عبد الحكيم بلحاج ... الجهادي الغامض

السبت 27/سبتمبر/2014 - 08:20 م
طباعة عبد الحكيم بلحاج
 
ما إن اقتربت جحافل الميليشيات من باب العزيزية حتى سمع العقيد القذافي أصوات دانات الهاون تتساقط بجانبه مدوية.. ذهل القذافي عندما علم أن القائد الذي يدك حصونه المنيعة هو عبد الحكيم بلحاج الذي أخرجه بيده من السجن ظنا منه أنه قضى على ظاهر الأفغان الليبيين وأن زعيمهم بلحاج قد تاب وأناب.
بصوته الهادئ ولحية سوداء وخطاب معتدل جلس هذا الرجل بجوار سيف الإسلام القذافي يتحدث عن نبذ جماعته لأفكار التكفير التي عششت فيها حين من الدهر... لم يَتْلُ نظام القذافي في تلك الجلسة الآية الكريمة {وما تخفى الصدور}. 
عبد الحكيم بلحاج
كانت المعارك القديمة التي خاضها  في جبال كابول والجبل الأخضر  ما زالت تتراقص أمام عينيه وما زال دوي المدافع يطن في أذنه وتشتم أنفه رائحة دماء رفقائه القتلى من المقاتلة الليبية تزكم أنفه.. خمسة عشر  عاما من التجارب الدامية.. لم تذهب هكذا سدى.
خرج الرجل من ردهات السجون ليغرق في عالم سري، مع أتباعه الجهاديين، ما زال حلم قيادة إمارة إسلامية يراوده.. منذ بدء نشاطه في جامعة طرابلس في مطلع الثمانينيات.
بعد دخوله باب العزيزية ظهر  بلحاج بوجه هادئ وحديث متعقل لا يعكس صورة رجل خطط للتخلص من القذافي طيلة عقدين من الزمان، وقاتل مع المجاهدين الأفغان واختبأ في إيران وطاف في الكثير من الدول. ونفى الرجل أمام الرأي العام العالمي المتوجس ريبة أي علاقة له بتنظيم القاعدة.. تبدو  خطة قديمة جديدة حتى تحين لحظة التمكين.
محمد فايز جبريل ممثل المؤتمر الوطني الليبي، يكشف سر حديث بلحاج المتعقل فيقول: "من يُرِد تصدر المشهد السياسي لهذه الثورة يجد نفسه من الضروري أن يتحدث بلغة الاعتدال حتى يلقى قبولا في الداخل والخارج. حتى بالنسبة إلى مصر، في ثورة 25 يناير لم يكن أحد يستطيع أن يقول من بدايتها (إسلامية إسلامية)؛ لأن هذا لم يكن مقبولا في بداية قيام الثورة وأثناء تفجرها".
عاد وعادت معه ميليشيات القاعدة لتسيطر على ليبيا .. حتى بات مرشحا لتولي منصب وزارة الداخلية الليبية... إنه رجل القاعدة عبد الحكيم بلحاج.

النشأة

أنور السادات
أنور السادات
في أواخر الستينيات كانت السيدات العجائز يتساءلن عما إذا كان هذا الصبي ذو الملامح البريئة قادرا على معرفة كم بلدا في هذه الدنيا.. كان الولد الصغير يصعد أعلى سطح المنزل ليحصي عدد البيوت دون أن يصل إلى آخرها.. هذا ما يتذكره محمد سعيد لاموها، ابن سوق الجمعة بطرابلس الذي كان يجاور أسرة بلحاج قبل أن يكبر الطفل بذكريات عن فظائع نظاما القذافي.
ولد عبد الحكيم الخويلدي بالحاج في 1 مايو 1966 في سوق الجمعة، طرابلس حيث ترجع عائلته لتلك المنطقة (أولاد الحاج).
منذ مطلع الثمانينيات بدأ بلحاج نشاطه كإسلامي متشدد، في خلايا صغيرة في الجامعة، متأثرا بـموجة تدين طغت على العالم العربي في أعقاب الهزيمة على يد إسرائيل عام 1967.
مثل ملايين من الطلاب العرب بالمدارس الثانوية، تابع بلحاج في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات خطب شيوخ السلفية والحركات الإسلامية المعارضة للرئيس المصري الأسبق أنور السادات.

