محمد أركون ... كيف نقرأ التراث؟
الأربعاء 14/سبتمبر/2022 - 09:34 ص
طباعة
حسام الحداد
لمن لا يعرفه هو المفكر والباحث الأكاديمي محمد أركون والذي ولد عام 1928 في بلدة تاوريرت ميمون (آث يني) الأمازيغية بالجزائر، وانتقل مع عائلته إلى بلدة عين الأربعاء (ولاية عين تموشنت) حيث درس دراسته الابتدائية بها. ثم واصل دراسته الثانوية في وهران لدى الآباء البيض ،يذكر أركون أنه نشأ في عائلة فقيرة، وكان والده يملك متجراً صغيراً في قرية اسمها (عين الأربعاء) شرق وهران، فاضطر ابنه محمد أن ينتقل مع أبيه، ويحكي أركون عن نفسه بأن هذه القرية التي انتقل إليها كانت قرية غنية بالمستوطنين الفرنسيين وأنه عاش فيها "صدمة ثقافية"، ولما انتقل إلى هناك درس في مدرسة الآباء البيض التبشيرية، والأهم من ذلك كله أن أركون شرح مشاعره تجاه تلك المدرسة حيث يرى أنه (عند المقارنة بين تلك الدروس المحفزة في مدرسة الآباء البيض مع الجامعة، فإن الجامعة تبدو كصحراء فكرية)
ثم درس الأدب العربي والقانون والفلسفة والجغرافيا بجامعة الجزائر ثم بتدخل من المستشرق الفرنسي لوي ماسينيون قام بإعداد التبريز في اللغة والآداب العربية في جامعة السوربون في باريس . ثم اهتم بفكر المؤرخ والفيلسوف ابن مسكويه الذي كان موضوع أطروحته
فارق الحياة في 14 سبتمبر 2010م عن عمر ناهز 82 عاما بعد معاناة مع المرض في العاصمة الفرنسية ودفن بالمغرب.
وقد أنجز محمد أركون مشروع فكري يعد من أهم المشاريع الفكرية التي نمت على ضرورة التحديث، من خلال قراءتها للثراث وللنص الديني ، ونقدم هنا بعض ملامح هذا المشروع في ايجاز غير مخل اهداء له في ذكراه ولنذكر به القارئ العربي بشكل عام
يعتقد محمد أركون أن التراث الإسلامي- منذ انبثاقه في لحظاته التأسيسية الأولى- لم يعالج ضمن إطار التحليل والفهم النقدي ، والذي من شأنه أن يزيح اللثام عن المنشأ التاريخي للوعي الإسلامي وتشكل بنيته. والحال أن كل ما أنتج في فترة ما يسميه أركون بالعصر التدشيني قد انصب كله على النص الديني، ففي “هذه الفترة ظهرت علوم الفقه وعلوم الشريعة...الخ، ودخلت الفلسفة إلى البيئة الإسلامية، وحاول جل الفلاسفة الجمع ما بين العقل الديني والعقل الفلسفي عبر تأويل النص الديني” . فكيف لنا أن ندرس هذا التراث الديني ؟
يعتقد أركون بأنه لا يمكننا بلورة معرفة علمية تجاه التراث الإسلامي - الذي يشكل النص الديني أحد ركائزه- إلا إذا أقحمنا المناهج التي ظهرت في حقل علوم الإنسان والمجتمع، فاللجوء إلى هذه العلوم يساعدنا على تجاوز كل من المنهجية الإيديولوجية والمنهجية الوصفية السردية، لكي نسلط الضوء على منهجية نقدية وتفكيكية قادرة على تعرية التراث الإسلامي في جميع مستوياته، وتمكننا من استحضار العديد من الأشياء المنسية، والتفكير في كل ما لم يفكر فيه بعد، وفتح سجلات المستحيل التفكير فيه، ومن ثم معرفة الكيفية التي تشكل عبرها العقل الإسلامي في جل المراحل التي قطعها، لكن القرآن، حتما، هو المرحلة الاولى، لذلك يدعونا أركون إلى التركيز وإعطاء أهمية قصوى على هذه المرحلة باعتبارها البداية والأساس، لأن فهم الأمور لا يتم إلا إذا فهمنا ما حصل في البداية.
