تركيا بين دعم الإرهاب والاكتواء بناره
الأربعاء 31/أغسطس/2016 - 05:13 م
طباعة
مدخل
تباينت العلاقة بين تركيا وتنظيم داعش الإرهابي، ما بين تأييد للتنظيم وتبادل المصالح، وحتى تنفيذ عمليات إرهابية داخل تركيا، وسط اتهامات لأنقرة من مختلف الدول الأوروبية والمحللين السياسيين بدعم المسلحين التابعين لداعش، وصرف النظر عن المسلحين الذي يعبرون حدودها للالتحاق بصفوف داعش، بل لا تزال الذاكرة محفوظة برفض الحكومة التركية الانضمام للتحالف الدولي الذي بدأ عملياته ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة في سبتمبر 2014، وزعمت بعدم المشاركة بوجود رهائنها في قنصلية الموصل في قبضة التنظيم الإرهابي، ورغم الإفراج عن رهائنها، رفضت تركيا المشاركة في التحالف لضرب داعش سواء في سوريا أو العراق.
وظلت تركيا العضو في الحلف الأطلسي في آن واحد حليفًا من الوزن الثقيل والحلقة الضعيفة في التحالف ضد تنظيم "داعش"، حيث كانت أولوية رجب طيب أردوغان "تتمثل أولويته في إسقاط نظام بشار الأسد واحتواء الأكراد، أما مكافحة تنظيم "داعش" فهي أمر ثانوي تماما" بالنسبة له، كما عقًد إسقاط سلاح الجو التركي طائرة روسية الثلاثاء جهود إرساء تحالف موسع ضد التنظيم الجهادي. إلى ذلك يتم إتهام تركيا بغض الطرف عن نشاطات "داعش" على أراضيها، كشراء النفط المهرب من العراق وسوريا، ما يسهم في تمويل نشاطات داعش محليا ودوليا.
وتبادلت أنقرة الاتهامات مع الغرب بشأن المسئولية عن انضمام مئات الشباب القادم من الغرب لداعش في سوريا، فالغرب يتهم حكومة تركيا وأردوغان بغض الطرف عن عبورهم بسهولة إلى سوريا، وأنقرة تتهم الغرب بعدم التعاون الأمني معها، بعد أهمل الأمن التركي ملاحقة أفراد التنظيم المتطرف في البلاد، على قاعد أن داعش لم يلحق أضرارا بتركيا، ولم يخطر ببال المسئولين أن المقاتلين الأتراك في داعش قد يعودوا ليشكلوا خطرا على بلدهم، رغم التحذيرات التي أطلقتها المعارضة التركية.
وفرضت أنقرة شروطها على التحالف الدولي لمواجهة إرهاب داعش بقيادة الويات المتحدة، لذا وضعت شروطا للمشاركة أساسها أن الحرب يجب أن تستهدف النظام السوري كذلك، وأن الهدف يجب أن يكون إسقاطه وليس التخلص من داعش فقط، ولا شك أنها الدولة الوحيدة التي تمتلك قوة عسكرية قادرة على التدخل، ويبدو أن تركيا تريد ذلك، لكن ليس بأي ثمن، بل تهدف إلى تغيير النظام السوري بالتحديد، وربما كانت هي الوحيدة التي تمتلك هذا الطموح، لأنه لا يبدو أن أمريكا قد طرحت على ذاتها هذا الأمر إلى الآن، وربما يتعلق الأمر أيضا بتطورات الوضع في العراق، وبالتفاهم الممكن مع إيران.
وحصل أردوغان على "امتيازات" كبيرة من بشار الأسد فترة "الصداقة الشخصية" بينهما، حيث وقّع الطرفان تحالفا استراتيجيا، شمل تشكيل سوق حرة، الأمر الذي جعل سوريا سوقا مهمة للاقتصاد التركي، وممرا مهما للسلع إلى الخليج، إضافة إلى الامتياز السياسي الذي حصلت عليه تركيا في سعيها لأن تهيمن على سوق الشرق الأوسط.
