محافظة ديالي.. ضحية النفوذ الإيراني وعجز الحكومة العراقية

السبت 23/يناير/2016 - 12:33 م
طباعة محافظة ديالي.. ضحية
 
عادت قضية التطهير العرقي بمحافظة ديالي في العراق إلى الواجهة، مع وجود تقارير إعلامية وحقوقية، وتنديد محلي وإقليمي ودولي بجرائم الميليشيات الشيعية في العراق، خاصة بمحافظة ديالي التي تتمتع بحدود مع إيران؛ مما أدى إلى قرار رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي بنزع السلاح من عشائر ديالي.

انتهاكات للسُّنَّة

انتهاكات للسُّنَّة
أصدر مركز جنيف الدولي للعدالة تقريرًا بعنوان "جرائم التطهير العرقي والطائفي في ديالي"، رصد عمليات القتل والتهجير "المخطط والمتكامل" الذي تمارسه الميليشيات الشيعية ضد السكان السُّنَّة "بمشاركة الأجهزة المرتبطة بالسلطة القائمة في العراق".
وتضمن التقرير الموجه إلى الأمم المتحدة- الذي جاء في 19 صفحة- قائمة أوليّة لأبرز المتهمّين بارتكاب جريمة التطهير العرقي والطائفي في ديالي، ومنهم شخصيات سياسية وعسكرية عراقية بالإضافة إلى قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وقيادات في الميليشيات الشيعية.
ووفقًا للمركز فإن منطقة المقدادية في ديالي هي المستهدفة في المقام الأول من عمليات التطهير التي قال التقرير: إن الهدف منها إحداث تغيير ديموغرافي (لمصلحة الشيعة على حساب السُّنَّة)، مشيرًا إلى أن المحافظة تشهد مطلع العام الحالي تزايدًا غير مسبوق في عمليات القتل الطائفي والتهجير المتواصلة من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
وضمن هذا الإطار، سرد التقرير الصادر في 16 يناير 2016 بعض حوادث القتل الطائفي، ومنها ما وقع في شوارع المقدادية على مرأى من القوات الحكومية.
وأتى تقرير مركز جنيف الدولي للعدالة على ذكر شهادات أعضاء في البرلمان العراقي تفيد بوقوع "إعدامات بالجملة"، لافتًا إلى أن "معدل القتل قد بلغ في المقدادية وحدها من سبع إلى عشر حالات يوميا، وأنها تُرفع إلى البرلمان والجهات المسئولة لكن دون جدوى".
كما تُعتبر عمليات الخطف- التي غالبًا ما تستهدف شريحة الشباب- أسلوبًا اعتادت عليه الميليشيات لترويع الأهالي بحسب ما جاء في التقرير.
وأكد المركز- وهو منظمة مستقلة غير حكومية مقره في جنيف- أن الميليشيات قتلت في الأحداث الأخيرة عشرات الأبرياء، كما تم تفجير أكثر من 12 مسجدًا فيها مصلون. وقال: إن تلك الميليشيات كانت تجوب الشوارع في مناطق المقدادية وهي تطلق بمكبرات الصوت صيحات وشعارات طائفية تهدّد فيها العرب السُّنَّة وتدفعهم للنزوح عنها.
وذكر التقرير من الجرائم التي تقوم بها الميليشيات في حق السنة: "قتل الأئمة وخطباء المساجد"، و"الاعتقالات العشوائية المستمرة"، بالإضافة إلى "تواصل عمليات الهدم المُنظّم للبنى التحتية للمحافظة في كافة المجالات".
فيما لفتت تقارير إعلامية وحقوقية، إلى أن "العصائب" و"بدر" و"حزب الله- العراق" و"خراسان"، أبرز الميليشيات الشيعية العراقية- هي محسوبة على إيران- التي تقف خلف عمليات القتل والخطف والتهجير في ديالي.
ويوثق مركز بغداد لحقوق الإنسان "قيام السلطات المحلية في محافظة ديالي بتجريف أكثر من 160 دونماً من البساتين الزراعية المملوكة لأبناء العشائر السنية، خلال الأشهر الثلاث الماضية، إضافة إلى منع أهلها من بيع محاصيلهم من البساتين أو محاصيل الخضروات، وتعرض عدد منهم لجرائم القتل والخطف والسرقة على يد الميليشيات الطائفية".

