حجاب المرأة .. الحائر بين الفقهاء

السبت 12/نوفمبر/2016 - 05:14 م
طباعة حجاب المرأة .. الحائر
 
شهدت قضية الحجاب وزى المرأة جدلا واسعا، بعد ما طرحه الدكتور سعد الهلالي، أستاذ الفقه المقارن من تفسيرات تشير إلى عدم وجود نص واضح في القرآن يفرض ارتداء الحجاب على المرأة، وشكك في الأحاديث النبوية التي يتم الاستناد عليها لتأكيد وجوب الحجاب، مؤكدا أن هناك العديد من التفسيرات والآراء التي يمكن أن تختار منها المرأة ما يناسبها دون أن يكون هناك فرض أو مواصفات محددة لزى معين.

حجاب المرأة .. الحائر
وقدم الهلالي تفسيرات لآيات القرآن التي يتم الاستشهاد بها لتأكيد وجوب الحجاب ليؤكد أنها تحمل أكثر من تفسير، ومن هذه التفاسير ما يبيح للمرأة ارتداء ملابس تكشف الذراع حتى المرفقين، كما أكد أن جلباب المرأة الذى تحدثت عنه الآيات لم يحدد طوله أو مواصفاته، وقدم تفسيرات لعدد من الأحاديث النبوية توحى بأنه لم يكن هناك حجاب على عهد الرسول، وأنه صلى الله عليه وسلم جلس مع نسوة لا يرتدين الحجاب، كما أشار إلى أن سيدنا عمر بن الخطاب كان يضرب الإماء ويأمرهن بكشف الشعر.
وأشار الهلالي إلى أن إجماع السابقين على أمر لا يلزم إلا من عاشوا وقت هذا الإجماع، مؤكدا أن هناك عشرات القضايا التي تغير الحكم فيها رغم أنها كانت من قبل محل إجماع.
ولأن البعض يعتقد ان ما طرحه الهلالي يتنافى مع كل ما يطرحه الأزهر وعلماؤه ويخالف كل الأدلة التي تؤكد فرضية الحجاب، ويطرح رؤية مغايرة لما استقر عليه إجماع العلماء والفقهاء منذ قرون، كان من الضروري تقديم رؤية الهلال ورؤية مغايرة لها وهي للدكتور علي جمعة مفتي مصر السابق. من خلال الحوار الذي قدمته جريدة اليوم السابع للعالمين على موقعها الالكتروني.
وحول رأي الدكتور علي جمعة فيما طرحه أستاذ الأزهر المتخصص في الفقه المقارن حول الحجاب، وما ساقه من تفسيرات يشير بعضها إلى عدم فرضية الحجاب، فكيف يتعامل البسطاء مع هذا الخلاف بين علماء الأزهر؟ قال: "سيدنا النبي، قدم لنا حلا لهذه المشكلة وقال: «اذا رأيتم خلافا فعليكم بالسواد الأعظم، ومن شذ شذ في النار».. أخرجه ابن ماجة، وهذا الحديث يبين لنا أنه عندما يكون هناك جماعة من العلماء في بلد معين أو زمن معين، وتفرد أحدهم برأي شاذ ليس له سند من القرآن أو السنة، واعترض عليه سائر العلماء فإن العوام يجب أن يتبعوا سائر العلماء وألا يتبعوا الرأي الشاذ، ولدينا جامعة الأزهر بها 7500 أستاذ، إضافة إلى هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، وعندما صدر هذا الشذوذ من واحد فقط نسميه في الفقه بالمفتي الماجن، وهو الذى يفتى بهواه ويعرض على الناس أمرا مخالفا للإجماع ولاتفاق الناس، ويأمرنا الشرع بعدم طاعة المفتي الماجن، ولما عرض هذا الأمر على مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء أصدروا بيانا حول ما أثاره هذا الرأي وبينوا كل المخالفات والشذوذ في هذا الرأي. 
