في سعيه لمحو تراث العراق الحضاري.. "داعش" يدمر الكنيسة الخضراء.. أقدم كنيسة في الشرق

الخميس 25/سبتمبر/2014 - 11:25 م
طباعة في سعيه لمحو تراث
 
قامت عناصر تنظيم داعش الإرهابي بتفجير الكنيسة الخضراء داخل مجمع القصور الرئاسية وسط مدينة تكريت في محافظة صلاح الدين. 
وتعد "الكنيسة الخضراء" من أقدم وأكبر الكنائس في الشرق والعالم، حيث ذكرت الشرطة العراقية أن مسلحي تنظيم "داعش" نسفوا الكنيسة الخضراء الواقعة على جبل قمة تكريت الجنوبي، بمدينة تكريت، شمالي العاصمة العراقية بغداد.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن مصدر أمني قوله "أن المسلحين قاموا اليوم بنسف الكنيسة الخضراء، التي شيدت خلال المئة عام الأولى للميلاد، وهي من المعالم الأثرية داخل مجمع القصور الرئاسية على ضفاف نهر دجلة، وتضم ساحات مفتوحة ورسومات وتم نسفها بالكامل".
وكان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين قد أعاد ترميم الكنيسة عام 1994.
في سعيه لمحو تراث
ويسيطر تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلامياً باسم "داعش" منذ حزيران الماضي على مدينة تكريت، حيث لم تفلح عمليات عسكرية نفذتها قوات الجيش العراقي خلال الشهرين الماضيين في استعادتها.
وبجانب تكريت يسيطر داعش على مناطق واسعة في شمال وغرب العراق منذ سيطرته . على محافظة نينوى ومركزها الموصل شمال البلاد، ومنذ أن فرض سيطرته قام بحملة ضخمة من التطهير العرقي، وتدمير التراث الحضاري الإنساني للمسيحيين بالعراق، حيث قام التنظيم بتدمير أديرة مار متى ويونان النبى، وكنيسة مارافرام، وكنيسة ماربهنام وكنيسة مارافرام السريانى، واتخذها مقرًا لإقامة قادة التنظيم ودير وكنيسة العذراء مريم للراهبات، وغيرها من المواقع الأثرية التي تعود إلى القرون الأولى لنشأة المسيحية، والحافلة بالصور والأيقونات والمخطوطات الأثرية النادرة، وقد أدانت المؤسسات العالمية المهتمة بالتراث وعلى رأسها اليونسكو هذه الجرائم النكراء، فيما تواصل القوات العراقية عملياتها لاستعادة الأراضي التي سيطر عليها التنظيم المتطرف.
من جهة أخرى، أفادت مواقع إعلامية وصفحات اجتماعية بأن ما يسمى بـ"تنظيم الدولة الإسلامية" أقدم على تفخيخ وتفجير كنيسة "شهداء الأرمن" التاريخية، الواقعة في حي الرشدية بدير الزور، بعدما تمكن من السيطرة على أجزاء من الحي حيث تقع الكنيسة، مساء يوم الأحد الماضي.
وتمثل الكنيسة معلماً يذكر بـ"شهداء الأرمن" الذين سقطوا في القرن العشرين إبان الحكم العثماني، وتسعى  داعش لمحو هوية الموصل الثقافية وطمس معالمها وشواخصها ورموزها التراثية والإنسانية، حيث أقدم التنظيم على تدمير ثلاثة تماثيل في وسط المدينة، ويعود أحد تلك التماثيل للشاعر العربي العباسي أبي تمام حبيب بن أوس الطائي (803 - 845 م)، وهو من أعمال النحات البصري نداء كاظم وقد أنجزه عام 1970. 
وأقدمت داعش على إزالة تمثالين للنحات الموصلي فوزي اسماعيل، الأول للموسيقي والملحن العراقي الملا عثمان الموصلي (1854- 1923 م) والذي أنجزه عام 1969، والثاني تمثال "فتاة الربيع" المنجز عام 1975، كما أكد الدكتور قاسم السوداني،  مدير العلاقات العامة والإعلام بوزارة الثقافة في بيان له جاء فيه: "إن الإرهابيين اعتدوا على دور قديمة للعبادة في الموصل، وكان من بينها جامع النبي يونس ومرقد النبي شيت وعدد من الكنائس والأديرة التي يعود تاريخ إنشائها لعدة قرون مضت". 
وقام مسلحو التنظيم بهدم ونبش قبر العالم والمؤرخ الموصلي عز الدين أبي الحسن الجزري المعروف بـ "ابن الأثير الجزري" (1160- 1233م)، وقد عاصر الجزري دولة صلاح الدين الأيوبي، ورصد أحداثه في كتابه "الكامل في التاريخ" وهو ما يعد مرجعا لهذه الفترة من التاريخ الإسلامي، وفقا للسوداني، وأضاف أن داعش دمرت أيضا قبر "البنت" الكائن في باب سنجار الذي يعود تاريخه لأكثر من 200 سنة، وكان مزارًا للسائحين وللموصليين. 
ومن جانبه قال رئيس لجنة الآثار البرلمانية بكر حمه صديق، إن "داعش تنظيم إرهابي ودموي ليس له أي مشروع ثقافي أو إنساني، وهو يمارس العنف ضد كل شيء في المحيط أو البيئة التي يستقر فيها"، مضيفًا "بالتالي من غير المستغرب أن يقوم بحرق وتدمير أي معالم أو شواهد فنية وأثرية وتراثية" 

