بعد ذبح الكاهن.. الموجات الدينية تعود إلى فرنسا والمسلمون يشاركون في القداسات

الإثنين 01/أغسطس/2016 - 01:11 م
طباعة بعد ذبح الكاهن..
 
تعتبر جريمة ذبح  الكاهن جاك هاميل 84 عامًا حدثًا مروعًا لكل الفرنسين، فالمسيحيون يشعرون بالاستنكار والغضب، والمسلمون يقفون موقف المتهم؛ لذلك تباينت ردود الفعل ولكن جمعتها كلها رفض الكراهية للمختلف، فقداس أمس الأحد 31 يوليو 2016 كان غريبًا ومختلفًا تمامًا؛ لأن حضور المسلمين كانوا أكثر بكثير من المسيحيين أنفسهم؛ حيث حضر مسلمون من مختلف أنحاء فرنسا قداس الأحد الذي أقيم في الكنيسة التي تعرضت للهجوم الأسبوع الماضي، واستشهد فيها الأب جاك هاميل (84 عامًا)، وذلك بعد أن حثّ المجلس الإسلامي في فرنسا المسلمين على أن يعبروا عن تضامنهم مع الشهيد والكنيسة. وقال رئيس المجلس أنوار كبيبش: "كلنا كاثوليك فرنسا".
وأقيم القداس في كل من كنيسة روان في منطقة سان إتيان دي روفراي ونوتردام في باريس. وقال أسقف روين دومينيك ليبرون: "تأثرنا جدًا باللفتة، هي لفتة إخاء مهمة. قالوا لنا، وأظن أنهم صادقون، إن من قتل الكاهن ليس الإسلام".
وقال محمد كارابيلة "كان مهمًّا جدًّا بالنسبة لي أن أكون حاضرًا. حتى الآن عملت الجالية الإسلامية أشياء كثيرة لكن غير مرئية، كان من الضروري أن نكون مرئيين، ونحن نقبل الأسقف، حتى يعلم الجميع أننا متحدون".
وحضر مسلمون في إيطاليا أيضًا قداس الأحد، وجلس ثلاثة أئمة في الصف الأول في كنيسة سانتا ماريا تراستيفيري في روما.
وقال محمد بن محمد وهو عضو في اتحاد الجاليات الإسلامية في إيطاليا: "المساجد ليست الأمكنة التي يصبح فيها المسلمون متشددين. المساجد تفعل شيئًا عكس الإرهاب: تنشر السلام وتشجع الحوار".
وحول أثر الحادث على المسيحيين كتب الكاتب آلان سركيس – بجريدة "الجمهورية" اللبنانية:
تركت حادثة ذبح الكاهن الفرنسي جاك هامل داخل الكنيسة أثراً كبيراً في نفوس الفرنسيين؛ نظراً إلى وحشية الجريمة، والرسالة الضمنيّة التي بُعثت من ورائها، وربما ذكّرت الشعب الفرنسي بأنّ هذا البلد مسيحيٌّ بعدما ذهب إلى العلمنة الشاملة. لم يكن لبنان في منأى عن كلّ أشكال الإرهاب والاضطهاد الذي أخذ صبغة دينية وطائفية وسياسية على مرّ التاريخ، لكنّ مسيحيّي لبنان يتمسّكون علناً بدينهم، ويعملون على الحفاظ على دولتهم التي تضمّ الجميع، مسلمين ومسيحيين، رافضين كلّ أشكال الدويلات الطائفية والمذهبية، على رغم أنه كان في استطاعتهم تأسيس دولة مسيحية عام 1920 بدعم فرنسيّ، لكنهم فضّلوا وطناً قابلاً للحياة على دويلة لا أفق واضحاً لها.
يختلف الوضع بين لبنان في الشرق، وفرنسا في الغرب. فباريس تُعتبر المثال الأبرز للعلمنة العالمية التي انطلقت بعد الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789، وأتت كردّة فعل على تصرفات بعض رجال الدين واستغلالهم السلطة في زمن كانت تعيش فرنسا وكلّ أوروبا عصرَ ظلام ديني.
