المقبلة.
وجاء تكليف العبادي، وسط ترحيب عراقي وإقليمي ودولي، فقد رحبت إيران والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية وسوريا وتركيا والأمم المتحدة وأغلب الأطراف المعنية بالعراق.

تحديات العبادي

رئيس الوزراء العراقي
رئيس الوزراء العراقي المكلف حيدر العبادي
يواجه رئيس الوزراء العراقي المكلف حيدر العبادي،  العديد من التحديات في الداخل العراقي، سواء علي الجانب الأمني بمواجهة "داعش" أو تحجيم  المليشيات الشيعية المسلحة، وإعادة الكفاءة لقوات الجيش والشرطة، وعودة الأمن، بالإضافة لتحسين للعلاقات مع الدول الخارجية، وتحسين الخدمات الأساسية للدولة.
وتفاءل كثير من العراقيين عقب تكليف رئيس وزراء جديد بتشكيل حكومة قادرة على مواجهة تنظيم "دعش" المتطرف، الذي استغل غضب السنة لشن هجوم لم يتمكن أحد من صده، حتى أحكم قبضته على مساحات شاسعة مهددًا مستقبل العراق كبلد موحد، وممزقًا نسيجه العرقي والطائفي بحملته الهمجية على الأقليات.
لكن هذا التفاؤل يبقى مشوبًا بالحذر مع جسامة التحدي الذي ينتظر حيدر العبادي "شيعي"، الذي قضى عقودا في المنفى في بريطانيا والمنتمي لحزب الدعوة الإسلامية الذي يرأسه نوري المالكي. 
وكلف الرئيس العراقي فؤاد معصوم العبادي بتشكيل الحكومة الجديدة، وقضى على أي أمل لولاية ثالثة لرئيس الوزراء المنتهية ولايته.
وسارعت طهران وواشنطن إلى تهنئة العبادي، وكذلك فعلت الجارتان السنيتان تركيا والسعودية، واعتبر الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أن العراق "يخطو خطوة واعدة" مؤكدًا في اتصال هاتفي مع العبادي "دعمه" له، وسط دعم من رئيس الحكومة السابق نوري المالكي.
وتنتظر العبادي مهمة صعبة على مستوى الخلافات السياسية القائمة بين القوى العراقية، ومسئولية تشكيل جبهة واحدة ومتماسكة تمتلك القوة اللازمة لمواجهة خطر توسع تنظيم "داعش" مؤخراً في محافظات شمالي وغربي البلاد.
ويصف البعض العبادي بأنه "رجل التوازنات"، وربما يعود ذلك لتناوله للأشياء بصيغة متوازنة، نظرًا لخلفيته ودراسته الأكاديمية، وهو ما جعله يلقى إجماعاً من مختلف المكونات السياسية.

كسب ثقة السنة

طه محمد الحمدون
طه محمد الحمدون
يتطلب كسب ثقة السنة إعطاء ضمانات حقيقية لهم، واتخاذ خطوات فعلية من قبيل إعادة المفصولين من وظائفهم الحكومية، وتخفيف قوانين مكافحة الإرهاب والإفراج عن آلاف المعتقلين دون محاكمة، وحتى إصدار عفو عام.
فغالبية المدن السنية لديها مشكلات مع المالكي الذي قام بإلغاء صلاحياتها الأمنية والإدارية، وهدد عدداً من القادة السياسيين فيها بالمحاكم والسجن مثل وزير المالية السابق رافع العيساوي المتواجد في أربيل، والنائب أحمد العلواني المعتقل في أحد السجون داخل المنطقة الخضراء رغم امتلاكه الحصانة النيابية، ونائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي الذي يواجه خمس قرارات قضائية بالإعدام ويقيم في تركيا منذ أكثر من عام
وقال طه محمد الحمدون الناطق الرسمي باسم جماعة الحراك الشعبي في محافظات سنية عراقية، إن زعماء عشائر سنية ورجال دين في معقل السنة بالعراق مستعدون للانضمام إلى الحكومة الجديدة إذا تحققت شروط معينة، مضيفا ان ممثلين للسنة في الأنبار ومحافظات أخرى أعدوا قائمة بالمطالب التي ستقدم إلى رئيس الوزراء المكلف وهو شيعي معتدل.
ودعا المتحدث الحكومة وقوات الميليشيات الشيعية إلى وقف الاعمال القتالية لإتاحة الفرصة أمام إجراء محادثات، مضيفًا انه لا يمكن اجراء أي مفاوضات تحت القصف بالبراميل المتفجرة والقصف العشوائي، ودعا إلى وقف القصف وسحب الميليشيات الشيعية حتى يتمكن الحكماء في تلك المناطق من التوصل إلى حل.
و يعتبر العبادي أقل استقطابا للانقسامات السياسية والطائفية قياسًا بالمالكي الذي تحول إلى شخصية شبه منبوذة على مستوى الأطراف الداخلية وكذلك الدولية بسبب هذا الأمر.
ويستطيع العبادي العمل على ردم الفجوة العميقة بين السنة والشيعة في الدرجة الأولى، وكذلك طمأنة الأكراد بأنهم شركاء حقيقيون في قيادة البلاد على خلاف المالكي الذي نصب المقربين منهم في المناصب المهمة، وهمش الأطراف الأخرى وحاول السيطرة على المؤسسات والهيئات المستقلة والتأثير على قرارات السلطة القضائية.

