كبير الباحثين في مركز الدراسات الأمنية في زيورخ: "الاندماج في المجتمعات الغربية ليس علاجًا للتطرف"

الإثنين 11/أبريل/2016 - 03:41 م
طباعة كبير الباحثين في
 
التطرف الجهادي يزيد وينقص من دولة أوروبية إلى أخرى، وقد يلعب الاندماج والسياسة الخارجية والأصل العرقي- وعلى وجه الخصوص غياب الدعاة ذوي الشخصيات الكاريزمية المؤثرة- دورًا في الحد من هذه الظاهرة، كما هو الحال في سويسرا، وفق ما قال لورينتزو فيدينو، الخبير في شئون الإرهاب وكبير الباحثين في مركز الدراسات الأمنية في زيورخ في حوار مع موقع سويس انفو.
نص الحوار
بعد هجمات باريس، قال وزير الدفاع أولي ماورر بأنه لا يوجد سبب يدعو سويسرا إلى إعادة النظر في جهاز أمنها القومي، فهل هذا الموقف سليم، أم أن من المفروض تعزيز الاحتياطات؟
- إجابة معقولة، ذلك أن الأجهزة المعنية توقعت منذ أشهر حدوث سيناريو مماثل، والجميع كان يعلم بأن هجمات من هذا النوع سوف تحصل، ومنذ فترة، وأجهزة مكافحة الإرهاب السويسرية في حالة تأهب، وربما كان من غير المقبول أن يقول وزير الدفاع بأن علينا إعادة النظر في كامل الجهاز. 
ومع كون سويسرا مهددة، إلا أنها أقل بكثير من غيرها من الدول مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.

في عام 2009، وافق الناخبون السويسريون على مبادرة حظر بناء المآذن، ومنذ أقل من عام، ألقي القبض على ثلاثة عراقيين للاشتباه في تخطيطهم لتنفيذ هجوم في سويسرا، ألسنا نخادع نفسنا نوعا ما حينما نقول بأن سويسرا ليست هدفًا رئيسيًّا للإرهاب الإسلامي؟
- الأجهزة الأمنية شيء، وما هو في تصوّر الرأي العام شيء آخر، فجهاز الأمن على علم بوجود هذه الأفاعيل، أما بالنسبة للعراقيين، فإن الشيء الذي فاجأ الجميع تقريبا هو شخصية الأشخاص الثلاثة، لم يكونوا صبية تمّ توجيههم نحو التطرف، وإنما كان لثلاثتهم خلفيات عسكرية، وكانوا يحضّرون لعملية خطيرة، تختلف كثيرا عمّا رأيناه في أماكن أخرى.
أما على مستوى الرأي العام، فإلى حد ما هناك اعتقاد بأن سويسرا عبارة عن جزيرة هانئة، لكن كل ذلك مبني على أوهام.

كثيرًا ما أكدت الشرطة الفدرالية على أن سويسرا بمثابة قاعدة لوجستية للجريمة المنظمة، فهل يمكن قول نفس الشيء بالنسبة للحركات الجهادية؟
- لا أعتقد، لأن هذه الحركات أقل تنظيما من سابقتها، وربما كان هذا الشيء صحيحا قبل عشر سنوات ولعلّه لا يزال حتى الآن بالنسبة للمجموعات المنظّمة تنظيما جيدا. هذا النوع الجديد من الإرهاب، يضم جماعات صغيرة وكيانات مستقلة، ولا يدير مبالغ مالية كبيرة، وليس هو الإرهاب الذي كان في 11 سبتمبر، وكم هو المبلغ اللازم للقيام بعملية كالتي حصلت في باريس؟ بضع فرنكات.

كثيرا ما نقول في سويسرا بأن مخاطر الجنوح نحو التطرف قليلة بالمقارنة مع فرنسا، بسبب أن المسلمين أفضل اندماجا، فهل يكفي الاندماج للقضاء على التعصب؟
- قطعًا لا، والموضوع بحاجة بالتأكيد إلى أن يُناقش، وليس هناك توافق في الآراء حول العلاقة بين الاندماج والتطرف، وأنا شخصيا من ضمن أولئك الذين يعتقدون بأن العلاقة بينهما ضعيفة جدا، وهو ما يتضح من مجرد دراسة شخصية أولئك الذين يرتكبون الهجمات الإرهابية، فالاختلاف بينها شاسع، حيث منهم مَن يعيش على 
هامش المجتمع، ومنهم المندمج إلى حد كبير.
أتذكر دائمًا حكاية محمد خان، زعيم الأربعة الذين نفذوا تفجيرات لندن عام 2005، حصل على جائزة ليدز للاندماج النموذجي، والتقى بالملكة في قصر باكنغهام، وبعدها بعامين فجّر نفسه.
وفي معظم البلدان الأوروبية، و30٪ ممّن يذهبون إلى سوريا هم من المسلمين الجدد، وبالتالي، الحديث عن مشكلة الاندماج غير وارد، لكن قد توجد مشاكل اندماج في الشخصية، وهي أكثر نفسية منها اجتماعية أو اقتصادية، حيث يجد الشخص نفسه لسبب أو لآخر غير مرتاح في مجتمعاتنا، وإذا ما كان من سكان الضواحي، ومن عائلة ذات وضعية غير مستقرة ولديه مشاكل مدرسية، فمن الطبيعي أن يكون أكثر النزوع نحو التطرف، لكن، مع هذا هناك أيضًا العديد من طلاب الجامعات وشباب اعتنقوا الإسلام وشباب من عائلات محترمة.
للأسف، منذ زمن والتطرف يشكل جزءا من مجتمعنا، ولو رجعنا 40 سنة إلى الخلف، لوجدنا بأن منظمات، مثل الألوية الحمراء وفصيل الجيش الأحمر، كانت في معظمها من أبناء الطبقة المتوسطة العليا، الذين انضموا إليها لأسباب أيديولوجية بحتة، وليس بدافع اليأس، وإنما لهيام الشباب في سن العشرين بحب المغامرة وتكوين العصابات.