في سعيه لمحو تراث
واعتبر أن هؤلاء العناصر "ينظرون للموجودات الحضارية والتاريخية والأعمال الفنية على أنها مخالفة للدين وينبغي التخلص منها"، ودعا إلى "اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تخريب ونهب الآثار من قبل داعش والحفاظ على الموروث الثقافي للشعب العراقي". 
وأكد عباس القريشي، مدير استرداد الآثار بوازرة الثقافة العراقية عن وجود معلومات مؤكدة حول وقوع، أعمال نبش عشوائي وسرقة لمواقع أثرية في نينوى"، وأضاف "كما وردتنا أفلام وصور عن عمليات تهريب منظمة لقطع أثرية كبيرة على متن شاحنات"، وكانت نينوي القديمة العاصمة الأشهر للآشوريين، وهي تضم اليوم مواقع أثرية تعود للحقبة الآشورية من القرن الحادي عشر وإلى 611 قبل الميلاد، وأهمها مدينة كالح التاريخية أو "نمرود" التي بناها الملك آشور ناصربال (885-860 ق.م)، واشتهرت المحافظة بأطلال مملكة الحضر التاريخية أو "عربايا" التي تأسست في القرن الثاني قبل الميلاد واشتهرت بفنها المعماري وصناعتها. وقد حكمها أربعة ملوك أبرزهم سنطروق الأول (165- 190 م) الملقب بـ "ملك العرب". 
وأكد القريشي أن "المعالم الأثرية في الحضر والنمرود وغيرها من المواقع كلها اليوم مهددة من قبل عصابات داعش ومهربي الآثار، قائلًا: "على العالم التحرك سريعا لمساعدتنا على حماية الإرث الحضاري والإنساني لبلاد ما بين النهرين". 
كان العراق قبل سنة 1258 أي قبل غزو المغول لها مختلفًا جداً عن عراق الحاضر، اعتمدت أنظمة الزراعة على شبكة ري عمرها آلاف السنين. كانت بغداد من أفضل المراكز الفكرية بالعالم. و تدمير المغول لبغداد كانت ضربة معنوية للإسلام بحيث من القوة لم تسترد عافيتها، الإسلام تحول فكريًا وازدادت الصراعات ما بين الدين والفكر، وأصبح الدين أكثر تحفظاً. باستباحة بغداد ذبل النشاط الفكري، إن أثينا بمجدها قد أُزيلت ومحيت بقنبلة نووية، فلنتخيل فداحة الضربة، ملأ المغول قنوات الري وأفرغوا العراق من السكان، فقد جرفوا كل ما بالمدينة كأنهم جوارح جائعة تنهش أي طير أمامهم، أو كذئاب مسعورة تهاجم الخراف اطلق لهم العنان وبوقاحة، نشروا الموت والرعب، الأسرة والوسائد المصنوعة من الذهب والملبسة بالجواهر قد قطعت بالسكاكين إلى اجزاء وقطع صغيرة. هؤلاء الذين تستروا خلف لباس الحريم سحبوا على الأرض خلال الشوارع والأزقة حتى أضحوا أُلعوبة.. حتى مات الناس بين يدي الغزاة.
وأُصيب الناس في هذه السنة بالشام وباء شديد، وذكروا أن سبب ذلك من فساد الهواء والجو، فسد من كثرة القتلى ببلاد العراق، وانتشر حتى تعدى إلى بلاد الشام. 
هكذا وصف المؤرخون دخول التتار لبغداد وتدميرها، حتى أنهم دمروا بيت الحكمة الذي كان يحتوي على عدد غير محدود من الوثائق والكتب التاريخية النفيسة من المواضيع التي تحتوي من الطب إلى الفلك وجميعها دمر، الناجون من البشر يقولون إن دجلة كان لونه أسود من الحبر بسبب الكميات الهائلة من الكتب المرمية بالنهر، كذلك فقد بلغ عدد القتلى حوالي 90,000عند بعض التقديرات ولكن تقديرات أخرى أعطت أعدادًا أكبر بكثير من هذا الرقم، أي من 200,000 إلى المليون أو المليوني شخص، حتى أن هولاكو اضطر إلى نقل مخيمه عكس الريح عن المدينة بسبب رائحة الموت والدمار الذي ينبعث منها. 
أما عن المساجد والقصور والمكتبات والمستشفيات فقد نهبت ثم دمرت الأبنية الكبيرة التي كانت تعمل لأجيال ثم أحرقت ثم سويت بالأرض. 

