حقيقة مواقف ومشاركات قوى الإسلام السياسي في ثورة 25 يناير (2)
الأربعاء 27/يناير/2016 - 04:29 م
طباعة
فسر البعض الإسلام السياسي بأنه: تلك الحركات السلفية التي اتخذت من الإسلام غطاء أيديولوجيا، والتي بدأت في شكلها الحديث بمدرسة حسن البنا في مصر والمودودي في باكستان، وهي الحركات التي رفعت شعار "الحاكمية لله"، وحاولت إعادتنا لمربع الدولة الدينية التي تجاوزها التاريخ. وبالنسبة لمصر يضم "الإسلام السياسي" عددًا من التنظيمات، على رأسها جماعة "الإخوان المسلمين" الذين أسسوا بعد ثورة يناير 2011، حزب الحرية والعدالة، والذي تم حله بعد ثورة 30 يونيه 2013، وظهرت الحركة السلفية على رأسها حزبا النور والفضيلة، وحزب البناء والتنمية لتنظيم الجهاديين أيضًا. وإن اختلفت تلك التيارات الإسلامية في أساليبها إلا أنها اتفقت في برنامجها وهو "إقامة دولة إسلامية طبقًا للشريعة الإسلامية"، أي دولة دينية ذات مرجعية إسلامية ولا بديل آخر عنها.
وفي هذا التقرير نرصد مدى قرب وبعد هذه الفصائل ليس فقط عن السلطة في مصر منذ عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بل أيضًا مواقف ومشاركات هذه الفصائل في الحياة السياسية في مصر سعيًا إلى السلطة بداية من ثورة 25 يناير 2011، وما تبعها من أحداث ومواقف سياسية لهذه الفصائل.
وسوف نتناول في هذا الملف الشامل:
1- مواقف جماعة الإخوان المسلمين من نظام مبارك.
2- مواقف الجماعة الإسلامية والقوى السلفية من نظام مبارك.
3- مواقف ومشاركات جماعة الإخوان في ثورة يناير.
4- مواقف ومشاركات الجماعة الإسلامية في ثورة يناير.
5- مواقف ومشاركات القوى السلفية في ثورة يناير.
6- الإخوان و30 يونيو.
7- الجماعة الإسلامية و30 يونيو.
8- القوى السلفية و30 يونيو.
ثانيا: الجماعة الإسلامية:
لقد عرضنا في الجزء الأول من هذا الملف "حقيقة مواقف ومشاركات قوى الإسلام السياسي في ثورة 25 يناير"، مواقف الإخوان من نظام مبارك وكيف كانت جماعة الإخوان قريبة من نظام مبارك وبينهما اتفاقات حول العملية السياسية، وكيف كانت الجماعة تعتبر "مبارك" بمثابة والد لها ولأعضائها ولم يكن لدى الجماعة أية موانع من توريث الحكم لنجله جمال مبارك، رغم ما كان يبدو على السطح من خلافات.
وفي هذا الجزء من الملف سوف نعرض مواقف الجماعة الإسلامية من نظام مبارك، وعملية التحول الكبرى من العنف إلى المهادنة، وقد نشأت الجماعة الإسلامية كجماعة دعوية داخل الجامعات المصرية في أوائل السبعينيات من القرن العشرين، والتي سرعان ما تحولت دعوتهم إلى "الجهاد" لإقامة "الدولة الإسلامية" وإعادة "المسلمين إلى التمسك بدينهم وتحكيم شرع الله"، ثم الانطلاق لإعادة "الخلافة الإسلامية من جديد".
وتختلف عن جماعات الجهاد من حيث الهيكل التنظيمي وأسلوب الدعوة والعمل بل وحتى الانتشار؛ حيث تتركز الجماعات الجهادية في الدلتا والقاهرة، والجماعة الإسلامية تنتشر بشكل خاص في محافظات الصعيد وبالتحديد أسيوط والمنيا (الصعيد).
واستخدمت الجماعة الإسلامية أسلوب المواجهة الإرهابية المسلحة ضد رموز السلطة وقوات الأمن المصري والأقباط، والسياحة طوال فترة الثمانينيات وفترات متقطعة من التسعينيات، وتلقت ضربات أمنية متلاحقة من قبل الأمن المصري والذي شمل اعتقال معظم أعضائها وضرب قواعدها.
