مآلات فك الارتباط بين "جبهة النصرة" و"تنظيم القاعدة"

الأربعاء 27/يوليو/2016 - 07:17 م
طباعة مآلات فك الارتباط
 
أثار الاتفاق الروسي – الأمريكي حالة جدل جديدة حول فك ارتباط «جبهة النصرة» فرع القاعدة في سوريا عن التنظيم الأم ٬ تحت ضغط الاتفاق الأمريكي ­ الروسي بل وتم التسريب أن جبهة النصرة تنوي الإعلان رسميًّا عن هذا القرار، وأن اسمًا جديدًا يتردد لجبهة النصرة هو «جبهة فتح الشام»، كأسم نظيف لا وجود له على لائحة التنظيمات الإرهابية وهو ما يعد خطوة كافية لوقف قرار الولايات المتحدة وروسيا توجيه الضربات الجوية ضدها.
مآلات فك الارتباط
 وكشفت تقارير صحفية عن كواليس قرار الانفصال، وفكّ الارتباط بتنظيم القاعدة من خلال إعلان أميرها "أبو محمد الجولاني" خلال الأيام المقبلة، بفك ارتباطه بتنظيمه الأم القاعدة وإعلان کیان جدید سیضم جبهة النصرة وجيش المجاهدين والأنصار وكتائب صغيرة أخرى، وأن قادة "جبهة النصرة" في سوريا يدرسون قطع ارتباطهم بتنظيم القاعدة لتدعيم نفوذهم في شمال سوريا وتمهيد السبيل لتکوین كيان جديد؛ وذلك بعدما أصابها الضعف جراء تعرضه للضغوط من غارات القصف الجوي ومن تقدم القوات الكردية وقوات الجيش السوری، وإن مسئولين من أجهزة المخابرات تابعة لدول في المنطقة اجتمعوا مع أبو محمد الجولاني زعيم "جبهة النصرة" مرات عدة في الأشهر القليلة الماضية لتشجيعه على التخلي عن تنظيم "القاعدة" ومناقشة الدعم الذي يمكن لهذه الأجهزة تقديمه لهذه الجماعة الإرهابیة تحت مسمی جدید. مخابرات هذه الدول وعدت جبهة النصرة بمزيد من الدعم والأموال والإمدادات بمجرد أن تقطع صلاتها بالقاعدة، ومن المحتمل أن تؤدي المحاولة لإبراز "جبهة النصرة" في ثوب جديد وتزويدها بالدعم إلى تعقيد الحرب في سوريا؛ حيث تستعد أمریکا لتسليح مقاتلي المعارضة غير الجهادية وتدريبهم من أجل محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، وسيكون من أهداف الكيان الجديد محاربة تنظيم "داعش" المنافس الرئيسي لـ"جبهة النصرة" في سوريا.
مآلات فك الارتباط
"النصرة" التي تكونت بدايتها من المجاهدين الإسلاميين السُنّة، عربًا وأتراكًا وأوزبك وشيشانيين وطاجيك وقلة من الأوروبيين الذين كانوا جزءًا من تنظيم القاعدة بزعامة أبو مصعب الزرقاوي، وعقب اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، أرسلت القاعدة هؤلاء المجاهدين إلى سوريا، وتم عقد عدد من الاجتماعات بين أكتوبر 2011 ويناير 2012، في ريف دمشق وحمص بوسط سوريا، بحضور العديد من عناصر التنظيم، الذين قاتلوا في العراق وأفغانستان والشيشان وغيرها.
 وأصدرت الجبهة بيانها الأول في 24 يناير 2012، ودعت فيه السوريين للجهاد وحمل السلاح في وجه النظام السوري، واستطاعت توحيد التنظيمات الجهادية وعلى رأسها تنظيم «أحرار سوريا»، الذي أسسه الشيخ السلفي إبراهيم الزعبي، المقيم في مدينة مكة المكرمة في السعودية، وتتبع له مجموعات عسكرية منقسمة إلى كتيبة التوحيد وتنتشر في بعض مناطق حمص ودرعا وكتيبة «ذو النورين»، التي تنشط في محافظة حمص، وانتقل عدد كبير من عناصرها إلى بعض المناطق التي كانت تشهد مواجهات عنيفة في اتجاه حلب وإدلب، وتتلقى دعماً من الشيخ عدنان العرعور و«لواء صقور الشام»، الذي ينشط في ريف إدلب وينقسم إلى مجموعات عدة تعمل هناك وفي جبل الزاوية والمناطق القريبة من الحدود السورية التركية كما وحدت «فرقة السليمان»، الناشطة في حماه وإدلب، وضمّت اليها جبهة «المرابطون»، و«تنظيم أنصار الإسلام»، و«كتيبة مجاهدي غزة»، و«كتيبة خالد بن الوليد»، و«كتيبة الفاروق» (يقودها عبد الرزاق محمود طلاس)، و«كتيبة حمزة»، و«لواء الأمة»، و«أنصار الشريعة.
