"شكري مصطفى" أمير جماعة التكفير والهجرة
الإثنين 07/نوفمبر/2016 - 02:41 م
طباعة
هو شكري أحمد مصطفي عبد العال من مواليد قرية (الخرص) مركز أبو تيج محافظة أسيوط 1942م، أحد شباب جماعة الإخوان المسلمين الذين اعتقلوا صيف عام 1963م حتى صيف 1971، وكان لا يزال طالبًا بكلية الزارعة بجامعة أسيوط وتم اعتقاله مع مجموعة من الشباب بتهمة توزيع منشورات لجماعة الإخوان المسلمين وكان عمره وقتئذ واحدًا وعشرين عامًاوفي هذه الفترة تعرف على كتابات سيد قطب وأبو الأعلي المودودي والتي انتشرت سريعًا بعد إعدام سيد قطب.
في عام 1971م أفرج عنه بعد أن حصل على بكالوريوس الزراعة، ومن ثم بدأ التحرك في مجال تكوين الهيكل التنظيمي لجماعته. ولذلك تمت مبايعته أميرًا للمؤمنين وقائدًا لجماعة المسلمين فعين أمراء للمحافظات والمناطق واستأجر العديد من الشقق كمقار سرية للجماعة بالقاهرة والإسكندرية والجيزة وبعض محافظات الوجه القبلي.
في سبتمبر 1973م أمر بخروج أعضاء الجماعة إلى المناطق الجبلية واللجوء إلى المغارات الواقعة بدائرة (أبو قرقاص) بمحافظة المنيا بعد أن تصرفوا بالبيع في ممتلكاتهم وزودوا أنفسهم بالمؤن اللازمة والسلاح الأبيض، تطبيقًا لمفاهيمه الفكرية حول الهجرة.
في 26 أكتوبر 1973م اشتبه في أمرهم رجال الأمن المصري فتم إلقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة في قضية رقم 618 لسنة 73 أمن دولة عليا.
في 21 أبريل 1974م عقب حرب أكتوبر 1973م صدر قرار جمهوري بالعفو عن مصطفي شكري وجماعته، إلا أنه عاود ممارسة نشاطه مرة أخرى ولكن هذه المرة بصورة مكثفة أكثر من ذي قبل؛ حيث عمل على توسيع قاعدة الجماعة، وإعادة تنظيم صفوفها، وقد تمكن من ضم أعضاء جدد للجماعة من شتي محافظات مصر، وشراء أراض زراعية وبناء مجتمع لهم في مديرية التحريركما قام بتسفير مجموعات أخرى إلى خارج البلاد بغرض التمويل، مما مكن لانتشار أفكارهم في أكثر من دولة.
هيأ شكري مصطفي لأتباعه بيئة متكاملة من النشاط وشغلهم بالدعوة والعمل والصلوات والدراسة، وإذا ترك العضو الجماعة أُعتُبِرَ كافرًا، حيث اعتبر المجتمع خارج الجماعة كله كافرًا ومن ثم يتم تعقبه وتصفيته جسديا.
ومن أبرز ما اتسمت به "جماعة المسلمين" كما أطلق عليها شكري مصطفي من واقع أقواله أمام هيئة محكمة أمن الدولة العسكرية العليا (القضية رقم 6 لسنة 1977) والتي نشرت في الصحف يوم 21/10/1979:
- أن كل المجتمعات القائمة مجتمعات جاهلية وكافرة قطعًا.
- أننا نرفض ما يأخذون من أقوال الأئمة والإجماع وسائر المسميات الأخرى كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة.
- أن الالتزام بجماعة المسلمين ركن أساس كي يكون المسلم مسلمًا، ونرفض ما ابتدعه فقهاء السلاطين من تقاليد، وما رخصوا لأنفسهم فيه، وقد أسلموا أمرهم إلى الطاغوت وهو: الحكم بغير ما أنزل الله، واعتبروا كل من ينطق بالشهادتين مسلمًا.
- أن الإسلام لا يثبت بالشهادتين فقط، ولكنه إقرار وعمل، ومن هنا كان المسلم الذي يفارق جماعة المسلمين كافرًا.
