تحالف روسي- تركي جديد للتنسيق في معركة حلب السورية
الثلاثاء 01/نوفمبر/2016 - 01:17 م
طباعة

على ما يبدو أن النظام التركي الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردغان ذو النزعة الإخوانية لن يتوقف عن عقد صفقاته الدموية ولو على حساب الشعب السوري، والذي يتغنى يوميًّا بالحديث عن دفاعه عن مصالحه، وآخر هذه الصفقات هو ما كشفت عنه صحيفة "يني شفق" التركية التي تحدثت في تقرير عن اتفاق تركي روسي يهدف لإفشال خطة أمريكا في الشمال السوري، والمتمثلة في تسليم مناطق لتنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي.

ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمها أن الاتفاق "يهدف لإفشال خطة الولايات المتحدة الأمريكية في الشمال السوري والمتمثلة في تسليم المناطق الممتدة من معبر اليعربية الفاصل بين العراق وسوريا مروراً بالحسكة والقامشلي وعين العرب وتل أبيض وجرابلس وأعزاز وصولا إلى عفرين بريف حلب لتنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي"، الذي تعتبره أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني، والذي تعتبره إرهابياً".
وبحسب المشروع التركي الروسي الجديد، فإنه سيتم إعادة الأوضاع في كل من حلب وريف اللاذقية وإدلب والحسكة ودير الزور والرقة إلى ما كانت عليها قبل بدء الحرب السورية، مع مراعاة الهيكلية الديمغرافية لهذه المناطق، وأن عملية درع الفرات وتوسعها في الشمال السوري، جاءت بناء على التفاهم التركي الروسي، كما أن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن إنشاء مناطق آمنة في الشمال على مساحة خمسة آلاف كيلو متر مربع، أتت استنادا إلى هذه الاتفاقية، مشيرة إلى احتمال متابعة قوات الجيش السوري الحر المشاركة في عملية درع الفرات لتقدمها إلى أن تصل لمركز مدينة حلب، وتنسحب قوات النظام من المناطق المشمولة في الاتفاق التركي الروسي وتنحصر في محافظتي اللاذقية وطرطوس.

وقالت الصحيفة نقلًا عن المصادر: إن "الحملة التي بدأت بها قوات المعارضة السورية قبل عدة أيام لفك الحصار عن مدينة حلب ولتحريرها بالكامل، تؤكد صحة هذه الاتفاقية، لا سيما أن المقاتلات الروسية امتنعت في الفترة الأخيرة عن استهداف المعارضة في المحافظة المذكورة رغم دعوات النظام السوري وان تركيا وروسيا ستتعاونان على إفشال الخطة الأمريكية الرامية لتشكيل حزام إرهابي في الشمال السوري، وستعملان على إعادة السكان الأصليين إلى مناطقهم، وستمتد عملية درع الفرات لتطهّر المناطق التي استولت عليها عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي، ومقابل ذلك يصرّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تطهير المناطق المشمولة في الاتفاق من جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) ومن أحرار الشام.
هذه الصفقة تعد جزءًا من التغير في الساحة الدولية والإقليمية وعلى ما يبدو تتجه تركيا شرقًا نحو موسكو؛ في مسعى حقيقي للتقارب مع عدوها اللدود في المستنقع السوري، فبعد اعتذار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن مقتل الطيار الروسي في أجواء سوريا، أعلن بوتين عن بدء تطبيع العلاقات مع تركيا بعد محادثته الهاتفية التي أجراها مع نظيره التركي، والتي تناولت رفع القيود عن رحلات السياح الروس إلى تركيا.

وتطور العلاقات بين تركيا وروسيا كان سريعًا ومفاجئًا نوعًا ما، على الرغم من أن الوضع الأمني في تركيا متدهور؛ بسبب العمليات التي يقوم بها داعش وحزب العمال الكردستاني فيها، بالإضافة إلى التفجيرات الأخيرة التي طالت بوابة السياحة التركية "مطار أتاتورك" قبل يومين، إلا أن موسكو رفعت الحظر السياحي على تركيا ولكن روسيا كان لديها مطالب محدد من الأتراك وخاصة في ملفين مهمين: الأول متعلق بالأزمة في سوريا، والثاني خط الغاز؛ حيث أعرب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن اعتقاده بإمكانية استئناف الحوار مع تركيا حول الأزمة السورية، وذلك في إطار تطبيع العلاقات بين البلدين، وكانت لنا محادثات في إطار ضيق جدًّا مع تركيا حتى وقت قريب بشأن إيجاد حل في سوريا، إلا أنها انتهت جراء أسباب معروفة”، في إشارة لإسقاط تركيا الطائرة الروسية.
ويبدو أن موسكو التقطت إشارات من تركيا تفيد بوجود تغير ما في موقف أنقرة من الأزمة السورية، خاصة بعد تصريحات رئيس الوزراء التركي الجديد بينالي يلدريم المقرب من أردوغان، بعد أيام من توليه منصبه بأن “تركيا بحاجة إلى زيادة أصدقائها وتقليل أعدائها”، في اعتراف ضمني على ما يبدو بأن سياسات سلفه تسبب في تهميش بلده كما أن موسكو تعلم جيدًا أن تركيا قد تخفف موقفها من الأزمة السورية حتى في الملف المتعلق برحيل الرئيس السوري بشار الأسد تحت ضغط مكاسب الأكراد في الأرض السورية، وبالتالي ستحاول روسيا الضغط على تركيا؛ لإغلاق حدودها في وجه المجموعات الإرهابية التي تتخذ من تركيا منطلقًا لها.