 وفي 9 أبريل 2014 أعلنت الدولة الإسلامية في العراق أن "جبهة النصرة السورية" امتدادًا له وبث أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم القاعدة في العراق رسالة صوتية أكد خلالها أن "جبهة النصرة" التي تحارب نظام بشار الأسد في سوريا المجاورة هي امتداد للتنظيم وجزء منه، وأن هدف جبهة النصرة هو إقامة دولة إسلامية في سوريا قائلا: "لقد آن الأوان لنعلن أمام أهل الشام والعالم بأسره أن جبهة النصرة ما هي إلا امتداد لدولة العراق الإسلامية وجزء منها، وأنه تم إلغاء اسم دولة العراق الإسلامية وإلغاء اسم جبهة النصرة وجمعهما تحت اسم واحد هو الدولة الإسلامية في العراق والشام". 
لكن "أبو محمد الجولاني" رد على إعلان البغدادي في اليوم التالي 10 أبريل 2014 أن الجبهة لم تستشر في إعلان الفرع العراقي للتنظيم، تبنيها وتوحيد رايتهما تحت اسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، قائلًا: "دار حديث حول خطاب منسوب للشيخ أبي بكر البغدادي زعيم دولة العراق الإسلامية، وذكر في الخطاب المنسوب للشيخ تبعية الجبهة لدولة العراق الإسلامية، ثم أعلن فيه إلغاء اسم دولة العراق وجبهة النصرة، واستبدالهما باسم واحد، ونحيط الناس علما أن قيادات الجبهة ومجلس شورتها والعبد الفقير المسئول العام لجبهة النصرة الجولاني، لم يكونوا على علم بهذا الإعلان سوى ما سمعوه من وسائل الإعلام، فإن كان الخطاب المنسوب حقيقة، فإننا لم نستشر ولم نستأمر".
مآلات فك الارتباط
وشدد على أن الجبهة "ستبقى كما عهدتموها" بعد إعلان البيعة الذي "لن يغير شيئًا في سياستها وستبقى راية الجبهة كما هي لا يغير فيها شيء اعتزازنا براية الدولة في العراق ومن حملها ومن ضحى ومن بذل من دمه من إخواننا تحت لوائها" ليؤكد على أن جبهة النصرة التي تحارب نظام بشار الأسد في سوريا قد بايعت زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، قائلا: "هذه بيعة من أبناء جبهة النصرة ومسئولهم العام نجددها لشيخ الجهاد الشيخ أيمن الظواهري فإننا نبايعه على السمع والطاعة".
وفي 12 مايو 2014م شنّ أبو محمد العدنانيّ الناطق الرسميّ لتنظيم "دولة العراق والشام"، هجومًا عنيفًا على الشيخين أيمن الظواهري أمير تنظيم القاعدة، وأبي محمد الجولاني أمير تنظيم جبهة النصرة في تسجيل صوتيّ جديد قائلا: "إنّ الدولة أرسلت عبر أبي حمزة المهاجر رسالةً لقيادة القاعدة أكدت فيها ولاء الدولة لرموز الأمّة المتمثّلين بالقاعدة، وتُخبرهم أنّ الكلمةَ لقيادة الجهاد في العالم لكُم، برغمِ حلّ تنظيمكم على أرض الدولة، حفاظًا على وحدة كلمة المجاهدين، ورصّ صفوفهم، وظلّ أمراء الدولة الإسلامية يُخاطبون قاعدة الجهاد خِطابَ الجنود للأمراء، وتلتزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه؛ ولذلك لم تضرب الروافض في إيرانَ منذ نشأتِها، وتركتهم آمِنين فيها، رغمَ قدرتها آنذاكَ على تحويل إيران لِبرَكٍ من الدماء، تاركةً الروافض ينعمون فيها بالأمن، امتثالاً لأمر القاعدة للحفاظ على مصالحها وخطوط إمدادها في إيران".
وكشفت هذة الملاسنات عن حجم الهوة والخلاف بين القاعدة وتنظيم داعش، وهو ما أنتج في النهاية ملامح وظروف "البيعة " بين جبهة النصرة باعتبارها أحد أفرع التنظيم الأم "القاعدة" مع احتفاظها بطبيعتها الخاصة في سوريا. 
