الميرزا "حسين على النوري".. بهاء الله

الثلاثاء 12/نوفمبر/2024 - 09:00 ص
طباعة الميرزا حسين على علي رجب
 
الميرزا حسين علي النوري الملقب ببهاء الله، هو مؤسس البهائية، ولد بهاء الله في طهران بإيران وتوفي في عكا بفلسطين. 

حياته

حياته
ولد مؤسسها حسين علي النوري أو كما كان يُعرف حسين علي بن عباس بزرك بطهران في 12 نوفمبر 1817 في منطقة تدعى “بوابة شمران”، وكان والده ميرزا عباس بزرك يشغل منصبًا مهما في وزارة المالية في الدولة القاجارية وأخوه الأكبر كان كاتبًا في السفارة الروسية، وزوج أخته الميرزا مجيد كان يعمل سكرتيرًا للسفير الروسي في طهران، وكانت عائلته تملك أراض واسعة وعقارات متعددة في إقليم نور في مازندران وتتمتع بمكانة ثرية في المجتمع الفارسي في تلك الحقبة.
وعند وفاة ميرزا عباس عام 1839 م، عرضت الحكومة على بهاء الله وظيفة والده ولكنه رفضها واستمر بالقيام بأعمال البر التي عرف بها. فقام بهاء الله بعد وفاة والدة بقضاء عدة أعوام في إدارة أملاك العائلة والاستمرار بالمشاركة بشكل واسع في أعمال الخير، فأطلق عليه أهل المنطقة لقب "أبو الفقراء".
وقد ربط البهائيون بداية تاريخهم بوقت إعلان الدعوة البابية في مدينة شيراز، إيران سنة 1844 (1260 هـ)، لصلة القرابة التي تربط بهاء الله ومؤسس البابية الأزلية، كونه أخاه غير الشقيق. كانت البابية تأسست على يد علي محمد بن محمد رضا الشيرازي، الذي أعلن أنه الباب “لمن يظهره الله” وأنه المهدي المنتظر. وكان سبق ذلك فترة قصيرة نمت فيها حركات كانت تترقب مجيء الموعود الذي بشرت به الكتب السماوية وأحاديث الأنبياء.
وفي سن الثامنة والعشرين، آمن حسين علي بدعوة الباب في سنة 1844 م فور إطلاعه على بعض كتابات الباب التي أرسلها له مع أقرب مؤيديه ملا حسين بشروئي. وصار بهاء الله من أشهر أتباع الباب وأنصار دينه، وقام بنشر تعاليمه وخاصة في إقليم نور وكانت قد حمته مكانة أسرته وحسن سيرته من الاضطهاد نوعا ما خلال السنوات الأولى من إيمانه بدعوة الباب. ولعب بهاء الله دورا رئيسيا في انتشار دعوة الباب وخاصة خلال مؤتمر بدشت الذي يعتبر نقطة تحول هامة في تاريخ البابية؛ لأنه ثم من خلالها الإعلان عن استقلال الشريعة البابية عن الإسلام واعتبارها شريعة مستقلة بأحكامها ومبادئها. واتخذ حسين علي لنفسه خلال هذا المؤتمر لقب بهاء الله.