ويري محللون أن مشكلة تركيا تركزت في تعاملها مع الثورة السورية من منظور ضيّق قام على أساس ترتيب سلطة بديلة تابعة لها، في وضع كانت فيه الأحزاب التي اعتمدت عليها غير جديرة بأن تكون قيادة للثورة، وعلى العكس من ذلك كانت ضارّة لأنها بنت سياساتها على أساس صراع غريزي ضد السلطة وبمنظور طائفي، كانت السلطة السورية بأشدّ الاحتياج إليه لتأكيد خطابها الذي قام على طائفية الثورة. وبالتالي كانت تركيا تضع ذاتها في المأزق من الأساس.
واهتمت أنقرة بأن يكون البديل عن النظام القائم نظاما يرتبط بها لكي تستمر في تكريس كل الامتيازات التي حصلت عليها من نظام بشار الأسد، وهي كبيرة ومهمة، لهذا ارتبكت موسكو حين وجدت أن أمريكا تساوم روسيا على سوريا، فأسهمت في دخول "الجهاديين" من أجل أن تربك التوافقات التي كانت تجري بين كل من روسيا وأمريكا، لكن عجز روسيا عن الاستفادة من التفاهم مع أمريكا لترتيب بديل عن بشار الأسد خلال مؤتمر جنيف2، جعل تركيا تعتقد أنه يمكن أن تعيد فرض شروطها، وتحظى بموافقة أمريكية لأن تتولى ترتيب وضع النظام الجديد في سوريا.
وتعاود تركيا طرح طموحها الذي تعتقد أنه الضرورة التي ستجعلها قوة مهمة، فهي تعتقد بأن أمريكا ستضطر للموافقة على شروطها نتيجة حاجتها لإنهاء داعش، وهي هنا تنطلق من أساس خاطئ في التحليل. لكنها في كل الأحوال لا تستطيع المشاركة في "الحرب" على داعش وفق المنظور الأمريكي الذي يتجاهلها أصلا، ويركّز على إيران بدلا عنها.
وهناك أرقام رسمية تشير إلى أن تنظيم "داعش" يملك الكثير من الأنصار. هناك حسب التقديرات أكثر من 500، بل حتى 1500 من المناصرين الأتراك للتنظيم الذين التحق عدد كبير منهم بعمليات القتال في سوريا والعراق.
من جانبه قال الخبير الألماني جونتر ماير أن الحدود التركية مخترقة من قبل مقاتلي "داعش" من وإلى سوريا، غير أن حكومة أنقرة باتت تحارب التنظيم الإرهابي، وبالتالي تحول الرئيس أردوغان إلى عدوها الأول، مشيرا في حوار مع شبكة دويشته فيله، أنه في السابق كان تنظيم "داعش" من منظور تركي يدعم الهدفين الرئيسيين اللذين كان أردوغان يريد تحقيقهما في سوريا، وهما من جهة الإطاحة بنظام بشار الأسد الذي يراد له أن يُعوض بنظام سني موال لتركيا، ومن جهة أخرى يريد أردوغان بكل الوسائل تفادي قيام منطقة كردية مستقلة أو حتى دولة كردية في الأرض السورية على الحدود الجنوبية لتركيا، كما أن النجاحات العسكرية السابقة "للدولة الإسلامية" ضد الأكراد في شمال سوريا وغزو كوباني كانت بلا شك في مصلحة تركيا. لكن ما نعايشه حاليا هو تحول، لا سيما لأن تركيا سمحت للولايات المتحدة الأمريكية باستخدام القاعدة الجوية في إنجرليك لتنفيذ هجمات جوية من هناك على أهداف "داعش". وحتى طائرات تورنادو الاستطلاعية الألمانية تنطلق من انجرليك، فذلك ليس بالتأكيد في مصلحة التنظيم الإرهابي.