الأكراد

القوات الكردية البيشمركة
القوات الكردية "البيشمركة"
وفيما يتعلق بالأكراد، فإن الخطوة الأولى لإعادة ثقتهم بالحكومة الاتحادية تتطلب إعادة صرف حصة لإقليم شمال العراق من ميزانية الدولة وإمداد القوات الكردية "البيشمركة" بالأسلحة لمحاربة "الدولة الإسلامية"، والبحث جدياً عن اتفاق فيما يخص إدارة الثروة النفطية والمناطق المتنازع عليها بين حكومتي أربيل وبغداد منذ سنوات.
حظي العبادي بدعم القوى الكردية المختلفة من دون أي تحفظ لأي طرف من أطراف التحالف الكردستاني بأجنحته الرئيسية الثلاثة، أي الاتحاد الديمقراطي والاتحاد الوطني وحركة التغيير. وقد أبلغ الأكراد دعمهم هذا لأطراف التحالف الوطني عبر اللقاءات المباشرة، وكذلك أبلغوه للولايات المتحدة عبر اتصال هاتفي بين رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني ووزير الخارجية الأميركية جون كيري.
والكرد يطالبون بمنح مستحقاتهم المالية التي أوقفها الأخير لاعتبارات سياسية، كما أنهم يطالبون بعدم التفاوض بعد اليوم بشأن مصير محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها ويعتبرونها كردية بعد انسحاب الجيش العراقي منها وتركها بيد البشمركة.

مواجهة "داعش"

نيكولاي ملادينوف،
نيكولاي ملادينوف، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى العراق
وفي حال تمكن العبادي من كسب ثقة السنة والأكراد فإن التغلب على الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، سيبدو في ذلك الوقت ممكناً عبر محاصرة التنظيم وتجفيف منابع حاضنته الشعبية.
في مقدمة التحديات التي ستواجه الحكومة الجديدة تهديدات تنظيم داعش الذي يسيطر حالياً على ثلث مساحة البلاد تمتد من الموصل شمالاً وديالى شرقاً وصلاح الدين والأنبار غرباً، فيما لا يحقق الجيش أي تقدم لتحرير المناطق التي يسيطر عليها داعش، وبات تهدد العاصمة العراقية بغداد، في ظل حالة الفراغ والتناحر السيسي التي ككانت موجودة بالبلاد خلال المرحلة الماضية.
قال نيكولاي ملادينوف، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى العراق، إن البلاد لا يمكن أن تعود كما كانت قبل سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف إعلاميا بـ"داعش" داعيا الحكومة الجديدة إلى الاستجابة للمطالب الشعبية الخاصة بكافة الطوائف، والتنبه إلى ضرورة احتواء المطالب السنية.
وأقرملادينوف، في مقابلة مع CNN، بوجود بعض التوتر السياسي في البلاد مضيفا: "بالطبع هناك بعض التوتر السياسي ولكن يجب أن نواصل الطلب من القيادات السياسية التزام العمل السلمي وإبعاد القوات العسكرية عن السياسة."
وأضاف: "لكننا رأينا إشارات مشجعة خلال الأسابيع الماضية وبينها استمرار العملية السياسية ضمن الأطر المحددة، مثل اختيار رئيس للبرلمان ورئيس للبلاد وبدء العمل على تشكيل حكومة جديدة، وهنا يجب التنبه لثلاثة أمور، الأول ضرورة أن تكون الحكومة واسعة التمثيل وأن تبدأ بوضع خطة أمنية بالتعاون مع الجيش والبيشمركة لمواجهة خطر داعش، ومن ثم حل المشاكل السياسية والمطالب الموجودة التي لم تُعالج منذ عقد وهي تتعلق بكل الشرائح، السنة والشيعة والكورد والأقليات."
وحول الوضع في المناطق السنية التي أثبتت التجارب السابقة أن سكانها لا يؤيدون بالضرورة التنظيمات المتشددة ولكن بعضهم قد يدعمها بسبب التهميش السياسي قال ملادينوف: "الحكومة المقبلة لديها الوقت لمعالجة ذلك إذا سارعت إلى وضع برنامج عمل لمعالجة المطالب المطروحة وهذا لا يكون بتهميش جزء من البلاد والقول إن مطالبه غير مشروعة".
وأضاف: "لقد استخدمت داعش بذكاء الخطوط المرسومة بين الطوائف بالعراق وزرعت نفسها مثل خلية سرطانية داخل الجسم ويجب التعامل معها على المستوى الأمني، وكذلك السياسي لأن العديد من السكان في المناطق السنية ليسوا متطرفين بل يريدون العيش في بلاد توفر لهم متطلباتهم، ولكن العراق لن يعود كما كان قبل سقوط الموصل، ولا بد على العراقيين من التوصل إلى حلول تتعلق بتوزيع الثروات والمشاركة في موارد النفط وزيادة الإدارة اللامركزية."