وتركيا تبحث عن حلول كثيرة لمشاكلها في موسكو، فالرياح الإقليمية في سوريا لا تسير كما تشتهيها السفن التركية، كما أن العواصف التي تضرب الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه جعلت أنقرة تفكر مليًّا بجدوى التعويلعلى هذا الاتحاد المهدد بالانهيار في حال تنفيذ دول أوروبية أخرى تهديدها بالانسحاب منه. وفي جميع الأحوال فإن الاتحاد يرفض منح تركيا العضوية، كما أن خلافاتها مستمرة مع الاتحاد، فالاتحاد الأوروبي ما زال غير مقتنع بالجهود التركية في تقويض أزمة اللاجئين السوريين، الأمر الذي دفع أردوغان إلى محاولة تنظم بلاده استفتاء حول مواصلة إجراءات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي من عدمه، الأمر الذي من شأنه أن يجعل من روسيا حليفًا مستقبليًّا مهمًّا لأنقرة، خاصة ان الاتحاد الأوروبي نفسه يسعى في الآونة الأخيرة للتقارب مع روسيا.
كما تعاني تركيا بالفعل من أزمة حقيقية في سوريا، فجميع خيارات أنقرة في سوريا تندرج تحت الخيارات المرّة، فإذا رحل الأسد، فهذا يعني أن سطوة الأكراد ستزداد في سوريا، فسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية على أراضٍ في شمال سوريا قد تسهم في تمرد حزب العمال الكردستاني الذي خاض صراعًا مسلحًا في جنوب شرق تركيا لمدة 30 عامًا، حيث لا تنفي الجماعتان الصلات التي تربطهما، فحزب العمال الكردستاني أسس وحدات حماية الشعب باعتبارها تنظيمًا سوريًّا قبل 10 سنوات، ويتبنى الاثنان فكر عبد الله أوجلان الذي قاد حزب العمال منذ تأسيسه كما أن الخيار الأمريكي الذي كانت تراهن عليه أنقرة تبخر، خاصة بعد أن ركز التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وجهته لمحاربة تنظيم داعش دون التركيز على إسقاط النظام السوري، وما زاد الطين بلة بالنسبة لأنقرة أن واشنطن دعمت الأكراد لمحاربة داعش، الأمر الذي قد يدفع تركيا باتجاه موسكو، فلا فرق كبير بين خيارات روسيا وواشنطن في سوريا.

يذكر أنه عقدت قمة تركية ـ روسية عقدت في اسطنبول على هامش مؤتمر الطاقة العالمي الـ23 لتفعيل التنسيق العسكري والاستخباراتي بين أنقرة وموسكو في أكتوبر 2016؛ حيث عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لقاءًا ثنائياً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في قصر "ما بين" في إسطنبول، واستمر ساعة وأربعين دقيقة، بعيداً عن عدسات وسائل الإعلام بعد أن وصل الرئيس الروسي، صباح اليوم إلى مدينة إسطنبول للمشاركة في المؤتمر وأعلن الرئيس الروسي بعد قمته مع أردوغان أنه بخصوص التعاون في المجال العسكري التقني، فإننا مستعدين لمواصلة مثل هذا التعاون وتكثيفه بمشاريع جادة ذات اهتمام مشترك وإن الجانبين كرسا كثيرا من الوقت لبحث الأوضاع في سوريا، وأن بلاده وتركيا تؤيدان ضرورة وقف إراقة الدماء في هذا البلد في أقرب وقت.
وشدد على وجوب الانتقال إلى التسوية السياسية في سوريا بأسرع ما يمكن، مضيفا أن كل من يرغب في إحلال السلام هناك يجب أن يدعم العملية السلمية وان عناك توافق في موقفي روسيا وتركيا، فيما يتعلق بتأييد مقترحات المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا حول إخراج المسلحين من حلب وأنه أبلغ أردوغان باقتراح روسيا إبعاد جميع القوى عن طريق "الكاستيلو" في حلب، وأعرب عن أمله بأن يصبح الاقتراح موضوعا للمناقشة يوم السبت في سويسرا.
مما سبق نستطيع التأكيد على أن النظام التركي الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردغان ذو النزعة الإخوانية لن يتوقف عن عقد صفقاته الدموية ولو على حساب الشعب السوري، والذي يتغنى يوميًّا بالحديث عن دفاعه عن مصالحه وأن الأمر سوف يستمر ما دام يقبع على رأس السلطة في تركيا ذلك النظام.