"نظرية الابتلاء".. هل تنجح في اعادة جماعة الإخوان لصدارة المشهد؟
الأحد 24/أغسطس/2014 - 02:23 م
طباعة

قسم الإخوان المسلمون الأزمات والمحن "الابتلاء" بتعبير الإخوان- التي مر بها التنظيم إلى أربعة مراحل:
الأولى هي اغتيال المؤسس الأول للجماعة "حسن البنا" عام 1949، والثانية هي إعدام بعض قياداتهم، واعتقال آلاف منهم، عام 1954، في صدامهم مع نظام الرئيس جمال عبد الناصر، بعد حادث المنشية ومحاولة اغتياله، والثالثة هي اعتقال مئات وإعدام بعض القيادات، وعلى رأسهم سيد قطب، عامي 1965 و1966 بعد تشكيلهم تنظيماً سرياً، أما الرابعة فهي بعد 30 يونيو وعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي عن الحكم.
المحنة الأولى : اغتيال البنا

حسن البنا
كان اغتيال حسن البنا له مقدمات تاريخية بدأت بإنشاء التنظيم الخاص في الجماعة، وهذا التنظيم الذي بدأ تأريخ العنف للجماعة، وقد بدأ التنظيم السري نشاطه بإلقاء القنابل داخل الحانات التي يتجمع فيها جنود الاحتلال ثم قاموا بتفجير قطار مخصص لنقلهم، وفي عام 1945 اغتالوا أحمد ماهر باشا رئيس الوزارة على يد محمود العيسوي أحد المنتمين للحزب الوطني والمنتمي للجماعة في نفس الوقت، وفي عام 1946 قام التنظيم السري بتفجير عدد من أقسام البوليس في العاصمة رداً على قمع المظاهرات التي ترفض معاهدة صدقي بيفين.
ومع حلول عام 1948 حولت أعمال التنظيم الخاص وجهة نظر الشعب والحكومة إلى البنا الذي اعتبر عدوا للجميع.
وفي الخامس عشر من نوفمبر عام 1948 انكشف النظام الخاص لرجال الأمن العام، فعُثر في أحد شوارع العباسية على سيارة جيب من دون أرقام تحتوي على قنابل وأسلحة وذخيرة ومتفجرات، ومعها خطط لعمليات نسف السفارتين البريطانية والأميركية، ووثائق تحتوي على أسماء أعضاء التنظيم والشفرة السرية للاتصال بينهم، ودراسات حول أهداف مزمع تدميرها، اتضح من الوثائق والمضبوطات أن الإخوان هم المسئولون عن حوادث التفجير التي وقعت في الشهور الأخيرة، وكل هذا تم عن طريق المصادفة، لكنها مصادفة أهدت البوليس المصري دليلا قاطعا لإدانة الجماعة وعقلها المدبر.
بعد أيام من انكشاف النظام الخاص وفي صباح اليوم الرابع من ديسمبر اغتيل اللواء سليم زكي حكمدار شرطة القاهرة على يد طالب في جامعة فؤاد الأول، أذاعت الحكومة أنه ينتمي إلى تنظيم الإخوان، وبذلك وصل التوتر بين الجماعة والحكومة السعدية إلى ذروته، ففي اليوم نفسه طلب حسن البنا من حامد جودة رئيس مجلس النواب التوسط لدى النقراشي باشا رئيس الوزراء لبدء صفحة جديدة بين الحكومة والجماعة، لكن طلبه قوبل بالرفض فأدرك المرشد خطورة الموقف.
وفي السادس من ديسمبر في الحادية عشرة مساء أذاع الراديو نبأ الأمر الصادر من الحاكم العسكري العام رقم 63 لسنة 1948 بحل جماعة الإخوان المسلمين بكل فروعها في البلاد، ومصادرة أموالها وممتلكاتها، بعد دقائق كان المبنى قد حوصر من كل ناحية بقوات الشرطة التي قبضت على كل من فيه، انتظر البنا دوره لكن أحد لم يتعرض له، فتشبث بسيارة البوليس لكنهم أبعدوه، وكانت الأوامر القبض على كل أعضاء الجماعة عدا حسن البنا.
بعدها بأيام قررت عناصر من الجهاز الخاص بقيادة عبد الرحمن السندي اغتيال النقراشي عقب قرار حل الجماعة وبدأت في التخطيط.
وفعلا تم اغتياله، وهنا وصل الأمر إلى ذروته تعقيدا بين البنا والحكومة، وبعدها بأيام قليلة أخرى تم اغتيال البنا في إشارة إلى تورط الحكومة في قتله، والتي وجدت أن البنا أدى دوره وانتهي منه، بيد أن بعض التحليلات ترمي إلى أن التنظيم الخاص نفسه هو الذي تخلص من البنا بعدما أصبح عبئا عليهم، وبدأ بالتبرؤ منهم، وقال: إنهم "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين" .
المحنة الثانية: حادث المنشية