سلفي يصف داعش بمغول العصر الحديث

سلفي يصف داعش بمغول
قال الداعية السلفي محمد الأباصيري إن قيام تنظيم داعش بتفجير قبر النبي يونس "عليه السلام" إن هذا التنظيم لا يمت للإسلام بصلة، فالدين الحنيف بريء من هذه الأعمال الإجرامية، وأضاف أن أفعالهم هذه تبث بما لا يدع مجالًا للشك، أن هؤلاء هم التتار الجدد الذي يستلهمون أفعال وأرواح المغول الأولين الكافرين من تدميرٍ لبلاد الإسلام والمسلمين، ومحاولة القضاء على حضارتهم ومن تلويثٍ لنهري دجلة والفرات بدماء المسلمين وأهل ذمتهم. 

داعش أسوأ من التتار

داعش أسوأ من التتار
وصف بطريرك أكبر كنيسة في العراق،  متشددي ما يسمى بُهتانًا بـ"تنظيم الدولة الإسلامية"، والذين أجبروا المسيحيين على مغادرة مدينة الموصل بأنهم أسوأ من قائد المغول جنكيز خان وحفيده هولاكو اللذين نهبا وخربا بغداد في العصور الوسطى. 
وقاد بطريرك الكلدان الكاثوليك لويس روفائيل ساكو موجة إدانة لمتشددي "داعش" الذين خيروا المسيحيين بين "اعتناق الإسلام" أو دفع الجزية أو مواجهة الموت بحد السيف، الأمر الذى دعاه لمطالبة اليونسيكو بالتحرك لحماية التراث الإنسانى والحضاري للمسيحيين، الذي أوشك على النفاد بالعراق.
وقد عبرت عالمة الآثار الألمانية "زيمونه مول"، التي عملت على مدى سنوات طويلة في العراق عن خشيتها من أن ما يقع الآن في العراق لا يشكل إلا بداية لأحداث محزنة في المستقبل، ولذلك فهي تنشر في صفحها على موقع فيسبوك معلومات عن الآثار المهددة في العراق، خصوصا مع إعلان تنظيم داعش بالعمل على تدمير 18 كنزا ثقافيا في البلاد، وبغض النظر عن ذلك، فهناك مجموعة أخرى من الكنوز الثقافية المهددة بالدمار بسبب الاشتباكات المسلحة القائمة. 