سجل حافل بالإرهاب
كانت هناك حرب حقيقية بين الدولة والجماعة الإسلامية ولدى هذه الجماعة سجل حافل بالإرهاب والعمليات الإرهابية التي راح ضحيتها الكثير فالجماعة الإسلامية قامت في 6 أكتوبر 1981 بأكبر وأهم عملية في تاريخها، بالمشاركة مع تنظيم الجهاد المصري (عقب الاندماج بين التنظيمين) عندما قامت باغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات على يد الجناح العسكري للجماعة بقيادة الملازم أول خالد الإسلامبولي وبصحبة زملائه عبد الحميد عبد السلام الضابط السابق بالجيش المصري والرقيب متطوع القناص حسين عباس محمد، والذي أطلق الرصاصة الأولى القاتلة والملازم أول احتياط عطا طايل حميده وكانت الجماعة تستهدف من ذلك إثارة القلاقل والاضطرابات للاستيلاء على مبنى الإذاعة والتليفزيون في ماسبيرو بالقاهرة والمنشآت الحيوية بمناطق مصرية مختلفة.
وفي تلك الأثناء وخلال هذه الأحداث قبض عليهم جميعاً، وقدموا للمحاكمة التي حكمت عليهم بالإعدام رمياً بالرصاص، كما تم تنفيذ الحكم في زميلهم محمد عبد السلام فرج صاحب كتاب "الفريضة الغائبة" بالإعدام شنقاً.
ومن بين هذه العمليات التي كان لها تأثير كبير على مؤسسة الأمن المصرية الهجوم على مديرية أمن أسيوط: في 8 أكتوبر 1981م؛ حيث قام بعض أفراد الجناح العسكري للجماعة الإسلامية بمهاجمة مديرية أمن أسيوط ومراكز الشرطة ومحاولة احتلال المدينة، ودارت بينهم وبين قوات الأمن المصرية معركة حامية قتل فيها العديد من كبار رجال الشرطة والقوات الخاصة وانتهت بالقبض عليهم، وعلى رأسهم ناجح إبراهيم وكرم زهدي وعصام دربالة، وعاصم عبد الماجد، وفؤاد الدواليبي، وأسامة حافظ، والحكم عليهم فيما عرف في وقتها بقضية "تنظيم الجهاد" بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عاماً.
وتنسب للجماعة محاولات إرهابية عديدة منها وأبرزها اغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب المصري الأسبق، وأن قتله كان تصفية حسابات مع الحكومة والدولة ردا على حملات الاعتقال المتتالية.
وكان للتسعينيات النصيب الأكبر من العمليات الإرهابية التي نفذتها الجماعة، ومن بينها:
في 21 أكتوبر 1992 قتل سائح بريطاني قرب ديروط الجنوبية. وأعلنت الجماعة الإسلامية مسئوليتها، وفي 26 فبراير 1993 قتل سائح تركي وآخر سويدي، وشخص ثالث مصري في انفجار قنبلة بمقهى في قلب القاهرة. وقد جرح 19 شخصًا آخرين بما في ذلك 6 سياح.
وفي 8 يونيو 1993 تم إلقاء قنبلة على حافلة سياحية قرب الأهرام، ما أسفر عن مقتل مصريين وجرح 15 سائحًا، من بينهم سائحان بريطانيان،
وفي 26 أكتوبر 1993 قتل أمريكيان وفرنسي وإيطالي، وجرح سائحان آخران في هجوم شنه رجل على فندق سميراميس بالقاهرة. وقالت الشرطة: إن المنفذ مختل عقليًّا. وقد تم اعتقال المهاجم وإيداعه مستشفى للأمراض العقلية، لكنه هرب لاحقًا وفجر حافلة قرب المتحف المصري بالقاهرة.
وفي 4 مارس 1994 تبنت الجماعة الإسلامية هجومًا على عبارة سياحية على النيل في جنوب مصر. وقد أسفر الهجوم عن جرح سائح ألماني لفظ أنفاسه الأخيرة فيما بعد.
أما في 26 أغسطس 1994 تم إطلاق النار على حافلة سياحية بين الأقصر وسوهاج، ما أسفر عن مقتل شاب إسباني.
