الإلحاد في مصر.. بين تنامي الظاهرة وسبل مواجهة المؤسسة الدينية
الأربعاء 15/أكتوبر/2014 - 06:56 م
طباعة

يعتبر الحديث عن وجود ملحدين في مصر من المناطق الشائكة، فاعتبار أن مصر من البلدان المتدينة شيء مقدس ومسلم به، وأن التطرق للكلام عن الملاحدة يعتبر مساسا بهذا الاعتقاد.

الشيخ أحمد الطيب
ويكون التعامل مع القضية إما بالتكتم أو الإنكار، لكن يبدو أن ظاهرة الإلحاد انتشرت بشكل واسع حتى أخرجت الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر من صمته، ودعته للتصريح بأن الإلحاد ليس موضوعًا هامشيًّا، بل من التحديات الكثيرة التي تواجه البلاد، محذرا في نفس الوقت من تفشي هذه الظاهرة .
تزامنت تصريحات الطيب مع دعوة البعض بسن تشريع يمنع نشر العلمانية، فيما ينظم مجلس كنائس مصر مؤتمرًا للشباب لمناقشة الإلحاد بمشاركة 100 شاب وفتاة مقسمين على 20 كنيسة من خمس كنائس مصرية مؤسسة لمجلس كنائس مصر، وبمشاركة عدد من قادة الكنائس.
وجاءت هذه الحملة متزامنة مع إعلان الحكومة تصديها للظاهرة، فأعلن وزير الأوقاف محمد مختار جمعة ووزير الشباب والرياضة خالد عبد العزيز عن إطلاق حملة قومية لمكافحة ظاهرة انتشار الإلحاد بين الشباب، والاستعانة بعدد من علماء النفس والاجتماع والسياسة والأطباء النفسيين.
انتشار الظاهرة

الإلحاد في مصر لا يؤثر علي الإسلام أو المسيحية
أثيرت قضية الإلحاد بعد ثورة 25 يناير، الشباب اعتقد بأن الثورة لا بد أن تعطي مساحة أوسع للتعبير عن الأفكار والمعتقدات، بجانب صعود تيار الإسلام السياسي المتشدد أحدث ردة فعل في الاتجاه المعاكس، وقد أعدت شبكة "بي بي سي" الإخبارية تقريرًا للإجابة على التساؤل الذي بات يطرح نفسه بشدة على الساحة الدينية في مصر، هل هناك حقًا 3 ملايين ملحد في مصر؟
وذلك بعد دراسة أمريكية صادرة عن مؤسسة "بورسن مارستلير" بنيويورك، كشفت أن عدد الملحدين في مصر وصل إلى 3% من عدد السكان، أي أكثر من مليوني ملحد، وفقًا لاستطلاع أجرته جامعة إيسترن ميتشيغان الأمريكية .
وفسرت بعض وسائل الإعلام المصرية بأن عدد الملحدين ارتفع بشكل كبير خلال حكم الإخوان، مؤكدين في نفس الوقت أن هذا التزايد في صفوف الملحدين ليس له أي تأثير على الإسلام أو المسيحية في البلاد.
وحسب المؤشر العالمي للأديان والإلحاد بمركز «ريد سي» فإن 32.4٪ من ملحدي مصر في الفئة العمرية من 15 إلى 24 سنة و36٪ في الفئة العمرية (25- 34 سنة) و18.9٪ في الفئة العمرية (35- 44 سنة) و9.2٪ في الفئة العمرية (45- 54 سنة) وحوالي 2.5٪ في الفئة العمرية (55- 64 سنة) و1٪ أكثر من 65 سنة. وحسب أرقام ذات المركز فإن 73.8٪ من الملحدين ذكور و26.2٪ نساء.
التشريع المصري

الدستور المصري
ورغم أن المادتين (64) و(65) من الدستور المصري الجديد على أن حرية الاعتقاد مطلقة وأن حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، فإن القانون المصري يعطي الحق في محاكمة أي مواطن بتهمة ازدراء الأديان، والتي تصل عقوبتها للسجن بين 3 إلى 5 سنوات، ويمكن استخدام هذا القانون ضد أي مواطن يعلن صراحة عن إلحاده، بل وتطبق هذه القوانين على كل من له آراء تخالف التفاسير المتفق عليها للنصوص الدينية، ومن المعروف ما حدث مع نصر حامد أبو زيد الذي تم تكفيره والحكم بتطليقه من زوجته بحكم صادر من المحكمة.
وقد رصدت " المبادرة المصرية لحقوق الإنسان" 48 قضية تحت مسمى ازدراء الأديان فقط منذ اندلاع ثورة 25 يناير عام 2011 حتى نهاية عام 2013.