لماذا ديالي؟

لماذا ديالي؟
وتكتسب مخاوف العراقيين السُّنة من استغلال التفجيرات الأخيرة لمساجد ديالي في تغيير التركيبة السكانية للمحافظة أهميتها، وذلك من محاذاتها للحدود الإيرانية مع العراق؛ الأمر الذي يسهل تنفيذ أي مخططات بديلة.
فمحافظة ديالي تقع في القسم الشرقي من وسط العراق. وهي من المحافظات التي لها حدود دولية، وتحديدًا مع إيران من الشرق. بينما يحدها من الشمال محافظة السليمانية التابعة لإقليم كردستان وجزء من محافظة صلاح الدين، ومن الغرب محافظتا بغداد وصلاح الدين، ومن الجنوب محافظة واسط. وتبلغ مساحة ديالي 17774 كلم، وهي تشكل ما نسبته 4.1 % من مساحة العراق البالغة 434128 كلم. وهي ذات شكل طولي يمتد طولاً إلى أكثر من 200 كلم طول، بينما يصل أقصى عرض للمحافظة إلى 155 كلم.
ويشكل العرب أغلب سكان المحافظة، كما يسكنها الكرد والتركمان أيضاً، خاصة في بعض المناطق الشمالية من المحافظة في مندلي ومدينة خانقين.
ففي ديالي حالة مختلفة عن نموذجي بغداد والبصرة كون صراع الهوية هناك يكاد له أن يتطور في بعض جوانبه إلى صراع وجود وإلغاء. ذلك أن الأقضية التي يسكنها الأكراد مثل جلولاء وخانقين يخطط حركيو هؤلاء لسلخها جغرافيًا وإداريًا عن ديالي؛ من أجل ضمها إلى كيان كردستان من منطلق الأحلام التاريخية للكرد.
وبسبب تمدّد تنظيمي القاعدة ومن ثم «داعش» المحسوبين على السُّنَّة والميليشيات المدعومة إيرانيًا المحسوبة على الشيعة تفاقم العداء وصراع النفوذ، وصار أكبر تجسيد له احتلال ديالي من قبل «داعش» عام 2014، ومن ثم طرد التنظيم منها عام 2015. وفي حين ترتب على ذلك الاحتلال نزوح كبير لسكان المناطق المحتلة، فإنه حين جرت عملية استعادتها من سيطرة «داعش» بدأت الميليشيات والفصائل الشيعية المدعومة من إيران عملية التهجير القسري والتغيير الديموغرافي الممنهج وتمثل بتجاوزات طائفية ومنع النازحين السنة من العودة إلى مدنهم وقراهم، وهذا مع العلم أن الغالبية السكانية لمحافظة ديالي من العرب السنة.
فقد أكد محمد الخالدي، وهو أيضًا أحد شيوخ عشائر ديالي بجانب كونه قياديًّا بارزًا في كتلة «متحدون للإصلاح» لـ«الشرق الأوسط»، أن «نحو 40 ألف عائلة تعرضت للتهجير من ديالي بعد سيطرة (داعش)، ولكن رغم تحرير المحافظة منذ أكثر من سنة فإن عدد العوائل العائدة لا يتعدى الـ1500 عائلة، وهو ما يعني بقاء أكثر من 38 ألف عائلة في مخيمات النازحين. ومع ذلك كله، يجري تفجير المساجد العائدة للسنة فضلاً عن عمليات التغيير الديموغرافي التي يقوم بها الكرد في المناطق التي يدّعون إنها عائدة لهم وهي جلولاء وخانقين، وتستغل الميليشيات الشيعية في المناطق الأخرى عجز الدولة أو تراخيها على فرض حالات من الأمر الواقع على الأرض».
وفي حين يتهم الميليشياويون الشيعة جيرانهم السنة في المحافظة بدعم التنظيمات الإرهابية المسلحة أو التعامل معها- وحقًّا دفعت قوات «الصحوات» ثمنًا باهظًا بسبب اتهامات سابقة بانتمائها إلى «القاعدة»-، يثير إصرار قادة المظاهرات في المحافظات الغربية طوال عام 2013 على التعامل مع ديالي بوصفها إحدى المحافظات الست الغربية- أي المحافظات ذات الغالبية السنّية– غضبًا وسخطًا عند الشيعة.
وتعاني ديالي من ثنائية الهيمنة "الشيعية – الكردية" على المحافظة بما ذلك المفاصل الإدارية والسياسية؛ الأمر الذي أدى إلى تهميش السنة برغم كونهم الغالبية السكانية في المحافظة.
للمزيد عن أهمية ديالي اضغط هنا 

