الأزهر بين تفكيك التطرف وممارسته في تكفير علمائه
السبت 29/أكتوبر/2016 - 06:23 م
طباعة

من وقت لأخر وتخرج علينا احدى المؤسسات الدينية متهمة البعض اما بالتكفير او الشذوذ او استهداف الدين باستهداف الأزهر وأخر هذه الاتهامات التي تم توجيهها لعالم من علماء الأزهر والذي اجتهد في مسألة فقهية الا وهي مسألة الحجاب فقد حذر مجمع البحوث الإسلامية في اجتماعه برئاسة د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، من الفتاوى الشاذة والمضللة، مؤكداً أن الإسلام والأزهر يتعرضان هذه الأيام لحملة شرسة مغرضَة، تُشارِك فيها انتماءات مختلفة؛ بين عالِمٍ يلتوي بعِلْمِه ويجتزئ بعض الآراء الفقهية والفتاوى المضَللَة التي تسقِط الواجبات الشرعية، كإنكار الأمْرِ بالحِجَاب الذي أجمعت عليه الأمة قديما وحديثا، أو تحلُّ الحرامَ كالمسكرات، وبين مسخرٍ أو مُغررٍ يفتعلُ التطاوُل على الإسلام بغير حق، وبغير علم، أو مُضَلِّلٍ للنَّاس يكتفي بالقراءة السطحية، ويُهمِلُ عن جهل أو عن عمد بيان الحقائق الشرعية المتعلقة بالمسألة التي يتحدث فيها، الأمر الذي يُشيعُ الاضطرابَ في أذهان العامة، ويُشكك الناس في ثوابت دينهم.

وأهاب مجمع البحوث الإسلامية في بيان وصفه بأنه «بلاغ للناس وإبراء لذمة الأزهر» بالمسؤولين عن وسائل الإعلام المختلفة، أن يستقوا المعلومات من مصادرها العلمية الصحيحة، وأن يُمَحِّصُوا ما يُنقَل إليهم أو يُطرَح عليهم، وأن يراجعوا ما يَرِدُ إليهم مما يتعلَّق بأمور الدِّين مراجعة دقيقة من علماء الأزهر ممَّن يوثق بعلمهم، ويخشون ربهم، ويتحملون مسؤولية تبليغ شرع الله دون التواء أو انحراف عن صحيح الدين، كما أهاب المجمع بجماهير الأمة أن يلتزموا بما أجمع عليه علماء المسلمين من بيان للدِّين الحقِّ، وأن يحذروا الآراء الشاذة.
وبعد تلك الاتهامات الموجهة لمجموعة لا حصر لها من الباحثين والعلماء في الداخل يتغير الخطاب الأزهري الموجه للخارج وهذا ما يتم دوما مع الدكتور احمد الطيب في زياراته الخارجية حيث يزداد الحديث عن التسامح والمواطنة وحرية الفكر والاجتهاد واخرها ما يقوم به الوفد الأزهري الذي يزور الولايات المتحدة الأمريكية حاليا ليؤكد على الجهود التي يقوم بها الأزهر الشريف في مواجهة الفكر المتطرف على جميع المستويات العلمية والفكرية والثقافية، إضافة إلى الجهود التي يقودها مرصد الأزهر في «تفكيك الفكر المتطرف وتحصين الشباب من الوقوع في براثن الجماعات الإرهابية». كما تناول اللقاء أيضا الجهود التي تقوم بها قوافل السلام التي يتم إيفادها من قبل الأزهر الشريف، بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، إلى قارات العالم المختلفة لنشر ثقافة التعايش والسلام، إضافة إلى الدور الذى يبذله الأزهر الشريف عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفى المدارس والجامعات والمصانع ومراكز الشباب والمقاهي وغيرها. حضر اللقاء مستشار الرئيس الأمريكي بمنظمة التعاون الإسلامي، ومساعد وزير الخارجية للأديان والشؤون الدولية، ومساعد وزير الخارجية لحقوق الإنسان، ومسؤولو المكاتب المختلفة عن التطرف والإرهاب وحقوق الإنسان والأديان والشؤون الفنية والتدريب، ومسؤول المكتب المصري بوزارة الخارجية الأمريكية وغيرهم من مسؤولي الأنشطة المختلفة وذلك بحضور ممثل السفارة المصرية بواشنطن.
وقد زار وفد الأزهر مركز الولايات المتحدة للسلام التابع للكونجرس الأمريكي، حيث أوضح وفد الأزهر أن الدين الإسلامي هو دين السلام الذى ينص على وحدة الأصل الإنساني، وشدد على أن التنوع والاختلاف سُنة إلهية، وأن الشريعة الإسلامية نظمت العلاقة بين المسلمين وأهل الكتاب بما يضمن تحقيق السلام والتعايش المشترك.

