استمرار الصراع المسلح في دارفور.. وقطر تحتفل بسلام وهمي

الأربعاء 07/سبتمبر/2016 - 03:03 م
طباعة استمرار الصراع المسلح
 
إن اتفاق الدوحة لإحلال السلام في دارفور- الإقليم الدامي- غرب السودان لم يصل بالإقليم إلى سلام أو أمان، وما زال الاضطراب هو سيد الموقف السائد، فإن الإقليم يحتفل اليوم بانتهاء الاتفاق الذي رعته الدوحة ولم يحقق شيئًا على أرض الواقع؛ حيث النزاع المسلح ما زال مستمرًّا. والمضحك المبكي في الأخبار المتداولة عن الاحتفال الذي يحضره البشير وأمير قطر ورئيس إفريقيا الواسطي هو الاستعراض للتاريخ الدامي الصراع في دارفور منذ 2003 وحتى اليوم، وهو التوثيق الذي يجعل الاحتفال بلا مبرر، وكان الأجدى هو الحداد.
2003 -  أعلنت حركتان مسلحتان (حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة) تمردهما على السلطة المركزية في الخرطوم متهمين إياها بتهميش إقليمهم. وأربك التمرد الجديد خطط الحكومة التي كانت أحرزت آنذاك تقدمًا كبيرًا في مفاوضاتها مع حركة متمردة في جنوب البلاد وهي الحركة الشعبية لتحرير السودان وتوجت بالفعل باتفاق سلام في مطلع 2005 مهد لانفصال جنوب السودان في يوليو/ تموز 2011، بموجب استفتاء شعبي منصوص عليه في الاتفاقية. لكن اتفاق السلام الذي دعمته العواصم الغربية وفي طليعتها واشنطن فقد بعضا من بريقه بفعل الحرب التي اشتدت أوزارها في دارفور مع المتمردين الجدد. 
وكانت الخرطوم تعول على أن يكسر اتفاق السلام العزلة الغربية التي تعاني منها ويمهد لرفع العقوبات الأمريكية عليها إلا أن ذلك لم يحدث حيث بدأت الدول الغربية تتهم الحكومة بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين ضمن حملتها العسكرية لدحر حركة التمرد الناشئة. وقتها كانت أخبار الحرب في "دارفور" تتصدر نشرات الأخبار في كبريات وسائل الإعلام الغربية وبالمقابل كانت الخرطوم تتهم واشنطن بتضخيم الحرب وتزييف الوقائع على الأرض للتغطية على غزوها أفغانستان والعراق ما بين 2001 و2003 .وفيما كانت الدول الغربية تطالب بنشر قوات حفظ سلام أممية لحماية المدنيين في "دارفور" كانت الخرطوم ترفض ذلك لكنها قبلت في 2004 بنشر قوات تابعة للاتحاد الإفريقي. 
2005 -  بدأت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا حول جرائم الحرب في "دارفور" بتفويض من مجلس الأمن الدولي لكن الحكومة رفضت الاعتراف بسلطتها. 
2006 -  تغيرت الأوضاع لصالح الحكومة عندما حدث انشقاق في حركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد نور قاده القائد الميداني للحركة أركو مناوي. 
في العام نفسه، نجح فريق وساطة إفريقي في إبرام اتفاق سلام بين الحكومة وحركة تحرير السودان بزعامة "أركو مناوي" بعد مفاوضات شاقة في العاصمة النيجرية "أبوجا" بينما رفض نور الاتفاق وكذلك حركة العدل والمساواة التي كان يتزعمها وقتها خليل إبراهيم. لكن اتفاق السلام الجزئي لم يخفف الضغط الدولي على الحكومة حيث تصاعدت وتيرة اتهام قواتها بارتكاب جرائم ضد المدنيين المؤيدين للمتمردين مع اتهام لبعثة حفظ السلام الإفريقية بالعجز عن حماية المدنيين. 
2008 -  مع تزايد الضغط الدولي اضطرت الحكومة لقبول نشر بعثة حفظ سلام مشتركة بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة عوضًا عن البعثة الإفريقية. وفي ذات العام نشرت الأمم المتحدة تقرير قدرت فيه عدد القتلى منذ اندلاع الحرب بنحو 300 ألف قتيل مع نزوح 2.5 مليون شخص من قراهم لكن الحكومة رفضت التقرير وقالت إن عدد القتلى لم يتجاوز 10 ألف شخص. 
