بعد ربع قرن من توقيعه.. اتفاق "الطائف" هل لا زال صالحا في لبنان؟

السبت 25/أكتوبر/2014 - 01:39 م
طباعة بعد ربع قرن  من توقيعه..
 
قبل ربع قرن، تم إقرار وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف)، والتي أنهت الحرب الأهلية في لبنان، اليوم وبعد 25 عامًا، يختلف المواطنون حيال هذا الاتفاق، فهو أوقف حربا أهلية دامية لكنه غير كاف لضمان تعايش اللبنانيين، وربع قرن أصبحت فيه لبنان على مشارف الحرب الأهلية من جديد في ظل موقعة "عرسال"، والتي تقوم فيها فصائل مسلحة من جبهة النصرة- فرع تنظيم القاعدة في لبنان وسورية- وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وعدد من الفصائل بتهديد الأوضاع في لبنان وارتفاع وتيرة الصراع المذهبي بين السنة والشيعة، وخاصة بين التيار السلفي حزب الله اللبناني يطرح تساؤلات عدة مهمة، على رأسها: لبنان إلى أين؟ وما مدى مدى ملاءمة اتفاق الطائف للأوضاع الحالية؟

ربع قرن من الاتفاق

مضى اليوم على توقيع اتفاق الطائف ربع قرن، فقبل 25 عامًا توصل 62 نائباً لبنانيًّا من أصل 73 ، و8 من الذين لم يحضروا الاجتماع لم يرتبط تغيبهم بأسباب سياسية، بينما ارتبط اسم 3 نواب بالمقاطعة لأسباب سياسية، وهم "ريمون إده" و"ألبير مخيبر" و"أميل روحانا صقر"- إلى ما عرف بوثيقة "الوفاق الوطني"، وفي 22 أكتوبر من العام 1989 تم إقرارها من قبل مجلس النواب اللبناني، ليُعدَّل بعد ذلك الدستور على أساسها في 21 سبتمبر من العام 1990. وقد شهد اتفاق الطائف الكثير من الجدل ولا يزال، ومن حسناته التي يشيد بها كثيرون أنه أنهى الحرب الأهلية في لبنان.
اتفاق الطائف جاء بعد خمس عشرة سنة من اندلاع الحرب في لبنان، بعدما طرح اللبنانيون، خلال كل مراحل الحرب، أوراق عمل ومشاريع تسوية لمعالجة الانقسام الداخلي الأعمق حول سلسلة من المسائل.
وبموجب اتفاق الطائف جرى اعتماد نظام المناصفة السياسية لإدارة البلاد بين المسلمين والمسيحيين، بحيث يتشكل مجلس النواب المنتخب من عدد متساو من النواب المسيحيين والمسلمين.

مطالب بالتغير

ولم يعد المطالبون بإلغاء اتفاق الطائف وإيجاد صيغة سياسية بديلة عنه لحكم الوضع اللبناني اليوم، يتحدثون كما في السابق ضمن صالوناتهم السياسية المغلقة، بل أصبحت المجاهرة بهذا المطلب تشكل مادة سجال يومية، يتقاذفها فرقاء السياسة وسط سيل من الاتهامات.
ويرى مراقبون في طرح موضوع إلغاء اتفاق الطائف في هذا التوقيت تحديدا، وبدء الحديث عن وجوب استبداله بعقد سياسي جديد يكفل للقوى القائمة حجم أوزانها الحقيقية على الأرض، بداية لعودة لبنان إلى إرهاصات ما قبل الحرب الأهلية.
وبرزت مطالبات إلغاء الطائف تحديدا من قوى وتيارات وشخصيات محسوبة على فريق 8 آذار، وتحديدا من طرف رئيس التيار الوطني الحر النائب ميشال عون الحليف المسيحي القوي لحزب الله وحركة أمل، الذي بات يطالب بالمثالثة لصالح حلفائه الشيعة، بديلا عن المناصفة بين المسلمين والمسيحيين فقط.
دفع الداعون لإلغاء أو تعديل اتفاق الطائف بأنه جاء وفقا لمتطلبات معادلة إقليمية اقتضتها الضرورة آنذاك، ولم تعد صالحة لمستجدات الوضع السياسي اللبناني اليوم.
ويأخذ هؤلاء على الطائف أنه جاء مكرسا للانقسام اللبناني وبقوة الدستور، مما يعني إلغاء واضحا لكل محاولات رأب الصدع الطائفي والمذهبي، بالنظر إلى نصوص الدستور التي جاء بها الطائف، والتي تشترط الطائفية في عدد المقاعد البرلمانية ومناصب الدولة الرئيسية، فضلا عن مواقع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب.