العمل السري

عوض الزواوي
عوض الزواوي
في مطلع الثمانينيات كان بلحاج ينظر حوله للشبان الليبيين وهم يغرسون بذورا لجماعات إسلامية واحدة بقيادة عوض الزواوي وأخرى بزعامة القيادي علي العشبي... كان جوا مرعبا ..وعاش بلحاج هذه التجربة مما يراه ويسمعه ويقرؤه عن قضايا محلية وإقليمية ودولية عن فلسطين وأفغانستان وأمريكا وإسرائيل وموسكو الشيوعية، حتى قبل أن يبلغ الثامنة عشرة. فبدأ يدرك أن العالم أكبر بكثير من المباني المنتشرة حول منزل أسرته.
حين ظهر بلحاج بنظراته الخجولة على الملأ في باب العزيزية منتصرا، بدأ العالم على الفور التفتيش في أوراقه القديمة بداية من خروجه عام 1988 من ليبيا وانخراطه في "الجماعة الإسلامية المقاتلة" التي خططت للقضاء على حكم القذافي باعتباره مخالفا للدين ولا يحكم بحكم الإسلام.
قاتل بلحاج الروس في كابل أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وكان الشبان الليبيون يتداولون قصص المجاهدين الليبيين هناك، الذي كان يقدر عددهم بنحو ألفين وخمسمائة مقاتل. ورغم الإعدامات للناشطين المعارضين للكتاب الأخضر من مختلف التوجهات داخل ليبيا، فإن الشبان المتحمسين تمكنوا من استلهام تجربة المجاهدين العرب الذين كانت تصورهم وسائل الإعلام باعتبارهم أبطالا يكافحون ضد "الشيوعيين والملحدين"
على هذه الأرضية الخطرة، وبينما كان بلحاج ما زال على جبهة الجهاد في الجبال الأفغانية، تأسست حركات إسلامية جهادية صغيرة لكنها متعددة تشبه ما كان في مصر من جماعات تكفر الحاكم وتدعو للخروج عليه، منها حركة الشهداء الإسلامية عام 1989، وبدأ بعض أثرياء ليبيا الفارين من نظام القذافي يشجعون مثل هذه الحركات ويمولونها.

الذهاب إلى بلاد الأفغان

عبدالله عزام
عبدالله عزام
سحق القذافي هذه الحركات بلا رحمة في عمليات مطاردة ودهم استمرت في 1989، وفجرت خلالها عدة بيوت على رأس أصحابها. كانت الأخبار تطير إلى بلحاج في أفغانستان عن اعتقالات وقتل عشرات آخرين، بعضهم ما زال مصيره مجهولا... شحذ وجدان بلحاج.. ففكر ودبر.. واعتقد رجال الاستخبارات وقادة اللجان الثورية أن مهمة القضاء على خطر المتشددين الإسلاميين قد نجحت.
من أفغانستان توجه بلحاج عبر الحدود إلى باكستان ثم تركيا، محملا بتجارب في فنون القتال اكتسبها من قادة ميدانيين ، منهم أسامة بن لادن وعبد الله عزام وحكمتيار وسياف ورباني... انتقل بعدها إلى السودان بحدودها المتاخمة لليبيا، حيث دروب المهربين والانفصاليين، ومنها عاد إلى بيته متخفيا عام 1994.
أدركت السلطات الأمنية الليبية أن العشرات من الليبيين الأفغان تمكنوا من التسلل ودخول البلاد. وسريعا ما تبينت السلطات أن محاولة القضاء على الإسلاميين المتشددين في 1989 رغم قسوتها وشدتها "لم تكن إلا عملية دهس للذيل لا الرأس". 
ولدى عودته من أفغانستان اختبأ لدى جماعة شبابية تكفيرية كانت مفتونة بأخبار انتصارات المجاهدين في أفغانستان... وتم الاتفاق في لقاءات بالجبل الأخضر وفي أحواش "الإخوة" ببنغازي على القيام بعملية كبيرة انتقاما من القذافي.
في دولة محكومة بالحديد والنار كان مشهد القصر الذي بني فجأة عام 1994 على طريق مدخل بنغازي، لافتا لانتباه العابرين من ذلك الطريق، فما بالك بأجهزة القذافي؟ قصر بناه رجل ثري من الليبيين يدعى "بو الرايقة" وأنشأ فيه مسجدا، وبينما كانت السلطات تراقب وتتنصت، كان الجهاديون الذين يترددون على القصر، ومنهم كوادر بالجماعة الإسلامية المقاتلة؛ قد أصبحوا- دون أن يدروا- تحت أعين الاستخبارات والأمن الداخلي واللجان الثورية وغيرها من الأجهزة الأمنية... طوق القصر وفجر بالديناميت وسوي بالتراب.. ساد الهدوء بعد مذبحة سجن أبو سليم التي قتل فيها نحو ألفي سجين غالبيتهم من التكفيريين بعد أن حاولوا السيطرة على السجن والهروب الكبير..
وللمرة الرابعة تشعر السلطات الليبية أنها استراحت من هذه الجماعات، حيث قال القذافي في سنة 1999: إن «الأفغان العرب الذين دربتهم أمريكا على القتل وزرع القنابل تم القضاء عليهم.. معظمهم قتل أو اعتقل».

