الحشد الشيعي يضع العراق على شفا الحرب الأهلية قبل معركة الموصل
السبت 15/أكتوبر/2016 - 01:53 م
طباعة

لا زال الحشد الشعبي يشكل البؤرة التي ستدفع العراق إلى الحرب الأهلية، وذلك بالتزامن مع بدء الاستعدادات على نطاق واسع لإطلاق معركة الموصل، وسط انتقادات من قبل منظمات حقوقية وأطراف سياسيين للحشد الشعبي، الذي ارتكب انتهاكات بحق العراقيين، ومما زاد الأمر سوءًا ما كشف عنه تهديد زعيم ميليشيا بدر هادي العامري، بإمكانية وقوع حرب أهلية في العراق.

وقال نائب رئيس البرلمان العراقي همام حمودي، والقيادي في المجلس الأعلى العراقي بزعامة عمار الحكيم، على خسائر ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية خلال مواجهتها العسكرية لتنظيم داعش في محافظتي صلاح الدين والأنبار: إن "قضيتنا الأولى هي التخلص من تنظيم الدولة، وبعد ذلك سيكون لنا موقف حازم مع أي طرف يريد التدخل بالشأن العراقي، سواء تركيا أم غيرها، بل وسيكون في جبهة العدو وأن الحشد الشعبي قدم أكثر من ثلاثة آلاف قتيل وستة آلاف جريح الواحد تلو الآخر في معارك تحرير صلاح الدين والأنبار والفلوجة وإن تلك الدماء ذهبت لأجل إنقاذ وتحصين إخوتهم بالمحافظات الغربية وإرجاعهم إلى مدنهم المحررة بسلام وأمان وان الشعب والحشد والقوات الأمنية أحرص على أمن ووحدة أبناء الموصل وتعايشهم السلمي، ونحن قادرون على حل مشاكلنا بأنفسنا".
من جهته، حذر زعيم ميليشيا بدر هادي العامري، من اندلاع حرب أهلية بالموصل في حال تشكل إقليم على أساس عرقي وطائفي، مؤكدا مشاركة ميليشيات الحشد الشعبي في معركة استعادة الموصل، وقال في المناسبة ذاتها: إن "معركة الموصل عنوان وحدة العراق، وأؤكد هنا مشاركة أبطال الحشد الشعبي في تحريرها، وسنحمي أهلها وندافع عنهم بدمائنا ونحفظهم بمقلتنا فنحن من يحميهم ولا دخل لأي قوى خارجية في ذلك وأن تشكيل الأقاليم على أساس عرقي وطائفي (كردي-عربي سني- عربي شيعي) هو بداية للحرب الأهلية".

وكانت كتائب الحشد قد أثارت الحرب الأهلية أيضًا في مناطق عدة بمحافظة الأنبار؛ حيث قال رئيس مجلس الناحية، شاكر العيساوي: إن "كتائب الإمام على الأكبر، التابعة للحشد الشعبي، اقتحمت المدخل الرئيسي لناحية عامرية الفلوجة واعتقلت العناصر الأمنية الموجودة، وصادرت أسلحتهم، وكانت بصدد اقتحام المدينة، إلا أن قوات أمنية من الشرطة المحلية، وبمساندة أبناء العشائر، تصدت لهم وأجبرتهم على الانسحاب وأن أبناء العشائر تمكنوا من تحرير المعتقلين من العناصر الأمنية بالقوة، وتم التصدي للقوة المؤلفة من 15 عربة نصبت عليها أحاديات، كانت بصدد اقتحام المدينة والسيطرة عليها"، مشيراً إلى أنها المرة الثالثة التي تحدث فيها خروقات من قبل الحشد الشعبي ضد أبناء عامرية الفلوجة.
وقال شهود عيان: إن بعض الميليشيات الموالية لإيران، والتي تقاتل إلى جانب القوات الأمنية في حربها ضد تنظيم داعش، تسعى إلى التوسع في محافظة الأنبار من خلال سيطرتها على مناطق استراتيجية، كمنطقة النخيب التي تربط الأنبار بمحافظتي كربلاء والنجف، وناحية عامرية الفلوجة، الرابطة بين الأنبار والعاصمة بغداد ومحافظة بابل، وإن الميليشيات الموالية لإيران، استغلت انشغال عشائر الأنبار وتصديها للهجمات المتكررة التي يشنها تنظيم داعش ، فقامت بنشر عناصرها في منطقة النخيب وحاولت اقتحام عامرية الفلوجة، في محاولة لقطع الصلة بين المملكة العربية السعودية والأردن والأنبار، بعد مساع دولية لتقديم الدعم العسكري لعشائر الأنبار، وإن هذه التحركات جاءت ضمن استراتيجية إيرانية لنشر ميليشياتها الموالية لها في العراق على الحدود الأردنية والسعودية، وذلك بحجة محاربة داعش".