 النصرة التى اعتبرت أنّها الفصيل الأقوى في ميدان المعارضة وإذا ما استُبعد داعش، فإنّ "النصرة" ستکون هي رأس حربة القتال ضد الجيش السوري.
 غير أنّ "النصرة"، فرع "القاعدة" السوري، لا ينطبق عليها وصف المعارضة "المعتدلة" وهي بالتالي، محاربة دولياً باعتبارها "منظمة إرهابية" لا يمكن دعمها علانية بالمال والسلاح. وبحسب المعلومات، فإنّ الضغوط الدولية والخليجية طوال الفترة الماضية كانت تركّز على دفع "النصرة" للانسلاخ عن "القاعدة"، وهو ما يعد محاولات لإضفاء الشرعية ونزع صفة الإرهاب عنها مقابل مكتسبات ستُحصّلها هذه الدول من دعمها "النصرة" إذا خرجت من عباءة الإرهاب المتمثّل بـ"القاعدة"، بحسب العرف الدولي إذ لا يختلف اثنان على أنّ "الجيش الحر" قد اندثر، فيما باقي "الكتائب" غير موحّدة، وبالتالي لا جود لأي قوّة يعوّل عليها لمواجهة النظام السوري سوى "النصرة". وقد باتت هذه الدول بحاجة ماسة إلى هذه القوة، وعليه تُريد تغييراً في شكل "النصرة"؛ كي لا تكون محرجة. فهل "الجبهة" مستعدة لهذا التنازل الشكلي؟ ولا سيما أنه لا يمس خيارات جهادية ولا يفرض التخلي عن الفكر السلفي، إنما هو ارتباط تنظيمي لا ارتباط فكري، فضلاً عن أن بإمكان "النصرة" التأصيل لهذه الخطوة بالقول إنها مرحلية للوصول إلى "التمكين" لاحقاً، مثلما سبق أن أصّلت التعاون مع أنظمة تعتبرها كافرة كالسعودية وتركيا.
مآلات فك الارتباط
غير أن فك الارتباط هذا- إن حصل- قد يحمل انعكاسات على تماسك قيادة "النصرة" وعناصرها إذ يمكن أن ترفض قيادات وعناصر لهذا التأصيل فيترتب عليه شق الصف. فما هو موقف الظواهري؟ وهل سيُعطيهم الشرعية؟ وما هو موقف الأمريكيين والدول الغربية من "النصرة" إن أخذت مشروعيتها من الظواهري؟ وهل يترتب عن ذلك تركها من قيادات وعناصر والالتحاق بـ" داعش" أو ولادة فصيل جديد؟ وهل سيخلق ذلك ازدواجية في تعاطي "القاعدة" مع الطرف الأميركي، فيكون حليفاً له في سوريا وعدوّاً في غيرها من الدول؟ ولا سيما أنّ الوقت الراهن يضعنا أمام طرفين: طرف عربي إقليمي بحاجة ماسة إلى "القاعدة"، في مقابل طرف جهادي يحتاج إلى احتضان دولي للتمكين على الساحة السورية.
 ولقد خرجت خلال الفترة الماضية معلومات عن شقاق داخل قيادة "النصرة"، وصراع بين مؤيدين ومعارضين لترك "القاعدة". وذُكر أنّ الجولاني يومها كان في صفّ الرافضين لفك الارتباط. غير أنّه خلال اليومين الماضيين، انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات التي تدور في فلك "القاعدة" بنقاشات بشأن فك الارتباط. وانقسم هؤلاء بين مؤيد ومعارض. فجرى تداول معلومات عن أنّ المسؤول العام لـ"النصرة" عمِل على "جمع تواقيع من المسؤولين في النصرة من أجل بتّ قرار فك الارتباط عن تنظيم القاعدة خلال الأيام المقبلة، أتى ذلك عقب اجتماع عقده (مجلس شورى) النصرة مع القاعدة في اليمن، أفضى إلى اتخاذ قرار فك الارتباط". غير أنّ ذلك لم يقطع نزاع الجهاديين. 
مآلات فك الارتباط
في حال أعلنت "النصرة" فك الارتباط، سيترتب عليها إزالة عبارة "تنظيم القاعدة" عن رايتها، كما ستنشأ مكتب سياسي مع توجّه لتغيير الاسم لاحقاً بعد التوحّد مع بعض الفصائل ولكن ليس من المتوقع أن تتغير عقيدة الكيان الجديد فقد حارب الجولاني مع "القاعدة" في العراق وحارب بعض القادة الآخرين في أفغانستان وتربطهم صلات وثيقة بزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري ه وهناك عدد من عوامل تجمع مابين الترابط والتماسك في بيعة تنظيم جبهة النصرة للقاعدة الأم حيث تشير القراءة الأولية لتصريحات أمراء القاعدة ومنظريها توجه الأخيرة للانتقال من مشروع الجهاد العالمي والتنظيمات العابرة للحدود إلى مفهوم الجهاد المحلي داخل حدود المجتمعات وضمن هذا التوجه تعتبر جبهة النصرة تجربة جديدة لتنظيم القاعدة، والحامل الأساسي لقياس نجاعة هذه الاستراتيجية.