انقسام اللبنانيون

اعتبر قسم من اللبنانيين الاتفاق تكريساً للهيمنة السورية على لبنان فرفضه بالمطلق، واعتبر قسم آخر الاتفاق حلًّا لإنهاء الحرب والبدء بالإصلاح السياسي، ورأى قسم ثالث أنه اتفاق الضرورة.
لا يزال الانقسام قائماً، فقسم يعتبر أن الطائف تجاوزه الوقت ولبنان بحاجة إلى ميثاق وطني جديد يمنع الانفجار ويعيد اللحمة، وفريق آخر يتمسك بالطائف كما هو، مطالباً باستكمال تنفيذ ما لم ينفذ من بنوده قبل الحديث عن تبديله أو تعديله.
حول موقف اللبنانيين من اتفاق الطائف، أجرت «الشركة الدولية للمعلومات» استطلاعاً للرأي العام اللبناني بواسطة الهاتف حول الموقف من الطائف وذلك على مدى يومي الاثنين والثلاثاء في 20 و21 تشرين الأول 2014، شمل عينة من 500 مستطلع توزعوا على مختلف المناطق والشرائح الاجتماعية وفقاً للحجم الطائفي لكل طائفة.
أولا: الموقف من اتفاق الطائف، ينقسم اللبنانيون في موقفهم من اتفاق الطائف بشكل شبه متقارب، فيعتبر 38% من المستطلعين أن الوقت تجاوز الاتفاق ويجب إلغاؤه كلياً ووضع اتفاق وطني جديد، بينما اعتبر 43% أن الاتفاق بشكل عام ما يزال صالحاً مع فروقات في الموقف منه، ويتوزع هؤلاء على الشكل التالي: 29% اعتبروا أنه يجب تعديل بعض بنوده، و10% أنه لا يزال صالحاً ويجب استكمال تطبيق باقي بنوده، ووافق 4% على الطائف كما هو مطبق حالياً، بينما أجاب 15% بـ«لا أعرف» و4% بـ«غير معني».
ويظهر الموقف من اتفاق الطائف تبعاً للانتماء الطائفي تبايناً كبيراً، فتعارضه كلياً نسبة 54% من المستطلعين الدروز و51% من المستطلعين الشيعة و44% من المستطلعين الأرثوذكس، بينما تنخفض النسبة إلى 20% لدى السنة وإلى 37% لدى الموارنة و27% لدى المستطلعين الروم الكاثوليك.
ثانياً: أبرز البنود التي تطالب بإلغائها من الطائف، فقد طالب نحو ربع المستطلعين (23%) بإلغاء البنود التي قلصت صلاحيات رئيس الجمهورية وجعلتها في يد مجلس الوزراء مجتمعاً، وطالب 14% بإلغاء البنود التي تتعلق بإلغاء الطائفية السياسية، وطالب 10% بإلغاء البند الذي جعل حل مجلس النواب أمراً صعباً، وانخفضت النسبة إلى 5% للمطالبين بإلغاء طريقة انتخاب رئيس الجمهورية من قبل النواب وجعلها من قبل الشعب، وطالب 4% بإلغاء جعل ولاية رئيس مجلس النواب 4 سنوات وإعادتها إلى سنة واحدة.
وفي الموقف من هذه المطالبات تبعاً للانتماء الطائفي، فإن أكثرية المطالبين بإعادة صلاحيات رئيس الجمهورية هم من المسيحيين لا سيما الأرثوذكس (41%)، ويسجل ارتفاعا في نسبة المستطلعين الأرثوذكس المطالبين بإلغاء بند إلغاء الطائفية السياسية إلى 23% مع تدني النسبة لدى "الموارنة" إلى 8%، ويسجل أمرا لافتا للانتباه وهو ارتفاع النسبة لدى الشيعة إلى 21%.