اعتقاله

اعتقاله
بعد وفاة الباب استمر بهاء الله بترويج دعوة الباب وتمتع بمكانة قيادية خاصة بين البابيين. وقد لفت بهاء الله نظر الدولة القاجارية؛ نظرًا لرفضه العنف واهتمامه بصالح الفلاحين وتفانيه في نشر البهائية منذ بدايته عام ١٨٤٤، وفي سنة 1852 م قبض على بهاء الله وزج به في سجن سياه جال (النقرة السوداء) بعد محاولة فاشلة لإغتيال الشاه التي اتهم بهاء الله بالضلوع فيها رغم عدم توفر الأدلة. ولم تحميه مكانته الاجتماعية من التعرض لشتى أنواع العذاب والاضطهاد بعد ذلك. 
وبعد سجنه أربعة أشهر ونصف أطلق سراح بهاء الله من سجن "السياه جال"، وذلك بعد اعتراف الأشخاص الحقيقيون بمحاولة اغتيالهم الشاه. وعقب خروج بهاء الله من السجن نفي فورا من وطنه إلى مدينة بغداد التي كانت وقتها تحت الحكم العثماني ومكث فيها عشرة سنوات. وزاره كذلك العديد من معاصريه من علماء بغداد ومن ضمنهم ابن الألوسي مفتي بغداد الشهير والشيخ عبد السلام والشيخ عبد القادر والسيد الداودي ووفود عديدة من أصحاب الشأن ونبلاء البلاط العثماني والفارسي.
وقضى بهاءالله في بغداد قرابة عشر سنوات، علت أثناءها شكوى البلاط الفارسي من ازدياد نفوذه في تلك المنطقة التي يحجّ إليها الشيعة من أهل إيران، وزادت مخاوف البلاط الإيراني من ازدياد نفوذها بعد زيارة عدد من أفراد هذا البلاط الملكي نفسه لحضرة بهاء الله في منزله المتواضع ببغداد. وأبلغت الحكومة الإيرانية مخاوفها وشكواها إلى عاصمة الدولة العثمانية التي كانت تتبعها العراق آنذاك، فأمر السلطان عبد العزيز بحضور حضرة بهاءالله إلى اسطنبول‮. وبينما كان يتأهّب ركبه للرحيل عن بغداد في ربيع عام ١٨٦٣م، أعلن بهاءالله لأصحابه بأنّه الموعود الذي بشّر بظهوره حضرة الباب، والذي بظهوره تـتحقق نبوءات ووعود الأديان السابقة‮.‬‬‬‬
ونتيجة ضغوط من الحكومة الإيرانية، نفي بهاء الله بعد ذلك مرة أخرى إلى إسطنبول التي وصلها في منتصف أغسطس ١٨٦٣م، وبعدها نفي إلى مدينة أدرنة في القسم الأوروبي من تركيا وبقي هناك خمسة سنوات حبس بعدها في قلعة عكا في فلسطين والتي وصلها في في ٣١ أغسطس ١٨٦٨م. وكان حبسه ونفيه الذين داما طوال الأربعين سنة الأخيرة من حياته لغرض التخلص منه والحد من انتشار نفوذ دعوته. وبقي سجيناً في مَرْجِ عكّا حتى صعدت روحه إلى الرفيق الأعلى في فجر يوم 29 مايو سنة ١٨٩٢ميلادية.