- مارس 2009 شهد ملف إقليم "دارفور" تحولا محوريا عندما حررت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الإقليم وأضافت لها تهمة الإبادة الجماعية في العام التالي. وكانت هذه أول مرة تطلب فيها المحكمة باعتقال رئيس بلد أثناء ولايته لكن البشير رفض الاعتراف بالمحكمة واعتبرها مجرد "أداة استعمارية موجهة ضد القادة الأفارقة". 
- نهاية 2009 منحت مذكرة الاعتقال حركات التمرد دفعة معنوية، غير أنه مع قرب نهاية عام 2009 فقدت تلك الحركات الدعم الذي كان يوفره لها الرئيس التشادي إدريس دبي الذي تحسنت علاقته مع الحكومة بتوقيع اتفاق يمنع أي طرف من دعم المتمردين على الطرف الآخر. 
ووقع البلدان الاتفاق الأمني بعد عام من دخول حركة العدل والمساواة العاصمة الخرطوم في مايو/ آيار 2008 بدعم تشادي حسبما أشارت تقارير حكومية وقتها، وذلك بعد شهور من دخول المتمردين التشاديين العاصمة "انجامينا" ومحاصرتهم القصر الرئاسي في فبراير/ شباط من ذات العام بدعم من الخرطوم، طبقا لما زعمته الحكومة التشادية وقتها. 
2010 -  تعرضت عملية السلام الجزئية لانتكاسة عندما عاد أركو مناوي للتمرد مرة أخرى متهما الحكومة بالتنصل عن تنفيذ الاتفاق الذي كان قد تقلد بموجبه منصب كبير مساعدي الرئيس. وتزامن ذلك مع بدء محادثات كانت ترعاها الدوحة بين الحكومة وحركة العدل والمساواة بينما رفضت حركة نور المشاركة فيها. ولم تسفر المفاوضات عن اتفاق لكن وقتها كانت مجموعات منشقة عن حركات التمرد الثلاث الرئيسية قد انتظمت في حركة واحدة باسم التحرير والعدالة بزعامة التجاني سيسي. 
-14  يوليو 2011 وقعت حكومة السودان وحركة التحرير والعدالة في الدوحة على اتفاق سلام بعد مفاوضات طويلة استغرقت 30 شهرا برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وقطر، إلا أن بقية الحركات رفضت الانضمام له رغم الدعم الدولي الذي حظي به. وبناء على اتفاق الدوحة شكلت سلطة إقليمية في "دارفور" آلت رئاستها إلى التجاني سيسي وتقلد عدد من معاونيه حقائب وزارية. ونص الاتفاق أيضا على إجراء استفتاء يحدد الوضع الإداري للإقليم. 
- نوفمبر 2011 شكلت حركات دارفور تحالفا عسكريا مع الحركة الشعبية قطاع الشمال التي تحارب الحكومة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق المتاخمتين لدولة جنوب السودان ترتب عليه تصعيد عسكري أوسع مع القوات الحكومية. 
- ديسمبر 2011 - تعرضت حركة العدل والمساواة التي ينظر لها كأقوى الحركات في دارفور لانتكاسة عندما لقي زعيمها خليل إبراهيم حتفه بغارة جوية لم تكشف الحكومة عن تفاصيلها. وكان خليل يتمتع بكاريزما سياسية وعسكرية فقدتها حركته التي اختارت شقيقه جبريل خلفا له وتوعدت الحكومة بالثأر لمصرع مؤسسها. 
- مطلع 2014 طرأ تغير محوري على المشهد عندما دعا الرئيس عمر البشير خصومه إلى حوار شامل تبناه الاتحاد الإفريقي الذي فوض فريق وساطة بقيادة رئيس جنوب إفريقيا السابق ثابو أمبيكي لإنجاحه. لكن لم تسفر عدة جولات عقدها الوسيط بين الحكومة والحركات المسلحة في إحراز تقدم كان آخرها جولة استضافتها أديس أبابا في أغسطس/ أب الماضي. وعقدت المفاوضات بعدما وقع "نداء السودان"- وهو تحالف أوسع شكلته في نهاية 2014 الحركات المسلحة وأحزاب المعارضة الرئيسية- على خارطة طريق طرحها الوسيط بعد أشهر من رفضها حيث وقعت عليها الحكومة بشكل منفرد في مارس/ آذار الماضي. 