الطائف وموازين القوى الإقليمية

تلعب الدول الإقليمية  دورا مهما في اتفاق "الطائف" والتي تمثل الدول الراعية له وعلى رأسها الدولة السورية والتي تشهد وضعا صعبا في ظل الصراع الدائر الآن بين التنظيمات المسلحة والجيش العربي السوري، ومع الصراع الدائر بين السعودية وإيران اقليما في عدد من الملفات وهو ما يمثل صراع نفوذ، بالإضافة إلى توغل حزب الله في سوريا ومشاركته في الحرب التي وصفت بـ"الطائفية"، مع تنامي نفوذ التيار السلفي في لبنان، ودخول تأثر لبنان بالحرب السورية.
وقد قال الأب ميشال حايك يتجاوز تفاصيل النظام السياسي ومعادلة توزيع الحصص: "إن التعمق في دراسة الميثاق الوطني، يتطلب تجاوز الحقبة الانتقالية التي شكّلها الاستقلال. في الحقيقة إن الميثاق الوطني سابق لسنة 1943، وكان واقعاً منذ الأمير فخر الدين. لماذا يرفض البعض أن يتذكر ذلك؟
يجب التخلي نهائياً عن اعتبار الميثاق تسوية صادرة  من  قبل مصطفى نحاس أو بشارة الخوري أو رياض الصلح. إنه في الحقيقة الحدث الوجودي الأساسي الذي من دونه لا وجود للبنان ولا للبنانيين".
ويعرض الأب ميشال حايك الأبعاد والمعاني الثلاثية التي يرتديها الميثاق الوطني مستعيداً ما كتبه بهذا الخصوص في مؤلفه "المسيح لبنان وفلسطين":
"في البدء يرتدي الميثاق الوطني معنى شخصانياً: إنه التزام ليس فقط بين طوائف وقبائل، بل بين أشخاص مسئولين متمتعين بحرية الارتباط وبإرادة الالتزام وتشريف التعهدات.
ومن جهة ثانية، يرتدي الميثاق الوطني معنى حضارياً وهو التعبير عن المشاركة في ثروات العِرق واللغة والإرث الثقافي المتراكمة هنا منذ آلاف السنوات.
ومن ناحية ثالثة فإن للميثاق الوطني بعداً ومعنى لاهوتياً؛ إذ يطرح الميثاق في الزمن الحاضر مشكلة العلاقات بين الديانات، وخاصة بين الديانتين المسيحية والإسلامية. للمرة الأولى تمّ الالتقاء بين الديانتين على قدم المساواة، لا في مواجهة أو كردّة فعل دفاعية، بل في ميثاق يربطهما معاً.
إن المسيحيين والمسلمين اللبنانيين يمثلون أكثر من مليار ونصف مسيحي ومسلم في العالم، أي ما يقارب نصف سكان العالم؛ فإذا فشلت التجربة كما فشلت سابقاً في كل لقاء في الأندلس وإفريقيا وبيزنطيا وآسيا الصغرى والبلقان، فإن هذا الإخفاق يشكل دليلاً ثبوتياً أمام العالم على تخلّف الديانات ومدخلاً الى الإلحاد الشامل.