فالتنوع والاختلاف رغم كونه سنة الهية بنص الازهر وخطاب وفده في امريكا ليس هو الخطاب المتبع في مصر فبعدما أشعل الدكتور سعدالدين الهلالي النار من حوله من جديد، بعدما ظهر على شاشة إحدى القنوات الفضائية الخاصة، ليفتى أن الحجاب الخاص بالمرأة لا يوجد له دليل شرعي لا من القرآن الكريم، ولا من السنة النبوية المطهرة، وأن كل ما قيل في هذا الموضوع هو محض آراء خاصة لعلماء سابقين وصفهم الهلالي بأنهم «أوصياء على الدين».
تصريحات أستاذ الفقه المقارن، فجرت حناجر العمائم الأزهرية، سواء بنفي كلام الهلالي جملة وتفصيلًا، أو بتوجيه رسالة لقيادات المشيخة أن تحيل الهلالي لمجمع البحوث الإسلامية، حتى يصدر الأخير رأيه في منهج الهلالي من حيث نفعه من عدمه.

وقال الدكتور عبدالمنعم فؤاد، عميد كلية الدراسات الإسلامية للطلاب الوافدين: ليتنى ما شاهدتك يا هلالي، وأعتقد أن ما قاله الهلالي عن إنكاره لفرضية حجاب المرأة حسب رؤيته في تفسير القرآن الكريم لم يستطع أي مستشرق مهما بلغ من الغلو الفكري ما بلغ أن يقوله عن هذه الفريضة، أو أن يجعل الناس يتناولون القرآن بأي تفسير يرضونه وتشتهيه أنفسهم، وترضى به أهواؤهم، فالقرآن حسب منهج الهلالي الفكري هو عرضة لكل رأى حتى وإن كان قائله أو مفسره سمكري أو بائع بطاطا مع احترامي للجميع.
وتابع فؤاد: إن كلام الهلالي يجعل للمرأة حق تفسير الآيات المتعلقة بالحجاب حسبما تراه، وهى ترتدى ثيابها وزينتها، وإن لم يرض عنها أوصياء الدين حسب تعبير «الهلالي» ولا المجتمع، فلا يليق أن يفسر لها أحد آيات القرآن ويضيق عليها، ليضيف فؤاد: «هي حرة عند الهلالي» يقصد المرأة حرة في كل ما تراه.
وأضاف فؤاد، أنه يتقدم ببلاغ لمجمع البحوث الإسلامية لكى يحدد موقفه من هذا الفكر، والذي بيّن صاحبه من أين استمده من خلال ثنائه على سعيد العشماوي، وترحمه المستمر عليه وهذا حقه، ثم ثنائه على قاسم أمين، وفى المقابل بيّن موقفه من علماء الشرع الذين تجلهم الأمة من عهد الفقهاء إلى يومنا هذا، واتهامهم في أكثر من عبارة بأنهم أوصياء على الدين.
وقال فؤاد: لا بد لمجمع البحوث أن يدلى بدلوه في توضيح ما قيل من هراء فكري، وهل يمكن لمن يروج لهذا الفكر العشماوي، أن يؤتمن على عقول أبناء الأزهر الذين جاءوا من العالم كله ومن قرى ونجوع مصر ليتعلموا صحيح الدين؟.
وأشار فؤاد، إلى أنه لم يكن يتمنى أن يشاهد هذا الفكر الغريب على علمائنا، ليضيف: «لكن أحد الإخوة اتصل بي من الكويت ليحملنى على رؤية القذائف التي يطلقها أخونا الهلالى على تعاليم شرعنا، وتفسير كتاب ربنا، وليتنى ما فعلت وشاهدت، وإلى الله المشتكى».