وحول استشهاد سعد الهلالي بحديث سعد ابن أبى وقاص أن سيدنا عمر استأذن على رسول الله وعنده نسوة من قريش يسألن ويستفسرن عالية أصواتهن فلما سمعن صوت عمر قمن يبتدرن الحجاب، وبما يوحى بأن النسوة كن يجلسن مع الرسول دون ارتداء الحجاب. جاء رد الدكتور علي جمعة بأن "هذه التفسيرات ليست علمية، فالحجاب هنا المقصود به المكان الذى تحجب فيه المرأة، ولما جاء سيدنا عمر قمن يبتدرن الحجاب، أي يذهبن إلى مكان يحتجبن فيها، وهذا ليس له علاقة بالملابس، ولكنهن اتخذن ساترًا، فضحك النبي لأن النسوة يخفن عمر، وعندما غضب ابن الخطاب قائلا: «أتهبننى ولا تهبن رسول الله؟»، أجابته إحداهن بأنه «أغلظ»، حيث كان معروفا عن ابن الخطاب أنه شديد الغيرة على النساء، وهذا الأخ الذى ذكر الحديث قال: «نظر إليهن عمر؟» بالرغم من أن هذه عبارة لا توجد مطلقا في أي رواية، فالنساء لم يكن أمام عمر بالأصل حتى ينظر إليهن.
وحول استدل الدكتور سعد الهلالي برواية عن سيدنا عمر بأنه كان يضرب الإماء ويأمرهن بكشف الشعر، فما حقيقة هذه الرواية؟

حجاب المرأة .. الحائر
هذه الرواية غير صحيحة، فسيدنا عمر لم يأمر الإماء بكشف الرأس، ولكنه كان يأمرهن بكشف الوجه لتمييز الإماء عن الحرائر، حيث كانت الإماء أقل التزاما بسبب أمور الخدمة والتعامل مع الناس، فكان يريد التمييز بين الأمة والحرة بكشف الوجه وليس الشعر.  
وعما ساقه الدكتور سعد الهلالي من تشكيك في حديث أبى داود عن خالد بن دريك عن عائشة بأن الرسول رأى أسماء وعليها ثياب رقاق فقال لها: «يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يظهر منها إلا هذا وذاك، مشيرا إلى وجهه وكفيه»، وتأكيده أن هذا الحديث هو الذى يستند إليه كل من يقول بفرضية الحجاب، وأن أبا داود مات في 275 هجرية وخالد بن دريك لم يقابل السيدة عائشة وأن هذا الحديث مرسل؟
يقول الدكتور علي جمعة: "العلماء لم يستندوا إلى هذا الحديث فقط لتأكيد أن الحجاب فرض، ولكن استندوا إلى آيات سورة النور في قوله تعالى: «وليضربن بخمرهن على جيوبهن»، وفى سورة الأحزاب «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ»، وجاء هذا الحديث الذى حكم عليه بأنه صالح وأن سنده سليم، متوافقا مع آيات القرآن، لأنه ليس كل مرسل مرفوض، وجاء الإجماع على هذا الحديث وعلى وجوب الحجاب من السنة والشيعة والخلف والسلف، فآيات القرآن واضحة وصريحة كدليل على وجوب الحجاب، وجاء من بعده الحديث ومن بعدهما إجماع العلماء، وهذا دليل بعد دليل بعد دليل على أن الحجاب فرض.
وعن استناد الدكتور سعد الهلالي بتفسير أبى يوسف والذي يشير فيه إلى أنه أجاز للمرأة أن تظهر ذراعيها حتى المرفقين. يقول الدكتور علي جمعة: 
"هذا دليل على أن الحجاب فرض على المرأة، وجاء رأى أبى يوسف ليتحدث عما يحدث في السوق وأثناء تعاملات المرأة، حيث يمكن أن يظهر الجلباب جزءا من ذراعها حتى المرفقين وهى تمد يدها للشراء، دون قصد،  ولم يكن هناك «بادى» كالذي ترتديه النساء اليوم ولا يظهر ما قد يظهره الجلباب الواسع أثناء التعاملات من يد المرأة، وللأسف فتفسير ذلك بأنه يبيح للمرأة ارتداء ملابس تظهر ذراعها تغييرا للأحكام الشرعية من أجل الهوى ودون سند.
وعن تحديد آيات القرآن لأوصاف الحجاب يقول الدكتور على جمعة: "آيات القرآن حددت أوصاف الحجاب، فهو خمار يغطى الرأس ويضرب على الجيب، أي الصدر، وثياب تستر العورة، على ألا تكشف أو تشف أو تصف الجسد.