وفي 27 سبتمبر 1994 قتل ألمانيان ومصريان في منتجع بالبحر الأحمر. وقد أعدم عضوان من الجماعة الإسلامية بتهمة تنفيذ الجريمة في 1995.
وفي 23 أكتوبر 1994 تبنت الجماعة الإسلامية هجومين في جنوب مصر، ما أسفر عن مقتل بريطاني وجرح خمسة أشخاص آخرين.
الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك استُهْدِف من عناصر متبنية في أديس أبابا عام 1995 وقتل جميع أفرادها آنذاك من قبل الحرس الرئاسي المرافق.
وفي 18 أبريل 1996 قتل 18 سائحًا يونانيًّا، وأصيب 14 بجروح في هجوم على واجهة فندق أوروبا قرب أهرام الجيزة. وتبنت الهجوم "الجماعة الإسلامية" قائلة إنها استهدفت سياحًا إسرائيليين.
وفي 18 سبتمبر 1997، قتل تسعة مصطافين ألمان وسائقهم المصري بعد أن تم تفجير حافلتهم خارج المتحف المصري وسط القاهرة.
وفي 17 نوفمبر عام 1997 قتلت الجماعة في خلال 45 دقيقة 58 شخصًا معظمهم سياح سويسريون بالدير البحري بالأقصر، فيما عرفت بمذبحة الأقصر أو مذبحة الدير البحري. وفيها هاجم ستة رجال مسلحين بأسلحة نارية وسكاكين؛ حيث كانوا متنكرين في زي رجال أمن مجموعة من السياح كانوا في معبد حتشبسوت بالدير البحري.
المراجعات الفكرية
كانت المراجعات الفكرية أبرز حدث قامت به الجماعة الإسلامية في عهد مبارك؛ حيث أصدر ثمانية من أعضاء مجلس شورى الجماعة الإسلامية من محبسهم عدة كتيبات تحت عنوان "سلسلة تصحيح المفاهيم"، وهي تمثل مراجعة فقهية للكثير من المفاهيم التي انتهجتها الجماعة في التسعينيات وتسببت في تصادمها مع الحكومة؛ الأمر الذي أطلق حمامات من الدماء بدأت مع اغتيال رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب في أكتوبر 1990، واختتمت بمذبحة الأقصر في نوفمبر 1997، ونتج عن تلك الموجة أكثر من ألفي قتيل وعشرات الآلاف من المعتقلين، إضافة إلى خسائر اقتصادية فادحة نتيجة تدهور السياحة المصرية.
وعلى الرغم من تزامن صدور المراجعات الفكرية لقادة الجماعة الإسلامية مع عملية إعادة الحسابات التي تجريها العديد من الحركات الإسلامية في أعقاب تفجيرات 11 سبتمبر، وما أعقبها من هجمة شرسة على الإسلام بصفة عامة والحركات الأصولية بصفة خاصة، إلا أن جذور المراجعة والتصحيح لدى الجماعة تسبق بكثير تفجيرات نيويورك، ويمكن رصد النتاج الأولى لتلك المراجعة في الخامس من يوليو عام 1997؛ حيث ألقى أحد المتهمين أثناء نظر القضية رقم "235 عسكرية" بيانًا مُزَيلًا بتوقيع القادة التاريخيين للجماعة الإسلامية يدعو فيه لإيقاف العمليات القتالية وحقن الدماء، وشَكَّل البيان مفاجأة للكثيرين خارج وداخل الجماعة، وتباينت المواقف بين مؤيد ومعارض ومشكك، ولكن وقوع مذبحة الأقصر، وما صاحَبَها من عمليات قتل دموية أثارت غضب وسخط الجميع- دفع الرافضين داخل الجماعة- خاصة قيادات الخارج- إلى مراجعة مواقفهم، وإعلان تأييدهم للمبادرة في 28 مارس 1999، واستمرت الأمور ما بين شد وجذب بين الجماعة والحكومة المصرية، حتى صدرت المراجعات الأخيرة، والتي يؤكد البعض أن صدورها لم يكن ممكنًا لولا التجاوب الذي قوبلت به من جانب وزارة الداخلية المصرية، خاصة فيما يتعلق باجتماعات القادة الثمانية، والجولات التي قاموا بها في مختلف سجون مصر لكسب تأييد زملائهم من أعضاء الجماعة، كما أطلقت الشرطة حينها سراح حمدي عبد الرحمن- أحد القادة الثمانية- وذلك بعد انتهاء فترة سجنه، في بادرة غير مسبوقة، فالشرطة كانت تقوم باعتقال كل من تنتهي فترة عقوبته من قادة الجهاد والجماعة الإسلامية.