بدورها اتفقت الدكتورة اعتماد عفيفي، عميدة كلية الدراسات الإسلامية للفتيات بجامعة الأزهر بالقاهرة، مع الدكتور عبدالمنعم فؤاد في معنى كلامه، وقالت إنه لا يمكن لأحد أن يقول إن الحجاب ليس بفرض، هذا فضلًا عن عالم أزهري كبير.
وبمواجهة الدكتورة اعتماد بفتوى الدكتور الهلالي، قالت، إن الحجاب فرض مُنزل في القرآن الكريم، وإن جميع المسلمين يستقون أحكامهم من الكتاب والسنة، فلا نستطيع أن ننكر شيئا منهما.
وعن حق الشخص في تفسير القرآن حسب رؤيته طبقًا لكلام الهلالي قالت، لا بد للشخص الالتزام بضوابط ومعايير التفسير، فهناك معايير خاصة لتفسير كلمات كتاب الله، بمعنى أنه لا يمكن أن نقول حكمًا من الأحكام إلا إذا نظرنا في سياق الآية التي نزلت فيه وفى ظروف مواضعها، وأسباب النزول والموقف الذي نزلت فيه الآيات، وعلى أي أساس اتجه المفسرون لهذا التفسير، فلا بد من الرجوع إلى التفاسير وكبار علمائها، حتى نقف على أرض صلبة من الرصيد اللغوي أولًا، لأن التفسير الموضوعي للآيات لا ينفصل عن التفسير اللغوي للقرآن الكريم، فلا بد من الفهم اللغوي من الألفاظ الواردة في الآية، ثم مراعاة السياق الذي نزلت فيه الآية.
وعن فكرة أن تفسير العلماء للقرآن يعتبر وصاية على الدين بحسب رأى الهلالي، ردت عميدة كلية الدراسات الإسلامية بقولها، إن معنى كلام الدكتور سعدالدين الهلالي أنه لا يوجد إجبار على أي شخص أن يعتنق دينًا معينًا ولو كان الإسلام، مضيفةً: «هذا ما أفهمه من كلام الدكتور الهلالي، لأنني لا أظن أن معنى كلمة وصاية عند الهلالي أن المسلم لا يطبق حكمًا من أحكام كتاب الله، فالحكم واضح للجميع، فأنا لستُ حرة، وأنت لست حرًا، ولا الشخص الذي لا يعتنق أي دين حرًا، فهناك ما يسمى بالقيود المجتمعية، فما بالنا بالقيود الربانية؟».
وتابعت، أن الحجاب فرض ثابت في القرآن الكريم، وأنه نوع من السترة، والأخير ثابت في كل الديانات، فلا توجد ديانة سماوية دون أن تأمر بالسترة للمرأة، فكما أن هناك ضوابط لدخول البيت، كذلك هناك ضوابط تراعيها في المجتمع. وعن جواز إجبار المرأة لارتداء الحجاب من عدمه، قالت: ليس هناك إجبار في أي شيء، فهناك فرق بين توضيح الحكم الشرعي، وبين إلزام الآخرين به، فمن يريد أن يطبق الحكم فهو حر، ومن لا يريد فهو حر أيضًا. وأشارت اعتماد، إلى أن أفضل المسيحيات التي ترتدى نوعًا من الحجاب وزيًا مقبولًا من الجميع، لذلك تأخذ لقب راهبة.