أكد أن تركيا لم تدعم في السابق فقط صادرات الأسلحة وموارد تنظيمية أخرى لـ"داعش"، بل إنها سمحت بمرور متعاطفين أجانب مع "داعش" إلى سوريا. وبعض الجرحى من "داعش" تم تطبيبهم في مستشفيات تركية. وحتى الدعم المالي من أنصار "داعش" من العالم الإسلامي مر عبر تركيا. واستفادت تركيا من شراء البترول السوري (المهرب من داعش) وضمنت بالتالي أحد أهم الموارد المالية لـ"داعش"/ ولكننا اليوم نعايش تحولا تاما، إذ أن الدعم التركي لـ"داعش" تراجع بالخصوص بسبب ضغط الولايات المتحدة الأمريكية.
تفجير سروج:
إلا أن تركيا استيقظت على الحقيقة مع تفجير سروج الانتحاري في أغسطس الماضي، الذي أودى بحياة أكثر من 30 شابا كرديا جنوب شرقي البلاد. رغم ذلك اعتبر تيار في السلطة أن التفجير استهدف الأكراد انتقاما لكوباني ولم يستهدف تركيا، وأهمل الأمن التحقيق في الهجوم.
وتغير موقف تركيا من داعش فجأة، إذ انضمت للتحالف الدولي وفتحت له قواعدها العسكرية بزعم إطلاق داعشي النار على حرس الحدود وقتل جندي تركي، لكن أنقرة استغلت الأمر لتمرر هجماتها على حزب العمال الكردستاني، ولم ينل داعش من ضرباتها ضمن التحالف شيئا يذكر، حتى عاد تنظيم داعش الكرة من جديد مستهدفا قلب تركيا وعاصمتها بتفجير انتحاري مزدوج قتل أكثر من 100 شخص، فبدا أنه لا بد من التحرك، لكنه جاء متأخرًا.
ودفع الأمن التركي ثمن تأخره في مواجهة داعش عندما قتل رجلين منه في مداهمة خلية لداعش في ديار بكر، ثم الهجوم على مجموعة سيّاح أجانب في منطقة سياحية مهمة في اسطنبول بمثابة هجوم على استقرار تركيا وعلى ثقة الغرب بها.
وفى تقرير موسع لها تساءلت صحيفة دير شبيجل الألمانية عمّا إذا سيتمكن الرئيس أردوغان من وضع حد لعمليات تنظيم داعش؟ أو بالأحرى، عمّا إذا كان يريد ذلك بالفعل؟، يأتي ذلك بعد أن فقد عشرة ألمان حياتهم في هجوم أمام مسجد السلطان أحمد منذ شهور، فيما اصيب ثمانية، بعضهم في حالة خطيرة، وأغلبهم أشخاص متقدمون في السن ومتقاعدون جاءوا من انحاء مختلفة من ألمانيا رغبة منهم في التنقل والترحال والتعرف على مناطق جديدة، حيث وقع التفجير في منطقة سلطان أحمد التي يؤمها ملايين الزوار سنوياً من كل حدب وصوب، ويلتقطون فيها صور سيلفي ويتجولون في انحائها التي تجمع بين الماضي والحاضر.
وزادت علامات الاستفهام بشأن تصعيد تنظيم داعش ضد تركيا، والإشارة إلى أن هذه العمليات تعد إهانة لأجهزة الدولة التي أثبتت مجددًا عدم قدرتها على منع جريان الدم في منطقة حيوية، كما أن توالى العمليات الإرهابية يلحق هذا الهجوم اضرارًا بالسياحة في البلاد وهو قطاع اقتصادي مهم بالنسبة لتركيا، كما أن الهجوم وقع في مدينة ضخمة يتجاوز عدد سكانها 14 مليون شخص مع عشرة ملايين زائر يومياً، فاسطنبول في النهاية هي قلب الاقتصاد في تركيا ورمز التعايش بين الإسلام والحداثة حتى لو لم تكن عاصمة البلاد السياسية.