نقد ومراجعة الذات
بلور القادة التاريخيون للجماعة الإسلامية مراجعتهم الفكرية في أربع كتب، وتم عرضها خلال معرض القاهرة للكتاب، وحملت الكتب عناوين: "مبادرة إنهاء العنف رؤية ونظرة واقعية"، و"حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين"، و"تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء"، و"النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين". وعناوين الكتب تدلل بوضوح على التغير الجوهري الذي طرأ على فكر هؤلاء القادة، خاصة إذا قورنت بما جاء في كتب "ميثاق العمل الإسلامي" الذي وضعه كل من عاصم عبد الماجد وعصام درباله وناجح إبراهيم عام 1979، والكتب الأربعة شارك في صياغتها وكتابتها كل من: كرم زهدي، وناجح إبراهيم، وعصام دربالة، وعاصم عبد الماجد، وأسامة حافظ، وفؤاد الدواليبي، وعلي الشريف، وحمدي عبد الرحمن، والأخير حمل مراجعات الجماعة لدى خروجه من السجن لنشرها وعرضها على المجتمع.
ويتلخص أهم ما جاء في تلك الكتب، التي تبدو أقرب إلى مراجعة فقهية- وليست فكرية- للأسس والمبادئ الشرعية التي قام عليها فكر الجماعة الإسلامية في الثمانينيات والتسعينيات، في التراجع عن الغلو في تنفيذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاعتراف بما ترتب على ذلك من أخطاء وتجاوزات كان من أهمها إهمال الدعوة وتريبة المجتمع، فضلًا عما تعرضت له الجماعة من مصادمات ومطاردات بسبب ذلك الأمر، كما شملت الكتب مراجعة لقضية الاختلاف والاجتهاد، وكيف أنه لا يجب الإنكار في الأمور محل الاجتهاد، وأن التكليف مرتبط بالاستطاعة، وبما لا يكلف الإنسان مشقة وجهدًا لا طاقة له بهما.
الشيخ عمر عبد الرحمن
وتضمنت مراجعات قادة الجماعة الإسلامية إلقاء الضوء على مبادرة وقف العنف وما تعرضت له من ضغوط كادت تفشلها، خاصة في أعقاب مذبحة الأقصر، وكيف أنه رغم عدم تجاوب الأمن مع تلك المبادرة إلا أنها ساعدت في تهيئة الأجواء لوقف العنف، وهو ما تدعم بتأييد الشيخ عمر عبد الرحمن مفتي الجماعة من محبسه في أمريكا للمبادرة، وما تلى ذلك من تأييد قادة الخارج. وشدد القادة على أن مراجعاتهم- هذه- ليست صفقة مع الحكومة، إنما هي واجب شرعي لوقف اقتتال منعته الشريعة لمفاسده العظيمة، وهو "لا يتنافى مع واجب آخر يلزمنا جميعًا، وهو السعي لإعلاء دين الله وإقامة شريعته".
واعتبر القادة أن المصادمات مع قوات الأمن أفرزت العديد من القضايا الخطيرة التي تحتاج لضبط شرعي، وشددوا على موقف الشريعة من عدم جواز قتل النساء والأطفال والشيوخ ولا الأعمى والذمي ولا الراهب ولا العبد ولا الفلاحين ولا الصانع والمدنيين الذين ليسوا من أهل المقاتلة والممانعة وتحريم التمثيل بجثث القتلى وحظر هدم منازل المحاربين أو حرق حاميتهم أو قتل دوابهم وضرورة الرحمة بالأطفال والفتيات، وألا يقتل الرجل أباه ولا ذا رحم وعدم قتل رسل الأعداء ومنع قتال الكفار والمشركين قبل دعوتهم إلى الإسلام وعدم نقض العهد.
