هاشمي رفسنجاني.. مرشد الظل وشاه الثورة
الإثنين 25/يوليو/2022 - 09:00 ص
طباعة
علي رجب
يعرف آية الله على أكبر هاشمي رفسنجاني، أحد أبرز رموز الثورة الإسلامية في إيران، أنها أحد أقطاب صناعة القرار في جمهورية الخميني.. هو رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام.. شخصية براجماتية سياسية، كان الخميني يصفه بأنه ((عقل الثورة))، أما هو فيصف نفسه بأنه ((أحد أعمدة الثورة))، فيما يصفه المثقفون الإيرانيون بـ((كاردينال السياسة الإيرانية الأشيب))، ويصفه خصومه بـ ((سمك القرش))، ويهتف ضدَّه أنصارُ أحمدي نجاد ((الموت لرفسنجاني)).. أما الشارع الإيراني فيطلِق عليه لقب ((أكبر شاه))، ليُصبح بالإمكان قراءة إسمه على هذا النحو: على أكبر شاه رفسنجاني.
حياته:
ولد على أكبر هاشمي رفسنجاني في أغسطس، ١٩٣٤ (العمر 81)، بقرية بهرمان بوق تابعه لمدينة رفسنجان، محافظة كرمان جنوب شرق إيران وهي المحافظة الحادية والثلاثين.
ينتمي رفسنجاني إلى أسرة متوسطة الحال، في قرية «نوق» ببلدة «بهرمان» التابعة لمدينة رفسنجان، التي تشتهر بمحصول الفستق، الذي يعد أجود أنواع الفستق الإيراني. وقد سماه أبوه أكبر واشتهر فيما بعد بعلي أكبر، وليست أسرته من بني هاشم، ولذلك لا يلبس رفسنجاني العمامة السوداء، وقد جاء لقب هاشمي نسبة إلى جده هاشم، وهو من القلائل الذين يحملون لقب هاشمي في إيران، ولا ينتسبون إلى أهل بيت الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم؛ حيث معظم الذين يلقبون بالهاشمي في إيران، يرفعون نسبهم إلى الرسول.
بدأ رفسنجاني المدرسة الابتدائية ومقدمات العلوم الدينية في رفسنجان وكرمان، ثم شد الرحال عام 1948 إلى قم ليواصل دراسته الدينية. وفي قم التحق رفسنجاني بالمدرسة الدينية الشهيرة «الفيضية»، ومن ثم «الحقاني»؛ حيث كان من كبار مدرسيها آية الله روح الله موسوي الخميني قائد الثورة الإسلامية فيما بعد، كما تتلمذ رفسنجاني على يد آية الله السيد حسين الطباطبائي بروجردي، محمد كاظم شريعتمداري، عبد الكريم الحائري اليزدي، شهاب الدين، ومحمد حسين الطباطبائي وآية الله حسين على منتظري. تخرج في نهاية الخمسينيات برتبة "حجة الإسلام" وهو مستوى أقل من "آية الله" بدرجة واحدة.
وقد تزوج رفسنجاني قبل حوالي نصف قرن من السيدة عفت مرعشي، ابنة آية الله مرعشي، من كبار علماء كرمان، وأنجبت له ثلاثة أبناء، هم محسن ومهدي وياسر، وابنتين هما فاطمة وفائزة المعروفة بشجاعتها وأفكارها الليبرالية. وقد كانت فائزة عضوًا في البرلمان في دورته الخامسة، بحيث نالت مكانة نائبة طهران الأولى. كما أنها أسست أول صحيفة نسائية يومية باسم «زن» ـ المرأة ـ التي تم توقيفها بأمر من خامنئي؛ بسبب نشر مقالات وتقارير مثيرة عن حقوق المرأة والديمقراطية وضرورة تطهير الدين من جراثيم السياسة.
في عهد الشاه:
كان هاشمي رفسنجاني من قيادات قم التي تعارض الشاه، فسار على خطى أستاذه الخميني في معارضة محمد رضا شاه بهلوي، واعتقل رفسنجاني أكثر من مرة لتوليه إدارة القوى المؤيدة للخميني في إيران.
وكان رفسنجاني بطبيعته يعشق العمل الاعلامي وقد نجح بمعاضدة أصدقائه في إصدار نشرة باسم «مدرسة التشيع». ومع الأيام تطورت الحركة الدينية التي انبثقت في قم، وكان طابعها معارضة بعض القوانين التي كان يمليها الشاه محمد رضا بهلوي على الدولة، وفي مقدمتها قانون الإصلاح الزراعي القاضي بتوزيع الأراضي الزراعية بين المزارعين والقضاء على الإقطاعيين، وأيضًا منح النساء حقوقهن الاجتماعية والسياسية. وكان قائد الثورة الإيرانية الإمام آية الله الخميني من أشد العلماء احتجاجًا على إصلاحات الشاه التي أطلق عليها عنوان «الثورة البيضاء».
