الإرهاب التونسي تحت قبّة التّأسيسي.. وفشل في إقرار القانون
السبت 23/أغسطس/2014 - 07:26 م
طباعة

تأجل التصويت على مشروع قانون "مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال" بالمجلس الوطني التأسيسي بسبب تغيب عدد كبير من النواب.
ولم تسجل الجلسة العامة مساء الخميس، أغسطس النصاب القانوني للتصويت، وتم إرجاء النظر في المشروع لـ سبتمبر عقب العطلة البرلمانية.

المجلس الوطني التأسيسي
تم رفع الجلسة العامة المخصصة للتصويت على مشروع قانون "مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال" بالمجلس الوطني التأسيسي قبل قرابة الساعتين من الوقت المفترض بسبب تغيب عدد كبير من النواب عن الجلسة العامة.
ويذكر أن المجلس الوطني التأسيسي صادق على 11 فصلا فيما تمّ تجاوز الفصل 12 باعتباره ما زال يحتاج إلى مزيد التشاور، وبدأ أعضاء المجلس الوطني التأسيسي في 11 اغسطس الجاري مناقشة المشروع الجديد لـ"مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال" المكون من 136 فصلاً، ولم يفرغوا من التصويت على كامل مواده حتى اليوم، ليكون بديلاً للقانون المعمول به منذ عام 2003 .
وكانت الجلسة العامة التي استأنفت أشغالها، مساء الخميس؛ رفعت بسبب عدم توفر النصاب القانوني حيث لم يسجل سوى حضور 52 نائبا. واستأنفت الجلسة أشغالها في حدود الساعة الرابعة والنصف بحضور حوالي 120 نائبا لترفع مرة أخرى بعد نحو ساعتين.
وكان الشعب التونسي بانتظار المصادقة على قانون الإرهاب حتى تتمكن الأجهزة الأمنية والعسكرية من التحرك بسرعة وبشكل أكبر لمكافحة الإرهاب تحت غطاء قانوني متكامل المعالم.
انتقادات القانون

يواجه قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال الذي تتم مناقشته حاليا داخل المجلس التأسيسي التونسي انتقادات كثيرة في ظل عدم التوافق حول بين النواب حول فصولها، ومطالبة البعض بمواصلة العمل بقانون 2003 الذي يعود لعهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، مع مراعاة مبدأ احترام حقوق الإنسان.
وكانت الحكومة طالبت مؤخرا بتعليق التصويت على القانون إثر رفض مقترحها حول تعديل الفصل الثامن المتعلق بالعقوبات المستوجبة للمنتمي الى تنظيم إرهابي حيث ينص القانون على رفع الحد الأقصى للقوبة إلى السجن لعشرين عاما، فيما تطالب الحكومة ممثلة بوزير العدل حافظ بن صالح برفع العقوبة إلى الإعدام، وهو ما تم رفضه من قبل النواب.
بعد مطالبة وزير العدل حافظ بن صالح بتعليق التصويت على مشروع القانون إثر سقوط مقترح تعديل للفصل الثامن منه. وكان نواب المجلس أسقطوا عبر التصويت الفصل 5 من مشروع القانون باعتباره لم يحظ إلا بـ 65 صوتا. وعند التصويت على الفصل 8 المتعلق بالعقوبات المستوجبة للمنتمي الى تنظيم إرهابي أو وفاق أو من كان له مشروع فردي يهدف إلى ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية- تقدمت الحكومة في شخص وزير العدل حافظ بن صالح بمقترح تعديل لحذف عبارة حد أقصى لعقوبة 20 سنة وإضافة عبارة الإعدام، باعتبار أن النواب توافقوا على إقرارها ضمن فصول المشروع، غير أن التصويت أسقط هذا المقترح ما حدا بوزير العدل إلى طلب تعليق التصويت على بقية الفصول.
وأسقط مؤخرا الفصل الخامس المتعلق بالتحريض على الإرهاب؛ لأنه لم يحظَ بأصوات كافية لإقراره وخاصة بعد رفض جميع مقترحات تعديله. وإلى جانب الاختلاف حول مضمون القانون، يحذر البعض من سقوط القانون بشكل كلي نتيجة الغيابات المتكررة للنواب، واحتمال عدم التزام المجلس بآخر أجل حدده للمصادقة على المشروع والذي ينتهي في الرابع والعشرين من أغسطس الجاري.
من جانبها اعتبرت بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية، أن المشكل يكمن في انطلاق نواب المجلس الوطني التأسيسي من ورقة بيضاء لسن قانون الإرهاب الجديد.
وأوضحت قعلول أن الثغرات الموجودة في قانون الإرهاب الجديد من شأنها أن تدعم عمل الجماعات الإرهابية وتكفل لهم الدعم، مشددة على أنه ليس من حق هذه الجماعات الإرهابية أن تتمتع بالعفو التشريعي، معتبرة أن تمتعهم بهذا العفو يعتبر تواطؤا وخيانة عظمى ولا يمكن التسامح مع هذه الجماعات.
ولمحت الخبيرة في المجال الأمني إلى وجود تواطؤ مفتعل ومباشر في التعامل مع هذه الجماعات الإرهابية في مشروع القانون الجديد للإرهاب، مؤكدة أن هذه الجماعات تمثل خطرا على أمن البلاد باعتبار أن الأعمال الإرهابية لهذه الجماعات هو إجرام في حق الشعب والبلاد وتهديد لأمنها.
الإرهاب يخترق أجهزة الدولة