من جانبها استغلت اسطنبول الموقف لصالحها، وفسرت الحكومة التركية هجوم اسطنبول باعتباره مؤامرة، وقال رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو إن "قوى سرية" تستخدم تنظيم داعش مثل "مقاول ثانوي"، كما تعتمد الحكومة التركية على تفسيرات قائمة على نظرية المؤامرة لتغطي فشلها، يأتي ذلك في الوقت الذي اعتادت فيه تركيا على التقليل من شأن الخطر الذي يمثله الإسلاميون المتطرفون، وهو ما ساعدهم على البروز أكثر إذ تصور أردوغان أنه سيتمكن من التخلص من نظام بشار الأسد بمساعدة متزمتين سوريين غير انه تجاهل حقيقة مفادها أن تنظيم داعش يزداد قوة أو قبل بها.
كما رحبت تركيا أيضا بـ "الجهاديين"، عكس الأردن الذي منعهم من دخول الاراضي السورية ولم يتم رصد "جهاديين" من تونس والسعودية ودول القوقاز ومن أوروبا الغربية، كما لم يتم منعهم من عبور الحدود إلى سوريا رغم أن رصدهم ما كان صعبًا على الإطلاق، ففي مطار هتاي في جنوب تركيا يمكن مشاهدة أشخاص ملتحين يظهر عليهم تعب المعارك وتلاحظ آثار طين على احذيتهم.
ولسنوات كانت لتنظيم داعش شقق ومستودعات وحتى معسكرات تدريب في تركيا وتمكن أيضًا من تنظيم عمليات تجهيز بالأسلحة والذخيرة والاغذية والادوية عن طريقها. كما أرسل تنظيم داعش مقاتليه المصابين للعلاج في مستشفيات تركية قرب الحدود مع سوريا. اضف إلى ذلك أن شركات مشبوهة أصدرت تراخيص عمل لـ "مجاهدين" أجانب تخولهم للحصول على إقامة عمل لمدة عام كامل.
وينشط التنظيم أيضا في تركيا في مجال كسب موالين دون خوف من أي تدخل، وذكرت الصحيفة ان مسئولين تجاهلوا معلومات قدمتها أسر تركية انضم أولادها إلى التنظيم. ففي عام 2014 تمكن التنظيم من كسب موالين في اسطنبول وفي انقرة ومدن اخرى، حسب الصحيفة وكان يكفي ان يزور شباب وشابات من مختلف انحاء العالم مقاهيَ قرب جوامع معينة للانضمام إلى داعش، فيما تبيع محال تحفًا تذكارية تمثل داعش وعلمه وملصقاته إلى ما غير ذلك.
الاكتواء بنار الإرهاب:
جاءت الصحوة التركية من الاكتواء بنيران داعش متأخرًا، إذ كان عدد كبير من مؤيدي داعش ومن مقاتليه ناشطين في البلاد، بحيث أصبحوا يشكلون خطرًا على أمن البلاد ولكن، وبدلاً من اتخاذ موقف ازاء ذلك تجنبت الحكومة الضغط عليهم على أمل الا تتحول تركيا إلى هدف.، وهو ما كشف عنه محللون والإشارة إلى أن السلطات التركية تخشي تنظيم داعش لمعرفتهم أن له خلايا في كل مكان في البلاد، وأن بإمكانه تنفيذ هجمات، حيث كان من الملاحظ أن التنظيم امتنع عن شن هجمات في تركيا في البداية كي لا يؤثر الأمر على الجسور مع بقية انحاء العالم، لكن الأمر سرعان ما تغيّر بهجوم على سروج يعتقد بأن التنظيم وراءه لتأجيج النزاع مع الأكراد، ومع الهجوم وسقوط أكثر من ثلاثين قتيلاً، إضافة إلى الضغط من الولايات المتحدة وأوروبا، اتخذت تركيا إجراءات مثل التدقيق عند الحدود والمطارات واعتقال مشبوهين زاد عددهم على 400 في عام 2015 حسب مجموعة الأزمات.، وبعد تردد أولي انضمت تركيا إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب وسمحت للأمريكيين بالدخول إلى قواعدها العسكرية. ومنذ ذلك الوقت على الأقل أصبح تنظيم داعش عدوًا لتركيا، واعتبر شريط دعائي صدر عنه أردوغان "شيطانًا"، ودعا إلى "غزو اسطنبول".