إعلانه الدعوة

إعلانه الدعوة
ويذكر التاريخ البهائي أن بهاء الله أعلن دعوته كصاحب رسالة مستقلة إلى بعض أتباعه في حديقة على ضفاف نهر دجلة سميت فيما بعد بـ "حديقة الرضوان"، وكان ذلك قبل رحيله من بغداد.
وأثناء وجود بهاء الله في مدينة ادرنة، زاد الخلاف بينه وبين أخيه غير الشقيق الملقب بــ (صبح أزل)، الذي كان يصر على زعامته للحركة البابية حسب وصية الباب وانتهى هذا الخلاف بدعوة بهاء الله العلنية في 1866 بأنه هو الذي بشر الباب بقدومه بكنية "من يظهره الله" وموعود الظهورات التي سبقته. بعد ذلك وبتحريض من الحكومة الإيرانية، نفي صبح أزل مع أتباعه إلى جزيرة قبرص ونفي بهاء الله إلى سجن عكا.
كتب بهاء الله خلال الأربعين سنة التي قضاها في الحبس والنفي العدد الوفير من الكتب والرسائل باللغتين العربية والفارسية ومن كتبه المشهورة: الكتاب الأقدس الذي دون فيه أحكام الدين البهائي، وكتاب الإيقان وكتاب الوديان السبعة وكتاب الكلمات المكنونة وغيرها. وخلال إقامته في ادرنة سنة 1866 وكذلك بعدها خلال سجنه في قلعة عكا سنة 1868، أرسل بهاء الله عدة رسائل معنونة إلى ملوك وسلاطين ذلك العصر ولبابا الكنيسة الكاثوليكية، بل سعى إلى نشر دعوته عالميًّا، فكتب رسائل إلى ملوك وحكّام العالم، في الفترة من عام ١٨٦٦ إلى ١٨٧٢، وفي مقدمتهم الملكة فيكتوريا والسلطان العثماني والشاه الإيراني ونابليون الثالث في فرنسا وقيصر روسيا والباب، وأعلن لهم فيها عن مقامه ودعاهم فيها إلى نبذ الخلافات وإلى العمل من أجل وحدة العالم، ومن أجل السلام.
كان لتلك الرسائل هدفان رئيسيان؛ أولًا: إبلاغ الحكام من خلال القنصلية الفلسطينية بدوره المخلِّص وحثهم على الاهتمام بنصائحه. وباعتبار بهاء الله هو خليفة الباب (المهدي) فإن مقامه هو مقام المسيح العائد. ومِن ثَمَّ كتب قائلًا: «قد اتصل نهر الأردنِّ بالبحر الأعظم، والابن في الوادي المقدس ينادي: لبيك اللهم لبيك.» وعلاوة على ذلك، كان يعتبر نفسه مكملًا لجميع الديانات الكبرى في العالم. لم يكتفِ بهاء الله بإعلام أولئك الحكام بأنه المسيح العائد، بل طرح كذلك بعضَ التعاليم الاجتماعية العامة. 
وفي العصور التي ظهر فيها بهاء الله، ساد الحكم الديكتاتوري المطلق، فيما كانت وجهة نظر بهاء الله أن يكون الحكم عبر الملكية الدستورية والاتحادَ العالميَّ وغالبًا ما كان ينحاز للفقراء.
ومدح كذلك إلغاء الرق وعبودية الأرض، وكتب إلى الملكة فيكتوريا قائلًا: «وَسَمِعْنا أَنَّكِ أَوْدَعْتِ زِمامَ المُشاوَرَةِ بِأَيادِي الجُمْهُورِ، نِعْمَ ما عَمِلْتِ …» وعلاوة على ذلك دعا بهاء الله أعضاء البرلمان في بريطانيا وغيرها من الدول إلى النهوض بأعباء إصلاح المجتمع.
وخلال فترة الاضطراب التي أدت إلى الحرب بين فرنسا وبروسيا، طالب حكام العالم بإحلال السلام والتوقف عن الحشد العسكري الهدام الذي يدفعون تكاليفه عبر فرض ضرائب باهظة على الفقراء، وحثهم على قبول هذا «السلام الأصغر» السياسي بما أنهم رفضوا «السلام الأعظم» الذي كان من الممكن تحقيقه تحت راية البهائية.

