بعد انتهاء الهدنة الروسية.. حلب تستعد لحرب تكسير العظام بين القوى المتصارعة
السبت 05/نوفمبر/2016 - 04:42 م
طباعة

عقب انتهاء الهدنة التي حددتها وزارة الحرب الروسية في حلب عاصمة الشمال السوري والتي أعلن عنها الجنرال "فاليري غيراسيموف" رئيس أركان القوات الروسية، باعتبارها هدنة إنسانية بالتنسيق مع نظام الأسد في سوريا، داعياً المدنيين والمقاتلين في الأحياء الشرقية من مدينة حلب، إلى الخروج من هناك عبر ممرات تم تخصيصها للمدنيين وأخرى للمسلحين باتجاه إدلب والحدود التركية، باعتبارها "الفرصة الأخيرة للمسلحين" تتجه أنظار السوريين والعالم إلى تطورات اللحظات القادمة؛ حيث يتزامن معها حشد موسكو لبوارجها الحربية وحاملة طائرات قبالة السواحل السورية، مع وصول 5 آلاف جندي روسي إلى مشارف حلب لقيادة الحملة البرية، بالتزامن مع تحضير عسكري طهران لما أسمته "قيامة حلب".

هذا في الوقت الذي أكد فيه شهود عيان على أن روسيا ونظام الرئيس السوري بشار الأسد خرقا الهدنة الأحادية التي أعلنت عنها موسكو، كغيرها من اتفاقات وقف إطلاق النار في عموم سوريا، لا سيما في حلب؛ إذ خرق الاتفاق الأمريكي- الروسي، المبرم سابقا، عقب ساعات من دخوله حيز التنفيذ، كما منع دخول المساعدات الإنسانية التي نص عليها الاتفاق، وسط ادانات محلية وإقليمية، كما لم تسجل "معابر روسيا الآمنة" في حلب، خروج أي مدني أو عسكري من الأحياء الشرقية المحاصرة، رغم أن نظام الأسد أرسل سيارات إسعاف وحافلات لنقل الراغبين في مغادرة شرق حلب كما فعلت في مرات سابقة خلال الهدنة.
وكان رد الجيش السوري الحر حازماً وسريعاً برفض المبادرة الروسية التي تطالب بخروج المدنيين والعسكريين من أحياء حلب الشرقية؛ كونها تأتي تطبيقاً لسياسة التهجير والتغيير الديمغرافي التي تتبعها موسكو وطهران والأسد في سوريا، بينما شنت فصائل "جيش الفتح" وغرفة عمليات "فتح حلب" خلال الأسبوع الماضي هجوماً مضاداً على الطرف الغربي من المناطق التي يسيطر عليها النظام وميليشيات إيران انطلاقاً من ريف حلب الغربي، وتمكنت من تحرير ضاحية الأسد ومنيان وحواجز عسكرية، والوصول إلى مشروع 3 آلاف شقة وحلب الجديدة.

انتهاء "الفرصة الروسية الأخيرة"، تأتي بالتزامن مع اقتراب وصول حاملة الطائرات الوحيدة في روسيا، الأدميرال كوزنيتسوف، إلى قبالة الساحل السوري، وذلك برفقة أسطول من الغواصات والفرقاطات، المرافقة لها، مزودة بصواريخ كروز يشير إلى نية روسيا بأن تشنَ موجة جديدة من الضربات الجوية التي ستطال المناطق المحررة في حلب، كما كشفت صحيفة "التلغراف" البريطانية أنها رصدت قافلة تضم عشرات الجنود الروس ينقلون أسلحة ثقيلة إلى حلب الغربية عبر بلدة الراموسة جنوب حلب، ونقلت الصحيفة عن ضابط في قوات الأسد قوله: "إن الروس سيقودون الهجوم على حلب الشرقية وسيشكلون أكثر من 80% من القوات المهاجمة، وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد الجنود الروس في سوريا يبلغ أكثر من خمسة آلاف".
ونقلت الصحيفة البريطانية عن "عبد الكافي الحمدو" وهو مدرس اللغة الإنجليزية في أحياء حلب المحاصرة قوله: "إن المقاتلات الروسية ستحول حلب الشرقية إلى جحيم مرة أخرى، وستقول إنها عرضت علينا المغادرة، ولأننا لم نغادر، فجميعنا إرهابيون ونستحق الموت" ويقول "بيبرس مشعل" مسئول الدفاع المدني في شرق حلب: إنه لا يمكن فعل شيء وإنه لا يمكن وقف الطائرات، فلا يوجد سبيل أمام عمال الإنقاذ أو الأطقم الطبية للاستعداد مقدماً للاستئناف المتوقع للهجمات، وإن كل ما يمكن فعله هو أخذ الاحتياطات والتأهب على مدار الساعة، وفق وكالة رويترز.