ألبير صابر
ومن بعض الأمثلة على هذه القضايا، قضية اتهام ألبير صابر بازدراء الأديان، التي حكم عليه فيها بالحبس ثلاث سنوات في مطلع عام 2013؛ لاتهامه بنشر صور الفيلم المسيء للرسول الكريم، على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، ومن ضمن الاتهامات التي وجهتها له النيابة هي إعلان الإلحاد، وقد قال وكيل النائب العام في مرافعته: "المتهم الماثل أمامكم سيدي الرئيس أعلن كفره وإلحاده عبر محافل عامة، وجهر بأفكاره عبر شبكة المعلومات الدولية، واستباح لنفسه ما لم يأت به السابقون له أو اللاحقون عليه في هذا المجال، وسب أنبياء الله المختارين، وتهكم على الشعائر المقدسة وعلى الكتب السماوية، وهما القرآن والإنجيل وكثير مما حوته أوراق القضية تفصيلا، ومما يتنافى مع الفطرة الإنسانية السليمة بزعم حرية الرأي والتعبير"...

دميانة عبيد عبد النور
قضية أخرى في يونيه 2013 أصدرت فيها محكمة جنح مستأنف الأقصر بحبس المعلمة دميانة عبيد عبد النور، 6 أشهر في دعوى اتهامها بازدراء الإسلام. وكانت محكمة جنح الأقصر الجزئية قد قضت في 11 يونيو 2013، بتغريم المتهمة مائة ألف جنيه، وإحالة الشق المدني للمحكمة المدنية المختصة، وذلك في الدعوى رقم 1647 لسنة 2013 جنح الأقصر.
وكانت هذه القضية هي الثالثة من نوعها في محافظة الأقصر خلال النصف الأول من عام 2013، فقد أصدرت نفس هيئة المحكمة- جنح مستأنف الأقصر- حكمًا في 13 أبريل الماضي في القضية رقم 672 لسنة 2014، برئاسة أحمد عبد المقصود بالحبس 6 أشهر لكلٍّ من: شهيرة محمد أحمد سليمان، وخليفة محمد خير، بتهمة ازدراء الدين الإسلامي، وألزمت المحكمة المتهمينِ بدفع المصروفات.
التعامل مع الظاهرة

الشيخ أحمد عمر هاشم
وتتعامل المؤسسات الدينية الرسمية مع الإلحاد باعتباره مرضًا لا بد من استئصاله، ويأتي ذلك من خلال ندوات التوعية والخطب الدينية في الجوامع ودروس التوعية في الكنائس، لكن يبدو أن هذه الوسائل أصبحت تقليدية ولا تستطيع مواجهة أسئلة الشباب عن الظواهر العلمية التي تتخطى حدود الميتافيزيقا.
ويرى الكثيرون أن أغلب رجال الدين غير مؤهلين علميًّا للتعامل مع أسئلة الشباب، فالشيوخ أو القساوسة متخصصون في المجالات الدينية وليس العلمية، وحين يتوجه إليهم أحد بسؤال حول أمور غيبية لا يكون هناك رد من قبلهم، أو يكون الرد "لا تجادل ولا تناقش".

الملحد في لقاء في قناه فضائية
بينما تعاملت المؤسسات الدينية غير الرسمية مثل القنوات الدينية الفضائية بالتحريض على الملحدين بل والتحريض على كل رأي مخالف لفكرهم، بداية من التحريض على شيوخ الأزهر المعتدلين انتهاءً بالسياسيين الليبراليين أو أي داعٍ لفكرة العلمانية.
ويرى بعض رجال الدين المعتدلين أن هذا نوع من التطرف الديني الذي زاد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة في مصر، وهذا بدوره أدى إلى تفشي ظاهرة الإلحاد بشكل كبير، فيرى هذا الرأي أن المغالاة في الدين ينفر الشباب منه، كما حدث في أوروبا في القرون الوسطى حين سيطرت الكنيسة بشكل كبير على كل مناحي الحياة فحدثت ردة عقائدية في المجتمع.
بينما تعامل الإعلام المصري مع الملحدين باعتبارهم مرضى نفسيين ويحتاجون إلى علاج للتخلص من الأفكار التي يتحدثون عنها، وفي أحيان أخرى تم التعامل معهم مثل وباء أو مرض يجب استئصاله، وكان أبرز مثال على التعامل مع الظاهرة بشكل فيه مواجهة عنيفة من جانب الإعلام حلقة الإعلامية "ريهام سعيد" على إحدى القنوات الفضائية والتي هاجمت فيها الشاب المستضاف معها في الحلقة بشكل عنيف ثم طردته في نهاية الحلقة.
في الاتجاه المعاكس أنشأ الملحدون راديو على اليوتيوب وصفحة على فيس بوك أسموها "البط الأسود" ليكون منبرهم الإعلامي الذي يعبرون من خلاله عن آرائهم، في إشارة إلى النظرة التي يرى بها المجتمع الشخص الملحد وكأنه البطة السوداء وسط البط الأبيض.
كذلك كانت هناك بعض المحاولات الإعلامية الأخرى مثل المجلة التي أسسها عدد من الملحدين والعلمانيين وألقوا عليها اسم "مجلة علمانية"، وهي متخصصة في نشر أفكار الكتاب والمفكرين الملحدين والعلمانيين.