محاولات اعلامية لرصد تداعيات مفاجأة سيطرة ترامب على المشهد الدولى
السبت 12/نوفمبر/2016 - 10:18 م
طباعة

زلزال فوز المرشح الأمريكي دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الامريكية لا يزال حديث الساعة، وتزداد التقارير والتحليلات لمعرفة تداعيات ظهور ترامب المفاجيء على المستوى العالمى، وما يمكن أن تقدمه الادارة الأمريكية لقضايا الشرق الأوسط، فى ضوء الاهتمام المتزايد بهيلاري كلينتون طوال الأشهر السابقة، وتوقع وصولها بسهولة للبيا الأبيض حتى خيب ترامب كل التوقعات.

وكانت وسائل الإعلام الكبرى في الولايات المتحدة تتوقع أن هيلاري كلينتون أول رئيسة لأمريكا، أما دونالد ترامب كرئيس، فكان أمرا غير وارد إطلاقا، فهو الشخص الذي تميز في الحملة الانتخابية بمواقفه العنصرية والمعادية للمرأة، فى الوقت الذى دعمت فيه أكبر الصحف الأمريكية، مثل صحيفة "نيويورك تايمز" بشكل علني المرشحة كلينتون ودعت قراءها إلى انتخابها، وكذلك مجلة "أتلانتيك" المرموقة والمعروفة برصانتها، إلا أن أغلبية الناخبين الأمريكيين اتخذوا قرارا مغايرا تماما لآراء وتوجهات وسائل الإعلام الرئيسية، وانتخبوا ترامب رئيسا جديدا للبلاد.
من جانبه قال ديسلدورف، غجيرهارد فوفه أستاذ علوم وسائل الإعلام والاتصال في جامعة هاينريش هاينه "شكل فوز دونالد ترامب في الانتخابات مفاجأة كبيرة إلى درجة غير معقولة، لأننا اعتمدنا في تكوين تصوراتنا عن الانتخابات الأمريكية على آراء وسائل الإعلام والتي كانت تشير إلى أن المنافسة ستكون محتدمة ولكن احتمالات فوز كلينتون كانت أقرب إلى التوقع".
أوضح فوفه أن معاهد استطلاع الرأي واجهت مشاكل معقدة في ما يخص تفسير واقعي ومقبول لنتائج الاستطلاعات التي أجرتها، حيث أخفقت معاهد استطلاع الرأي بشكل خاص في تقدير سليم لمدى قدرة ترامب في حشد آخر الناخبين في معسكره وهو أمر ممكن في الولايات المتحدة على خلفية النظام الانتخابي المعمول به في البلاد، كما أخفقت المعاهد أيضا في تقدير قوة تأثير ترامب على الناخبين خارج معسكره والمستاءين من السياسة والسياسيين عموما، فاستنتاجات وتصورات معاهد استطلاع الرأي لم تكن سليمة وبعيدة عن الواقع، هذه الأسباب جعلت هامش الخطأ في تلك التقديرات والاستنتاجات كبيرا على نطاق واسع.
شدد فوفه على أن الفصل بين عالمي التواصل يشكل مشكلة خاصة بالصحفيين. ويضيف فوفه أن صناع الإعلام كانوا يسمعون فقط صدى أصواتهم ولم يستمعوا إلى أصوات الذين يشعرون بالغبن والعالقين أو الذين يشعرون بأنهم يتم سوء فهم أوضاعهم.
يأتى ذلك فى الوقت الذى يري فيه مراقبون أن وسائل الإعلام الرئيسية اعتمدت بشكل أساسي على آراء مؤسسات استطلاع الرأي والتي أخفقت كليا في تقدير قوة تأثير ترامب على الناخبين.
يذكر أن هذه العوامل ساهمت أيضا في سوء تقدير نتائج الاستفتاء البريطاني بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي "البريكسيت".

