إغلاق المساجد في باريس.. هل تضع مسلمي فرنسا في دائرة "الإرهاب"؟

الأربعاء 18/نوفمبر/2015 - 12:43 م
طباعة إغلاق المساجد في
 
بعد تعرض العاصمة الفرنسية باريس لسلسلة تفجيرات متتالية الأسبوع الماضي، أدت إلى مقتل نحو 140 شخصًا ومئات الجرحى، أصبحت الشكوك تحوم حول تمركز الجماعات الإرهابية داخل المساجد التي تنشر الفكر المتطرف الإرهابي في بعد مدن فرنسا؛ ولذلك طرح مشروع وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف إغلاق المساجد والجمعيات الإسلامية التي تنشر فكرًا متطرفًا- الكثير من التساؤلات، رغم مساندة المؤسسات والهيئات الإسلامية الفرنسية لها.

انتهاك لقيم فرنسا

انتهاك لقيم فرنسا
وقد أعلن رئيس الحكومة الفرنسية عزم حكومته إغلاق مساجد وجمعيات متطرفة التي يتم فيها "انتهاك قيم الجمهورية الفرنسية".
يأتي ذلك في ظل المخاوف التي طالت العالم عقب التفجيرات الإرهابية التي شهدتها باريس، وفي الوقت الذي تعيش فرنسا فيه حالة طوارئ، أعلن وزير الداخلية برنار كازنوف نيته إغلاق المساجد والجمعيات التي تنشر فكرًا متطرفًا، وطرد الأئمة الذين يدعون للعنف والكراهية، ويتم التحضير لقرار سيُنَاقَش قريبًا في مجلس الوزراء.
وقال كازنوف على تلفزيون فرانس2: إن حالة الطوارئ هي أن نتمكن بطريقة حازمة وصارمة من طرد أولئك الذين يدعون للكراهية في فرنسا، سواء كانوا متورطين في أعمال ذات طابع إرهابي أو مشتبه في تورطهم بها، مضيفًا أن هذا يعني أيضا أنني بدأت بأخذ إجراءات بهذا الصدد، وسيجرى نقاش في مجلس الوزراء بشأن إغلاق المساجد التي تبث فيها الكراهية، كل هذا يجب أن يطبق بأكبر حزم.
وجاءت تصريحات الوزير متطابقة مع تصريحات زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن التي قالت السبت إنه يتعين على الحكومة تشديد إجراءاتها الأمنية.
وأضافت لوبن ردًّا على دعوة الرئيس فرانسوا أولاند الفرنسيين للتوحد في وجه تلك الهجمات: "لا بد للشعب أن يبقى موحَّدا".

بين الرفض والقبول

بين الرفض والقبول
بين رفض البعض لتلك الإجراءات وقبول آخرين، تساءل البعض عن كيفية تطبيقها، ومن بينهم إمام مسجد بوردو جنوب غرب فرنسا طارق أوبرو، الذي قال بطبيعة الحال: "أنا مع محاربة التطرف وجميع أشكال الدعوة للعنف والكراهية، ولكن الأمر سيكون صعبًا". مضيفًا أن "دعوات الكراهية والعنف هي في الأساس خارج القانون". متسائلا: "لماذا تم الانتظار لغاية اليوم لملاحقة الأشخاص الذين يقومون بها؟".
من جهته، حيا رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، أنور كبيبش، عمل الوقاية الذي يقوم به غالبية الأئمة في الـ 2500 مسجد ودور العبادة الموجودة في فرنسا، والذي غالبًا ما يكون صعبًا حسب رأيه، مؤكدًا أن الحكومة الفرنسية التي تعمل مع المجلس حول هذه المسألة، تحارب منذ مدة كل أشكال التطرف، وأنها قامت باستمرار بطرد الأئمة الذين يتبنون هذا الخطاب.
وقال كبيبش: هذه الإجراءات قد تطال من 80 إلى 100 مسجد في فرنسا يمكننا تصنيفها على أنها متطرفة، وهي معروفة لدى أجهزة وزارة الداخلية"، مضيفا: "نحن في دولة قانون ولا يمكننا اتخاذ إجراءات إلا بحق الأشخاص الذين يحثون على الكراهية والعنف."
عمار لصفر، رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، تساءل عن كيفية تطبيق هذه الإجراءات الجديدة، إلا أنه يشدد على أن "الدعوة إلى الحرب وعدم احترام القوانين غير مقبولة على الإطلاق".
محمد موسوي، رئيس اتحاد المساجد في فرنسا، قال: "إن المسلمين هم ضحايا الإرهاب أيضًا، فالإرهابيون هاجموا الفرنسيين ولم يفرقوا بين أحد"، وذلك في إشارة إلى عدد من الضحايا، الذين تم تحديد هوياتهم حتى الآن، من أصول مغربية والذين لقوا مصرعهم في سلسة هجمات باريس ليلة الجمعة.
 لكنه أعرب في الوقت نفسه عن قلقه مما قد يطال المسلمين من ردود فعل لا تفرق بين الإرهابيين وبين المسلمين، بحيث قال: "أنا قلق ممَّا من شأنه أن يحدث للمسلمين في المستقبل؛ لذلك كفى تحميل المسلمين مسئولية ما يحدث في فرنسا (من أعمال إرهابية)!."