بلحاج تائبا

الشيخ علي الصلابي
الشيخ علي الصلابي
بقي قابعاً في سجن أبو سليم بطرابلس حتى عام 2010، عقب إجرائه مع مجموعة من «إخوانه» مراجعات لتصحيح الفكر الجهادي بدأت عام 2008. مراجعات صدرت بعنوان "دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس" تقع في 414 صفحة. وأدت هذه المراجعات دوراً في إقناع العقيد بـ"توبة" المجموعة التي كانت تضم أيضاً الداعية المعارض للقذافي الشيخ علي الصلابي، فأفرج عنه مع 214 من سجناء "أبو سليم" في بادرة غير مسبوقة في تاريخ القذافي.
إلا أن هذه المراجعات التي تدحض الفكر السلفي الجهادي السابق، جعلته عرضة للانتقاد اللاذع من جماعات جهادية وإسلامية أخرى، اتهمته بالركون إلى الاستسلام ونسيان ظلامات رفاقه في السجون. لكن الفرصة المواتية أتت إلى القيادي العسكري، فانخرط في صفوف الثورة الليبية إلى جانب مواطنيه من مشارب وتيارات مختلفة جمعها الرفض للظلم والعداء لنظام قابع على صدور الشعب الليبي منذ 42 عاماً. وأتته فرصة تسلمه قيادة المجلس العسكري للثوار على طبق من ذهب، ليخوض أشرس المعارك في شرق ليبيا وغربها ضد حامية النظام.
لم يكن بلحاج الإسلامي الوحيد في صفوف الثورة الليبية الحديثة، فقد انضم معه نحو 100 عنصر، فيما تقول مصادر أخرى 800 عنصر من «الجماعة المقاتلة» إلى انتفاضة 17 شباط. وبذلك، تمكن «عبد الله الصادق» من تحقيق حلمه بقضاء عيد الفطر في طرابلس.

اغتيال شكري بلعيد

شكري بلعيد
شكري بلعيد
وجهت أصابع الاتهام في قضية مقتل المعارض التونسي شكري بلعيد إلى عبد الحكيم بلحاج، بعد تقارير مخابراتية كشفت عن أن "أبو أنس الليبي"، الذي اختطفته القوات الأمريكية، من فوق الأراضي الليبية، قد اعترف بتورط بلحاج في عملية الاغتيال.
سارع بلحاج إلى نفي صلته باغتيال بلعيد عبر مجموعة من التغريدات على شبكة التواصل الاجتماعي "تويتر" مؤكدا على أنه لا يعرف الشهيد شكري بلعيد، ولم يدعُ قطّ إلى اغتيال الناس الأبرياء حسب قوله.
كما نفى بلحاج الاتهامات التي وجّهت اليه من قبل الطيب العقيلي عضو  المبادرة  الوطنية  للكشف عن اغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي، خلال الندوة الصحفية التي عقدها في أكتوبر 2013، منتقدا الإعلام التونسي الذي قال إنه لم يكلّف نفسه عناء الاتصال به للاستفسار والتحري والتثبت من التهم المنسوبة إليه.
وأعلن الرئيس السابق للمجلس العسكري في طرابلس أنه سيتوجه إلى القضاء لتتبع كل الذين اتهموه بالضلوع في بعض الأعمال الإرهابية التي شهدتها تونس خلال الأشهر الماضية.
وقال في نفس السياق إنّه لا علاقة تربطه بتنظيم أنصار الشريعة الذي صنّفته وزارة الداخلية كتنظيم إرهابي، مضيفا أنه لم يلتق مطلقا بزعيم التنظيم سيف الله بن حسين المكنى بـ "أبو عياض" على حد قوله. 
كما استغرب عبد الحكيم بلحاج اتهامه بالتعامل مع "أبو عياض" في ليبيا وتوفير العتاد والوسائل اللوجستية له للقيام بأعمال إرهابية في تونس، مؤكدا أنه ضد كل ما تدعو إليه جماعة أنصار الشريعة من وسائل وأفكار ومنهج.