من جانبه قال الباحث في مجال الإرهاب بيتر نيومان من كنجز كوليج في لندن أن منفذ هجوم السلطان أحمد من تنظيم داعش وأنه لم يتحرك وحده، مشيرًا إلى الإشادة بالعملية في المواقع الإلكترونية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي المؤيدة لداعش كما قال إن للتنظيم بنى تحتية ممتازة في تركيا والدليل على ذلك هو قيام التنظيم مؤخراً باغتيال صحافيين ومخرج افلام وثائقية.
ورغم كل هذا يتعامل الدبلوماسيون الأوروبيون في تركيا مع المعلومات التي يجهزهم بها جهاز المخابرات التركي بشأن هجمات إرهابية محتملة، بشكل جدي. مثلا، قدم الجهاز معلومات عن مهاجمين إرهابيين محتملين في طريقهم إلى أوروبا أو وصلوا هناك، وقال دبلوماسي خبير في شئون الامن إن لتركيا شبكة من المخبرين في سوريا والعراق لا يمكن التقليل من شأنها ولا تملكها أي دولة في المنطقة، وأضاف أن الحكومة التركية زادت بشكل ملموس من جهودها لمحاربة داعش خلال الأشهر الستة الأخيرة، وبالرغم من ذلك تبقي شكوك قائمة بشأن أجندة تركيا السياسية، وسط احتمالات ألا تكون انقرة راغبة بالفعل في محاربة تنظيم داعش بشكل حقيقي أو أنها تتعاطف معه سرًا، إما لأنها تريد استخدامه كوسيلة لإضعاف الأسد أو لأنها تؤيد أفكاره لأسباب دينية لكونهم من السنة، ويقارن خبراء آخرون هذا الموقف بمواقف جهاز المخابرات الباكستاني، مشيرين إلى أن من الصعب معرفة أي طرف يساند وهل يحارب طالبان أو يدعمها أو يفعل الاثنين معًا في الوقت نفسه.
وفي هذا السياق يشعر دبلوماسيون أوروبيون بحيرة أيضا لمنح جهاز المخابرات التركي مسئوليات اضافية في عام 2014 بحيث يمكن استخدامه كأداة للسياسة الداخلية إذ يملك الجهاز الآن قدرة أكبر على الدخول على بيانات الشركات والبنوك وعلى بيانات زبائنهم، كما يتدخل في الحريات الصحفية ويمكن حاليًا مقاضاة صحافيين يكتبون عن نشاطات جهاز المخابرات وإصدار احكام بالسجن عليهم تحت مبرر تهديدهم الأمن.
معسكرات "داعش" في تركيا:
كشفت تقارير سياسية وإعلامية وجود علاقة قوية تجمع بين داعش وتركيا، وان هناك تعاون بين السلطات التركية وعناصر داعش، وخاصة في الحصول على البترول المهرب من سوريا والعراق بأسعار رخيصة، في الوقت الذي يتنقل فيه عناصر داعش عبر الحدود التركية بكل سهولة
ورصد محللون وجود تبادل 180 مقاتلا في صفوف تنظيم "داعش" مع 46 تركيا كانوا محتجزين لدى تنظيم الدولة، بعد أن احتجز الدبلوماسيون الأتراك في قنصلية تركيا بالموصل في العراق، في شهر يونيو الماضي، والقائمة تضم أيضا اثنين من فرنسا واثنين من السويد، واثنين من مقدونيا، وواحدًا من سويسرا وواحدًا من بلجيكا.