طهران بدورها، أمرت ميليشياتها العابرة للحدود المنتشرة على أطراف أحياء حلب الشرقية، بالتحضير العسكري لما سمته قناة العالم الإيرانية الرسمية "قيامة حلب"، خصوصاً مع تأكيدات بوصول دفعات جديدة من الميليشيات الشيعية التي أرسلها الحرس الثوري الإيراني من طهران وبغداد إلى مشارف مدينة حلب خلال الأيام القليلة الماضية، كما رجّحت مصادر في المعارضة السوري أن يشن النظام السوري وروسيا عملية عسكرية واسعة النطاق على مدينة حلب وريفها الشمالي خلال الـ48 ساعة المقبلة، وأن النظام والإيرانيين يحشدون قوات رديفة من الميليشيات العراقية خصوصاً حول المدينة وينقلون أسلحة تمهيداً لما وصفوه بـ "معركة كبرى".
وقالت المصادر لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء: "توقف روسيا عن قصف مدينة حلب ليس بالضرورة معياراً جيداً يمكن أن يُبنى عليه، فكل ما يجري على الأرض يشير إلى استعداد النظام والميليشيات المُسيّرة من إيران لمعركة كبيرة في حلب، ويتم منذ نحو أسبوع استقدام المقاتلين العراقيين بكميات كبيرة إلى محيط المدينة بإشراف إيراني، كما أن هناك استحضار للسلاح عبر مطار كويريس العسكري؛ حيث لا تتوقف المروحيات عن نقل السلاح على اختلاف مستوياتهن ويُعتقد أن تحضيرات لمعركة كبرى في حلب تجري على قدم وساق على عدة محاور، وأن الهجوم سيتم على الأغلب عبر ثلاثة محاور، الأولى عبر جبهة تل عفر، والثانية من مطار كويريس باتجاه عران والباب ودير حافر، والثالث من شرق حلب"، كما تستعد قوات النظام والميليشيات التابعة لها، للهجوم على حلب براً، بتغطية جوية روسية، مع استقدام الآلاف من الموالين من العاملين في الميليشيات غير النظامية.

وتظهر التطورات الميدانية المتسارعة في مدينة حلب السورية أن "الشهباء" تنتظر أسبوعًا حاسمًا، خصوصًا أنه بات واضحًا، بأن عدد مقاتلي جبهة فتح الشام "النصرة سابقا" يتعدى 1500 مقاتل في الأحياء الشرقية من حلب بخلاف التقديرات السابقة التي قللت من عددهم بشكل كبير والهدف الرئيسي من تقليل عدد هؤلاء المسلحين هو نزع ذريعة قصفهم من الجيشين السوري والروسي والعمل دون فك ارتباط فصائل المعارضة المسلحة، التي تصفها وتصنفها واشنطن بـ"المعتدلة"، وعدم إيجاد الذرائع لاستمرار حصارهم من قبل الجيش السوري في وقت تسري فيه هدنة روسية تؤدي إلى خروج المسلحين من المدينة، والتي أبدى فيها الجيش السوري استعداده لتقديم مهلة كافية للمسلحين من أجل التفكير وتحضير أنفسهم لرمي السلاح وحل أمورهم كما حصل مع من سبقهم في الإقدام على هذه الخطوة "مسلحي داريا".
يذكر أن تحرير حلب يعني الخسارة الكبرى لأمريكا التي مهدت إعلاميًّا وسياسيًّا وعسكريًّا أن حلفاؤها من المسلحين والمتطرفين اقتربوا من السيطرة على حلب، لذلك فإن عجز أمريكا وحلفاؤها من العرب في هزيمة الجيش السوري، واحتلال حلب وعدم كسر محور (إيران- سورية - حزب الله- روسيا)، الذي يتضح الآن أنه زاد من قوته وجعل رهان أمريكا وحلفائها على هذه الجماعات المتطرفة خاسر وفاشل وفي هذا السياق، فإن أمريكا وتركيا وحلفاؤهم من الدول العربية وضعوا كل رصيدهم في معركة حلب، وخسارتهم هذه المعركة تعني خسارة كل الأوراق في المنطقة، فحلب مهمة جدا ومعركتها ستكون حاسمة وروسيا ستدخل بثقلها في هذه المعركة، ولن تتوقف عند حد معين في مساعدة سوريا.

مما سبق نستطيع التأكيد على أن الساعات والأيام المقبلة ستحمل في طياتها معارك مدمرة، وسيشهد كافة الأطراف معارك ستكون شرسة لهم جميعًا هي كفيلة بحسم الموقف في حلب والمنطقة بأكملها، وتبيان الأمور في حال كانت متجهة إلى الحلحلة أو هي ذاهبة نحو مزيد من التأزيم، فمعركة حلب هي أم المعارك التي ستحدد مصير سوريا، وأن الملفات المتداخلة في المنطقة ستخضع وتتأثر لما قد يحدث في الفترة المقبلة.