اعتذار أمريكي بريطاني

أوباما
أوباما
لم يقف "بلحاج" عند هذا الحد بل طالب الولايات المتحدة وبريطانيا بتقديم اعتذار له بعد أن بينت وثائق- تم ضبطها- أن البلدين تورطا في خطة أدت إلى اعتقاله وتعذيبه في سجون نظام معمر القذافي. وبينت وثائق تابعة لجهاز استخبارات الليبي أن وكالة المخابرات الأمريكية اعتقلت عبد الحكيم بلحاج في بانكوك في 2004، ورحلته قسرا إلى ليبيا، حيث سجن في سجن أبو سليم لسبع سنوات، وأكد بلحاج أنه تعرض أثناء اعتقاله للاستجواب على أيدي ضباط استخبارات بريطانيين.
وقال بلحاج لمحطة بي بي سي: «ما حصل لي كان غير قانوني ويستحق الاعتذار»، وأضاف لصحيفة الجارديان البريطانية، أنه يفكر في مقاضاة الحكومتين البريطانية والأمريكية، مضيفا: «لقد حقنوني بمادة ما، ثم علقوني من ذراعي وقدمي ووضعوني داخل صندوق ممتلئ بالثلج، لم يتركوني أنام، وكان هناك ضجيج كل الوقت، لقد تعرضت للتعذيب بشكل مستمر»، مؤكدا في الوقت نفسه أن «هذه الوثائق لن تؤثر على إقامة علاقات عادية مع الولايات المتحدة وبريطانيا».

صناعة قطرية

امير قطر
امير قطر
وفيما يحاول بلحاج أن يقدم نفسه كأحد قواد معركة "تحرير طرابلس"، فإن مراقبين قالوا إن دوره كان ثانويا ليس إلا، وإنه كان ينفذ أجندات قطرية تهدف إلى استقطاب أكثر ما يمكن من الميليشيات لتكون ورقة بيد الدوحة في ليبيا ما بعد القذافي.
وقال المراقبون: إن بلحاج فشل في أن يحقق الهدف القطري، وهو تشكيل حكومة ذات خلفية إسلامية، ولم يفلح تنسيقه مع الإخوان والمجموعات المتشددة المختلفة أن يسيطروا على ليبيا الجديدة التي اختارت عبر الانتخابات رموز التيار الوطني المعتدل.
وما إن فشل الحلم القطري بالسيطرة على مفاصل ليبيا الجديدة حتى تخلت الدوحة عن بلحاج كورقة أساسية؛ ما اضطره إلى تشكيل حزب سياسي بلا تأثير.
واتهم محمود جبريل، رئيس الوزراء الليبي السابق، أن قطر ساعدت الثورة الليبية، لكنه لاحظ أنها عملت منذ البداية في خطين متوازيين، وأن تيار الإسلام السياسي كان حليفها الأول. وروى سلسلة من الوقائع تؤكد في نظره أن الدوحة سعت منذ البداية إلى تنصيب عبد الحكيم بلحاج ،الأمير السابق للجماعة الإسلامية المقاتلة، قائداً لثوار ليبيا، وأن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير قطر السابق، عارض علناً جمع السلاح من أيدي الثوار.
وكشف جبريل أن الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، استدعاه على عجل بعدما طالت المواجهات العسكرية للنظر في مشروع حمله بشير صالح، مدير مكتب القذافي، وأن رئيس الوزراء القطري السابق، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، شجعه أيضاً على النظر فيه.
وينص المشروع على تنحي القذافي على أن يقيم في ليبيا تحت حراسة فرنسية، وأن يتولى جبريل الرئاسة لأربع سنوات يسمح بعدها لسيف الإسلام نجل القذافي بالترشح للرئاسة. وأكد جبريل أنه رفض المشروع بعد التشاور مع زملائه.
كما هاجم العقيد محمد الحجازي، الناطق الرسمي باسم قوات اللواء المتعاقد خليفة حفتر، خلال مؤتمر صحفي عقده بمدينة بنغازي، كلا من رئيس حزب الوطن الليبي، عبد الحكيم بلحاج، ووكيل وزارة الدفاع، خالد الشريف، وعضو البرلمان، عبد الوهاب القايد، ورئيس حزب العدالة والبناء، محمد صوان، قائلاً إنهم "بيادق أجهزة المخابرات القطرية والتركية".