يتوخى أركون من تطبيقه للمنهجية النقدية دراسة الظاهرة القرآنية في شموليتها، من ”خلال تطبيق التحليل الألسني، والتحليل السيميائي الدلالي، والتحليل الاجتماعي أو السوسيولوجي، والتحليل الأنثروبولوجي، والتحليل الفلسفي، وعلى هذا النحو نحرر المجال لولادة فكر تأويلي جديد للظاهرة الدينية، ولكن من دون ان نعزلها أبدا عن الظواهر الاخرى المشكلة للواقع الاجتماعي- التاريخي الكلي“
يطرح التحليل السيميائي- في نظر أركون- نفسه بقوة على كل باحث يرغب في ممارسة فكر تحرري، يرمي عبره البحث والكشف عن العديد من المناطق المظلمة في أي تراث معين، وينطبق هذا الموقف بشدة على التراث الإسلامي، حيث يقول :”أصبح مؤكدا اليوم أن التحليل السيميائي يجبر الدارس على تمرين من التقشف والنقاء العقلي والفكري لابد منه. يمثل ذلك فضيلة ثمينة جدا، وخصوصا أن الامر يتعلق هنا بقراءة نصوص محددة، كانت قد ولدت وشكلت طيلة أجيال عديدة الحساسية والخيال الجماعي والفردي، عندئذ نتعلم كيف نقيم مسافة منهجية تجاه النصوص أو بيننا وبين النصوص المقدسة دون إطلاق أي حكم من هذه الأحكام الثيولوجية أو اللاتاريخية التي تغلق باب التواصل الفكري“
إننا عبر المقاربة السيميائة ” نتخذ مسافة منهجية تجاه النصوص الدينية، ونتجاوز في مقابل ذلك القراءات التقليدية التي تقوم بعمليات الانتقاء والانتخاب وبتر النصوص من سياقها التاريخي ليتم إسقاطها بشكل تعسفي وبنفس الطريقة على الماضي، وعلى الحاضر، وعلى المستقبل عن طريق التأويلات الحرفية التي تحاول أسطرت الخطاب القرآني والتراث الإسلامي عامة، لأنها تتجاوز المادة الاولية او الاصلية باعتبارها معطى تاريخي- اجتماعي –ثقافي“. إن علم السيميائيات يمكننا من استعادة التراث استعادة نقدية، عندما نتخذ مسافة بيننا وبين المواد المقروءة الأولية، ثم بيننا وبين كل المواد الثانية الثانوية التي أنتجها التراث في آن معا.
ولئن كان محمد أركون يلح على ضرورة الاستفادة من مجال علوم الإنسان والمجتمع، فإنه يريد أن يفكر في التراث بأطر فكربة خارجة عن التراث؛ أي أنه يرغب في بلورة قراءة معاصرة للتراث، وينأى عن كل قراءة تراثية له، بيد ان هذا يبدو في نظر أركون مدركا صعبا، و” السبب هو أننا نصطدم هنا بمواقع دوجمائية تشكل الهيكل الصلب لكل فكر يكون خطابا عن الإسلام بصفته دينا ونظاما من العقائد واللاعقائد “. والحال أن أركون في جل كتاباته يطرح هذه الصعوبات ليحللها ويحدد منطق تفكيرها بغية تجاوز نمط التفكير المهيمن في الثقافة الإسلامية، الذي يشكل عائقا أمام إطلاق مشروع تحديث الفكر الإسلامي. ذلك أن شرط انفتاح الفكر العربي الإسلامي لا يمكن ان يتم إلا بتفكيك الأطر الدوجمائية الخاصة بتراثه.
أهم مؤلفاته:
الفكر العربي
الإسلام: أصالة وممارسة
تاريخية الفكر العربي الإسلامي أو "نقد العقل الإسلامي"
الفكر الإسلامي: قراءة علمية
الإسلام: الأخلاق والسياسة
الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد
العلمنة والدين: الإسلام، المسيحية، الغرب
من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي
من فيصل التفرقة إلى فصل المقال: أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟
الإسلام أوروبا الغرب، رهانات المعنى وإرادات الهيمنة.
نزعة الأنسنة في الفكر العربي
قضايا في نقد العقل الديني. كيف نفهم الإسلام اليوم؟
الفكر الأصولي واستحالة التأصيل. نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي
معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية.
من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني.
أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟
القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني
تاريخ الجماعات السرية