كما يخيم شبح الحرب الأهلية الممزوجة بالطائفية والعرقية على عدد من المناطق العراقية المعروفة بتنوع تركيبتها الاجتماعية وخصوصا تلك المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان العراق، مثل قضاء طوزخورماتو بمحافظة صلاح الدين والذي يعتبر نموذجا عن تنوع التركيبة السكانية في العراق، فقوميا تتعايش داخله قوميات الكورد والعرب والتركمان، ومذهبيا يتعايش داخله السنّة والشيعة وسرّع تقدّم الحرب على تنظيم داعش من وتيرة الصراع على عدد من مناطق العراق، مع بروز رغبة أطراف مشاركة في تلك الحرب باستغلالها لتغيير الحدود المتعارف عليها حاليا وتحوير خارطة السيطرة على المناطق.
ويدور الصراع الرئيس الآن في طوزخورماتو المعروفة بـ"كركوك المصغر" بين الأكراد والتركمان الشيعة الواقعة،الواقعة على بعد نحو 175 كيلومترا شمالي بغداد، فالأكراد يديرون منذ عام 2003 المفاصل الادارية والأمنية الحساسة للمدينة فيما شكل التركمان الشيعة بعد ظهور داعش قوات الحشد الشعبي كمناورة لدعم قوميتهم ومذهبهم الشيعي. ومع أن قوات البيشمركة قد تعاونت مع الحشد الشعبي في إعادة السيطرة على ناحية آمرلي التابعة لطوزخورماتو في شهر أغسطس العام الماضي واسترجاعها من مسلحي داعش، إلا أن معادلة التحالف ضد داعش هذه قد تحولت مؤخرًا إلى صراع داخلي بين الجانبين على بسط النفوذ على المدينة.

وتؤشّر هذه الصراعات المسلحة المتنقلة عبر مناطق العراق إلى الضرر البالغ الذي لحق بوحدة المجتمع العراقي شديد التنوّع، وهو ضرر يتجّه نحو بلوغ درجة الانفجار بفعل ما هو قائم من فوضى السلاح، وكثرة الأجسام شبه العسكرية غير النظامية، فضلًا عن وفرة عوامل التوتر من عداء طائفي وعرقي ومن تدخلات إقليمية تترجم حجم المطامع في العراق الضعيف؛ إذ اعتبر المهتمون للشأن العراقي أنّ شبح الحرب الطائفية والعرقية أمراً متوقعاً ومؤشرا خطرا على صراع مذهبي عرقي تغذيه المطامع الإقليمية، وقد يكون عنوان مرحلة ما بعد الحرب على داعش في العراق بما أفرزته من تغوّل قوات غير نظامية منفلتة من رقابة الدولة، في مقابل تراجع مكانة القوات المسلّحة العراقية وسقوط هيبتها.
مما سبق نستطيع التأكيد على أن الحرب المستقبلية المبنية على أسس طائفية وعرقية في بعض مدن العراق المتنوعة عرقيًّا وطائفيًّا في مرحلة ما بعد داعش ليست سوى نموذج لما أصاب العراق الدولة والمجتمع من بعد التاسع من أبريل عام 2003م، والذي ساعد على ذلك الوهن الذي قد يؤدي إلى تمزيق العراق، وبالتالى فإنّ الحرب على داعش في العراق لن تكون المرحلة النهائية في الصراعات المسلّحة، بل ربما تكون مقدمة لحروب أهلية مركبة ذات طابع قومي وطائفي.