من جانبها قالت النائبة البرلمانية آمنة نصير أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن من أفتى بأن الحجاب ليس بفرض مصطفى راشد الذي يلقب نفسه بمفتي أستراليا.
وبمواجهة الدكتورة آمنة نصير بفتوى الهلالي، انخفض صوتها تدريجيًا، وكأنها تتراجع للخلف، وهمهمت قائلة: لا يمكن أن يقول الهلالي هذا الكلام.
وبإصرارنا على المواجهة واستدلالنا بكلام الهلالي والدكتور عبدالمنعم فؤاد، طالبت آمنة بالاعتذار عن الإجابة عن هذا السؤال، مضيفة: «عذرًا، أعفنى لن أجيب على هذا السؤال، أستبعد أن يكون الهلالي قد قال هذا الكلام».
وعن حكم الحجاب ذاته، لم ترد نصير على توضيح الحكم الشرعي قائلة: «أنا مش عاوزه أدخل في جدال مع خلق الله، ارجع لصاحب الفتوى وتوثق منه، بس أنا مش هدخل في هذه الزفة، وهما حرين، بس أنا مش حرد على هذا السؤال، وأنا حرة».

أما الدكتور عبدالفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة، فقال، إن هذا الكلام من أبطل الباطل ومدعيه مفترٍ على الله ورسوله، لأن الحجاب وهو ما يغطى جسد المرأة ما عدا الوجه والكفين فريضة، ونصوص الشريعة في ذلك لا تحتمل تأويلًا، فهي نصوص قاطعة الدلالة قطعية الثبوت، فالحجاب الشرعي وهو الذي يستر جسد المرأة ما عدا الوجه والكفين فريضة على كل مسلمة، ومن ينازع فيما شرعه الله فهو مكابر أو جاهل، وليس هذا الأمر خاضعًا للتفاسير التي قالها العلماء في تفسيرهم لكتاب الله، إنما ذلك هو قول الله تعالى في كتابه: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين»، وقول الله أيضًا: «إلا ما ظهر منها»، فجمهور الفقهاء سلفًا وخلفًا قال إن ما ظهر منها هو الوجه والكفان، وما عدا ذلك عورة يجب سترها.
وعن فكرة وجود وصاية من قبل العلماء على الدين، كما يقول الهلالي، رد العواري، نحن رددنا بكتاب الله، ولم نجب برأى العلماء مع كامل احترامنا لكلام العلماء الكبار واجتهادات الأئمة، لأننا نحن الآن نسأل الله أن يرزقنا فهم ما كتبوا، فنحن في هذا الزمن لم نبلغ رتبة الاجتهاد مثلهم، لكن هذا الموضوع فيه نصوص قطعية الدلالة قطعية الثبوت، لا تحتمل تأويلات لمجتهد، فأنا لم أقل قال أبو حنيفة وقال مالك، بل نحن نقول قال الله، ووصف العوارى صاحب هذا الفكر بأنه شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، ولا يمثل رأى الأزهر.
في السياق ذاته قالت مصادر مطلعة داخل جامعة الأزهر الشريف، إن رسالة الدكتوراه الخاصة بالدكتور سعدالدين الهلالي، كانت في الآراء الشاذة لدى علماء الفقه، لذلك تجد الهلالي دائمًا ما يجنح نحو الآراء الضعيفة والشاذة في الشريعة والمردود عليها، على حد قول المصادر التي طلبت عدم ذكر هويتها، حفاظًا على علاقة الزمالة، وأفتى مجمع البحوث الإسلامية التابع لمشيخة الأزهر الشريف، بأن آراء الهلالي شاذة ولا تمثل الأزهر الشريف، ولا يعمل بها، إلا في نطاق الضرورة.
هذا ما يبين التناقض المنهجي الذي دائما ما يدخلنا فيه الازهر ومؤسسته الدينية فهو يطالب بحرية البحث والتفكير في الخارج ومن حاول التفكير او البحث في الداخل فتقوم المؤسسة الأزهرية عن بكرة ابيها منددة ومتهمة هذا الشخص اما بالشذوذ او التطرف او الكفر والضلال.