مخاوف مسلمي فرنسا

مخاوف مسلمي فرنسا
من جانبهم، يخشى مسلمو فرنسا من تداعيات هجمات باريس، وقد سارع قادة الجالية المسلمة إلى التنديد بالمذبحة وألقى ساسة باللائمة بوضوح على تنظيم داعش الإرهابي الذي أعلن تبنيه عملية التفجيرات التي طالت باريس، لكن مسلمي فرنسا يخشون من أن يوجه إليهم اللوم.
مرجان فولادويند، وهي طالبة طب إيرانية في باريس قالت: "حين تنظر إلى الأمر كمسلم يكون الوضع صعبًا". مضيفة أن "الطريقة التي ينظر بها الناس إلينا ستتغير مجددًا وليس للأفضل، أحيانًا يكون الأفضل أن يعتقد خطأ أنك يهودي وليس مسلما؛ لأن حينئذ ستكون هناك مشاكل أقل."
وعبر مصلون كانوا يهمون بمغادرة مسجد باريس الكبير بعد صلاة الظهر عن قلقهم من أن يلقى باللائمة في صراع تعود جذوره إلى الشرق الأوسط على المسلمين في فرنسا.
وقال رجل يدعى سفيان: "هذه القصة تشوه صورة الإسلام وتشوه صورة المسلمين، توجد مشاكل هناك ويجب ألا يتم جلبها إلى هنا."
ورأى مسلمو فرنسا البالغ عددهم 5 ملايين كيف تم الربط بينهم وبين العنف بسهولة بعد هجمات وقعت في يناير، وأسفرت عن مقتل 17 شخصًا بصحيفة شارلي إيبدو ومتجر للأطعمة.
وزادت في الأسابيع التالية التصرفات المعادية للمسلمين مثل كتابة الشعارات على جدران المساجد وتوجيه الإهانات للنساء المحجبات،
وسجل المرصد الوطني لمكافحة الخوف من الإسلام زيادة قدرها 281 % في هذا النوع من الهجمات في الربع الأول من عام 2015 مقارنة بالأشهر الثلاثة نفسها من العام السابق، موضحًا أن مسلمي فرنسا أصبحوا مرة أخرى ضحايا للإرهاب. 
وأضاف أنه في وقت مبكر من صباح السبت وجد المصلون صلبانًا حمراء بلون الدم مرسومة على جدار مسجد بشرق باريس.
وذكرت صحيفة لو باريزيان أن شعار "انهضي يا فرنسا" كان مكتوبًا بالطلاء على جدار مسجد في جنوب فرنسا، بينما كتبت عبارة "الموت للمسلمين" على الجدران في أجزاء مختلفة من ايفرو إلى الشمال من باريس.
وقال إسماعيل سنوسي وهو أحد المصلين بمسجد في لوتشي وهي بلدة تقع خارج منطقة شارتر؛ حيث نشأ أحد منفذي هجمات الجمعة "لا نفهم ما الذي يجري... هذا يدفعنا إلى الوراء."
وردت مليكة شافعي التي تعمل لحساب منظمة لا تهدف للربح بغضب عند سؤالها عن شعورها كمسلمة إزاء الهجمات، قائلة: "بالنسبة لي لا معنى لأن تقول: أنت كمسلمة أنا ناخبة ومستهلكة وأم وشخص محب للموسيقى الكلاسيكية، لست مصدومة بوصفي مسلمة وإنما بوصفي مواطنة."
ومضت تقول: "هذه ليست قضية تتعلق بالمسلمين إنها قضية تتعلق بالشرطة والإرهاب."

عملية انتقامية

عملية انتقامية
من جانب آخر ترى صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أن الجميع يتساءل في مناطق المسلمين في العاصمة الفرنسية باريس: هل ستؤدي الموجة الجديدة من العنف باسم الإسلام إلى عمليات انتقامية ضد المجتمع المسلم؟
وجاء في تقرير أوردته الصحيفة أن مصليًّا في جامع إيفري- كوركروني، الذي يقع في حي تعيش فيه الكثير من الإثنيات، ويبعد عن باريس 20 ميلًا، أجاب قائلا: "بالطبع، نحن خائفون". وأضاف: "لم نختر هذا ليحدث، والأشخاص الذين قاموا به هم مجرمون وليسوا مسلمين، ولم يكونوا متشددين، ولكنهم قتلة، ولكن ليس كل شخص يرى هذه الرؤية".
وذكر التقرير أن المسئولين الفرنسيين حذروا من إمكانية مداهمة المساجد التي تعد ملجأً للراديكاليين، وأنه لم يتم ذكر مسجد كوركروني، ولكن هذا لم يمنع السكان هناك من الخوف حول المناخ العام الذي يسود أوروبا. لافتة إلى أن تصريحات زعيمة الجبهة القومية مارين لوبان، التي دعت المواطنين الفرنسيين إلى "محو الأصولية الإسلامية" و"السيطرة على حدودهم"، لم تكن عاملًا مساعدًا.
وتشهد المجتمعات المسلمة زيادة في الهجمات على موجات الهجرة واللاجئين، الذين يبحثون عن ملجأ من الحروب والفقر في بلادهم، وفق التقرير.
وتم إلغاء الدروس في مسجد إيفري- كوركروني، عندما أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند عن فترة حداد لثلاثة أيام، ولكن الصلوات استمرت. وعندما أعلن عن صلاة العصر اجتمع المصلون وملئوا القاعة، كما هي العادة عندما تمتلئ كل أسبوع.
ويرى محللون فرنسيون أن المجتمع بحاجة إلى التأمل والمناقشة جماعيا؛ حتى لا يقع في فخ الحرب، قائلين: "إن مسلمي فرنسا أصبحوا في دائرة الخطر محاطين بالشكوك، ولا تفرقة بين المسلمين والإرهابيين".

شارك