- الإسلام الحق هو الذي تتبناه "جماعة المسلمين" وهو ما كان عليه الرسول وصحابته وعهد الخلافة الراشدة فقط - وبعد هذا لم يكن ثمة إسلام صحيح على وجه الأرض حتى الآن.
وقد أوضح شكري أفكاره في مجموعة من النصوص أوردها في مجموعة من الكراسات نسخت بخط اليد باعتبار أن المطبعة عتاد كفروتم تداولها سرًّا أهمها:
- رسالة الحجيات.
- رسالة التوسمات.
- الخلافة.
على كل حال تمايزت أفكار الجماعة بالمسالمة في أول الأمروتقوم فلسفتها على عدم الاصطدام بالسلطة ولكن بعد وصم المجتمع بالكفر والعودة إلى الجاهلية اعتبر أن جماعته هي الفرقة الوحيدة المسلمة في هذا الكون ودعا شكري إلى الانعزال عن هذا المجتمع والهجرة بعيدًا عن الكفار، وذلك للإخلاء بين الله وبين الكافرين لينقض عليهم ويبيدهم بإحدي سننه (بحرب كونية مثلاً) وفي هذه الحالة تخرج جماعة المسلمين لتقاتل من تبقَّي من الكفاروهم اليهود الذين سيأتون من ناحية إيران!!
فقه العنف
يعتقد أن القضية ثارت بعدما بدأت الجماعة تواجه بعض المشكلات الداخلية نظرًا إلى اتساعها وتوزعها في الداخل والخارج، خصوصًا أن شكري لم يكن يتحمل الخروج عنه ويعتبر كل خارج عن جماعته مرتدًّا عن الإسلام يجب قتله ولحدوث بعض أحداث العنف فيما بينهم بدأت هذه الحوادث تلفت نظر جهات الأمن ليكتشفوا أن وراء هذه الحالات من الاعتداء تنظيمًا دينيا كبيرًا يمكن في أي لحظة أن يتحول بالعنف تجاه النظام عندها ومع تكشف بعض أسرار التنظيم على يد ضحاياه من المنشقين بدأت حملة اعتقالات لأفراد الجماعة.
ولم يجد شكري مصطفي بدًّا أمام هذه الضربات البوليسية إلا الرد متمثلاً في عملية اختطاف يساوم بها مع النظام على الإفراج عن المعتقلين.
الذهبي لماذا؟
الشيخ الذهبي عالم كبير ووزير سابق له وزنه في المجتمع ولدي الحكومة. وهذا الرجل قد بلّغ بالدعوة وعلمها جيدًابدليل كتابه الذي يرد على أفكار التنظيم فكرة فكرة. لم يكتف الشيخ برفض أفكار الجماعة بل أعلن موقفًا مناهضًا لها. بالإضافة إلى أنه كان هدفًا سهلاً ولا توجد عليه حراسة!
منذ اللحظة الأولي كان موقف الحكومة - ممثلة في رئيس وزرائها وزير الداخلية السابق "ممدوح سالم" - هو عدم التنازل والمواجهة لكنها أوهمت الجماعة بالرغبة في المفاوضات بغية كسب الوقت وتأخير قتل الرهينة حتى تستطيع تحديد المكان وإعداد خطة لتخليص الشيخ وبينما كانت تجري مع الجماعة مفاوضات صورية كان عملاؤها يمسحون القاهرة طولاً وعرضًا بحثًا عن الضحية، وتركز بحثهم على الشقق المفروشة. وبالصدفة اشتبهوا في إحدى الشقق كان اثنان من ضباط الشرطة يسألان عمن يقيم بالشقة المفروشة رقم واحد شارع محمد حسين بشارع الهرم، فرفض مستأجروها الإدلاء بأي بيانات مما أثار الشكوك وبمهاجمة الشقة عثر بداخلها على شخصين من الجماعة هما (أحمد نصر الله حجاج وصبري محمد القط)، وعُثر على مدفع رشاش وألف طلقة ذخيرة، ورسم كروكي لبيت الشيخ الذهبي، وخطابات متبادلة بين أعضاء التنظيم، وأوراق أخرى كان من بينها عقد إيجار فيلا مفروشة في شارع فاطمة رشدي في الهرم وفي أثناء التفتيش حضر شخص ثالث، ما إن شاهد رجال الأمن حتى حاول ابتلاع ورقة كان يحملها، فمنعوه، وأخرجوها من فمه، وتبين أنها رسالة بنقل جثمان الدكتور الذهبي من الفيلا المفروشة على عربة كارو، بعد إجراء عمليات التمويه، لتُلقي - مع النشادر - في مصرف قريب فتم مهاجمة الفيلا المفروشة وعثر على جثة الشيخ الذهبي.