وفي عام 1971 اشتدت المواجهة بين الشاه والخميني، وكان رفسنجاني من أكثر أعوان الخميني تحركًا ونشاطًا. وفي تلك الفترة كان طلبة العلوم الدينية معفيين من الخدمة العسكرية، وهذه الميزة كانت تدفع بألوف الشبان كل سنة من المدن والأرياف إلى المدارس الدينية، فرارًا من تجنيدهم في الخدمة العسكرية. غير أن غضب الدولة على حركة الخميني وزملائه دفعها إلى أن تلغي ذلك الامتياز الخاص بطلبة المدارس الدينية وتسوق من طالته يدها إلى الخدمة العسكرية. هكذا وجد رفسنجاني نفسه مجندا في معسكر «باغشاه» في طهران خلال أحداث يونيو 1963، التي أسفرت عن اعتقال الخميني، ومن ثم نفيه إلى تركيا والعراق. وقد هرب رفسنجاني بعد ذلك من المعسكر وعاش لفترة حياة سرية قام خلالها بترجمة كتاب الأستاذ أكرم زعيتر عن القضية الفلسطينية. وكان زعيتر سفيرًا للأردن في إيران آنذاك. وقد لاقت الطبعة الفارسية للكتاب رواجًا كبيرًا لا يقل عن طبعته العربية.
وفي 1966 أنشأ رفسنجاني تنظيمًا سريًّا مؤيدا لخميني، ولكن سرعان ما اكتشفت السلطات تنظيمه وشتتت أعضاءه؛ مما تسبب في ان ينتقل رفسنجاني من قم إلى طهران؛ حيث أسس شركة مقاولات لبناء البيوت المتواضعة لأصحاب الموارد المحدودة شرق طهران. وقد اعتقل عدة مرات، كان آخرها عام 1978، أي قبل عام من قيام الثورة. وقد أفرج عنه الدكتور شابور بختيار زعيم الجبهة الوطنية، الذي تولى رئاسة الوزراء في الأسابيع الأخيرة لحكم الشاه.
في عهد الخميني:
وحينما قدم الخميني إلى إيران في مستهل عام 1979، كان رفسنجاني على رأس مستقبليه، ومنذ تلك اللحظة لازم رفسنجاني الخميني حتى آخر لحظة في حياته. وإلى جانب كونه عضوًا في مجلس قيادة الثورة، وشارك في تأسيس الحزب الجمهوري الإسلامي مواجهًا علمانية متصاعدة وقتذاك، وتسلم منصب مساعد وزير الداخلية في حكومة مهدي بازركان أول حكومات ما بعد الثورة. ومن ثم انتخب رئيسا لأول برلمان إسلامي وتولى هذا المنصب لمدة سنوات، وخلال الحرب الإيرانية ـ العراقية، كان رفسنجاني إلى جانب رئاسة البرلمان، القائد الأعلى للقوات المسلحة بالوكالة في الفترة من (1988-1989).
وتعززت سلطته عند نشوب الحرب مع العراق (1980-1988) فأجرى اتصالات غير مباشرة مع الأمريكيين من أجل الحصول على أسلحة، كما أنه بفضل ارتباطاته وعلاقاته الدولية ظل رقما صعبا في معادلة القوة بايران. ورفسنجاني هو الوحيد بين رجال الثورة الإيرانية الذي فتح حوارًا مع الأمريكيين خلال اتصالات سرية اشتهرت في ما بعد بـ«إيران غيت»، في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان. كما أنه، حسب قول أحد مستشاريه، عازم على الحوار مع الأمريكيين من أجل إعادة العلاقات بين البلدين.
وفيما كان الخميني على فراش الموت، انتخب رفسنجاني رئيسًا لجمهورية الإيرانية بنسبة 95 بالمئة من الأصوات، وعمل على تخليص إيران من مشاكلها الاقتصادية بالانفتاح على العالم والاعتماد على مبادئ السوق الحرة، وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية.
لم يحقق رفسنجاني خلال فترة رئاسته تقدمًا كبيرًا في مجال الإصلاح السياسي والانفتاح. واستمرت حملة الاغتيالات في صفوف المعارضين، فيما صار يعرف في إيران بحقبة "الاغتيالات المتسلسلة".
لذا، فعندما وصلت فترة ولايته الرئاسية الأولى إلى نهايتها، سنة 1993، كانت نسبة مؤيديه قد انخفضت من 95 % إلى 63 % فقط.
أعيد انتخاب رفسنجاني لفترة رئاسية ثانية عام 1993 وانتهت عام 1997، وله نفوذ كبير في مؤسسات الدوله وله أيادي كثيرة في الجيش والحكومة وكما يعتبره الإيرانيون أنه تحفه عتيقة بسبب شكله المثير وسياسته الذكيه وفي دورة رئاسته طلب من البرلمان فتح بيوت العفاف أو زواج المتعه لشباب الجامعات؛ لذلك يحبونه كثير من الشباب وهو أول فتح إيران على العالم قبل خاتمي وأوجد الحريات في إيران ويقنعهم بأن الإسلام أحلى شيء، وكما يتمتع بمحبوبين خاصة عند طبقة الرأسماليين والأثرياء، ففي الانتخابات البرلمانية في فبراير 2016 حصل على أكثر الأصوات من بقية المرشحين للرئاسة من شمال طهران؛ حيث يسكنها الأثرياء، ولعب دورًا كبيرًا في حرب العراق وأفغانستان؛ حيث قدم تعاونًا كبيرًا للأمريكان أثناء حربهم على الإرهاب ونظام البعث.
ورفسنجاني من مؤيدي الاقتصاد الحر وهو لم يتردد في قوله: إن "جمع الثروة قيمة أخلاقية".
إلا أن الثروة التي جمعتها عائلته طرحت الكثير من علامات الاستفهام، لدرجة أن الرئيس أحمدي نجاد نفسه لم يتردد خلال الحملة الرئاسية الأخيرة في اتهام رفسنجاني بالفساد خلال مناظرة تلفزيونية.
الصراع مع خامنئي:
رغم أن رفسنجاني كان له دور كبير في اختيار آية الله على خامنئي مرشدًا أعلى للجمهورية الإسلامية خلفًا للخميني، عندما دخلت الثورة الإسلامية في البلاد مرحلة دقيقة إثر وفاة الخميني عام 1989 استلزمت توافقًا بين كبار رجال الدين لتعيين خليفة له، فما كان من رفسنجاني إلا أن يحسم الأمر لصالح خامنئي، رغم أن الأخير لم يكن قد أصبح بعد مرجعًا دينيًّا، وهو الشرط المطلوب توفره لولاية الفقيه.
ويقول على نوري زادة المحلل السياسي الإيراني ورئيس مركز الدراسات الإيرانية العربية في لندن، لـ«الشرق الأوسط»: إن «رفسنجاني صنع خامنئي»، ويوضح فكرته قائلًا: إن «الجميع يعلم أن خامنئي لم يكن مؤهلا حينها لأن يصبح قائدًا للثورة بوجود عدد من كبار آيات الله، لكن رفسنجاني ذهب إلى مجلس الخبراء وخاطب الحضور قائلًا: سألت الخميني في أواخر أيامه ماذا نفعل بعد رحيلك؟ فأجابني: لا تخافوا فخامنئي بينكم! فحصل الأخير على أصوات 54 عضوًا من بين ثمانين من أصوات مجلس الخبراء، وهكذا أصبح مرشدًا أعلى». وأضاف أن «رفسنجاني صانع خامنئي ورغم ذلك فإن خامنئي طعنه في ظهره وفرض عليه الانسحاب من معركة الانتخابات الرئاسية لمجلس الخبراء (2011)، وأعتقد أن الخطوة الثانية ستكون عزله من رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام».
دعمه للإصلاحيين، فهو ينظر إليه على أنه «أبو الإصلاحيين»، وقد تحدى رفسنجاني خامنئي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 1997، فهو من لعب دورًا أساسيًّا في انتخاب الإصلاحي محمد خاتمي لرئاسة الجمهورية في وجه مرشح المحافظين أكبر ناطق نوري عام 1997.
ويقول نوري زادة، وهو أحد المؤيدين للحركة الخضراء المعارضة: إن «رفسنجاني مهد الطريق لظهور خاتمي والإصلاحيين، ففي الانتخابات الرئاسية عام 1997 شارك أكبر ناطق نوري في الانتخابات كتحصيل حاصل، على اعتبار أنه الرئيس المقبل، فكل المؤشرات تدل على أن خامنئي اختاره للمنصب، حتى إن صحيفة (كيهان) المحافظة نشرت خبرا عنوانه أن المرشد يفضل ناطق نوري، لكن رفسنجاني رفض ذلك ودعا إلى انتخابات نزيهة، وقال في خطبة صلاة الجمعة في الأسبوع الأخير قبل إجراء الانتخابات: لن أسمح بأي تزوير في الانتخابات ومن يفوز بأغلبية الأصوات سيكون رئيسا للجمهورية»، في تحد ضمني لرغبة المرشد الأعلى، وهكذا وصل خاتمي إلى سدة الرئاسة بدورتين من (1997 - 2005).
وكانت هذه اللحظة هي بداية مفترق الطرق بين رفسنجاني وخامنئي، التي تعززت بعد ثمانية أعوام من ذلك عندما أوصى الأخير رفسنجاني بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2005 لمنافسة المرشح الآخر المفضل لدى خامنئي ألا وهو أحمدي نجاد، غير أن رفسنجاني رفض النصيحة قائلا بأنه يريد مواصلة الإصلاح، ولو بطريقة مختلفة عن خاتمي بعد أن توترت العلاقات بينهما.
وخسر رفسنجاني الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 2005 أمام مرشح خامنئي، محمود أحمدي نجاد، بعد تزوير «فاحش»، وقال رفسنجاني في حينها: «سأشكو إلى الله لأني لا أرى حكما صالحا أشكو إليه». فكانت هذه نقطة التحول لدى آية الله هاشمي رفسنجاني الذي أصبح منذ تلك اللحظة «عراب التيار الإصلاحي»، فقرر وضع نفوذه وماله وصحفه وجميع إمكانيته في خدمة الإصلاحيين، وبإصراره رشح مير حسين موسوي، رئيس الوزراء الأسبق، إلى الانتخابات الرئاسية في 2009 التي انتهت بالتمديد لنجاد لكنها تمخضت عن ظهور المعارضة الإصلاحية في البلاد.
مثلت سنة 2009 نقطة انعطاف حاسمة في مسار رفسنجاني السياسي.
وبمجرد اندلاع التظاهرات بسبب نتائج الانتخابات الرئاسية، لفت رفسنجاني انتباه المحتجين بانتقاداته اللاذعة لحكومة أحمدي نجاد.
ودعا رفسنجاني من مدينة مشهد إلى إعادة ثقة الأمة بالنظام وإطلاق السجناء وتعزيز الحريات، كما ألمح إلى ان شرعية «الولي الفقيه» منوطة بقبول الأمة له.
ووصف حسينيان زعماء المعارضة، ذاكرًا بالاسم مير حسين موسوي ومحمد خاتمي إلى جانب رفسنجاني، بأنهم «أصغر من أن يكونوا قادرين على مواجهة النظام»، وقال: «نحن اليوم نقف مقابل تيار باطل له جذور في أمريكا وأوروبا والقوى غير المتدينة التي تسمى بالإصلاحية». كما أعرب النائب الأصولي المؤيد للحكومة عن عدم ارتياحه من حفيد الإمام الخميني، حسن خميني؛ لكونه لم يرحب بالطلبة الذين حضروا إلى مرقد الخميني للإعراب عن سخطهم إزاء الإساءة التي تعرض لها مؤسس الجمهورية الإسلامية في احتجاجات «يوم الطالب الجامعي».
وفي حين يعمل مؤيدو الحكومة على تقليل مركز رفسنجاني الديني ومحاولتهم إقصائه من رئاسة مجلس خبراء القيادة، فإن أنصار أحمدي نجاد، دعوا رفسنجاني إلى العودة إلى أحضان «الإسلام والنظام»، وخاطب المساعد الأمني السابق لنجاد النائب المتشدد روح الله حسينيان، رفسنجاني، قائلا: «إنك وبعد الفتنة الأخيرة قمت مرارًا بخيانة القائد (خامنئي)، وزعمت في بعض الاجتماعات الداخلية أنك من أنصار القائد؛ لكنك في مدينة مشهد كشفت عن حقدك، وقلت: إذا أعلنت الأمة رفضها لنا فسنرحل، والأمة أعلنت مرارًا عبر شعاراتها أنه لم يعد لك مكانا في قلبها». وأضاف أمام حشد طلابي في مرقد الإمام الخميني «نحن وفي ضوء دعوات القائد، ندعوك إلى العودة للإسلام والنظام».
وفي الإطار ذاته أكد رئيس مجلس الخبراء الشيخ هاشمي رفسنجاني أن أي نظام غير مقبول شعبياً لا يحق له البقاء في السلطة إذا عارضه الناس. وأكد رفسنجاني أن كافة المسئولين يكسبون سلطتهم من جانب الشعب، وإذا رفض الناس حكم هؤلاء فعليهم أن يتنحوا ويتركوا مناصبهم للذين لهم مكانة حقيقية بين الناس. وحذر رفسنجاني من استغلال قوى الحرس والتعبئة لقمع المواطنين، وقال: إن مثل هذا الأمر سوف يجر البلاد إلى مواجهات عنيفة وارتكاب مجازر بشعة في المستقبل القريب. وأكد رفسنجاني أن النظام الحالي يملك المال وله أنصاره من الذين يستلمون الأموال والرواتب والحوافز، ولا يمكن اعتبار هؤلاء مؤيدي النظام؛ لأنه في حالة قطع الأموال عنهم فإنهم سيقفون ضد النظام، وبالمقابل فإن المعارضين يضحون بكل ما لديهم من أجل زعمائهم وقادتهم، وهؤلاء هم أساس البلاد. تصريحات رفسنجاني دفعت أجهزة الإعلام الحكومية إلى الانقلاب عليه مرة أخرى واتهامه بدعم المعارضة والتخطيط لاسقاط قادة النظام والانتقام من الحكومة التي وصفتها أجهزة الإعلام الرسمية بالشرعية والمختارة من جانب أكثرية أبناء الشعب!.
كما وجّه هاشمي رفسنجاني، في 2009، إهانة شديدة لكن في شكل مبطن، إلى عدد من رجال الدين المتشددين المؤيدين للحكومة الذين شنوا أخيرًا حملات شديدة اللهجة ضده، وفي مقدمهم الرئيس السابق للسلطة القضائية محمد يزدي، الذي يعاني من أمراض جسدية؛ حيث قال أمام عدد من رجال الدين والمبلغين الدينيين: «منذ سنوات وأنا أتمنى الشفاء للسيد يزدي وأبعث له سلامي، إنه يعاني من امراض جسدية وهذه الأمراض تجعله أحيانًا يغضب ويتخذ مواقف متسرعة». وعن سائر الأفراد الذين أساءوا إليه، ذكر «أن بعض الأفراد يبحثون عن الشهرة من خلال الإساءة للآخرين، وأفضل رد على هؤلاء هو الصمت والدعاء بالهداية».
ما بعد 2011:
مع بداية الربيع العربي، عاد صعود هاشمي رفسنجاني بقوة في الساحة الإيرانية، وهو ما توج في 2013 من خلال دعمه رمز التيار الإصلاحي حسن روحاني في الفوز بانتخابات الرئاسة الإيرانية في 2013، وهو ما أعاد رفسنجاني إلى تصدر المشهد السياسي مرة أخرى.
عاد رفسنجاني بشكل أكبر قوة وأكثر نفوذًا، مع تقدم السن بالمرشد الأعلى على خامنئي واستلامه للمرض، فقد كشفت وثيقة أمريكية، يعود تاريخها إلى أغسطس 2009 سربها موقع «ويكيليكس»، عن أن آية الله خامنئي، يعاني من مرض سرطان الدم في مراحله النهائية، وأن هاشمي رفسنجاني يخطط لخلافته، وأفادت الوثيقة بأن رفسنجاني قام بعد إعلامه بالوضع الصحي لخامنئي «بوقف حملته ضد خامنئي في مجلس الخبراء وقرر ترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي»، وتابعت أنه «بعد وفاة المرشد الأعلى، سيحاول رفسنجاني استخدام مجلس الخبراء لتتم تسميته مرشدا أعلى جديدا". وعللت الوثيقة أسباب تراجع المظاهرات لاحقًا التي كانت قد اندلعت في أعقاب فوز نجاد بدورة رئاسية ثانية، بأن رفسنجاني حث قادة المعارضة على وقف تلك الاحتجاجات وأي «نشاطات استفزازية يمكن أن تعرقل جهوده لترشيح نفسه لمنصب القائد الأعلى في المستقبل».
ومن هذا المنطلق فإن خامنئي لا يخشى فحسب من خطط رفسنجاني الإصلاحية، بل إن لديه أسبابًا شخصية، فهو لا يخشى موسوي أو كروبي، زعيمي المعارضة الإيرانية، كما يقول نوري زادة، «لأنه يعرف أنه ليس لموسوي أو كروبي قواعد في الحرس الثوري أو المؤسسة الأمنية بينما لرفسنجاني قواعد، فالمئات من رجال الحرس من الموالين له ولديهم علاقات متينة به منذ قيادته للجيش إبان الحرب العراقية - الإيرانية، ناهيك عن صلاته الدولية، ولهذا فإن خامنئي يخاف رفسنجاني أكثر من أي شخص آخر».
وبعد أن خضع آية الله على خامنئي لعملية جراحة لاستئصال سرطان البروستاتا، في دسبمبر 2015، وبعد أعلن الرئيس الإيراني الأسبق على أكبر هاشمي رفسنجاني أن لجنة إيرانية تدرس المرشحين المحتملين لشغل منصب الزعيم الأعلى وهو ما يمثل كسرًا لأحد المحرمات بالحديث علنا عن خلافة هذا المنصب.
فلا يخشى خامنئي زعماء المعارضة الإيرانيين بقدر رفسنجاني؛ لأن الأخير لديه قواعد في الحرس الثوري والعديد من المؤسسات الأمنية هذا، فضلا عن علاقاته القوية بقيادات الجيش الإيراني خصوصًا بعد الحرب العراقية؛ لهذا فإن خامنئي يخاف رفسنجاني أكثر من أي شخص آخر؛ ولهذا تم اختيار المحافظ المتشدد، آية الله محمد يزدي، رئيسًا لمجلس خبراء القيادة، الهيئة الدينية الإيرانية العليا بتكليف من المرشد الإيراني فحصل على 47 صوتا من مجموع 73 صوتًا، ليخسر هاشمي رفسنجاني، هذا المنصب للمرة الثانية، بعد تولي محمد رضا مهدي كني، بحسب وكالة أنباء "إرنا" الإيرانية، فعلى الرغم من العداء بين خامنئي ورفسنجاني، إلا أنه ما زال محبوبًا في عيون الإيرانيين.
منهجه السياسي "البراجماتي"
منذ أن أصبح يملك نفوذًا واسعًا في الداخل الإيراني سعى رفسنجاني إلى تحويل إيران من دولة تسيطر على الاقتصاد، كما كان حالها في سنوات الحرب إلى دولة ذات نظام مبني على السوق، غير أن هذه السياسة فشلت في تحقيق عدالة اجتماعية.
أما على مستوى مواقفه الخارجية فقد أثار موقفه من النظام السوري الكثير من الجدل حين اتهمه بضرب شعبه بالكيماوي، وهي المرة الأولى التي يتهم فيها مسئول إيراني رفيع المستوى نظام بشار الأسد الحليف الأول لطهران باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه.
وقد صرح قائلا: "منذ عامين والشعب السوري يتلقى الأضرار والسجون مليئة بالناس، وتم تحويل الملاعب إلى سجون وقُتل ما يزيد على 100 ألف شخص وتشرد الملايين، الأمر الذي يظهر الوضع المأساوي في سوريا، مؤكدا أن الشعب تعرّض إلى هجوم كيماوي من قبل حكومته التي عليها أن تنتظر الهجوم الخارجي".
ويعتبر موضوع الأسلحة الكيميائية أمرًا حساسًا جدًّا لدى الإيرانيين الذين تعرضوا لها أثناء حرب العراق وإيران في الثمانينيات.
ورغم تصريحاته المتهجمة على النظام السوري إلا أن على أكبر هاشمي رفسنجاني بدا رافضًا لفكرة الضربة العسكرية ضد سوريا مبررا ذلك من إمكانية إدخالها المنطقة بأسرها في صراع، وهذا يكشف ازدواجية الخطاب وهي الميزة الأساسية للقادة الإيرانيين.
وأضاف مدافعا عن موقفه: "يبدو أن الهدف الرئيس من المغامرة الأمريكية في المنطقة لا تقتصر على سوريا وإنما ستشمل المنطقة بأسرها، وأن لعبة الولايات المتحدة في إثارة الحروب قد تشمل الجميع، وأن واشنطن لن تكون قادرة على إنهائها كما تعتقد".
وفيما يخص الاتفاق النووي الأخير مع الغرب فقد توقع الرئيس الإيراني الأسبق، توصل بلاده إلى اتفاق نووي شامل مع القوى الـ6 الكبرى في غضون عام، وأقرّ بأن إيران يمكن أن تلعب دورا أفضل في سورية. وقال رفسنجاني، الذي يشغل حاليًا منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في بلاده: "إن الاتفاق المؤقت الذي توصلت إليه إيران مع القوى الـ6 الكبرى في جنيف بشأن برنامجها النووي، كان الخطوة الأصعب لأنه تغلب على عقود من القطيعة الدبلوماسية مع الولايات المتحدة منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
ونشر موقع "رفسنجاني" على الانترنت تصريحات الرئيس الأسبق الذي وصف الاتفاق النووي بأنه خطوة كبيرة بإمكانها أن تذيب الثلوج في العلاقات بين الغرب، وبين أمريكا وإيران على وجه الخصوص.
وله دور في تأسس فيلق بدر العراقي بقياده محمد باقر الحكيم داخل الأراضي الإيرانية وكان عدده يزيد الـ40 الف ودربهم لمحاربة صدام. وعندما أعلن صدام وطلب إيقاف إطلاق النار عام 1982 م رفض رفسنجاني تلك المبادرة؛ لأنه كان يعلم لو أن الحرب توقفت سوف تسقط الثوره عاجلا آنذاك، وأقنع الخميني بعدم إيقاف الحرب؛ لأنه استدل أنه بدوام الحرب تدوم الثورة، والناس سينشغلون بالحرب لا بالنظام.
وهو من شارك في تأسيس حزب الله ودعم موسى الصدر في لبنان، وسحب حزب الله من حركة أمل الشيوعية القومية، وأسس حزبًا إسلاميًّا اسمه حزب الله في لبنان، وأحضر مقاتلين من لبنان من حزب الله لقتال العراقيين آنذاك، ومن اشتري صفقة السلاح الإسرائيلية لإيران في بداية الحرب العراقية الإيرانية .
وهو من دعم أرمينيا المسيحيه بالمال والسلاح ضد جمهورية أذربيجان الشيعية الإسلامية بسبب الصراع على النفط في بحر قزوين بين تلك الدول .
فكره الاقتصادي
رفسنجاني من مؤيدي الاقتصاد الحر وهو لم يتردد في قوله: إن "جمع الثروة قيمة أخلاقية".
في الغرب، حينما يتحدَّثون عنه، يستشهدون بنبوءة دانيال الواردة في التوراة والتي تقول: ((في الأيام المقبلة سيظهر في بلاد فارس ثلاثة ملوك، ومن بعدهم سيظهر الملك الرابع (يقصدون هنا رفسنجاني) والذي سيكون أكثر منهم ثراءً بكثير)).. حتى إنَّ مجلة ((فُورِبْس)) الأمريكية وصفته في 23/7 /2003 بأنه واحد من أغنى أغنياء العالم، وهي المجلة المختصة بتتبُّع نشاط الأثرياء من أصحاب المليارات على الصعيد العالمي..
للوهلة الأولى يشتهر ((أكبر شاه)) هاشمي رفسنجاني بأنه من كبار مزارعي الفستق في إيران، وهو الذي ورث عن أهله بساتينَ في محافظة كرمان.. بيد أنَّ باستطاعتنا اعتبارَه أكبر تاجر فستق على صعيد الكرة الأرضية وليس في إيران فحسب.
إن كان على الثراء من الفستق الحلبي فإنَّ هذه التجارة مش جايبة همَّها.. فبالكاد يبلغ مجموع ما يُصدَّر من إيران من الفستق الحلبي مليار دولار سنوياً، ونستطيع أن نخمِّن أنَّ لرفسنجاني نصفُها على الأقل.
في إيران أقاويل بأنَّ أساس ثروة رفسنجاني الطائلة هو من السمسرات التي حصل عليها من صفقات الأسلحة التي ورَّدتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى إيران عن طريق إسرائيل طوال الحرب الإيرانية العراقية.. والأقاويل في إيران تشير أيضاً إلى سيطرة رفسنجاني على واحدة من أكبر الشركات الهندسية النفطية في إيران، وعلى مصنع تجميع سيارات ((دِيُو))، وأنه يمتلك شركة طيران إيرانية خاصة، وأنه يسيطر على مساحاتٍ واسعة في المناطق الاقتصادية الحرة الواقعة على الواجهة البحرية من الأحواز، أي المطلة على الخليج العربي، وأنه يمتلك منتجعاتٍ بحرية على شواطىء دبي وتايلند وغُوا (أشهر مدينة سياحية في الهند)، رغم أنَّ رفسنجاني ينفي ذلك.. وتتداول الشعوب الإيرانية شائعات مفادها أنَّ رفسنجاني يملك جميع الأراضي الخصبة الواقعة شمال إيران قرب بحر قزوين بالإضافة إلى جزيرة كيش الأحوازية المحتلة في الخليج العربي..
فإنَّه مما لا شكَّ فيه أنَّ إمبراطورية رفسنجاني قائمة على: التجارة الخارجية (في طليعتها الفستق الحلبي).. وملكية الأراضي الواسعة (في محافظة كرمان قبل الثورة وفي محافظة أصفهان أيضاً بعد الثورة).
والأهم ملكيته لشبكة من الجامعات التعليمية الخاصة المعروفة بإسم ((جامعة آزاد الإسلامية)).. لقد أسَّس رفسنجاني جامعة آزاد الإسلامية في طهران عام 1982، ثم راح يتوسَّع في فروعها حتى بات لها الآن أكثر من 400 فرع في إيران وفي الخارج، ومنها فروع في الإمارات العربية المتحدة ولبنان وبريطانيا وأرمينيا وتنزانيا.. في هذه الجامعة يدرس حوالي 1،5 مليون طالب، وبعض التقديرات تقدِّرهم بـ 3 ملايين طالب، وفيها 46 ألف موظف أكاديمي.. إنها تُعتبر ثالث أكبر جامعة في العالم وتُقدَّر عقاراتُها ومحتوياتها بحوالي 25 مليار دولار!!
علاقته بالسعودية
يحاول رفسنجاني أن يبدو كالساعي إلى حل كل مشاكل إيران الخارجية وتنصيع صورتها عالميا كبلد منفتح يسهم في إيجاد مخارج للعديد من الأزمات، وبدت تصريحاته بخصوص التقارب مع السعودية وكأنه يملك المفاتيح السحرية لذلك.
فإصلاح العلاقات بين الرياض وطهران مطلب ضروري ولا يستدعي الكثير من الجهود والتنازلات حسب رأيه، ولديه القدرة على القيام بتلك المهمة.
وقد دعا في تصريحاته الأخيرة حكومة الرئيس المعتدل حسن روحاني إلى المسارعة في تحسين العلاقات مع السعودية، وأكد أنه مستعد للعب دور مهم في ذلك، انطلاقا من علاقاته المميزة مع الرياض.
ورأى أن بذل هذه الجهود رهن بقرار من قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشأن إزالة التوتر وكيفية التعامل مع السعودية على أساس سياسة "الربح لكلا الطرفين".
وقال معلقا على الاتفاق النووي الذي توصلت إليه بلاده مع القوى الكبرى في جنيف: "إن هذا الاتفاق غير موجه ضد دول المنطقة، وستكون نتائجه مفيدة للجميع، ويجب على حكومة الرئيس حسن روحاني المسارعة إلى طمأنة الرياض وإزالة أي شكل من أشكال التوتر معها".
وسبق لرفسنجاني أن قال في مناسبة سابقة: "لو كانت علاقاتنا جيدة مع السعودية لما كان في وسع الغرب أن يفرض علينا عقوبات نفطية".
وأضاف: "وحدها السعودية تستطيع أن تحل مكاننا.. وإذا كانت تنتج النفط طبقا لحصتها (وليس أكثر من حصتها)، لا يستطيع أحد في العالم أن يعتدي علينا".
وقال: "لا نريد من السعودية فعل أي شيء إلا إنتاج حصتها من النفط في أوبك، حينها لا يستطيع أحد الاعتداء علينا؛ لأن العالم لا يمكنه التخلي عن إنتاجنا النفطي.. أتصور أننا ما زلنا نستطيع بناء علاقات معها"، وتابع: "لكن كما ترون هنالك من لا يرغب في إيران في ذلك".
وأعلن أنه من الممكن إقامة علاقات جيدة مع الرياض، منتقدا الذين يدلون بتصريحات "متشددة حيال السعودية من دون أن يفكروا في العواقب".
ويرى أن تدهور العلاقات الإيرانية السعودية في فترة من الفترات، سببه أن البعض في الداخل كان مستعدًّا لتعريض المصالح القومية لإيران للخطر مقابل منعه توطيد العلاقات مع السعودية.
وأشار رفسنجاني إلى زياراته المتكررة إلى السعودية ولقائه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله؛ حيث قال: "منذ سنوات عندما قمت بزيارة المملكة التقيت بالملك عبدالله وطرحت عليه الإشكالات التي يقال: إن بعض الحجاج الإيرانيين يعانون منها في المطارات أو أثناء زياراتهم لمقبرة البقيع، ولم يكن من العاهل السعودي، إلا أن قبل بصدر رحب ملاحظاتي، ووعدني بمتابعة الموضوع، وأخبرني حينها بأن حل هذه المشاكل العالقة هو في صالح بلدينا.
رفسنجاني.. شاه الثورة:
يعد رفسنجاني ملك إيران الحقيقي وهو ما يمكن أن يطلق عليه شاه الثورة الإسلامية وصانع الدولة الإيرانية، وإذا كان البعض يرى أنه يطمح إلى المقعد الأهم وهو المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، فإن آخرين يرون أنه يجيد أن يعلب دور مرشد الظل وملك الحكم؛ لذلك فإن كان يمثل تيار الإصلاحيين؛ لأنه يجيد قراءة الواقع والمستقبل ويرى أن الجيل الحالي في إيران من الشباب سأم من الحكم الديني ويسعى إلى رؤية جديدة لإيران؛ لذلك يعد رفسنجاني ليس أبا الإصلاحيين فقط بل مهندس الجمهورية الإسلامية وشاه الثورة.
وفاته
توفي يوم الأحد الموافق 8 يناير 2017.