بعد 35 عامًا من الاضطراب.. عودة العلاقات بين إيران وبريطانيا بمباركة "أمريكية"

الثلاثاء 23/سبتمبر/2014 - 11:30 م
طباعة بعد 35 عامًا من الاضطراب..
 
في سابقة لم تحدث منذ 35 عامًا، يلتقي ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني في نيويورك غدًا الأربعاء، الرئيس الإيراني حسن روحاني، في لقاء تاريخي يبحث خلاله تعاون طهران في مواجهة داعش.
الرئيس الفرنسي فرنسوا
الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند نظيره الإيراني
يأتي هذا اللقاء على الرغم من تصريح الولايات المتحدة الأسبوع الماضي بأنه ليس من المناسب أن تشارك إيران في التحالف المناهض لتنظيم "الدولة الإسلامية"، نظرًا "لتدخلها في سوريا وغيرها من الدول."
على جانب آخر يلتقي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند نظيره الإيراني، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستطغى الأزمة العراقية على جدول أعمالها، وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد بحث مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، خلال اجتماع في نيويورك "الخطر" الذي يطرحه تنظيم الدولة الإسلامية، واعتبر كيري أن لإيران دورًا تلعبه في مكافحة التنظيم الجهادي.

35 عامًا من الصراعات

روحاني وكيري
روحاني وكيري
يعد هذا اللقاء هو أول قمة بريطانية - إيرانية منذ قيام الثورة الإيرانية  عام 1979، أي منذ 35 عامًا، وأكد مراقبون أن هذه الخطوة تعتبر عودة للعلاقات بين لندن وإيران.
فعلى مدار العقود الماضية شهدت العلاقات الإيرانية البريطانية، اضطرابًا وشدًا وجذبًا ملحوظًا، منذ الحرب العالمية الثانية  وقد تخلل هذه الفترة الكثير من الصراعات، الأمر الذى جعل الإيرانيين ينفرون من بريطانيا وأصبحت الثقة منعدمة بين الطرفين.

بداية الصدام

سلمان رشدي
سلمان رشدي
يعود اضطراب العلاقات بين بريطانيا وإيران، إلى فترة المصالح النفطية البريطانية في إيران والدور الأمريكي البريطاني في الاطاحة برئيس الوزراء المنتخب، محمد مصدق عام 1953 التي أعقبتها عودة الحكم الاستبدادي لشاه إيران محمد رضا بهلوي المؤيد للغرب، وبدأت العلاقات في الانحدار  بعد إهدار آية الله الخميني دم الكاتب البريطاني الهندي الأصل "سلمان رشدي" صاحب كتاب آيات شيطانية.
وفي يوم 14 فبراير عام 1989 أصدر المرشد الأعلى السابق للثورة الإيرانية آية الله الخميني، فتوى تدعو إلى قتل سلمان رشدي بسبب كتابه المثير للجدل "الآيات الشيطانية"، التي اعتبرها الملالي في طهران "معادية للإسلام والرسول محمد والقرآن"، وقد أثارت "الآيات القرآنية" عقب صدروها 26 من سبتمبر عام 1988 موجة عارمة من الاحتجاجات وأعمال عنف في عدد من الدول ذات الغالبية المسلمة، على غرار بنجلاديش وأندونيسيا وباكستان، كما سُجلت أعمال عنف راح ضحيتها عدد من الناشرين والمترجمين للكتاب في شتى أنحاء العالم.
وقد تسببت الدعوة إلى قتله في فرض قيود خانقة على حرية سلمان رشدي، الذي وجد نفسه مُجبرا على العيش في عزلة والتنقل من مقر إقامة إلى آخر في سرية كاملة وتحت حماية أمنية مشددة لمدة 13 عامًا بالتمام والكمال. 
وآنذاك قطعت بريطانيا في 7 من مارس 1989علاقاتها الدبلوماسية مع إيران على خلفية الفتوى الصادرة ضد رشدي.