وحول تفسير الهلالي  لعبارة «ما ظهر منها» في قوله تعالى «ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها» وقوله بأنها عبارة مبهمة ويجب أن تضاف إليها كلمة بشرية حتى يسهل تفسير الآية، وأن الفقهاء أضافوا ثلاث كلمات كل منها يوحى بتفسير، وهذه الكلمات هي «ضرورة، حاجة، عرفا»؟ يرد الدكتور علي جمعة "هذا من عقله هو، والآيات صريحة وليست مبهمة، واستقر الإجماع على وجوب الحجاب، وكل المسلمون متفقون على أنه فرض ولم يثر هذا الجدل في القرون الماضية والحاضرة ولم يقل به عالم أو مجتهد كما لم يختلف الإجماع على حكم حرمة الزنا وشرب الخمر، لأن هناك نصا قرآنيا من عند الله، ومعه تفسيره باتفاق المسلمين، وهناك الكثير من الفرائض التي عرفناها من خلال إجماع العلماء، ومنها كيفية الصلاة، وأن الوضوء يكون قبلها وليس بعدها، وعدد الركعات في كل صلاة.
وحول ما طرحه الدكتور سعد الهلالي وانه يؤكد أن الإجماع أمر بشرى يتناسب مع وقته وظروف مجتمعه واستشهد بعدد من الأمور التي أكد أن الإجماع فيها تغير من زمن لزمن ومنها حكم ختان الإناث؟
يقول الدكتور علي جمعة "هذا كذب وتهويش، فلم يكن هناك إجماع على حكم الختان، لذلك نجد أن دولا إسلامية ليس لديها ختان، ولم يقم بالختان سوى المصريين والسودانيين.
ويؤكد الهلالي: ان الإجماع أمر بشرى يمكن مخالفته.. وعشرات القضايا التي كان عليها إجماع تغيرت فيها الأحكام بحكم الزمن والظروف والقوانين 
حجاب المرأة .. الحائر
ن ناحية أخرى تحدثنا مع الدكتور سعد الهلالى، أستاذ الفقه المقارن، حول ما أثاره من تفسيرات وما طرحه من رؤى، وردود الدكتور على جمعة عليها وعلى مسألة خروجه عن الإجماع.
وفي رد الدكتور الهلالي على ما اثاره الدكتور علي جمعة قال: "مع احترامي للدكتور على جمعة ولكنه ليس ربنا، فكل منا يطرح الآيات والنصوص، وعلى الناس أن تفهم وتترجم وتختار منها ما يناسبها، فآيات القرآن التي تحدثت عن زي المرأة ورد فيها الأمر الإلهي للرسول عليه الصلاة والسلام بقول الله تعالى «قل» في الآيات «قل للمؤمنات» و «قل لأزواجك وبناتك ونساء المسلمين»، ولم يقل له ترجم أو فسر، فهو يبلغ رسالة وكلام ربه، ووظيفة على جمعة ووظيفتي أن نبين أن الله كلف الرسول ليقول، والمفتي لا يترجم ولا يفسر، ولكن يبلغ بالقول فقط، ولو كنا أمناء نبلغ رسالة ربنا للستات ولا نحرفها وللستات أن يختاروا ويفهموا، وأن تأخذ المرأة من النصوص ما يناسب فهمها وحاجتها وضرورتها لأنها هي فقط التي تحدد هذه الضرورة.
وحول ذكر المفتي السابق ان الهلالي أورد في حديث سعد بن أبى وقاص الذى روى فيه أن سيدنا عمر استأذن على رسول الله وعنده نسوة يسألن ويستفسرن، عبارة لم ترد في أي من الروايات وهى أن سيدنا عمر «نظر إليهن» مؤكدا أن معنى «قمن يبتدرن الحجاب» الواردة في الحديث تعنى أنهن قمن ليتخذن ساترا، ولا تعنى أنهن لم يكن يرتدين الحجاب في حضرة رسول الله، وأن النسوة لم يكن أمام سيدنا عمر من الأساس ولكنهن اتخذن مكانا آخر خشية منه؟ قال الهلالي: من السهل الوصول للنصوص والروايات والتأكد من وجود هذه العبارة أو عدم وجودها، ولكن الأصعب هو تفسير «قمن يبتدرن الحجاب»، فهل تعنى الحجاب أي الملبس أم المكان والساتر، وما يطرحه الدكتور على جمعة من تفسير بأنه مكان أو ساتر وحاجز احتمال، وما طرحته أنا أيضا احتمال، واحتماله لا يلغى احتمالي وعلينا أن ننقل النص للمتلقي ويختار بين الاحتمالين.