مواجهة المليشيات الشيعية.. وتحسين وضع الجيش

المليشيات الشيعية
المليشيات الشيعية
وبعد كل هذا فإن العبادي تنتظره خطوة صعبة، وهي إعادة الثقة إلى المؤسسة العسكرية العراقية أي الجيش الوطني ولجم الميليشيات المشكلة على أساس طائفي والتي ترتكب انتهاكات متكررة، وذلك لسد الطريق أمام أي احتمال لاندلاع نزاع طائفي وطمأنة السنة وجميع مكونات الشعب العراقي بأن الجيش مؤسسة وطنية تدافع عن جميع أبناء الشعب العراقي.
على الحكومة الجديدة إعادة النظر بهيكلية قوات الجيش العراقي التي أثبتت فشلها في القيام بمهامها عندما انسحب من الموصل وتكريت بدون قتال في 10 من حزيران (يوليو) الماضي، وإعادة النظر في الخطط الأمنية.
في المقابل فإن انخراط الميليشيات الشيعية في جبهات القتال وانتشارها في بغداد تمثل أبرز تحديات الحكومة الجديدة، وعلى الأقل هناك خمس ميليشيات موجودة على الأرض أبرزها "عصائب أهل الحق" وبدأت ترعب الأهالي في بغداد، كما أنها تقوم بأعمال طائفية في المناطق السنية في الأنبار وتكريت وشمال بغداد وجنوبها.
والمعروف أن المالكي ساعد هذه الميليشيات بنحو شخصي على التغلغل إلى الشارع ومدها بالسلاح والمال والصلاحيات، ولكن كيف سيتم التعامل مع هذه الميليشيات من قبل الحكومة الجديد وبدون المالكي؟.

العلاقات الخارجية

العلاقات الخارجية
العلاقات الخارجية
على مستوى العلاقات الخارجية، كانت فترة حكم المالكي فاشلة على الصعيد الدبلوماسي، فرئيس الوزراء السابق نوري المالكي هاجم السعودية وتركيا والأردن واتهمها بالتعاون مع الجماعات الجهادية المتشددة وأعضاء حزب البعث السابق، كما إنه تخبط في إدارة العلاقة مع الولايات المتحدة عندما تقارب مع روسيا بحثا عن السلاح.
و يحتاج رئيس الوزراء الجديد إلى إقناع الولايات المتحدة التي رفضت مساعدة المالكي، للوقوف إلى جانبه ودعم القوات العراقية كما ساعدت القوات الأميركية الجوية قوات "البشمركة" الكردية عندما أوقفت زحف داعش إلى إقليم كردستان.
وأخيراً، لا يمكن التنبؤ بما سيفعله العبادي المكلف بتشكيل الحكومة دون النظر إلى تاريخه، على اعتبار أنه دُفع به للواجهة على نحو مفاجئ على غرار الدفع بالمالكي نفسه بعد انتخابات 2006.
وستكون إعادة الثقة بين مكونات العراق المهمة الأصعب والأهم بالنسبة للعبادي، وإصلاح ما أفسده المالكي في مجال فقدان غالبية العراقيين الثقة في حكومتهم وامتعاضهم من السياسات الطائفية التي اتبعتها خلال الفترة الماضية، ما دفع إلى تكوين حاضنة شعبية لتنظيم "الدولة الإسلامية" تحت قاعدة "بديل الشيطان".

شارك