- من 2014 وحتى 2016 عقدت هذه المفاوضات تحت مسارين الأول يضم الحكومة وحركتي إبراهيم ومناوي اللتين تحاربان في دارفور والثاني الحركة الشعبية التي تقاتل في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. ولم تشارك في هذه المباحثات حركة نور التي خاضت معارك عنيفة ضد الجيش في يناير/ كانون الثاني الماضي في معقلها بجبل مرة تسببت في نزوح أكثر من 130 ألف نازح وفقا لبيانات أممية. 
وكانت المفاوضات تهدف لوقف العدائيات وتمرير الإغاثة للمتضررين ومن ثم الاتفاق على أجندة لحوار أشمل يضم أحزاب المعارضة لمناقشة القضايا القومية وعلى رأسها أزمة الحكم وإصلاح الاقتصاد. ولم يعلن الوسيط أمبيكي حتى الآن موعدا لاستئناف المباحثات التي ينشط أيضا في تسريعها عدد من الدبلوماسيين الغربيين على رأسهم المبعوث الأمريكي دونالد بوث. 
- أبريل 2016 وسط هذا الانقسام نظمت الحكومة بموجب اتفاق الدوحة استفتاء لتحديد الوضع الإداري لدارفور بوصفه آخر مراحل تطبيق اتفاق الدوحة وسط دعوات من الحركات المسلحة لمقاطعته. وكان على الناخبين الاختيار ما بين تكوين إقليم واحد بحكومة تتمتع بصلاحيات واسعة أو الإبقاء على الوضع الإداري القائم الذي يُقسم بموجبه الإقليم لخمس ولايات وهو ما تفضله الحكومة السودانية، وهو أيضا ما صوت له بالفعل أغلب الناخبين. 
وإذا كانت مدة اتفاق الدوحة 5 سنوات تنتهي اليوم، فقد انتهت فعليا بإجراء الاستفتاء الذي نظم في أبريل الماضي. 
ونظام الحكم في السودان فيدرالي؛ حيث تتشكل البلاد من 18 ولاية لكل منها حكومة محلية وفي حال اختار الدارفوريون نظام الإقليم، كان يتعين على الحكومة تضمين خيارهم في نص الدستور. 
وبنتيجة الاستفتاء انتهى أجل السلطة الإقليمية لدافور التي يرأسها زعيم حركة التحرير والعدالة التجاني سيسي لكن الحكومة تعهدت بمواصلة مشاريع الإعمار المنصوص عليها في اتفاق الوحة ولم يكتمل تنفيذها بعد. 
وكانت قطر الدولة الوحيدة التي مولت المشاريع التنموية في الإقليم وفاء لتعهداتها خلال مؤتمر المانحين الذي استضافته في أبريل/ نيسان 2013 لإعادة إعمار الإقليم. 
والتزمت الدوحة بدفع 500 مليون دولار من أصل 3.65 مليار دولار تعهدت بها 35 دولة مشاركة لكن دون أن تلتزم غالبيتها وهو ما يرجعه مراقبون لعدم إحراز تقدم في عملية السلام مع الحركات الرافضة لاتفاق الدوحة. 
ومن الأسباب الرئيسية التي أدت إلى فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات في أديس أبابا إصرار الحكومة على أن تكون وثيقة الدوحة مرجعية للمفاوضات وهو ما ترفضه الحركات التي تطالب بتفاوض كلي على وثيقة جديدة. 
وفي ظل هذا التباعد بين الخصمين يجزم أغلب المعلقين السياسية أنه ما من سبيل لتسوية الحرب دون اتفاق تتراضى عليه كل الحركات بما فيها حركة نور التي لا تزال تقاطع المباحثات بحجة أنها "لا تثق" في نوايا الحكومة.

شارك