وحسمت المراجعات مسألة استهداف بعض أفراد الجماعة للسائحين والأقباط واستحلال دمائهم وأموالهم، وشددت على عدم جواز قتل المستأمنين والسياح، وأنه لا يحل التعرض لهم أو لأموالهم أو أعراضهم، فدخولهم البلاد الإسلامية يعتبر أماناً لهم، حتى لو اختلف البعض في أمان الحكومة، فالعبرة بما يعتبره السائح أمانًا، فهو لا دخل له في الخلافات.
وفيما اعتبر نقدًا للذات واعترافًا بالخطأ، حدد قادة الجماعة أسباب الغلو في الدين بـ: الاشتغال بالمعارك الجانبية عن القضايا الكبرى والإسراف في التحريم بغير دليل، واتباع المتشابهات وترك المحكمات، عدم التعلم على أيدي العلماء، وضعف البصيرة بالواقع والحياة والتاريخ وسنن الكون، ووجود بعض مظاهر الجهل مثل الاتجاه الظاهري في فهم النصوص.
وفي محاولة لتقويم مستقبل الحركة الإسلامية وتنقيتها من أخطاء الماضي، خلص قادة الجماعة الإسلامية إلى حرمة القتال إذا لم يحقق مصلحة ولم يأت بثمرة ولم يكن له نتيجة سوى سفك الدماء، فالقتال شرع في الإسلام لتحقيق مصلحة أكبر منه أو رفع مفسدة أعظم منه. كما شددوا على حرمة إلقاء النفس في التهلكة وأنه منهي عنه شرعًا وعقلًا، وأن الشباب الذين يُقْدِمون على قتال الحكومات القوية فيهلكون أنفسهم دون نفع لأحد ولا الإسلام يتسببون في بعض المفاسد والتضييق على الدعوة الإسلامية وعلى رجالها.
موقف الدولة والإخوان من المراجعات
وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي
أعقب صدور مراجعات قادة الجماعة الإسلامية ردود فعل متباينة من جانب الأطراف ذات الصلة، وكان الأمر اللافت هو ترحيب حبيب العادلي وزير الداخلية بالمراجعات، واعتبرها "إنجازًا غير مسبوق في تاريخ التعامل لتغيير الفكر من الأخطاء"، ووصف العادلي المراجعات بأنها "نوع من التحول الفكري لدى قيادات هذه الجماعات، نتيجة الرؤية الحقيقية لأبعاد النظريات والأفكار، التي سبق وأن بنوا عليها نظرياتهم وتنظيماتهم"، كاشفًا النقاب عن تأييد الأجيال المختلفة للجماعة داخل السجن لمبادرة قادتهم.
وكان تأييد الإخوان المسلمين للمبادرة متوقعاً، فالجماعة خاضت تجربة مشابهة داخل السجون في نهاية الستينيات، وانتهت بإصدار حسن الهضيبي المرشد الثاني للجماعة عام 1971 كتاب "دعاة لا قضاة"، وفيه تبرأت الجماعة من العنف كأحد سبل التغيير، ومنذ ذلك التاريخ لم يثبت تورط أي من أعضاء الجماعة في أعمال العنف.
واعتبر مصطفى مشهور مرشد الجماعة حينها أن مباركة موقف الجماعة الإسلامية ضروري؛ لأنها أعادت تصحيح الأخطاء حتى تخرج من كبوتها وتحافظ على شبابها من وحشة السجون والمعتقلات. وإذا كان مشهور قد لفت إلى أن الدولة في حاجة لبعض الوقت للتأكد من جدية موقف الجماعة الإسلامية، فإن نائبه مأمون الهضيبي طالب الدولة باتخاذ خطوة مقابلة، واعتبر أن وقف الاعتقالات هو السبيل لوقف العنف نهائيًّا، وأن الكرة الآن في ملعب الدولة.
وعلى الرغم من ترحيب أعضاء الحركة الإسلامية ممن سبق اتهامهم في قضايا العنف بالمبادرة، واعتبارها تطورًا إيجابيًّا في مسيرة الجماعة، إلا أنهم لفتوا النظر إلى غياب البعد السياسي في تلك المراجعات، وتركيزها على التخلص من أخطاء الماضي دون أن ترسم منهجًا لمستقبل الجماعة سياسيًّا ودعويًّا.
