"نيويورك تايمز" تبحث سبل عودة المُهَجَّرين إلى "الموصل"
الإثنين 14/نوفمبر/2016 - 12:42 م
طباعة

ظن كثيرون أنه بمجرد بدء تحرير قرى الموصل من "داعش" سوف يعود المهجرون من المدينة التاريخية الرائعة إلى بيوتهم، متجاهلين آثار الخوف والرعب التي تمكنت من القلوب نيويورك تايمز نزلت إلى الواقع، ونشرت تحقيقًا مهمًّا كشفت فيه آثار التنظيم المتوحش حتى بعد هزيمته، وجاء في التحقيق:
قبل أكثر من عامين هرب المزارع المسيحي موسى زكريا، من قريته قرب الموصل، تاركًا بيته وسيارته وأطنانًا من القمح في مزرعته. اليوم وبعد أن حررت القوات العراقية قريته فإنه لا يشعر بالفرح، وإنما بالخوف مما ينتظره إذا حاول العودة. ويتحدث موسى بحزن عن التنوّع، الذي لم يعد موجودًا الآن، حيث يقول "في السابق كان المسلمون والمسيحيون كالأخوة"يقول مصعب جمعة، المواطن الشيعي الذي كان يعيش في الموصل، أنه لن يعود إليها بعد أن سكن مدينة النجف ويدير فيها مطعمًا صغيرًا. كما انتقل الإيزيديون والكرد والشبك والأقليات الأخرى التي كانت تشكّل أجزاءً حيوية من النسيج البشري للموصل، وكذلك يقول العرب السنّة من أهالي الموصل أنهم لن يعودوا إليها مرة أخرى.وقبل احتلال مجموعة داعش للموصل، كانت المدينة أكثر مدن العراق تنوعًا. حضارتها التي تمتد إلى العصر الآشوري وشهرتها بالتسامح والتعايش المختلط جعلتها رمزًا حيويًا يمكن أن يُلهم العراق ليكون بلدًا موحدًا.الآن وبينما يراقب نازحو المدينة معركة تحرير مدينتهم، فإن الشيء الوحيد المشترك بينهم هو اعتقادهم بأن التاريخ الخاص الذي تشاركوا فيه يومًا ما لن يعود أبدًا. ونشأ هذا الاعتقاد بعد الاجتياح الأمريكي عام 2003 عندما شعر المسيحيون بالتهديد وهربوا من المدينة، بينما راح العرب والكرد يتقاتلون حول عداوات قديمة!يقول جعفر خليل، الذي هرب من المدينة في 2014 بعد سيطرة داعش عليها، "لغاية 2013 كان المجتمع الموصلي يمارس تعايشًا سلميًا، لكن الأمور تغيرت بعد ذلك؛ فلم تعد هناك ثقةً بين مكوناته. هذا ما خلّفه الاحتلال الأمريكي".في السابق كان هناك عقد اجتماعي بين الأقليات ساعد في تحقيق الأمن. يقول صباح سالم داود، وهو مسيحي من الموصل، "على مدى أجيال كانت الحياة طبيعية في الموصل، لم يكن أحد يسأل عن الديانة أو الطائفة". لكن اليوم يبدو أن هناك تفككًا اجتماعيًا دائمًا.يقول عمر أحمد، من أهالي الموصل والذي كان موظفاً في وزارة الصحة، "لا يستطيع المرء أن يصف ما يفتقده بالكلمات. لكن مجرد النظر إلى إحدى الكنائس المدمرة في برطلة يكشف مدى ما يفتقده المرء".ولقبّت الموصل بأم الربيعين لأن مناخها في الخريف والربيع لا يختلف، وهي شهادة على روعة العيش فيها. ومنذ 1969 كان مهرجان الربيع يقام فيها كل عام حيث كانت الرقصات الشعبية تضيف البهجة للمكان. وتشتهر المدينة بإرثها الحضاري من بقايا الإمبراطوريات، فهناك الكنائس القديمة والأديرة والقبور والأضرحة ومتحف الآثار المهم ليس فقط للعراق وإنما للشرق الأوسط عمومًا، كلها تقريبًا تم تدميرها أو تشويهها على يد مجموعة داعش.وتقول الباحثة رشا العقيدي، من أهالي الموصل تعمل حالياً في مركز دراسات المسبار في دبي، ان "إعادة اللحمة الاجتماعية ستستغرق وقتاً طويلاً. وأعتقد أن كل مكونات المدينة سيعيشون بعيدين عن بعضهم".
تستذكر رشا عندما كانت طفلة، كان الصف يضم مسيحيين وكرد وأيزيديين وشيعة وسنّة، حيث كان الطلاب يتكلمون أربع أو خمس لغات إضافةً إلى ثلاث ديانات وطائفتين إسلامية. تقول "ذلك التنوع لم نكن نجده في مكان آخر. عندما كنت أسير إلى المدرسة كنت أمرّ بتمثال الثور المجنّح على جدران المدينة القديمة. كلها دمرّتها مجموعة داعش".الأكثر ألمًا أن ترى أصدقاء الأمس يتحولون إلى أعداء. لم يكن أمام محمد سعيد، شيعي من الموصل، سوى المغادرة أو التعرّض للقتل فاختار الانتقال للعيش في مدينة النجف. يقول "دمرّت داعش طفولتي وذكرياتي، وحوّلت بعض أصدقاء طفولتي إلى إرهابيين قتلة".
إن مهمة إعادة العراق موحّدًا معقدة جدًا. يقول فلاح مصطفى، رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كوردستان، خلال مناقشة مستقبل الموصل في أربيل "المشكلة الكبرى في العراق هي التعامل مع الخوف، فمن المؤلم جدًا أن يخونك جارك".