هذا وتتواصل العمليات الإرهابية في تونس بشكل شبه يومي، فيما تفيد وزارة الداخلية التونسية أنها تتقدم في مكافحة الإرهاب، وكثيرا ما تعلن عن إحباط عشرات المحاولات الإرهابية.
وذكرت تقارير إعلامية أن قوات من الأمن والجيش التونسي فككت خلال الأيام الماضية 27 خلية إرهابية تشرف على 15 معسكر تدريب موزعة على 11 محافظة، بهدف تكوين "جهاديين شرسين" قادرين على الدخول في مواجهات مع قوات الأمن ووحدات الجيش.
وكشف المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل أن أكثر من 4 آلاف عنصر إرهابي اخترقوا مختلف مؤسسات الدولة وأجهزتها بما فيها الأمن والجيش خلال فترة حكم حركة النهضة الإسلامية تحسبا للقيام بعملية إرهابية كبرى أطلقوا عليها "يوم النفير العام"، فيما أظهرت دراسة حديثة أن 74 بالمائة من التونسيين يرون أن "مستقبل تونس مرتبط بمخططات المجموعات الإرهابية أكثر منه ببرنامج الحزب الفائز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع إجراؤها في نوفمبر.
وقال عضو الهيئة التأسيسية للمركز والمكلف بدراسات الأمن العقائدي فريد الباجي: إن "يوم النفير العام" هو جزء من مخطط إرهابي كبير رسمته الجماعات الإسلامية المتشددة التي أعلنت ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يهدف إلى القيام بـ50 عملية إرهابية في عدة مواقع حساسة وفي يوم واحد وفي توقيت واحد يشارك فيه زهاء 16 ألف إرهابي من جنسيات مختلفة تونسية وجزائرية وليبية وصومالية.
وأوضح أن المركز توصل بالتنسيق مع الجهات الأمنية إلى معلومات موثوقة تؤكد أن "يوم النفير العام" سيشارك فيه أيضا أكثر من 180 خلية نائمة تنتظر تاريخ وتوقيت تنفيذ العملية الإرهابية وأن الجماعات الإسلامية المتشددة ستعلن إثر تلك العملية عن "فتح تونس" وإعلانها إمارة إسلامية تابعة لتنظيم "الدولة الاسلامية".
وجاءت تصريحات الباجي إثر إعلان وزارة الداخلية خلال الأيام الماضية عن إحباطها لمخطط إرهابي قالت إنه "كبير" يستهدف منشآت عامة حيوية وثكنات عسكرية ومراكز أمن ومقرات بعثات دبلوماسية ونزل ومقرات أحزاب سياسية، كما يستهدف اغتيال عدد من الشخصيات السياسية والإعلامية.
مواجهة الإرهاب