تباين في العلاقات بين الطرفين

محمد خاتمي
محمد خاتمي
بعد مرور عشر سنوات، وفى 1997، وبالأخص بعد تولى محمد خاتمي آنذاك رئاسة إيران،  أكد أن بلاده لن تدعم أي محاولات لقتل رشدي، كما أنها لن تحول ضدها، بيد أن الشيعة في إيران لا يزالون متشبثين "بفتوى إهدار دم سلمان رشدي"، فقد رفعت مؤسسة خورداد الدينية الإيرانية قيمة الجائزة المالية لقتل رشدي إلى 3,3 مليون دولار عام 2012، بعد أن كانت في البداية بمقدار مليون دولار.
كما بدأت العلاقات تعود عام 2000 عندما زار وزير الخارجية الإيراني، كمال خرازي، آنذاك، لندن في زيارة رسمية، وكذلك عام 2001 عندما زار وزير الخارجية البريطاني، آنذاك، طهران في زيارة رسمية.
وفي عام 2003 ساءت العلاقات بين البلدين من جديد عقب اعتقال السلطات البريطانية لـهادي سليماني بور الدبلوماسي الإيراني المتهم في تفجير كنيسة يهودي في بيونس آيرس بالأرجنتين، وفى 27 أغسطس 2003، زار علي آهني، نائب وزير الخارجية الإيراني آنذاك، لندن والتقى جاك إسترو وطالب الحكومة البريطانية بإطلاق سراح سليماني.
في سبتمبر من نفس العام، استدعت إيران سفيرها من لندن للتشاور، وتم الهجوم على السفارة البريطانية في طهران، وفى عام 2004 خرجت مظاهرات حاشدة أمام السفارة البريطانية وذلك احتجاجا على المعارك التي كانت تخوضها القوات الأمريكية والبريطانية في العراق.
في 21 يونيه من نفس العام، قامت القوات البحرية للجيش الإيراني باعتقال 8 من أفراد القوات البحرية البريطانية في شط العرب، وفى عام 2009 قام عدد من الطلبة الإيرانيين ينتمون للباسيج باقتحام الحديقة الصيفية باغ قلهك في السفارة البريطانية.
سايمون غاس
سايمون غاس
وتوالت الأحداث التي أحدثت فجوة كبيرة بين إيران وبريطانيا، ففي 20 فبراير عام 2009، قام  المندوب الدائم لبريطانيا في الأمم المتحدة "جان سوارز" بالإفصاح عن مباحثات سرية بين الغرب وإيران.
في يوم 5 مارس من نفس العام، أعلنت وزارة الخارجية البريطانية أن "سايمون غاس" هو سفيرا لبلادها في طهران خلفا لجفري آدامز.
وفى 19 يوليو 2009، صادرت بريطانيا مليارًا وستمائة مليون دولار من أموال إيران المودعة في البنوك البريطانية بالاستناد إلى العقوبات الأممية الأخيرة.
وفى 29 يوليو من نفس العام، تم إطلاق سراح عدد من موظفي السفارة البريطانية ممن اعتقلوا أثناء الاحتجاجات التي اندلعت عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في طهران.
في 28 أغسطس 2009، كانت محاكمة عدد من موظفي السفارة البريطانية ممن يحملون الجنسية الإيرانية بتهمة التحريض على التمرد.
وفى عام 2010، قامت لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني المشكلة من وزارتي الاستخبارات والخارجية بتخفيض مستوى العلاقات مع بريطانيا.

داعش تجدد العلاقات

داعش تجدد العلاقات
داعش تجدد العلاقات
على مدار الفترة السابقة بأكملها، وكانت العلاقات بين بريطانيا وإيران في غاية السوء،  إلى أن جاء اليوم وبالتحديد 23 من سبتمبر 2014 ليلتقي الطرفان، لبحث سبل التعاون في مواجه "داعش"، في خطوة جديدة لتقوية العلاقات، ويبدو أن داعش كانت وراء عودة العلاقات بين العديد من الدول الأوروبية على رأسهم بريطانيا وإيران، وكذلك فرنسا وإيران، فضلا عن أمريكا وإيران، حيث قالت صحيفة الجارديان إن هذا اللقاء الثنائي المرتقب خلال اليومين المقبلين في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك‏، يضفي دفئًا كبيرًا على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وكشفت الجارديان النقاب عن أن كاميرون يسعى لحثّ روحاني خلال المحادثات الثنائية على مشاركة إيران في عملية مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية" داعش" في العراق وسوريا.
ونوهت الصحيفة إلى أن إيران لم يسمح لها بالمشاركة في محادثات باريس الأخيرة التي ناقشت بناء تحالف دولي لمواجهة داعش، لاسيما مع الاجتماعات الدولية السابقة التي تناولت مواجهة الرئيس السوري بشار الأسد، بما في ذلك مؤتمر جنيف 1 و 2 .
ووفقا لتصريحات داونينج ستريت، فإنه من المتوقع أن يوضح رئيس الوزراء البريطاني خلال اللقاء أن "داعش" يمثل خطرًا وتهديدًا مشتركًا يجب مواجهته والقضاء عليه في العراق.