بعد قيام ثورة يوليو 1952، حاول الإخوان استعادة أنفسهم بعد الضربة التي وجهت إليهم عام 1948 وانتهت بحل الجماعة، فتخيلوا أن الثورة فرصة ذهبية للوصول إلى كرسي الحكم، وهو ما لم يستطيعوا الوصول إليه، فبدأ الصدام مع مجلس قيادة الثورة عام 1954 وبعد تولي جمال عبد الناصر رئاسة الجمهورية، وقد تجلى هذا الصدام في يوم الجمعة 27 أغسطس 1954،حيث إنه في ذلك اليوم، وفي حي منيل الروضة وعقب صلاة الجمعة اعتلى القيادي الإخواني حسن دوح المنبر بمسجد شريف، وألقى خطابا هاجم فيه سياسات مجلس قيادة الثورة وما تقوم به من إجراءات، وخرج بمظاهرة من المسجد اشتبكت معها قوات الشرطة، ووقعت إصابات من الجانبين، وفي نفس اليوم خرجت مظاهرات بقيادة الإخوان المسلمين في طنطا اشتبكت هي الأخرى مع الشرطة.
وكانت القطيعة النهائية مع النظام بحادث المنشية يوم 26 أكتوبر 1954، حيث حاول الإخوان اغتيال عبد الناصر الذي كان يخطب في ميدان المنشية في احتفال شعبي بتوقيع اتفاقية الجلاء، وأثناء إلقائه لخطابه أطلق عليه شاب ثماني رصاصات لكنها لم تصبه وتم القبض على الشاب الذي أطلق الرصاص وكان اسمه محمود عبد اللطيف، وكان يعمل "سمكري" بإمبابة وينتمي للإخوان المسلمين.
وبعد هذه الأزمة تم تشكيل محكمة سميت محكمة الشعب وحوكم فيها كل من حسن الهضيبي مرشد الجماعة وقيادات من داخل التنظيم، وتم إعدام بعض القيادات، وتم حظر الجماعة في هذا العام.
المحنة الثالثة: إعدام سيد قطب

سيد قطب
كان جمال عبد الناصر قد أخلى سبيل قيادات الإخوان الذين قبض عليهم في حادث المنشية وعلى رأسهم سيد قطب، لكن في عام 1964 قام باعتقال من تم الإفراج عنهم من الإخوان مرة أخرى، وبالأخص سيد قطب وغيرهم من قيادات الإخوان، بدعوى اكتشاف مؤامرتهم لاغتياله، وبالفعل تم إعدام سيد قطب الذي أسس الجماعة من جديد، وأعاد بناء سياقها الفكري، والذي أثر في الأجيال التالية له حتى الآن، أعدم قطب في عام 1966 ومعه خمسة من قيادات الإخوان، وتم حصار الجماعة؛ ما أدى إلى تفككها بشكل كبير.
الرابعة بعد 30 يونيو