مواجهة الإرهاب
وأكدت وزارة الدفاع في أكثر من مناسبة إحكام سيطرتها بشكل شبه تام على جبل الشعانبي والمناطق المتاخمة له، نافية أن يكون دور الوحدات العسكرية مقتصرا على الدفاع ورد الهجوم فحسب. ولكن مع كل هذه التأكيدات تتجدد العمليات الإرهابية ويسقط الأبرياء.
وتسلمت وزارة الداخلية التونسية، نحو 10 أطنان من التجهيزات الأمنية المتطورة، مساعدات من الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي مقر الإدارة العامة للحرس الوطني القريب من العاصمة، وبحضور لطفي بن جدو وزير الداخلية التونسية، وجاكوب والس سفير أمريكا في تونس، كان الاحتفال بوصول التجهيزات الأمنية، المكونة من خوذات ودروع، وصدريات واقية من الرصاص من الصنفين الثالث والرابع، ومن أنواع متطورة.
وتأتي هذه التجهيزات قبل فترة قليلة من إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، في ظل تخوفات جدية من تنامي تأثير العمليات الإرهابية على مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد. وصادق المجلس التأسيسي (البرلمان) على إجراء الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى يوم 23 نوفمبر المقبل، في حين ستجري الانتخابات البرلمانية يوم 26 أكتوبر من السنة الحالية.
واستدعت الحكومة التونسية جيش الاحتياط، في خطوة تشير إلى خطورة الأوضاع الأمنية في البلاد، خاصة بعدما أعلنت وزارة الداخلية عن تفكيك 5 خلايا إرهابية كانت تعتزم تنفيذ عمليات إرهابية واغتيالات، وهي وضعية تعكس حجم التصعيد الإرهابي في تونس.
طلبت وزارة الدفاع التونسية من المواطنين المعنيين بجيش الاحتياط، من ضباط وضباط صف وجنود، الالتحاق بمراكز وحداتهم العسكرية ابتداء من 18 أغسطس الجاري، وتعد هذه المرة الثانية التي يستدعى فيها جيش الاحتياط منذ سقوط نظام بن علي في جانفي 2011.
رفض عودة المبعدين

رفض عودة المبعدين
ويرى ملاحظون أنه لا توجد إرادة سياسية قوية لمكافحة الإرهاب عن طريق المختصين في هذا الميدان، بل هي معالجة بدائية فيها ذر للرماد أكثر منه معالجة موضوعية، فالكوادر المختصة وعددهم (26) من الذين يملكون الخبرة في المعلومة ومكافحة الإرهاب، تمّ الاستغناء عنهم مباشرة بعد انهيار نظام بن علي بدعوى أن البوليس السياسي كان يراقب المعارضة.
ورغم أن 10 من هؤلاء تقدموا بقضايا تظلم إلى المحكمة الإدارية التي أنصفتهم وقضت بعودتهم إلى مناصبهم لخدمة أمن الدولة التونسية، إلا أن حكومتي النهضة الأولى والثانية والقيادات الأمنية الموجودة حاليا والمحسوبة على حركة النهضة رأت عكس ذلك ولم تراع المصلحة الوطنية بل عينت أمنيين غير أكفاء.
ورغم إقرار مهدي جمعة رئيس الحكومة "تكنوقراط" في العديد من المناسبات وفي المجالس الضيقة، بأن الدولة بحاجة أكيدة إلى خدمات الإطارات المختصة في مكافحة الإرهاب، لكنه لم يتخذ قرار إعادتهم إلى عملهم بناء على حكم المحكمة الإدارية وخدمة للصالح العام.
ومع تعدد العمليات الإرهابية الشنيعة الذي ذهب ضحيتها عشرات الجنود الأبرياء يشدّد مستشارو رئيس الحكومة أنهم وحدهم قادرون على إنهاء الإرهاب في تونس.

الرئيس السابق زين العابدين بن علي
والآن المشهد التونسي أصبح معقدا في ظل قانون عليه اتهامات كثيرة، وفي انتظار إقراره، وقد يفشل البرلمان في إصداره والعودة إلى القانون المعمول به أيام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، لمواجهة التحديات الإرهابية المتصاعدة في تونس في ظل الانفلات الأمني على الحدود مع ليبيا ودعم جزائري لمحاربة الإرهاب المتنامي في المغرب العربي.