شخصية بارزة ودور غامض

شخصية بارزة ودور
لم يستطع  بلحاج التجرد من "قميص المجاهد" وظل محكوما بتجربته الجهادية الطويلة وسجله كقائد للمجلس العسكري للثوار في ليبيا إبان "الثورة" مما أسهم في عجزه عن أن يمتهن "السياسة" وينجح فيها، رغم إنشائه لحزب سياسي هو حزب الوطن الحر ذو المرجعية الإسلامية بمعية "إخوانه" من الثائرين لأجل إقامة حكم الله في الأرض فكانت أولى خطوات الرّجل الذي بزغ نجمه إعلاميا مع سقوط أسوار باب العزيزية، متعثرة حيث تمكن بالكاد من الحفاظ على حزبه قائما بعد أن فشل في الحصول على أيّ مقعد من المقاعد 200 للمؤتمر الوطني الليبي، بل إنه عجز عن الظفر لنفسه بمقعد في دائرة سوق الجمعة بطرابلس في انتخابات 2012. وقد أعاد بعض المهتمين بالشأن الليبي هذا الفشل إلى الاتهامات الموجهة إلى بالحاج بالضلوع في اغتيال الجنرال عبد الفتاح يونس رئيس أركان جيش التحرير الوطني الليبي خلال ثورة 17 فبراير.
الصدمة التي تلقاها عبد الحكيم بالحاج من نتائج الانتخابات التي علّق عليها آمالا كثيرة سبق، وإن أعرب عنها في كلمة له ألقاها في مؤتمر حركة النهضة 9 شدّد فيها على أن "التيارات الإسلامية" فازت بالانتخابات وأنها ستمد يدها لحركة النهضة من أجل "مشروع النهضة الإسلامية"، لكن خلافا لتلك "الأماني" تصدر تحالف القوى الوطنية -ذو الخلفية الليبرالية- المشهد الانتخابي.
الانطلاقة السياسية المتعثرة لأمير «الجماعة الليبية المقاتلة» عبد الحكم بالحاج نجم عنها انسحابه التدريجي من المشهد الليبي العام ليخير الاختفاء والاكتفاء بالاعتماد على ممثلين له في كل المناسبات والمحطات السياسية الفاصلة في الواقع الليبي، ومنها قضية العزل السياسي التي خير بالحاج أن يتولى ممثل حزبه في مدينة بنغازي إدارة الملف والتفاوض باسمه.
لكن ما يشهد به للرجل انه استطاع الحفاظ لنفسه على مكان في المشهد السياسي الليبي رغم كل عثراته و«غموضه»، التي خفف ماضيه من حدّتها وتبعاتها. فإن فشل بالحاج في الظفر بمقعد في المؤتمر الوطني الليبي فانه ظلّ مقدما في صفوف التيارات السياسية الإسلامية ومحترما من قبل التيارات السلفية بشقيها الدعوي والجهادي، سواء في ليبيا أو خارجها.
فالعلاقات التي يتمتع بها الرجل مع التنظيمات الجهادية زادته ثباتا مع انخراطه في عمليات تسفير الشباب السلفي إلى سوريا وإشرافه على تدريبات المجاهدين قبل إرسالهم، وتورط عبد الحكيم بالحاج في الملف السوري برز منذ بداية المواجهات المسلحة بين القوات النظامية و"الثوار" حيث رصد ساعده الأيمن المهدي الحاراتي.
كما اعترف سالم دربي مؤسس كتيبة شهداء أبوسليم درنة الليبية، أن بعض المقاتلين الذين أسهموا فى إسقاط نظام معمر القذافي- يشاركون ضمن صفوف المعارضة السورية فى حربها ضد القوات الحكومية السورية بهدف إسقاط الرئيس السورى بشار الأسد.