جمال سلطان وكيل مؤسسي حزب الإصلاح
وأخذ جمال سلطان وكيل مؤسسي حزب الإصلاح على كتب المراجعات غياب الرؤية السياسية لدور الجماعة مستقبلًا، واعتبرها "معالجات جزئية داخل تنظيم إسلامي لن يكون لها ثمار فعالة في الأجيال المقبلة في ظل مناخ سياسي فاسد وغير ديمقراطي". واتفق المحامي ممدوح إسماعيل وكيل مؤسسي حزب الشريعة مع ما ذكره جمال سلطان، مشيرًا إلى أن الجماعة لم تختط طريقًا واضحًا، بمعنى هل تؤسس جمعية مثل جمعية أنصار السنة، أم تعمل بسياسة الباب الموارب كالإخوان المسلمين، أم تنشئ حزبًا سياسيًّا.
الزمر بين التحفظ والرفض؟
عبود الزمر
ولعل تحفظ أعضاء جماعة الجهاد- رغم ترحيب بعضهم المبدئي بفكرة المراجعة- كان أكثر وضوحًا، وشكك بعضهم بطريقة غير مباشرة في مدى توافق المبادرة مع الشريعة، وطالبوا بعرض الكتب على الأزهر لأخذ رأيه، وهو ما أكده حمدي عبد الرحمن أنه تم بالفعل.
وكانت أشد التحفظات- التي أوصلها البعض لدرجة الرفض- من جانب عبود الزمر الزعيم التاريخي للجهاد وابن عمه طارق الزمر، وأشارت بعض التقارير الصحفية إلى أنه رفض الانضمام للموقعين على المراجعات، معتبرًا أنها مخالفة للأصول الشرعية ومنافية لمبدأ الجهاد، وأشارت تلك التقارير إلى أن الزمر هدد بسحب تأييده لمبادرة وقف العنف، وأنه عوقب على موقفه ذلك بنقله إلى سجن أبو زعبل.
ولكن كمال حبيب، أحد قيادات الجماعة السابقين والذي قضى عشر سنوات في السجن في قضية اغتيال السادات، يؤكد أن الزمر لم يرفض المراجعات لكنه تحفظ عليها لعدم وجود المقابل فيما يختص بمصير ومستقبل حركة الجهاد، فالجماعة الإسلامية- حسب قول حبيب- توافقت مع الأجهزة الأمنية بعيدا عن باقي الجماعات، وتم الإفراج عن العديد من رجالها؛ لهذا رفض عبود وطارق الزمر المشاركة في إعداد المراجعات أو إعطاء موافقة صريحة عليها.
ولم يمنع رفض أو تحفظ عبود الزمر- أيًّا ما كان موقفه- بعض أعضاء الجماعة من إعلان تأييدهم للمبادرة؛ حيث ذكرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية أن ياسر أيوب قيادي الجماعة اللاجئ بألمانيا أكد دعمه لفكرة المراجعة، ونقلت الصحيفة تأكيد أيوب- على لسان سعد حسب الله محامي الجهاد- على "أن التوقيت جاء مناسبًا لمرحلة المراجعات الفعلية التي تقودها الجماعة الإسلامية حاليًا للعودة إلى الخط الدعوي والاعتراف بخطأ انتهاج عمليات العنف".
بعد أن قامت الجماعة بمراجعاتها الفكرية، وخرج أفرادها وقادتها من السجون؛ حرصت الجماعة منذ ذلك الوقت على التأكيد على العمل السلمي، وأنه لا عودة للعنف تحت أي ظرف من الظروف، وصبت معظم بيانات الجماعة في تلك الفترة في اتجاه تأييد الحكومة المصرية، ومهاجمة مخالفيها، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين التي كانت الجماعة الإسلامية تطالبها بعمل مراجعات فكرية مثلها، حتى إن الكثيرين في ذلك الوقت كانوا يرون أن الجماعة الإسلامية أصبحت مخلب قط للحكومة المصرية في مواجهة التيارات الإسلامية بصفة عامة، والإخوان المسلمين بصفة خاصة.