وصية بهاء الله

وصية بهاء الله
حدد "بهاء الله" في وصيته الأخيرة التي سماها "عهدي" وكتبها بخط يده أن يخلفه ابنه "الأرشد عباس أفندي" الملقب بـ"عبد البهاء" في الحفاظ على اتحاد أتباعه وحماية وحدة دينه، وعينه المفسر الوحيد لتعاليمه لكي لا يختلف الناس في تفسيراتهم بعد رحيله؛ مما يؤدي إلى الانشقاق وتعدد الفرق. واعتبر بهاء الله وصيته عهدًا وثيقا بينه وبين المؤمنين، وعين عبد البهاء مركزًا لهذا العهد. وتكرر نفس المنهج بعد وفاة عبد البهاء عباس، إذ قام حفيده "شوقي أفندي رباني" بتولي ولاية الأمر البهائي حسب وصية "عبد البهاء". ولكن يترك حفيد المؤسس وصية بدوره ولم يعين لولاية الأمر البهائي من يخلفه بعده.
الانقسام
انقسم البهائيون فور موت بهاء الله، فكانت بداية الانقسام بين ابني البهاء (عبد البهاء عباس وميرزا محمد علي)، فكل منهما زعم أنه الغصن الأعظم الذي وصى به بهاء الله أن يكون مركز أمر الدين البهائي، فحدث الخلاف بين عباس عبد البهاء وأخيه غير الشقيق محمد علي أفندي. وأيدت الغالبية العظمى من البهائيين عباس أفندي، فكانت طائفة البهائيين العباسيين التي تضم كلًّا من زوجة بهاء الله اسية خانوم وابنته بهائية خانوم الأخت الشقيقة لعباس عبد البهاء، وكان معهم أيضًا زوجة عبد البهاء منيرة خانوم وعدد من أعضاء الجمعية البهائية مثل ميرزا أبو الفضل الجردافاقاني ومشكين قلم وميرزا زين المقربين وحيدر علي.
انتشار البهائية
ينتشر البهائيون اليوم في أكثر من مئتين وخمسة وثلاثين بلداً، وهم يمثّـلون أصولاً دينية مختلفة وينتمون إلى أجناس وأعراق وشعوب وقبائل وجنسيات متعددة، أما الدين البهائي فمعترف به رسمياً في العديد من الدول، ومُمثّـل تمثيلاً غير حكومي في هيئة الأمم المتحدة والأوساط الدولية العلمية والاقتصادية.
وينضم البهائيون بالجامعة البهائية العالمية - منظمة غير حكومية- تضمّ في عضويتها البهائيين في جميع أنحاء العالم وتمثلهم في آن معاً، ويزيد عددهم على خمسة ملايين رجل وامرأة يمثلون أكثر من ٢١٠٠ مجموعة عرقية من جميع الأجناس، والأعراق، والجنسيّات، والثقافات، والطبقات الاجتماعية، والمهن والوظائف والحرف تقريباً. هنالك جامعات بهائية في أكثر من ٢٣٥ دولة مستقلة وإقليم رئيسي منها ١٨٢ منظّمة وطنية (أو إقليميّة)، ولها أكثر من ١٢،٥٠٠ جامعة محلية منظّمة، وكونها منظمة غير حكومية في الأمم المتحدة، فإن الجامعة البهائية العالمية هي عبارة عن مجموعة من الهيئات المنتخبة انتخاباً حرّاً تُعرف باسم المحافل الروحانية المركزية.
كما أن لهم عدة محافل مركزية في أفريقيا بأديس أبابا في الحبشة وكمبالا بأوغندا ولوساكا بزامبيا التي عقد فيها مؤتمرهم السنوي في الفترة من 23 مايو حتى 13 يونيو 1989م وكذلك المحفل الملي بكراتشي بباكستان.
ولهم في لندن وفيينا وفرانكفورت محافل وكذلك بسيدني في أستراليا، ويوجد في شيكاغو في الولايات المتحدة أكبر معبد لهم، وهو ما يطلق عليه "مشرق الأذكار" ومنه تصدر مجلة "نجم الغرب" ويقدر عدد البهائيين في الولايات المتحدة بحوالي مليوني بهائي ينتسبون إلى 600 جمعية.
في عام ١٩٤٨ جرى تسجيل الجامعة البهائية العالمية منظمةً عالميةً غير حكومية مع الأمم المتحدة، وفي عام ١٩٧٠ مُنحت مركزاً استشاريّاً (يُسمّى الآن مركزاً استشاريّاً "خاصّاً") مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة (ECOSOC)، ثم مركزاً استشاريّاً مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) عام ١٩٧٦، ومع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (اليونيفيم) عام ١٩٨٩. كما أسست علاقات عمل مع منظمة الصحة العالمية (WHO) عام ١٩٨٩ أيضاً. وعلى مدى سنوات، عملت الجامعة البهائية العالمية عن قرب مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، ومفوضية حقوق الإنسان، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).

شارك