وإن تحولات المشهد السوري ومعطيات واقع القاعدة الحالي تملي عليها إعادة النظر في بنيتها التنظيمية وإعادة تعريف علاقتها مع فروعها وجعلها أكثر مرونة وأكثر محليةً، بشكل يحسن تموضعها، إلا أن هذه التحولات والمعطيات لا تهيئ لعوامل فك البيعة من قبل النصرة منفردةً، فالقاعدة تمدها بشرعية سياسية تحميها من تسرب عناصرها باتجاه تنظيم الدولة، فضلاً عن وجود مقاتلين وقادة ولاؤهم الأول للظواهري وبالتالي يستوجب إعلان حل البيعة قدرة النصرة على مقاومة عوامل الانحلال الذاتي من خلال اكتساب مد شعبي متجذر يزودها بشرعية محلية بديلة. 
 وقد يؤدي حلّ البيعة إلى انسيابية انضمام العناصر من مختلف الفصائل إلى النصرة، بعد إزالة هامش الفرق بينها وبين باقي التجمعات الإسلامية العسكرية. كما أنه يفتح الباب واسعاً أمام انضمام فصائل بالكامل إلى النصرة باعتبارها مشروع إسلامي محلي، وذلك لتمتعها بحاضنة شعبية محلية، واتّصافها بجدية القتال ضد النظام، وانتمائها لمشروع سلفي جهادي تتقاطع فيه بدرجة كبيرة مع عدد من الفصائل الإسلامية، ولتفوق بنيتها التنظيمية على معظم القوى الوطنية. 
 وعند حل البيعة فإن المستهدف به ليس كامل جبهة النصرة، وإنما التعويل هنا على تيار محدد لقب "بالإصلاحي" أو الأنصار ممثلاً بـ (أبو ماريا القحطاني، ومظهر الويس) أكثر من التيار الملقب بالحرس القديم أو الصقور ممثلاً بــــــ (سامي العريدي)، إلا أن فك الارتباط لا يعني سياسياً التبرؤ من فكر القاعدة بقدر ما هو فعل إعلامي ذو أهداف تكتيكية، أي أن فك الارتباط عبر هذا التيار قد يأتي في سياق تدجين القاعدة داخل المجتمع السوري وتجذيرها.
مآلات فك الارتباط
بالإضافة إلى أن غياب مشاريع إسلامية أو سياسية ناضجة للمعارضة لا يزال يساهم بشكل فعّال في استمرار حالة الفراغ السياسي، ويسمح لأصحاب المشاريع الأخرى الانفراد بالساحة ومصادرة المبادرة السياسية والدينية على الصعيد المحلي فأغلب قوى المقاومة الوطنية الإسلامية على الأرض لم ترق بعد لمشروع وطني جامع، إضافة للائتلاف الوطني السوري والذي لم يستطع بحكم بنيته وظروف المشهد السوري الإقليمية والدولية من جعل الحاضنة الثورية تلتف حول رؤية سياسية واضحة. وفي ظل حالة الفراغ هذه فإن تقديم النصرة كفصيل سوري داخلي لا يرتبط بالقاعدة، قد يؤدي إلى دعم تحويلها إلى مشروع بشكل أو بآخر. 
مما سبق نستطيع التأكيد على أن تحرر "جبهة النصرة " من تبعيتها للتنظيم العالمي وحصر ولاءاتها لصالح المصلحة الوطنية السورية- أصبح أمرًا معقدًا بعد الصراعات الداخلية بين الجماعات السلفية الجهادية المسلحة في سوريا من جهة والمجتمع الدولي من جهة ثانية، والنظام السوري من جهة ثالثة، وقد يؤدي حلّ البيعة إلى انسيابية انضمام العناصر من مختلف الفصائل إلى النصرة، بعد إزالة هامش الفرق بينها وبين باقي التجمعات الإسلامية العسكرية، كما أنه يفتح الباب واسعاً أمام انضمام فصائل بالكامل إلى النصرة باعتبارها مشروعًا إسلاميًّا محليًّا. 

شارك