من جانبه كشف التليفزيون الرسمي الألماني (ARD) أن هناك معسكر لداعش في مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا لتدريب المسلحين ونقلهم فيما بعد إلى سوريا والعراق للقتال، مضيفا أن تركيا تعد أكبر سوق لداعش على الرغم من إنكار حكومة العدالة والتنمية.
تأتي هذه المعلومات بعد تنصت المخابرات الألمانية على تركيا منذ عام 2009 دون تحرك من قبل حكومة العدالة والتنمية أو اتخاذها أي تدابير أو خطوات ضد ألماني، ونقل التلفزيون الألماني عن المحامي محمد آردوم وهو تركي الأصل ويدافع أمام القضاء عن عائلات المسلحين في داعش، أن الجوامع في أوروبا لا يجب أن تكون أوكار لعناصر داعش، كما أن جهاز المخابرات التركي يقوم بأعمال التنسيق والتخطيط لكل شيء لصالح داعش، وتأكيده على أن المسلحين المنخرطين في داعش يتدربون في معسكر في غازي عنتاب ليتم الانتقال فيما بعد إلى سوريا والعراق للقتال هناك.
ونقل التلفزيون عن علي رضا شيشمك، وهو نائب بالحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني عن مدينة هامبورج وتركي الأصل، أنه تم نقل العديد من المسلحين الجرحى من عناصر داعش من سوريا إلى المستشفيات التركية لتلقي العلاج، فضلا عن قيام تركيا بتوفير الدعم اللوجيستي لهذه المجموعات المسلحة، خاصة انه في ظل غياب أي رقابة على الحدود التركية مع سوريا يتم الانتقال إلى سوريا بسهولة في ظل انعدام التواجد الأمني على الحدود.
وتقرير التليفزيون الرسمي ليس الأول من نوعه، حيث كانت القناة الأولى الألمانية سبق وكشفت مؤخرا أن داعش يمتلك مكتبا غير رسمي في مدينة اسطنبول بشمال غربي تركيا وتنظم من خلاله عمليات دعم وإمداد داعش في سوريا والعراق بالعناصر الأجنبية، والتأكد على أنه يوجد في منطقة فاتح باسطنبول مكتبا غير رسمي يديره بعض الأتراك التابعين لداعش ويعمل على تسهيل انتقال المسلحين الأجانب القادمين إلى تركيا والراغبين في التوجه إلى سوريا والعراق للمشاركة ضمن صفوف التنظيم المسلح مقابل 400 دولار للفرد، والتأكيد على أن نحو 2000 شاب أوروبي انضموا إلى صفوف داعش خلال الأشهر الماضية وذلك بعد قدومهم إلى اسطنبول، ومنها إلى مدينة آنطاليا التركية المطلة على البحر المتوسط بحجة السياحة وهناك يتولى مسئولو المكتب مهمة نقلهم إلى داخل الحدود السورية والعراقية .