تعد الضربة الأقوى في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين هي التي تلقتها عقب 30 يونيو، حيثُ تم القضاء على الحلم الذي تم الترتيب له على مدار ثمانين عاما، فكانت تجربة الإخوان في الحكم المحك الأساسي مع الشعب المصري الذي أعطاهم فرصة ذهبية بعد ثورة 25 يناير، لكن الجماعة التي سيطر عليها المتشددون لم يستغلوا هذه الفرصة جيدا وسعوا إلى أخونة الدولة بأسرع وقت والسيطرة على مؤسساتها، وهذه السياسة التي سربت شعور الخوف للمصريين والذين أحسوا بأن هناك مخططا لسرقة هوية الدولة، فتمت الدعوة لمظاهرات 30 يونيو وخرج الملايين مطالبين بإسقاط حكم الجماعة وهو ما حدث بالفعل.
إستراتيجيات بقاء الجماعة

ضياء رشوان
يقول الكاتب ضياء رشوان: إن الإخوان عندما يتحدثون فيما بينهم عن كل «محنة»، فإنهم يضعون نفسهم دوماً في موضع «الضحية» التي تتكالب عليها النظم الحاكمة المستبدة والخارجة عن صحيح الإسلام، لتحظر نشاطها، وتعتقل وتعذب قياداتها وأبناءها وتعدم رموزها، فهكذا يتناقل الإخوان عبر أجيالهم كتابة وشفاهة تصوير «المحن»، ويستخدمون روايتها، لحفز أعضاء الجماعة، وتأهيلهم دوماً، وفي أي لحظة، للصدام مع أي نظام سياسي، فإذا هزموا كان تبرير «المحنة» هو الجاهز دوماً، لإقناعهم بأنهم «الضحية»، وأنهم قادرون على الاستمرار، والخروج منها كما حدث من قبل في المرات الثلاث.
وتمر الجماعة بعد كل أزمة تمر بها بمراحل معينة حتى يستطيعوا إعادة بناء التنظيم مرة أخرى، تتمثل في:
الإستراتيجية الأولى: امتصاص الأزمة
في هذه الفترة يكون التنظيم في أعلى مراحل تأهبه محاولا بكل السبل أن يمتص الأزمة؛ حتى لا تتفاقم مثلما فعل حسن البنا عقب إصدار قرار حل الجماعة ومحاولة تواصله مع الحكومة.
وفي هذه المرحلة تكمن أهمية إدراك الأزمة، فإدراك المشكلة جزء كبير من الحل، وهو ما برع فيه التنظيم، باستثناء ما حدث بعد 30 يونيو، فحتى الآن لم يدرك الإخوان أن مشكلتهم تكمن في صدامهم مع الشعب المصري وليس مع السلطة أو مؤسسة الجيش؛ ولذلك فإن الجماعة لن تستطيع إعادة ترميم نفسها إلا إذا أدركت مكمن أزمتها بالضبط .

الإستراتيجية الثانية: مرحلة الانتشار
في هذه المرحلة يسعى التنظيم إلى نشر أعضائه على أكبر عدد ممكن من القواعد، محاولاً تدارك الأزمة وإثبات قوته للضغط على النظام؛ لتقليل خسائره ومحاولة التفاوض مع إظهار أنه طرف قوي وله شعبية في الشارع، وفعلا ذلك حدث أثناء 30 يونيو وبعدها مباشرة، فالجماعة حاولت حشد أنصارها للرد على التظاهرات المناهضة لهم، ثم حشدوا أنصارهم في ميداني رابعة العدوية والنهضة، في محاولة للضغط على السلطة والإفراج عن محمد مرسي وتسليمهم السلطة مرة أخرى.