بدأت عملية مطاردات واسعة أدت إلى سقوط معظم أفراد الجماعة بينما كان شكري يقيم في إحدى الشقق المفروشة بمنطقة "حدائق القبة" مع زوجته (شقيقة محمد النجار مسئول التنظيم) وعلى الرغم من أنه لم يكن أحد من الجماعة يعلم مكان إقامته فقد شعر بضيق الخناق عليه فبدأ في البحث عن مكان أكثر أمانًا وحين عودته لم يجد القميص الأسود منشورًا في البلكونة فعرف أن الشرطة قد هاجمت المكان فعاد يسير في الشوارع على غير هدي وبعد أن تعب من السير هداه تفكيره أن يركب القطار إلى بنها حيث توجد خلية مؤمَّنة يستطيع اللجوء إليها لإخفائه ومن التعب والإرهاق وعدم التركيز ركب قطار المرج بالخطأ وعندما اكتشف ذلك قرر النزول في محطة عزبة النخل لوجود بعض أتباعه بها وسار يجر قدماه في شوارع القرية غير قادر على الاهتداء إلى البيت الذي يسكنون فيه والنسوة أمام البيوت يتطلعن مرتابات إلى هذا الغريب ذي اللحية الطويلة والملابس القصيرة، زائغ النظرات وبالصدفة يلتقي به مخبر كان يعمل في السجن الحربي ويعرفه جيدًا فيمد المخبر يده بالمصافحة ويمسك بيد شكري بشدة ويسأله عن اسمه وعندما يرد عليه باسم آخر يقول له: بل أنت شكري مصطفي ويقتاده إلى نقطة الشرطة!!
في 30 مارس عام 1978 بسجن الاستئناف بالقاهرة تم تنفيذ حكم الإعدام في كل من:
- شكري أحمد مصطفي- أحمد طارق عبد العليم- أنور مأمون صقر- ماهر عبد العزيز بكري- مصطفي عبد المقصود غازي.
تنظيمات لا تموت
في أكتوبر 2007 ألقت أجهزة الأمن القبض على مجموعة جديدة تنتمي إلى تنظيم «التكفير والهجرة»، وذلك للمرة الأولي منذ انتهاء عمليات الكشف عن مجموعة «الشوقيين» التكفيرية الشهيرة أوائل التسعينيات، والتي أفرج عن عدد كبير من أعضائها قبل نحو ثلاثة أشهر بعد إقرار التوبة والعودة عن جميع الأفكار التكفيرية.
وخضع أعضاء المجموعة البالغ عددهم نحو 12 متهمًا للتحقيقات داخل جهاز مباحث أمن الدولة لتحريز المضبوطات وجميع بيانات المجموعة، بعد أن حولتهم لنيابة أمن الدولة العليا.
وكشفت تحقيقات النيابة مع المجموعة، عن اعتناق أعضائها لأفكار تنظيم التكفير والهجرة القائمة على تكفير الحاكم وشرعية الخروج عليه وضرورة القيام بأعمال عدائية داخل البلاد، ومحاولة الترويج لفكر التكفير والهجرة بين الشباب والدعوة إليه من خلال عمليات الاستقطاب للمجموعات الشبابية السلفية.