وفي دراسة بحثية بعنوان "الربيع الكردي"، أكد ديفيد فيليبس مدير برنامج بناء السلام والحقوق في معهد حقوق الإنسان التابع لجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك أن تركيا قامت بتدريب مقاتلي تنظيم "داعش":، موضحا أن هناك ترتيبات شديدة الدقة داخل أماكن تدريب مقاتلي "داعش"، والاستعانة في ورقته ببعض التدريبات التي نُشِرَت في مقاطع فيديو على موقع خاص بترويج بروباجاندا التنظيم، والتأكيد على قوات الأمن التركية تستطيع إيقاف هذه الأمور إذا ما أرادت ذلك، والتأكيد على أن الأتراك الذين انضموا واندمجوا في تنظيم "داعش" سجلوا اجتماعاً جرى في منطقة عامة بإسطنبول وذلك بتاريخ الـ 28 من تموز الماضي، تسجيل الفيديو يظهر أعضاء من التنظيم وهم يصلون مجتمعين في منطقة (أومرلي) بإسطنبول، ورداً على الفيديو، قام نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري (CHP) تانري كولو، باستجواب برلماني ضد وزير الداخلية الحالي، أفكان آلا، طارحاً عليه أسئلة مثل (هل هذه صحيح بأنه خُصصت مخيمات أو مؤسسات لمقاتلي تنظيم "داعش" داخل اسطنبول؟ ما هذه المؤسسات؟ من قام بصنعها؟ هل هي صحيحة الإشاعة التي مفادها بأنه نفس المنطقة الخاصة بالاجتماعات هي أيضاً تستعمل للتدريبات العسكرية؟)
ونقل أيضًا تحذير كمال كيليجدار أوغلو خلال أكتوبر الماضي، حزب العدالة والتنمية (AKP) الحاكم في تركيا، قائلاً بأنه يجب على الحكومة أن لا تدعم المجموعات الإرهابية بالمال والتدريبات، وأضاف كليجدار أوغلو موجهاً حديثه للحكومة "أنه خطأ كبير أن تقوموا بتسليح المجموعات وتدريبها على الأراضي التركية، أنتم تقومون بجلب المقاتلين الأجانب إلى تركيا وتملؤون جيوبهم بالأموال وتعطونهم الأسلحة ثم تطلبون منهم قتل المسلمين في سورية." ويكمل كمال حديثه "طلبنا منهم التوقف عن دعم التنظيم" لكن أحمد داوود أوغلو ينكر ويطلب الإثباتات والأدلة.
"كل شخص يعرف بأنهم يدعمون تنظيم "داعش"، ووفقاً للاستخبارات الأردنية فإن تركيا دَرّبت مقاتلي تنظيم "داعش" للقيام بمهام خاصة.
واتفق مع هذه الرؤية حازم الأمين في مقال بصحيفة "الحياة" اللندنية، في "إخلاص" تركيا في حربها على تنظيم "داعش"، بقصف المقاتلات التركية لمعسكرات تابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وقصف مواقع أخرى تابعة للتنظيم في سوريا، في الوقت الذي تغاضت فيه تركيا عن حقيقة توسع التنظيم داخل سوريا عبر حدودها، بالسماح للمقاتلين الأجانب بعبور الحدود التركية السورية بشكل سهل.
سيناريوهات المستقبل:
تواجه تركيا تحديات عديدة منها حزب العمال الكردستاني المحظور، ومنها ملايين اللاجئين السوريين، ثم دورها في التحالف الدولي ضد داعش وحدودها الطويلة مع سوريا، والتي عليها حمايتها، إضافة إلى أن عليها متابعة مئات إن لم نقل آلافًا من "الجهاديين" داخل اراضيها، ولكن في الوقت ذاته ستؤدي القيود المفروضة على اللاجئين في تركيا وحالة العداء تجاههم قد تكثفان الهجرة إلى أوروبا وقد لا تحاول الحكومة التركية منعهم وعندها سيكون على أوروبا التعاون بشكل أكبر مع أردوغان في المستقبل، وأن تغض الطرف أو أن تنظر في اتجاه آخر عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية وبحكم القانون وبحرية الصحافة، وهو ما برز في الاتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخرا بين الاتحاد الأوروبي بشأن استقبال تركيا لاجيء غير شرعي مقابل لاجئ شرعي تستقبله أوروبا، بالرغم من ردود الأفعال الغاضبة التي شابت هذا الاتفاق.