توقعات اللقاء

كاميرون
كاميرون
يتوقع الخبراء أن يطالب كاميرون، الرئيس الإيراني بضرورة تخلي بلاده عن دعم الرئيس السوري بشار الأسد، الذي وصفته الحكومة البريطانية في تصريحاتها بأنه "خلق البيئة المواتية التي سمحت للإرهاب بالازدهار.
كما يتوقع أن يوجه كاميرون رسالة صارمة لروحاني مفادها أن المفاوضات النووية الجارية بين إيران ومجموعة (5+1) تعد فرصة نادرة للجانب الإيراني فقط حال استعداده لإبداء المرونة وأن يتحلى الفريق النووي الإيراني في المفاوضات بنظرة واقعية للأمور بشأن المستقبل النووي الإيراني ولاسيما قضية تخصيب اليورانيوم.

رفض المرشد الأعلى محاربة داعش

آية الله علي خامنئي
آية الله علي خامنئي
كان مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، رفض شخصيًا طلبات تقدمت بها الولايات المتحدة لإيران للمساعدة في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية."
ونقل الإعلام الإيراني عن خامنئي قوله "لم أر مبررًا للتعاون مع دولة أيديها قذرة ونواياها مشبوهة، وحذر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من جانبه بأن "الظاهرة الخطيرة" التي يمثلها تنظيم "الدولة الإسلامية" لن تُزال من خلال القصف الجوي فقط.
والجدير بالذكر أن إيران قد رفضت من قبل طلب الولايات المتحدة الأمريكية، بانضمامها إلى التحالف الدولي، وحذر مسئولون أمريكيون بأنهم لن يقدموا من جهتهم أي تنازلات بشأن البرنامج النووي الإيراني بهدف الحصول على تعاون حسن روحاني.

محاولات الصلح

ماجد تخت رافنشي
ماجد تخت رافنشي
في وقت سابق من هذا العام وبالتحديد في 28 من أبريل الماضي، ذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن وسايمون جاس، وهو دبلوماسيا بريطانيا كبيرًا، قام بزيارة قصيرة لطهران لإجراء محادثات مع مسؤولين بشأن العلاقات المتوترة بين البلدين والبرنامج النووي الإيراني. 
وفي وقت سابق قالت الوكالة إن طهران ولندن تتطلعان إلى عودة العلاقات الدبلوماسية بالكامل التي قطعت تقريبا بعد هجوم عام 2011 على السفارة البريطانية في العاصمة الإيرانية. 
وسايمون جاس هو أكبر دبلوماسي بريطاني يزور طهران منذ قطعت بريطانيا علاقاتها مع طهران عقب الهجوم على سفارتها.
ووقع الهجوم بسبب مزاعم بأن لندن دبرت احتجاجات حاشدة أعقبت إعادة انتخاب الرئيس الايراني في ذلك الوقت محمود أحمدي نجاد عام 2009، ونفت بريطانيا بقوة تلك المزاعم.
ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون الأوروبية ماجد تخت رافنشي قوله "ثمة احتمال برفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين طهران ولندن.
ويعتبر جاس مندوب لندن في المحادثات النووية السداسية مع طهران واجتمع مع اعضاء كبار في فريق التفاوض النووي الإيراني.

الخلاصة

روحاني والأسد
روحاني والأسد
بعد المحاولات المستميتة لعودة العلاقات من الجانب البريطاني، فمن المتوقع أن يؤدى ذلك إلى إعادة فتح السفارة البريطانية في طهران في وقت قريب، وقد أغلقت السفارة البريطانية في 2011 بعد أن تعرضت للتخريب على يد متظاهرين شيعة.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الوثيق لبريطانيا، ستبارك هذا اللقاء لمصلحتها الشخصية حتي تتمكن من تحقيق هدفها في التمركز العسكري في العراق الذى كان مرفوضًا من قبل إيران، عقب رفض الشيعة في العراق بالتدخل الخارجي في شئون البلاد، كما أنها ستحقق هدفها من فرض هيمنتها على سوريا وليس محاربة الإرهاب، وذلك حال تخلي إيران عن دعم الرئيس السوري بشار الأسد.

شارك