وقالت التحقيقات: إن المجموعة اتخذت من بعض المساجد في القاهرة مكانًا لنشر الأفكار مثل مسجد «الهدي» بمدينة نصر و«التوحيد» برمسيس، والسعي إلى تكوين جيش باسم «جيش محمد» ومحاولة تصنيع متفجرات وسيارات مفخخة، واتخاذ أسماء حركية، وكذلك اتخاذ الشكل العنقودي للمجموعة والأسلوب الفردي لتجنب الرصد الأمني وجمع التبرعات للقيام بأعمال تخريبية.
واتهمت النيابة قائد المجموعة ويدعي أحمد أبو النجا بإنشاء محطة إذاعية خاصة بالمجموعة عبر شبكة الانترنت والاتصال بعناصر متطرفة خارج البلاد، ومحاولة قتل اليهود في سيناء للتدريب على عمليات القتال، ورصد الحافلات السياحية وحركة وخطة الأمن بها في ميادين القاهرة الشهيرة استعدادًا لعمل عدائي ضد هذه الحافلات.
ورغم نفي المجموعة جميع الاتهامات الصادرة بحقهم في مذكرة الضبط لتحريات مباحث أمن الدولة أمام النيابة فإن تحقيقات النيابة كشفت عن أن المجموعة تم ضبطها عن طريق نقابة المحامين عندما تقدم أحد أفراد المجموعة لتسجيل اسمه داخل النقابة فور إعلانها عن قبول المتطوعين للسفر إلى العراق للجهاد ضد القوات الأمريكية، حيث حصلت أجهزة الأمن على أسماء المتطوعين من مسئول كبير بنقابة المحامين.
وكشفت التحقيقات عن ورود اسم أحد الدعاة السلفيين المشهورين في التحقيقات، حيث قالت مذكرة الضبط إنه هو الذي أسس لفكر التكفير لهذه المجموعة.
ووجهت النيابة اتهامات للمجموعة بإعداد برنامج فكري وعسكري وفقهي لتنفيذ المهام داخل مصر من خلال تدارس الأفكار المتطرفة وتنظيم لقاءات تنظيمية وإعداد التنظيم وإعطائه اسم "جنود جيش محمد" والسعي للحصول على أسلحة نارية.
ورغم نفي المجموعة جميع التهم فإن محضر التحريات أشار إلى أن بعض أعضائها سبق لهم السفر إلى سوريا والسودان والتواصل مع مجموعات سبق لها السفر إلى الصومال والانضمام إلى المحاكم العسكرية هناك. ونفت المجموعة انضمامها إلى أي تنظيمات أو جماعات سواء التكفير والهجرة أو غيرها، فيما وجهت النيابة اتهامًا للمجموعة بالقيام بحملة تبرعات لصالح الطلاب الأفارقة بجامعة الأزهر وعقد دروس وطبع 2000 بوستر يندد بالاعتداء على الرسول الكريم، ودعوة للمقاطعة وطبع منشورات تدعو إلى التوحيد!!
وشهد العام 2009 إلقاء القبض على أكثر من تنظيم لا يشترط انتماؤه المباشر إلى التيار السلفي أو التأثر بأفكاره، ولكن المهم أن هذه التنظيمات الحركية تجد من التيار السلفي ودعاته وقنواته ملاذًا آمنًا من المواجهات الأمنية وأرضية خصبة للنمو في مجتمع لم يزل يرى أن الإسلام هو الحل وأن كل من يقول "قال الله وقال الرسول" يحق له الفتوى، وما حالة الشيخ خالد الجندي الأزهري العالم وموقفه من البهائيين بتكفيرهم وتكفير من لم يكفرهم إلا نموذج دال على أن الفرق بين التطرف والإرهاب فرق في الدرجة لا النوع!!
وهكذا تطير الأفكار عابرة للزمن منتجة تواصلاً في النهج وتحولاً من السلفية الاجتهادية إلى السلفية الجهادية، كما يقول المخرج يوسف شاهين في نهاية فيلمه المصير "الأفكار لها أجنحة لا أحد يستطيع منعها من الطيران".. الكارثة أن كل الأفكار هكذا!