عبد الرحمن السندي
الإستراتيجية الثالثة: مرحلة إلقاء اللوم
تتمثل هذه الإستراتيجية في الاختباء، فحينما يفقد التنظيم الأمل في العودة للوضع السابق، ينزوي التنظيم، وتبدأ مرحلة اللوم والعتاب وإلقاء كل طرف الخطأ على الطرف الآخر، هذا ما فعله البنا مع عبد الرحمن السندي قائد التنظيم الخاص بعد اغتيال النقراشي، وهذا ما يفعله ما تبقى من التنظيم الآن من إلقاء اللوم على قيادات الإخوان وعلى رأسهم بديع والشاطر.
الإستراتيجية الرابعة: الانزواء والانكفاء على بقايا التنظيم
في هذه المرحلة يحاول التنظيم الانزواء والسير في ركب الرأي العام السائد في المجتمع، ولا يحاول التصادم نهائيا مع السلطة، بل العكس يحاول مهادنتها وإظهار التسليم بالأمر الواقع؛ حتى لا يتم القضاء على ما تبقى من التنظيم، حدث هذا بعد أزمة 1965 وبعد إعدام سيد قطب وحظر الجماعة.

التلمساني
وفي هذه المرحلة يعمل التنظيم على بناء نفسه من الداخل، ورسم قواعده من جديد، وهو ما فعله حسن التلمساني الذي اعتبر المؤسس الثاني للجماعة، فبعد أن عصف الصدام بين عبد الناصر والجماعة بها، استطاع هو بناءها من جديد.
وكان التلمساني هو أول مرشد يعمل على ترميم شرخ التنظيم، وحاول إبعاد القطبيين عن المشهد السياسي، حيث كان يطلق عليه "حكيم الجماعة" أو "صمام أمانها".
وكان هو صاحب قضية التوافق الشهيرة بين النظام والتنظيم، بعدما اتفق الرئيس الراحل أنور السادات، مع الجماعة على الإفراج عن أنصارهم وشبابهم من السجون، مقابل ضرب قوى اليسار والشيوعيين في الشارع والجامعات.

الإستراتيجية الخامسة: التصادم مرة أخرى
بعد إعادة بناء التنظيم وعقد صفقات مع السلطة بحيث تترك لهم مساحة للتحرك فيها كما حدث في عهدي السادات ومبارك، يستغل التنظيم أي فرصة يتمرد فيها الرأي العام على النظام في أي قضية لينضم التنظيم إلى هذا التمرد حتى يظهروا بمظهر المعارضة وفي نفس الوقت يربحون كارت مع قوى المعارضة، ويحاولون ركوب الموجة ليظهروا بمظهر المحرك للأحداث ليربحوا كارت أكبر من النظام، بدلا من الوقوف عند مرحلة تلقي هبات السلطة فيبدءون بإملاء بعض الشروط وهكذا تستمر اللعبة.
وهكذا فإن الجماعة استمرت لمدة 80 عاما بعد تلقيها ضربات كبيرة وموجعة استطاع بعدها التنظيم بناء نفسه من جديد بل والوصول إلى مراحل قوة أكبر من سابق عهده عكس مثلا تيارات اليسار التي لم تستطع إعادة بناء نفسها حيث إنها لم تتبع أي إستراتيجيات وتركت نفسها للتفتيت.
العرض السابق يضع أمامنا ما قد يحاول الإخوان فعله في السنوات القادمة لإعادة إحياء التنظيم ، لكن قد تختلف التجربة هذه المرة؛ لأن صدامهم- هذه المرة- كان مع الشعب المصري ،الذي كشف اسلوب ونهج الجماعة، وباتت لعبة "نحن مضطهدون.. نحن ضحايا.. نحن مظلومون.. نحن لم نأخذ فرصة".. كل ذلك كشفه المصريون، في ظل حكم المخلوع مرسي وجماعته، ومن الصعب ان تنجح "جماعة" مهما كانت قدراتها علي المناورة، في خداع شعب