من خلال الدراسة التي أجريتموها حول التطرف، أشرتم إلى كون هذه الظاهرة "محدودة" في سويسرا بالمقارنة مع الدول الأوروبية الأخرى. فما هي الأسباب؟
- هناك أربعة أسباب، لكن لا يمكن الركون إلى أي منها. الاندماج هو أحد هذه الأسباب، ومن الواضح بأن عملية الإدماج ناجحة ومن الممكن أن تقلل من فرص التطرف، لكنها عامل مساعد وليست علاجا سحريا.
ومن ثم هناك السياسة الخارجية السويسرية، فليس لسويسرا قوات في العراق ولا في أفغانستان. مع ذلك، أنبّه إلى أنّي لا أقصد القول بأن الثلاثة الذين نفّذوا هجمات باريس تطرّفوا بسبب السياسة الخارجية الفرنسية.
وثالثًا، هناك الخلفية العرقية، ذلك أن 80٪ من مسلمي سويسرا هم من دول البلقان وتركيا، وهي مناطق الإسلام فيها معتدل وقليل التسييس. ومرة أخرى أؤكّد على أن المسألة هي أيضًا هنا نسبية، حيث أني عندما التقيت بتجمع السلفيين في سويسرا، وجدت بأنهم جميعا تقريبًا من البوسنيين والمقدونيين والكوسوفيين.
وأخيرًا، السبب الرابع، وهو الأهم في رأيي، وهو أن سويسرا، ربما من قبيل الصدفة أكثر من أي شيء آخر، لم يتواجد فيها مطلقا خلايا جهاديين تنقل عدواها إلى بعض شرائح المجتمع، وفي معظم الحالات، يكون المهاجمون من الصف الثاني، أي تلاميذ لبعض الجهاديين الغربيين الكبار، وفي باريس، كانوا صبية تابعين لجماعة جمال بقال [ملاحظة من المحرر: مسجون حاليا في فرنسا]، وفي سويسرا، لم توجد أبدا شخصيات كاريزمية مثل جمال بقال أو أبو حمزة في لندن، اللذان تمكنا في غضون عقد أو عقدين من تشكيل مجموعة من الأتباع حولهم.

يمر التطرّف عبر الإنترنت أكثر مما يمر عبر بعض المساجد، أليس كذلك؟
- الإنترنت يساعد بالتأكيد، ويقوي الرسالة، ولكن ليس معنى هذا أن الشخص يجلس أمام الكمبيوتر ويتطرف. الإنترنت يضاعف أنشطة الحياة الاعتيادية. وغالبا ما ينتقل التطرف عبر مجموعات صغيرة، قد تتعرّف على بعضها في المسجد، ثم يلتقون للعب كرة القدم، وبعدها يخرجون في رحلة ويذهبون معا لسماع درس ديني، وأخيرا، يتبادلون عبر شبكة الإنترنت وصلات لخطب نارية وفيديوهات وهلم جرا. الإنترنت يتيح فرصة الانغماس الكلي في عالم الجهاديين، ولكن، من النادر أن تتم عملية الاقناع بفكر التطرف عن طريق شبكة الإنترنت فقط.

ادّعى أحد الثلاثة القتلة في باريس بأنه ينتسب إلى تنظيم الدولة الإسلامية، بينما ادّعى الاثنان الآخران بأنهما ينتسبان إلى الفرع اليمني لتنظيم القاعدة، فما هي قراءتكم لتلك الادعاءات؟
- أولًا، اسمح لي أن أوضح بأنه من الصعب جدا تصديق ما يصرّح به إرهابي في شريط فيديو.
وهناك إلى حد ما هوس لدى الغربيين لمعرفة المجموعة التي تقف وراء الهجمات. وصحيح بأن هناك اختلاف وتنافس بين هاتين المجموعتين، لكن، هذا الأمر تعتني به القيادات، أما للجهادي الأوروبي فلا تهمه تلك المشاجرات بين الرءوس، وما يهمه هو المشاركة في القتال، ويذهب حيث قادته اتصالاته الصحيحة.
ويا ترى، لو اننا اكتشفنا بأن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية هو الذي يقف وراء الهجمات، فما الذي سيتغيّر؟ لن يكون مفاجئا لنا أن نكتشف بأن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية هو العدو، فهذا نعرفه منذ زمان. 

سؤال المليون دولار ... كيف يمكن محاربة هذا التطرف؟
- للأسف، ليس عندي ما أقول، فالأمر صعب جدا. هناك الجانب الامنى، من الممكن أن يُستخدَم في سويسرا بشكل أكثر صرامة نسبيا، وبالطبع، من دون أن يخلّ بالحريات المدنية.
غير أن أساس المشكلة ايديولوجي، فإذا اعتقلنا شخصا ثم نبَت لنا شخصان، فبالتأكيد أن المشكلة لن تنتهي.
ويمكن القيام بجهد ما على المستوى الديني، لكن الحكومات الغربية لا تمتلك كثيرا في هذا المجال، وإلا أمكن تعزيز المفاهيم الديمقراطية بعض الشيء.
أما على مستوى الأفراد، فيمكن تطوير نظام تدخلات لاجتثاث التطرف، وهذا معمول به في بعض الدول، كأن يُقرّب من الشخص مَن يُعتقد بقدرته على تخليصه من التطرف، ويمكن أن يكون أحد أقاربه أو الإمام. وهذا حل قد ينجح أحيانا دون أحيان.

شارك