الموقف الحالي

اختتمت أمس جلسات مؤتمر «اتفاق الطائف بعد ربع قرن على إعلانه»، الذي عقد في فندق «فينيسيا»، بدعوة من «المركز المدني للمبادرة الوطنية» بالتعاون مع مؤسسة «فريدريتش ايبرت»، مؤكدا  أن «اتفاق الطائف لا يزال منطلقاً لبناء الدولة اللبنانية في مفهومها المدني».
ولخص البيان الختامي الصادر عن المركز سلسلة من الخلاصات والاقتراحات المصالح في الآتي:
أ- مصالح الدولة، دولة كل اللبنانيين، بما هي كيان مستقل ذو سيادة وفق القانون الدولي، بما ينص عليه من الحقوق والواجبات.
ب- مصالح اللبنانيين بما هم شعب، مصدر السلطة وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية.
ت- مصالح اللبنانيين بما هم جماعات دينية معترف بوجودها وحقوقها من دون أي تمييز أو تفضيل.
ث- مصالح الأفراد، رجالا ونساء، بما لهم من حقوق إنسانية متساوية، أساسها إمرة النفس، تجاه كل سلطة سياسية أو اجتماعية أو دينية.
وأشار البيان إلى أن "تطبيق هذا الاتفاق، في هذا الاتجاه، هو الطريق الآمن نحو تأمين حركة اللبنانيين الذاتية لمواجهة الحوادث المستجدة وموجبات التطور والارتقاء، فليس لأي دولة شقيقة أو صديقة أي وصاية على لبنان أو على اللبنانيين"، وقال: "اللبنانيون إذ يتمسكون بعلاقات الأخوة العربية والصداقة الدولية يطالبون كل صديق وشقيق، من دون أي استثناء، بالامتناع عن التدخل في الشئون الداخلية اللبنانية، قياما منه بموجبات الأخوة والصداقة، من جهة، وتطبيقا لمبادئ القانون الدولي، من جهة أخرى".
أضاف البيان: "لا شك في تقديرنا، في أن معاهدة مفتوحة متعددة الأطراف بدءا من الأطراف المعنية بالمسألة اللبنانية، وفي وقت واحد، هي الجواب المطلوب تقديمه من المجتمع الدولي بدءا من منظماته الثلاث: الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي. فلبنان حاجة لبنانية وحاجة عربية وحاجة إنسانية". 
وتابع: "إن أي نظر جدي فاعل في أحكام اتفاق الطائف وفي تطبيقه وتقويم هذا التطبيق، أو في استكمال أحكامه أو في تعديلها لن يكون في اتجاه مصلحة لبنان واللبنانيين، ولن يكتسب الشرعية الضرورية لفاعليته، إلا إذا كان من خلال المؤسسات الدستورية. والطريق الوحيد لتأمين ممارسة الشعب اللبناني لسيادته من خلال المؤسسات الدستورية هو في أن يكون الشعب مصدر السلطة فيها بدءا من مجلس نواب منتخب على أساس قانون انتخاب يمثل شتى فئات الشعب وأجياله، رجالا ونساء. 
والذي نراه هو أن النظام الانتخابي الملائم لهذه الغاية في السياق اللبناني هو النظام النسبي. فصحة التمثيل المتفق عليها من جهة أولى وتمثيل شتى فئات الشعب وأجياله، كما نص عليه اتفاق الطائف، من جهة ثانية- لا يمكن فصلهما عن مدى التمثيل الذي يؤمنه هذا النظام.
واختم البيان: "في هذا السبيل، ستنشأ في المركز المدني للمبادرة الوطنية هيئة مدنية وطنية دائمة نسعى إلى تأمين شمولها كل الأطراف المعنية على اختلاف مواقع هذه الأطراف وتوجهاتها، وغايتها تأمين تجسيد المبادئ والوصول إلى الأهداف المذكورة أعلاه، بالمبادرات الفكرية والعملية، في المستويين المحلي والدولي. ونأمل أن يكون ذلك السعي، بالتعاون مع المؤسسات المحلية والدولية، ضمن احترام سيادة الدولة اللبنانية وقوانينها ومصالح اللبنانيين وتطلعاتهم".

اليوم

واليوم بعد ربع قرن من توقيع اتفاق الطائف لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان، يختلف اللبنانيون حيال هذا الاتفاق، فقد أوقف حربا أهلية دامية لكنه غير كاف لضمان تعايش اللبنانيين، وربع قرب أصبحت فيه لبنان على مشارف الحرب الأهلية من جديد، فهل الاتفاق لا زال صالحا في لبنان؟

شارك