بلحاج وأنصار الشريعة

بلحاج وأنصار الشريعة
تغيير ولاء عبد الحكيم بالحاج وانتقاله من صفوف السلفية الجهادية الى حركة الإخوان وتبنيه لعدد من مقولات "شيوخ" هذا التيار لم يمنع الرجل من الحفاظ على صلاته ببقية التنظيمات الجهادية، إذ أبقى على أواصر الود قائمة مع تنظيم انصار الشريعة بليبيا المؤسس حديثا والذي ضم في صفوفه عددا «محترما» من أعضاء «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة».
التاريخ المشترك والقتال في صف واحد مع أبرز قادة تنظيم أنصار الشريعة بليبيا ليس هو القاسم المشترك الوحيد الجامع بينها وبين عبد الحكيم بالحاج، فأبو عبد الله الصادق يسعى كما يسعى محمد علي الزهاي أمير التنظيم الى الاحتكام للشريعة الإسلامية في ليبيا.
 استفادة عبد الحكيم بالحاج من علاقته بأنصار الشريعة والتعاون معها في الملف السوري كانت لها ضريبتها، فعلاقة الرجل «الأكثر» نفوذا في طرابلس بالتنظيم ولّدت ضغوطا عليه وقضت على حظوظه في تقلد منصب وزير الداخلية في حكومة عبد الرحمن الكيب السابقة؛ مما دفع به إلى إعلان «القطيعة» مع إخوة الأمس.
ولئن لم ينكر عبد الحكيم بالحاج علاقته بجهاديي ليبييا فإنه ينكر بشدّة وينفي أن تكون له أيّ علاقة بتنظيم أنصار الشريعة بتونس المصنف كتنظيم إرهابي، بل إن الرجل أنكر معرفته بسيف الله بن حسين المكنى بـ«أبو عياض» رغم أن الاثنين كانا في السودان وفي أفغانستان في ذات الفترة، وقاتلا من أجل نفس القضية مرات عدة منها وقوفهما في نفس الصف في «الثورة» السورية. فكلا الرجلين يتهم بترحيل الشباب للقتال في سوريا عبر شبكة تهريب تونسية ليبية يشرفان عليها.

علاقات مع واشنطن

ديبرا جونز
ديبرا جونز
التقت السفيرة الأمريكية في ليبيا ديبرا جونز عبد الحكيم بلحاج في مقر إقامته بأحد فنادق العاصمة الليبية طرابلس.
وكانت السفيرة الأمريكية في طرابلس قد قادت في الآونة الأخيرة محادثات مع مختلف المكونات السياسية و المدنية و القبلية في البلاد، إلا أنها قد جوبهت برفض من القوى الموالية لنظام العقيد الراحل معمر القذافي والذين يتهمون واشنطن بزرع الفوضى في البلاد.
إلا أن اللافت هو رفض  شيوخ وأعيان قبيلة ورشفانة استقبال السفيرة الأمريكية في طرابلس ديبورا كيه. جونز، في مدينة الزهراء التي تعتبر أهم مدن القبيلة معللة ذلك بـ "أن السفيرة عبّرت عن رغبتها في الاجتماع بأعيان القبيلة، غير أنهم رفضوا ذلك بشدة وطلبوا منها الالتزام بالأعراف الدبلوماسية وعدم التدخل في الشئون الداخلية لبلادهم، وأضافوا ما يستطيعون تقديمه هو التحكم في مواقف شباب القبيلة الرافض للتدخل الأمريكي في ليبيا".
وكان بالحاج قد هدد في وقت سابق بالقول: "سنحمل السلاح إذا اضطررنا للدفاع عن أهداف ومكتسبات ثورة فبراير".
ومع ذلك فيرى مراقبون أن واشنطن تراهن على عبد الحكيم بالحاج كجهادي سابق في محاولات لإيجاد تفاهمات مع القوى الجهادية الناشطة في البلاد، والتي باتت تشكل تهديد حقيقي للمصالح الأمريكية في ليبيا  في المنطقة ككل .

شارك