وحول الأمور المتفق عليها بالإجماع والتي لا تجوز مخالفتها كما أكد الدكتور على جمعة مستشهدا بحديث «إذا رأيتم خلافا فعليكم بالسواد الأعظم، ومن شذ شذ في النار» قال الهلالي: "هذا الحديث ضعيف، والإجماع يجب أن تكون هناك صفة تجمع من يجتمعون عليه، فإذا حضرتم اجتماعا في مؤسسة فإن ما يصدر عن هذا الاجتماع يكون ملزما لمن حضروه وليس للأجيال القادمة، فالإجماع بشرى ويلزم من حضروا وقته وظروفه، فمثلا الإجماع الذى كان متفقا عليه في عهد الدولتين العثمانية والعباسية، لا نلتزم به اليوم، والقوانين التي اتخذت بناء على هذا الإجماع ليست ملزمة لنا، ومنها إذا وجدت أثارا في أرضك أو ملكك، فكانت هذه الآثار طبقا للإجماع وقتها من حقك، أما الآن فإذا عثر شخص على آثار فى ملكه فإنها تكون ملكا للدولة، ومن الأمور التي تركنا إجماع العلماء فيها أيضا مسألة غنائم الحروب التي كان الاجماع فيها أنها تؤول للفاتحين، والآن تكون ملكا للدولة، ومنها أيضا أن شهادة المرأة تساوى شهادة الرجل وهو ما يخالف ما كان عليه الإجماع سابقا، وتعيين مسيحيين بالقضاء، وهو أمر خالفنا فيه ما كان من إجماع الفقهاء، ولو سألنا كل الفقهاء الحاليين سيقولون إنه لا يجوز تولى غير المسلمين القضاء بحكم الإجماع.
أذكر أن الدكتور على جمعة نفسه عندما كان مفتيا عقدت دار الإفتاء المصرية مؤتمرا عام 2008 عن الختان أصدر حكما بتحريم الختان لم يكن موجودا من قبل في أي من أقوال الفقهاء، وخرج عن كل الإجماع الوارد عن الختان، حيث كان حكم الختان يتراوح بين السنة والمكرمة ولم يقل أحد من قبل بتحريمه في أي رأى فقهى، وعلى الشيخ أن يراجع نفسه وسيجد أن الإجماع تمت مخالفته في أمور كثيرة، وعلينا أن نترك الناس تفهم الكتاب والسنة طبقا لفهمهم، لأن الكتاب والسنة حمالان أوجه، أما الإجماع فهو أحادي الوجه.
وبعد الطرح والتفسيرات التي قدمها الدكتور سعد الهلالي، والتي أثارت جدلا حول الحجاب، أصدر مجمع البحوث الإسلامية بيانا حَذَّر فيه من الفتاوى الشاذة والمضللة، وجاء نص البيان: «يحذر مجمع البحوث الإسلامية جماهير الأمَّة، والمسؤولين والمعنيِّين، بأن الإسلام والأزهر يتعرضان هذه الأيام لحملة شرسة مُغرضَة، تُشارِك فيها انتماءات مختلفة؛ بين عالِمٍ يلتوى بعِلْمِه ويجتزئ بعض الآراء الفقهية والفتاوى المُضَلِّلَة التي تُسقِطُ الواجبات الشرعية، كإنكار الأَمْرِ بالحِجَاب الذى أجمعت عليه الأمة قديما وحديثا، أو تحلُّ الحرامَ كالمسكرات، وبين مسخَّرٍ أو مُغرَّرٍ يفتعلُ التَّطاوُل على الإسلام بغير حقٍّ، وبغير علم، أو مُضَلِّلٍ للنَّاس يكتفى بالقراءة السطحية، ويُهمِلُ عن جهل أو عن عمد بيان الحقائق الشرعية المتعلقة بالمسألة التي يتحدث فيها، الأمر الذى يُشيعُ الاضطرابَ في أذهان العامة، ويُشكك الناس في ثوابت دينهم». 
وناشد المجمع في بيانه جماهير الأمة بأن يلتزموا بما أجمع عليه علماء الأمة، وأن يحذروا الآراء الشاذة التي تعرض وكأنها من الآراء المعتمدة من العلماء، ووصف هذه الآراء بالفاسدة والمردودة بالأدلة والحجج الشرعية الواضحة، كى لا تقع جماهير الأمة فى الحيرة والتخبط والالتباس والتضليل.
 كما أكد البيان على دور الأزهر الشريف في حفظ صحيح الإسلام وتنقيته ممَّا يُلصَق به من شوائب، عبر العصور المختلفة.

شارك