(البطريرك الثالث والأربعون).. الكسندروس.. 300 ألف دينار مقابل السلام على الحاكم
الخميس 03/نوفمبر/2016 - 10:49 ص
طباعة
تتناول هذه النافذة، تاريخ مشيخة الأزهر، وتاريخ بطاركة الكنيسة المصرية من خلال التسلسل الزمني.. بغرض التعرف عن قرب على تاريخ الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، والأدوار الدينية والاجتماعية والسياسية والفكرية لهؤلاء الأعلام (المشايخ والبطاركة).. باعتبار ذلك جزءًا أصيلًا وفاعلًا من تاريخ مصر
بعد وفاة البابا سيمون الأول لم يتمكن الأساقفة من إقامة خلفه، فخلا الكرسي بعده ثلاثة سنوات وتسعه أشهر وسبعة أيام وطلب أثناسيوس، وهو موظف قبطي في الديوان من الوالي أن يسمح للأنبا إغريغوريوس أسقف القدس أن يتولى إدارة أعمال الكنيسة، فكتب له الوالي أمرًا بذلك واستمر يدير أعمال الكنيسة حتى انتخب بإجماع الآراء الأنبا ألكسندروس، وكان راهبًا وديعًا عالمًا بالكتب المقدسة، وكان اسمه قبل البطريركية الكسندروس أيضًا. وترهب في دير الزجاج وأقيم بطريركًا بعد استئذان الوالي في يوم عيد مارمرقس في 30 برمودة سنة 420 ش. الموافق 25 أبريل سنة 704 م.، وعاصر من الحكام عبد الملك بن مروان - الوليد بن عبد الملك - سليمان - عمر بن عبد العزيز - يزيد بن عبد الملك - هشام بن عبد الملك.
ولقد سبب الشيطان ضيقا للبابا وذلك أنه بعد وفاة عبد العزيز تولى الخليفة ابنه عبد الله على مصر ولما مضى البطريرك للسلام علية سأل عنه، فقيل له إنه بطريرك النصارى فقبض عليه وسلمه لحاجبه وأمره أن يعذبه حتى يدفع ثلاثة آلاف دينار! فأخذه الحاجب وأقام ثلاثة أيام، وتوقع الأقباط أن يتنازل عن شيء فلم يمكن وتقدم شماس اسمه جرجس إلى الحاجب وقال له "هل تطلب نفس البطريرك أم المال" فأجابه المال، فقال له الشماس سلمه لي لمدة شهرين لأطوف به على أولاده المؤمنين فأجمع له هذا المال. فجال به الشماس في الوجه البحري وجمع المال وسلمه للوالي.
ثم تولى بعد عبد الله الأمير قرة وكان هناك موظف بديوان الإسكندرية رجل قبطي يدعى تاوضروس وكان عدوا للبطريرك، فما وصل قرة إلى مصر توجه إليه البطريرك ليؤدى واجب السلام، فأخرجه تاوضرس فقبض قرة على البطريرك وألزمه أن يدفع ثلاثة آلاف دينار فقال البطريرك "‘إني لا أملك هذا المال" فقال له الوالي "لا بُد من دفع هذا المبلغ ولو بِعت لحمك!" فطلب البطريرك من الوالي أن يسمح له أن يزور الوجه القبلي، ووعده بأن يرسل له كل ما يتحصل عليه من أبنائه بالصعيد. وزار البابا البطريرك الصعيد ففرحوا به فرحًا عظيمًا وبخاصة أنهم لم يشاهدوا بطاركة بعد البابا بنيامين الذي كان مختفيًا عندهم.
وحدث في الأيام أن سائحا يدعى فيلسطس وهو مقيم على صخرة وكان معه ولداه الراهبان، فأمرهما بأن يهيئا له مكانًا خلف الصخرة. وبينما هما ينظفان الأرض وجدا كنزًا عظيمًا في خمسة أواني، فأخفيا عنه واحدًا وأظهرا له الأربعة، فشكر السائح كاتب البطريرك والراهب جرجس وكليه، وأعطاهما الأربعة أواني ليسلماها للبطريرك فجربهما الشيطان فدفنا الأواني. أما الرهبان فقسما الإناء الذي أخفياه عن السائح وعاشا عيشة مترفة وتركا عيشة الرهبنة! وظهرا بمظهر سيء حتى شك في أمرهما الوالي وقبض عليهما، واعترفا بما حدث جميعه، وعرف الوالي أن الأربعة أواني الباقية سلمت لبطريرك النصارى فأمر بغلق الدار البطريركية، واستولى على كل ما فيها من الأواني والذهب والفضة والكتب والمقتنيات، واستحضر البابا وهم بقتله بسبب قوله انه ليس معه ذهب وكَبَّلة بالحديد وطرحة في السجن سبعة أيام وأخرجه ليقوم بدفع 3 ألاف دينار، ورجع البطريرك يستعطى الأقباط حتى حصل على المبلغ ودفعه للوالي.
وقد وشى أناس أسرارًا للوالي بأن البطريرك لديه قوم يضربون الدنانير (يزورونها)، فأحاط جنود الوالي البطريركية وقبضوا على البطريرك وأصحابه وأهانوهم وضربوهم، وبعد ما تحقق لهم كذب التهمة التي وجهت إليهم تركوهم. وقد قامت على هذا البطريرك أيضًا زوابع داخلية من نصارى الإسكندرية وكهنتها إذا ساروا عليه طالبين مرتبات الكنائس، وحيث أنه لم يكن لدى البابا ما يدفعه لهم هداهم ورجاهم أن يسكتوا، وأعلمهم انه لا يوجد بالدار البطريركية مالًا ولا شيء يرضيهم به. فثاروا عليه ثورة كبيرة وشنعوا به مما اضطره أن ينتهرهم ويطردهم.
وبعد ذلك لحقه عذاب شديد من بطريرك ملكاني والولاة الظالمين، ثم مرض وهو في حراسة جنود الوالي، وكان تلاميذه يريدون نقله إلى الإسكندرية في مركب إلا أن الجنود قبضوا عليهم، وفي هذه الأثناء توفي البابا في 7 أمشير سنة 445 ش. الموافق أول فبراير سنة 729 م. ودفن في الكنيسة المرقسية بالإسكندرية التي عاش فيها مدة رياسته، ولقد عاصر من الحكام عبد الملك بن مروان والوليد عبد الملك وسليمان وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك.