الأزهر ومحاربة التنوير..
الأربعاء 02/نوفمبر/2016 - 02:12 م
طباعة

في واقعة هي الأولى من نوعها، أصدرت جامعة الأزهر قراراً بوقف الدكتور يسرى جعفر، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين، عن العمل 3 أشهر، لاتهامه بالإلحاد ومحاولة إحياء فكر «محمد عبده وطه حسين»، والهجوم على التيار الإسلامي، ووصفه بالتيار الظلامي.

الدكتور حامد أبوطالب
وأوضحت مصادر في مشيخة الأزهر، أن لجنة التحقيق، التي شكَّلتها الجامعة، برئاسة الدكتور حامد أبوطالب، العميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون عضو مجمع البحوث الإسلامية الحالي، وجهت لـ«جعفر»، وهو «كفيف»، عدة اتهامات منها الدعوة إلى الإلحاد، وانتقاد صحيح «البخاري» في محاضراته ووصفه للتيار الإسلامي بالظلامي، ومطالبته الدائمة بضرورة تنقية كتب التراث، ومحاولة إحياء فكر الأديب طه حسين، في نقده مناهج الأزهر، وإحياء منهج الإمام محمد عبده في التفكير، مع دعوته لتعديل المناهج الأزهرية. وأضافت المصادر أن التحقيق استغرق أكثر من 3 أشهر، وتمت خلاله مناقشة «جعفر» في آرائه وأفكاره التي وصف خلالها بعض أساتذة وعلماء الأزهر الحاليين بالرجعيين والظلاميين، مشيرة إلى أن الدكتور المتهم نفى فى التحقيق الاتهامات الموجهة له بالإلحاد، مؤكداً أن أفكاره تدعو إلى «التنوير». وتابعت: قرار لجنة التحقيق صدر بوقف الدكتور «جعفر» ثلاثة أشهر، والنية تتجه لفصله نهائياً من الجامعة، إذا ما تحدث إلى وسائل الإعلام، أو أشار للجنة التحقيق، حتى لا يتم اتهام الأزهر بأنه يعيد عصر محاكم التفتيش.
وحين سؤال الدكتور جعفر رفض التعليق قائلاً: «كتاباتي لها علاقة بالتنوير، وأنا مُمتثل لقرار الجامعة، ولن أعلق على اللجنة»، كما رفض مسئول رفيع بجامعة الأزهر التعليق على الواقعة، قائلاً: «الأمر محل تحقيق داخلي، وله علاقة بمخالفة القوانين داخل الجامعة»، فيما كشف مصدر آخر عن أن هناك العديد من الأساتذة تمت إحالتهم للتحقيق لأسباب مختلفة مؤخراً.

الدكتور يسرى جعفر
ومن بين الآراء التي يحارب الدكتور جعفر من اجلها رايه في الخطاب الديني أن خطباء الاوقاف لا يراعون عقلية الشباب كما انهم منفصلون عن الواقع المعاش ناهيك عن سير بعض الدعاة تحت عباءة السلطة وهذه اكبر مشكلة تواجه الدعوة من وجهة نظره لأنه سيترتب عليها عزوف الناس عن دعاة الأزهر وقد حدث هذا بالفعل منذ سنوات مضت واختفي الأزهر وعلماؤه من نفوس وعقول الناس واتجهوا لأصحاب التيارات الأخرى رغم ان بالأزهر علماء اجلاء لكن تسييس الأزهر منذ سنوات كان له تأثير سلبي علي الدعوة ومكانته عند الناس وما نتمناه ان يخرج الدعاة من كنف السلطة ويتحدثوا في كافة الموضوعات طبقا للضوابط الشرعية فقط بغض النظر ان كانت ستزعج احدا ام لا هنا سيستعيد الأزهر دوره وستعود له مكانته التي كان عليها من قبل.
ويؤكد الدكتور جعفر على ان تجديد الخطاب الديني يحتاج إلي مشروع متكامل ينطلق من ثوابت الدين وأصوله, ثم ننظر في المستجدات وحاجات المجتمعات الإسلامية من خلال فقه النوازل وفقه الواقع, لإيجاد حلول للمشكلات المستجدة مثل: ارتفاع سن الزواج, وكثرة وقوع الطلاق, والمعاملات البنكية, وعلاقة الرجل بالمرأة في الأماكن العامة والخاصة, وعلاقة المسلم بالآخر, وأن ينتقل هذا الخطاب الشفهي الكلامي إلي تطبيق عملي من خلال الأنظمة والقوانين التي تنظم علاقة الناس بعضهم البعض, كما أننا في حاجة ماسة إلي التركيز علي الجانب الأخلاقي, ونشر ثقافة تطبيق حقيقة الإيمان بالله ـ تعالي ـ والتقوي, من خلال تقديم رموز الأمة من رجال الدين والثقافة والفكر نموذجا واقعيا وفعالا في مجتمعاتنا المعاصرة, وكفانا الخطب الرنانة, وحشد النصوص دون تدبرها وفقهها فقها مستنيرا فمن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.
وان التجديد يبدأ من خلال طرح مشروع علي طلاب العلم, والدعاة, وأساتذة جامعة الأزهر بصفتها المؤسسة الرسمية التي تعني بتعليم الشريعة, وتدريب الطلاب علي هذا المشروع وتأهيلهم من خلال معرفة قدراتهم من أجل تطبيقه في واقعنا المعاصر.
وعن الاسباب الحقيقية لتراجع الخطاب الديني قد اكد الدكتور جعفر في اكثر من مناسبة ان هذا التردي الذي وصل إليه الخطاب الديني, وعدم تفاعله مع الواقع, وعدم القدرة علي احتواء المخالفين, وبالأخص من جيل الشباب الذين يطرحون أسئلة لا تقوي عليها قدرات الدعاة الذين ربوا علي حفظ النصوص, وتكرارها دون أن يتدربوا علي تدبرها, وكيفية مواءمتها للواقع والمستجدات, وهناك أسباب كثيرة من أهمها:
أولا: خلو المناهج التعليمية في المؤسسات الدينية والتربوية من الجانب العملي والتدريبي علي الرأي والرأي المخالف, والتعصب للرأي الأحادي الذي يغلق الأذهان والأذان أمام تقبل الآخر.
ثانيا: الجانب المجتمعي الذي لا يقدر أهل العلم والثقافة والمعرفة, وفي المقابل يقدر دعاة الغوغائية والفنون الهابطة, وإعطاء المكافآت والرواتب الضخمة لمحترفي أو هواة الألعاب الرياضية مع التأكيد علي أن الإسلام لا يحارب الرياضة بشتي أنواعها, ولكن حين تقدر الفئات غير المؤثرة, وتهمل الفئات المؤثرة علميا وتربويا, فهذه النظرة الاجتماعية التي ساهمت فيها جهات عديدة تؤثر سلبا علي العمل التعليمي بصفة عامة, والديني فيها علي وجه الخصوص.
ثالثا: الاهتمام بالجانب الاقتصادي لرجال العلم بشتي فروعه, وأساتذة التربية وعلماء الشريعة, فإن الأمم تبني بالعلم مع المال.