دور إيراني

دور إيراني
فيما تمثل محافظة ديالي أهمية لإيران من الناحية الجيوبوليتيكية، فديالي تعد الخط الأقرب إلى بغداد فمن قصر شيرين في إيران إلى بغداد لا تحتاج سوى إلى ساعة واحدة بالسيارة العادية؛ لذلك تعد ديالي جزءًا حيويًّا من حدود العراق المشتركة مع إيران؛ كونها الجسر الذي يربط بين أقرب منفذ إيراني والعاصمة العراقية بغداد، حتى إنها وصفت استراتيجيًّا خلال الأعوام الثمانية على أنها "أقصر الطرق من إيران إلى بغداد"، وتبعد مدينة بعقوبة (مركز المحافظة عن بغداد بمسافة لا تتجاوز الستين كيلومترًا).
وهذا الجانب هو ما جعلها الطريق الأمثل لكثير من قوافل الزائرين الإيرانيين الذين يتوجهون إلى المراقد الشيعية في العراق، لكنها أيضًا شهدت أكثر حوادث العنف التي استهدفت أولئك الزائرين، ووقع آخرها في يونيو 2013 مخلفًا عشرات القتلى والجرحى.
كما يوجد بمحافظة ديالي منفذ "المنذرية"، وهو منفذ حدودي كبير يمر عبره المسافرون والبضائع الإيرانية إلى العراق.. استغلت إيران هذا المعبر لتتوسع على حساب حقول النفط العراقية بعد عام 2003، أنشأت ما أسمته "حقول نفط مشتركة" التي وافق على إنشائها وزير النفط سابقًا، ونائب رئيس الوزراء لشئون الطاقة حسين الشهرستاني، وهو يصنف من الموالين لإيران، واستغلت إيران سيطرتها الاقتصادية على ديالي في أزمة عرفت بـ "تعمد الجانب الإيراني قطع مياه الأنهار المشتركة– أبرزها نهر الوند- مع العراق والمارة بمحافظة ديالي".
أما ثقافيًا، فقد افتتحت إيران ثلاثة مكاتب ثقافية داخل المحافظة، وبذلك يكون انتشارها الثقافي في المحافظة أبرز من النجف وكربلاء والبصرة، فهي محافظات تحتوي فقط على مكتب واحد إيراني يمارس نشاط ثقافي وديني.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن فيلق القدس بقيادة الجنرال قاسم سليماني، يعمل بكل أريحية عبر الميليشيات الشيعية، على إبعاد الكتل البشرية السنية عن الحدود الإيرانية، بهدف تفريغ السكان الأصليين، ثم يقوم بجلب عراقيين من الشيعة من خارج المحافظة فقط لإسكانهم، ويعد أبرز التحركات في هذا المخطط هو ما يعرفه سكان المحافظة من عمليات إسكان تخص منتسبي الحشد الشيعي، وبدأ هؤلاء يستوطنون في السعدية والمنصورية وجلولاء وقراها الممتدة من المقدادية إلى خانقين.
لذلك يرى مراقبون أن إيران تقف خلف الضغوط بشأن توسيع نفوذ الميليشيات المرتبطة بها؛ من أجل تأسيس «منطقة آمنة» لها- كون ديالي محافظة حدودية، كما أن فيها النقطة الأقرب ليس إلى بغداد فحسب، بل إلى محافظة صلاح الدين أيضًا؛ حيث أصبح لإيران نفوذ كبير فيها من خلال «الحشد الشعبي» بمساعدة بعض العشائر السنية في المحافظة. وبالتالي فإن ديالي باتت هي المنطقة الواصلة بين إيران وسوريا عبر محافظة صلاح الدين.
ووفقًا لتصريحات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، فإن محافظة ديالي تعد خاصرة الشيعة وطريقهم الأقصر من وإلى إيران.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي منح عشرة آلاف إيراني الجنسية العراقية وإسكانهم في محافظة ديالي؛ من أجل أحداث التغيير الديموغرافي لسكان المحافظة، وضمان أمن إيران، في ضوء مخطط تهجير المكون السني وإفراغ المحافظة من هذا المكون ذي الكثافة العالية.
فيما أكد القيادي عن "التحالف الكردستاني" حمه أمين، في حديث صحفي أن ما يحدث في ديالي هدفه التغيير الديموغرافي؛ لذلك أصبح هناك تسعة قرى حدودية مع إيران مهجورة حاليًا، وأضاف: "الميليشيات المدفوعة من إيران ترغب في تغيير طبيعة ديالي من محافظة ذات مذهب معين إلى أخرى موالية لها".
للمزيد عن دور إيران والتطهير العرقي بديالي.. اضغط هنا 