ويري باحثون أن سوء تقدير وسائل الإعلام لنتائج الانتخابات وعدم أخذ المرشح الجمهوري ترامب على محمل الجد كمرشح قوي ومؤثر لا يمكن تبريره بسوء تفسير معطيات معاهد أبحاث استطلاعات الرأي وعدم دقة نتائج عملها، بل هناك سبب مهم في هذا السياق يتعلق بموقف ليبرالي راسخ لدى وسائل الإعلام الكبيرة والمؤثرة في المجتمع، وهو الموقف الليبرالي المشترك بين نخبة الإعلام والنخبة السياسية والذي يستند إلى مجموعة قيم مشتركة لا يعكس مواقف كل المجتمع الأمريكي.
وفى سياق متصل قال الألماني أوفه كروجير أن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية أظهرت أن وسائل الإعلام الكبرى في الولايات المتحدة فقدت الصلة والتواصل مع سكان البلاد، كما يقول الباحث الأكاديمي فوفه. ويضيف "الصحفيون يعيشون في أجواء فترة انتقائية"، أو يعيشون في "فقاعة انتقائية"، مع الاشارة إلى أن الصحفيين في المراكز الإعلامية جغرافيا بعيدا عن القسم الأكبر من الناس ومنقطعين عنهم، كما أن الصحفيين محاطين دوما بسياسيين وأكاديميين يحملون نفس أفكارهم وتصوراتهم عن المجتمع ويتميزون بالمهنية والعقلانية وتربطهم لغة تواصل مشتركة.
وتم الاشارة إلى انه لم يدرك الإعلاميون بشكل كاف أن قرار انتخاب شخص ما يحمل بين طياته لغة التواصل السياسي،ولم يتعلق الأمر بالنسبة للصحفيين في هذا الشأن بالمحتوى الفعلي للعمل الإعلامي ولا بكشف الحقائق كما هي، بل تعلق الأمر بتمنياتهم وتصوراتهم المفضلة.

ياتى ذلك فى الوقت الذى يحتفل فيه أنصار ترامب بفوز مرشحهم معتبرين فوزه بمثابة نصر كبير لمهمش على النخبة السياسية، إنه سيناريو يصب في مصلحة الشعوبيين في ألمانيا وأوروبا الذين يسعون إلى توظيف فوز ترامب لفائدتهم.
بينما شدد الباحث في العلوم السياسية هايو فونكه على وجود خطوط متوازية بين "ظاهرة ترامب في الولايات المتحدة والصعود السريع للحزب الشعبوي اليميني الألماني "حزب البديل من أجل ألمانيا"، على الأقل فيما يخص الخطاب العاطفي، معتبرا أن الرأي السائد في ألمانيا فيما يخص التعامل مع الحزب الشعبوي يتمثل في تجاهل تام لهذا الحزب والتعتيم عليه إعلاميا ودفعه بذلك إلى هامش المجتمع، لكنه يضيف أن قلة نشر المعلومات لا يجوز للصحفيين بعد اليوم وذلك نظرا لما تمخض عنه ملف البريكسيت وفوز ترامب والانتصارات العديدة التي حققها حزب البديل الألماني، متوقعا أن يقوم الصحفيون بتوضيح مواقف شرائح المجمتع وما يقلقهم من مشاكل بشكل واقعي وموضوعي ودون انتقائية، فكن الصحفيين اليوم وفي ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي لا يملكون اليوم إمكانية كافية لتقدير حجم وأهمية الظواهر الهامشية أو الحركات الاجتماعية الواسعة في المجتمع.
في هذا السياق يقول الباحث فوفه، صحيح أن الصحف الكبرى تخصص صفحات واسعة لآراء القراء وتنشر رسائلهم، لكن الإعلاميين لا يستطيعون تقدير ما إذا كانت هذه الآراء واسعة الانتشار في المجتمع أم لا.
بينما طالب الكاتب الصحفي الالمنى الشهير أوفه كروجير الصحافيين بالابتعاد عن نقل تصورات وصور ونشاط النخبة السياسية، ويضرب مثال الصحفية ومقدمة برنامج "مورغن ماغازين" في القناة الألمانية الثانية "زت. أف.دي" دنيا الحيالي، وهي من أصل عراقي، كنموذج إيجابي لصحافة واقعية والتي تلقت الكثير من رسائل الكراهية وتعليقات بذيئة. لكنها رغم ذلك نقلت أخبار مظاهرة لأنصار حزب البديل الشعبوي المعادي للمهاجرين وتواصلت بشكل مستمر مع مشاهدي القناة التلفزيونية ومع من ينتقدها باستمرار.
كما طالب صناع الإعلام بتناول المزيد من المواضيع المهمة بعيدا عن المؤتمرات الصحفية للنخبة السياسية وبعيدا عما تنشره وكالات الأنباء، وتسليط الضوء على المواضيع الخارجة عن نسق الرأي السياسي السائد في المجتمع.