الفرق بين جوهر الدين وتصرّفات بعض رجاله كبير جدّاً، فقد ذهبت فرنسا بعيداً في العلمنة، إلى درجة أنها تخلّت عن مسيحيّتها، وهذا الأمر عبَّر عنه البابا فرنسيس عندما قال منذ مدّة: «لا أخفي عتبي على فرنسا، فهي الإبن الضال الذي تخلّى عن مسيحيّته».
وأمام هذا الواقع، وبعد تكرار الهجمات الإرهابية، وكان أبرزها ذبح الكاهن، عادت الموجة الدينية لتظهر مجدّداً في فرنسا، حيث نادى رجال الدين بعودة فرنسا إلى جذورها ومسيحيّتها، مع العلم أنّ الواقع الشعبي يفرض نفسه لأنه ليس سهلاً على أجيال تربّت على العلمنة الشاملة أن تطبّق تعاليم دينية ربما باتت تعتبرها غريبة عنها وخارج تقاليد حياتها اليومية. فهل ستعود أجراس الكنائس لتقرع مجدّداً في فرنسا، هل ستمتلئ الكنائس بالمؤمنين؟ أسئلة كبيرة، وحدها الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة عنها.
بين موارنة لبنان وفرنسا ارتباطٌ ثقافيٌّ ودينيّ وعلاقاتٌ تتخطّى كلّ الأطر الطائفية لتصل إلى علاقات متينة بين البلدين. وفي سياق تعليقه على إمكان عودة فرنسا إلى تطبيق التعاليم المسيحية مجدّداً، يؤكد راعي أبرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون لـ«الجمهورية» أنّ الأعمال الإرهابية تكرّرت في فرنسا، ولبنان يشعر بالتضامن معها نظراً إلى الروابط التاريخية والثقافية، لكن في اللحظات الصعبة تكون العودة إلى المسيح والله هي الحلّ للتغلب على الصعوبات».
ويشدّد على «عمق الإيمان المسيحي الذي يجعل الشعب الفرنسي وأيّ شعب يصمد»، لافتاً إلى أنّ «جريمة ذبح الكاهن مؤثرة، والمسيحيون الأوائل قدّموا شهداء نتيجة الإضطهاد، فكنيستنا لها شهداء قديسون أعطوا ثمارهم في الأرض».
من هنا يؤكّد عون أنّ «الكاهن هامل الذي ذُبح في كنيسته هو قربان يقدّم فداءً للمسيح، وبالتأكيد سيأتي بثمار، وربما تكون عودة الفرنسيين إلى دينهم أبرزها».
لا تحتاج فرنسا إلى موجة تبشيرية لأنّ شعبها في الأساس مسيحي، وفي هذا الإطار يشدّد عون على أنّ «الكهنة في فرنسا والفاتيكان يقومون بدورهم، وكلام البابا كان واضحاً، وتوعية الفرنسيين للعودة إلى الله يدخل في صلب مهمتهم؛ لذلك الإيمان هو الدافع لصون الذات، على رغم أنّ هذا الأمر يحتاج وقتاً».
قد تكون فرنسا تدفع ثمن استقبالها أعداداً كبيرة من المهاجرين، فيما لبنان يرزح تحت أثقال المهجّرين، وبالتالي فإنّ الارتباط بين البلدين على رغم الفرق في الحجم والشكل والقوة، كبير جداً.
في تاريخ تطوّر الشعوب، تُرتكب أخطاءٌ عدّة، وفرنسا الدولة العلمانية تدفع ثمناً كبيراً ربما فداءً عن كلّ أوروبا التي تخلّت أصلاً عن مسيحيّتها، لكن في حسابات الدول، السياسة والاقتصاد هما الأساس، فيما يُترك الدين للشعوب التي تختار طريقها، وتلك الصبغة الدينية لا يمكن محوها، إذ إنّه وعلى رغم تطرّف فرنسا في العلمنة، لكنّ العالم ما زال يُعرّفها على أنها دولة مسيحيّة.

شارك