جزء من التراث الثقافي العالمي مهدد

جزء من التراث الثقافي
في منطقة الموصل مواقع أثرية كثيرة، يقدر عددها بحوالي 1800 موقع أثري، بعضها يعود إلى سبعة آلاف عام مضت، ومن أبرز المناطق الأثرية هناك نينوى القريبة من الموصل، وتعود بقايا أحد القصور فيها إلى عهد الملك سنحاريب، حيث يعتبر من أشهر الحكام الآشوريين، ويقال إن هناك تم إنشاء حدائق بابل المعلقة التي تعد من عجائب الدنيا السبع، ويوجد قرب نينوى مسجد دفنت فيه بقايا عظام أحد الأنبياء، وأنه تم تدمير المسجد من طرف مقاتلي داعش. 
وعبرت الباحثة في علم الآثار زيمونه مول عن اعتقادها أن أعمال التدمير هذه تشكل جزءا من إستراتيجية شاملة، حيث إن تنظيم داعش "لا يريد إبادة أديان أخرى فقط، بل أيضا القضاء على الهوية الثقافية للناس، وأفادت منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة وجود دوافع أخرى خلف ما يقوم به تنظيم داعش من خلال التدمير، كما اتضح ذلك في سوريا، حيث إن التنظيم استفاد مما نهبه هناك عبر بيع التحف المسروقة. فبعد الاستيلاء على مدينة الرقة مثلا قام مقاتلو التنظيم بسرقة التحف المعروضة في متحف المدينة. ورغم ظهور بعض هذه التحف الثمينة في الأسواق السوداء، فلازالت أكثر القطع الأثرية مختفية. ونشرت صحيفة غارديان البريطانية تقريرا جاء فيه أن تنظيم داعش حصل على حوالي 36 مليون دولار أمريكي من مبيعات الكنوز الأثرية التي سرقها مقاتلوها في منطقة جبل القلمون وحدها. 

داعش وتفجير المقدسات

داعش وتفجير المقدسات
تتعرض المقدسات الدينية في العراق، للهجوم على أيدي المسلحين المتشددين، في إطار مساعيهم لتأسيس دولة الخلافة، التي يعتبرونها النموذج الوحيد المقبول للإسلام، ما يثير المخاوف من أن المتشددين لا يدفعون الطوائف الأخرى للهروب من العراق فحسب، ولكن يؤدي أيضًا إلى تدمير التراث الثقافي للعراق، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية. 
فقد فجر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، مرقد النبي يونس في مدينة الموصل العراقية الشمالية عاصمة محافظة نينوي المبنى قبل 1300 عام، وسط استياء شعبي واسع من سكان المدينة، حيث وصف ائتلاف النجيفي هذه الأعمال بأنها منهج أهوج لعصابات مسلحة. 
وقال عمر إبراهيم، طبيب أسنان سني في الموصل: "حولوا مسجد النبي يونس إلى رمال، إضافة إلى مزارات دينية أخرى، لكن مسجد النبي يونس هو شيء مختلف، لأنه كان بمثابة رمز مقدس في الموصل، وبكينا بدمائنا على تدميره".ويقع مسجد النبي يونس في وسط الموصل، وهو جامع تاريخي يقع على السفح الغربي من تل التوبة، ويقصده السياح والزائرون من كل مكان، حتى أن القدماء من سكان المدينة يقولون إنه كان محطة أساسية للحجاج الأتراك عندما يقصدون مكة عن طريق الموصل. 
ولم يكن تفجير مسجد النبي يونس هو الأول من نوعه، إذ يقدم تنظيم داعش بالتهجم على المقدسات الدينية الأخرى، حيث شهدت الموصل خلال الأيام الماضية تفجير عدد من الأضرحة الدينية، مثل تفجير مرقد النبي دانيال والإمام يحيى أبو القاسم بمنطقة الشفاء غربي الموصل. 
وشهدت أيضًا مدينة الموصل منذ أيام تفجير مرقد الإمام السلطان عبد الله بن عاصم، بعدد من العبوات الناسفة جنوب شرق الموصل، بما يمحو جزءًا مقدسًا من التراث العراقي.

شارك