وتساءلت الإعلامية المتخصصة في شئون الشرق الأوسط بربرا فيزل، عن الثمن الذي ستدفعه أوروبا من أجل الاتجار بحياة الناس؟ مسئولية حماية غالبية اللاجئين من الشرق الأوسط أوكلت ببساطة إلى تركيا، في أسوأ أنواع "التصدير" السياسي. على الورق، سيلتزم الرئيس التركي طيب رجب أردوغان بتحمل مسئولياته الدولية وباحترام حقوق اللاجئين وفق مقتضيات معاهدة جنيف. ولكن منذ متى يفي مستبد أنقرة بوعوده؟، وفي المقابل، فقدَ الاتحاد الأوروبي أي رادع سياسي يمكن استخدامه ضد أردوغان، في حال ما بدأ الأخير بترحيل اللاجئين إلى سوريا أو العراق، حتى وإن تمّ تحريم ذلك بشكل واضح في نص الاتفاق. والشيء ذاته، إذا ما أطلق أردوغان اللاجئين على شوارع إزمير أو إسطنبول للتسول وتركهم عرضة للجوع.
أوضحت في مقابلة مع دويشته فيله أن الاتحاد الأوروبي سيفقد اثنين من أغلى ميزاته السياسية: قوته الناعمة ومصداقيته. والسبب في هذا المصير الخائب، قلة الحيلة وعدم القدرة على تجاوز الأنانية القومية والخوف من الحركات اليمينية الشعبوية. وإذا كانت أسس الواقعية السياسية الجديدة وبموجب الضرورة لا تخجل من التعاقد مع الشيطان، فإنها بذلك تجسد خطوة قد تقضي على ما يمكنها حصده.
كما تخشى تركيا من أن التقدم الذي تحققه وحدات حماية الشعب- التي يدعمها الجناح السياسي في تركيا لحزب الاتحاد الديمقراطي- على الجانب السوري من حدودها سيذكي التطلعات الانفصالية بين الأكراد الأتراك في جنوب شرق البلاد. لكن واشنطن أيدت وحدات حماية الشعب الكردية كقوة فعالة في محاربة تنظيم "داعش"، حيث يتقرب الحزب مؤخرا من الولايات المتحدة وروسيا، وهناك احتمالية كبري في إعلان دولة فدرالية في سوريا فد تسمح للأكراد بتحقيق حكم ذاتي في شمال سوريا على أمل تشكيل حكم ذاتى أيضًا في جنوب تركيا وهو ما ترفضه انقرة بشدة.
وهناك تساؤلات بشأن مستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا؛ حيث سبق ورفضت واشنطن الاتهامات التي وجهتها موسكو إلى أنقرة بدعم داعش، ورفضت الولايات المتحدة المزاعم الروسية بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأسرته وقادة أتراك آخرين متورطون بشكل مباشر في تجارة النفط غير المشروعة مع تنظيم "داعش"، وقال المتحدث باسم الجيش الأمريكي الكولونيل ستيفن وارن "نرفض رفضا قاطعا أي فكرة مفادها أن الأتراك يعملون بطريقة أو بأخرى مع داعش، هذا أمر مناف للعقل تماما". وأوضح وارن أن تجارة النفط في السوق السوداء في تركيا مستمرة منذ سنوات وأن هناك جهودا تبذل لمعالجة هذا الأمر.
ويبقي السؤال المهم.. هل تواصل تركيا دعم داعش، أم تتراجع بعد أن زادت العمليات الإرهابية في مختلف المدن التركية؟، كما يظهر أيضا تحدي أردوغان للتنظيم وتأكيده على أنه قام بترحيل أحد المنفذين لجريمة بروكسل الأخيرة بعد كشف انتمائه لداعش، وهو ما سيجعل التنظيم يرد بمزيد من الهجمات الإرهابية داخل تركيا.
مراجع
* بوابة الحركات الإسلامية (تنظيمات وتقارير).
* صحف عربية وأجنبية.
* تقارير رسمية صادرة عن الأمم المتحدة.