نزع السلاح

نزع السلاح
وفي نفس السياق ومن أجل مواجهة الانفلات الأمني بالعراق بشكل عام وديالي بشكل خاص، أعلن رئيس الوزراء العراقي عن نزع السلاح من عشائر ديالي.
من جانبه رحّب نواب ومسئولون محليون بقرار الحكومة نزع السلاح في ديالي، وسط تحضيرات تجري لعقد مؤتمر عشائري موسّع للبحث في التطورات الأمنية والاجتماعية في المحافظة، في أعقاب أحداث قتل وتفجير جوامع في قضاء المقدادية.
وحمّل النائب عن «اتحاد القوى الوطنية» (السُّنية) عبدالعظيم العجمان، «النظام الذي اعتمده الحاكم المدني بول بريمر، وفق الطائفية والعرقية، مسئولية وقوع البلاد في أزمات سياسية وأمنية، بعد أن أسّس لخلافات لا نهاية لها». وقال لـ «الحياة»: إن «ما جرى في ديالي من انفلات أمني وتفجير مساجد وخطف وقتل، هو نتيجة لهذا النظام، خصوصاً أن قادة الكتل السياسية غير مستعدّين للتنازل عن طائفيتهم، ما يهدّد وحدة البلاد في المستقبل». وأكد أن «قرار رئيس الوزراء حيدر العبادي، الخاص بنزع السلاح في ديالي وحصره بيد الدولة، مرحب به، وقد لمسنا جدية الحكومة في التعاطي مع الملف الأمني في ديالي».

ديالي .. المشهد الآن

ديالي .. المشهد الآن
ما تشهده ديالي منذ سنوات عديدة هو جزء مما يشهده العراق منذ أبريل 2003 من عملية انتقام واضطهاد وتهجير لفصائل عراقية من فصائل عراقية أخرى تخدم مخططات خارجية، محافظة ديالي تعاني من سطوة الميليشيات الشيعية والكردية كما يحدث في مناسبات عديدة، وقرار نزع السلاح عن العشائر جاء متأخرًا، بل  يجب مع جميع الميليشيات العراقية بمختلف مذاهبها وطوائفها وإبقاء السلاح في يد مؤسسات الدولة الرسمية؛ ليكون هناك قدرة على الحساب والردع والحفاظ على الوطن والمواطنين، ولكن في ظل مراكز القوى والتدخلات الخارجية في العراق فإن قرار حكومة العبادي بنزع السلاح، قد لا يحقق الهدف المرجو منه إذا نجحت في مهمتها وتنفيذ قرارها، مع سطوة الميليشيات ومراكز القوى والدور الإيراني النافذ ببغداد وديالي.. فهل ستنجح حكومة العبادي في الحافظ على الهوية الوطنية للعراق، أم سيكون للميليشيات رأي آخر في تحويل العراق إلى جزر منعزلة؟ 

شارك