ولا ينبغي أن ندفن رؤوسنا في الرمال, ونعتقد أو نتصور بأن رجال التربية والتعليم, والمعلمين أيضا في المعاهد الدينية, وأئمة المساجد الذين يقومون بتأثير بالغ في المجتمع لا يحتاجون إلي المال الذي يكفيهم ويكفي أسرهم, الذي يحقق لهم الراحة والاستقرار النفسي, ويدفعهم نحو مزيد من العطاء.
رابعا: الفصل بين الأزهر بصفته مؤسسة تعليمية, ووزارة الأوقاف بصفتها مؤسسة دعوية, فهذا الفصل لا يحقق التواصل بين الجانب التعليمي النظري, والجانب التطبيقي في المجتمع.
خامسا: وجود جهات عديدة تبث أفكارها في المجتمع من علي منابر المساجد المختلفة مثل الجمعية الشرعية, وجمعية أنصار السنة, والمساجد التابعة لبعض الجمعيات الخيرية, والمساجد والأماكن التي لا تقع تحت سيطرة الدولة بحيث تكون مكانا لجذب عقول الشباب وغيرهم من فئات المجتمع.
وعن الجهة المنوط بها تجديد الخطاب الديني يقول:
المنوط به دور إصلاح الخطاب الديني جهات أربع:
أولها: الأزهر الشريف بصفته المؤسسة الرسمية المعنية بتدريس العلوم الشرعية واللغوية علي مستوي مصر والعالم العربي, والعالم الإسلامي كله, حيث يفد إليه الطلاب من كل فج عميق, ومن كل الأجناس فهو المنوط به طرح مشروع إصلاح العقل المسلم من أجل أن يقدم للناس خطابا يتفق مع عالمية الإسلام الحميد.
ثانيها: وزارة الأوقاف بصفتها المعنية بالعالم الدعوي, وهذا يقتضي منها إصلاح كوادر الدعاة من الناحية المالية والأدبية, وتثقيفهم علي أعلي مستوي يتناسب مع سماحة هذا الدين الحميد, وبدأت الأوقاف بالفعل في تنظيم دورات تدريبية للأئمة الذين يجيدون لغات مختلفة غير اللغة العربية, وهنا تجدر الإشارة أن إصلاح الخطاب الديني لا يتم إلا بمنع الجمعيات والمؤسسات غير وزارة الأوقاف التي أقحمت نفسها في العمل الدعوي فأفسدت الخطاب الوسطي المعتدل الذي يمثله كل من الأزهر ووزارة الأوقاف.
ثالثها: وزارة التربية والتعليم بإعتبارها الجهة المعنية في الدولة للجمع بين الأخلاق في جانبها التربوي, والتعليم في جانبه التنويري الذي يتماشي مع العصر.
رابعها: وزارة الثقافة بصفتها المؤسسة الرسمية التي تعني بتثقيف الشعب المصري علميا ودينيا وفنيا, والدين مكون رئيسي من مكونات الثقافة المصرية, والمسئول عن تراجع دور الأزهر ووزارة الأوقاف والمؤسسات الإعلامية التي تعمل وعملت من قبل علي هدم وتشويه صورة الشخصية الدينية, من خلال السخرية منهم في المسلسلات والأفلام الهابطة.